عاش الخليل بن أحمد الفراهيدي في البصرة وهي بيئة مليئة بالمذاهب والأهواء قال صاحب تهذيب التهذيب : كان أهل البصرة يعني أهل العربية منهم أصحاب أهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب والأصمعي. ورجل مثل الخليل ينتمي إلي قبيلة كبيرة لها ماضيها وحاضرها ولها مكانتها الاجتماعية والسياسية ليس من اليسير أن نزعم أنه كان بعيدا عن هذا الصراع المذهبي أو السياسي . نشأ الخليل إباضيا بحكم ما فطن له من هوي عشيرته ثم استمع وهو صبي إلي وعظ أيوب السختياني فعدل عن مذهب الخوارج واعتنق مذهب أستاذه ، وكان أستاذه من أصحاب السنة المحدثين. وكان الخليل من أصحاب الكلام كما يفهم من قول الجاحظ: ( إن كبار المتكلمين ورؤساء النظارين كانوا فوق أكثر الخطباء وأبلغ كثير من البلغاء وهم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء ...الخ"). وكما وضع الخليل بن أحمد لأوزان الشعر ألقابا لم تكن تتعارف تلك الاعاريض بتلك الألقاب وتلك الأوزان بتلك الأسماء وكما ذكر الطويل والبسيط والمديد والوافر والكامل وأشباه ذلك". ولقد كان الخليل من أهل الدين والورع والزهد وكان النضر بن شميل يقول: (ما رأيت رجلا أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد). تتلمذ الخليل بن احمد علي يد أيوب السختياني تلقي عنه الحديث والفقه وكان السختياني فقيها من فقهاء البصرة ومحدثا من محدثيها وكان الحسن البصري يقول : أيوب سيد شباب أهل البصرة . وكان الخليل حريصا علي التزود من العلم من ينابيعه المختلفة لا يحجم عن طلبه ولا يقف بينه وبين الاستفادة حائل وكان لا يأنف أن يستفيد ممن هو أقل علما وتجربة وكان لا يعرف معني للتكبر في العلم وكان يقول : من استغني بما عنده جهل ، ومن ضم إلي علمه علم غيره كان من الموصوفين بنعت الربانيين ، أما أساتذته الآخرون فأثارهم فيه غير واضحة ومن هؤلاء : عيسي بن عمر الثقفي المقري النحوي ، وأبو عمرو بن العلاء وكان إذ ذاك شيخا من شيوخ القراءة العربية . لقد جمع الخليل اللغة عن طريق الرواية والسماع من زعماء العرب الوافدين وإذا ما انتهي الخليل من تذوق الحروف والوقوف علي خصائصها وطباعها وما يتألف منه الكلام وما لا يتألف انتقل إلي الخطوة التالية وهي البناء العام للكلمة العربية ولم تتهيأ له دراسة البناء العام قبل أن ينتهي من دراسة الحروف علي النحو المذكور ، وقد مر بنا أن استظهرنا أن الخليل كان ينظر إلي اللغة علي أنها ظاهرة اجتماعية فلا بد أن تخضع لما تخضع له الظواهر الاجتماعية الأخري ولابد أن يدرسها دراسة علمية طبيعية قائمة علي الاستقراء والتجربة . وقد تتبع الخليل كلام العرب في مكانه فكان يخرج إلي المربد يسمع من الأعاريب الوافدين إليه وكان ينتقل في البوادي العربية خلال حجاته وكان الكسائي قد سأله وقد بهره منه علمه الجم واطلاعه الواسع. لقد استطاع الخليل أن يحصر الأصوات العربية وأن يميز بين ما عربي خالص وما هو مشترك بين العرب وغيرهم . وكان الخليل قد التفت إلي أثر الاستعمال في اللغة وعرف أن العرب كانوا يميلون إلي التخفيف من كل ما يثقل علي ألسنتهم خصوصا إذا كان كثير الدوران في الكلام والتفت إلي إن أخف التراكيب عند العرب ما كان مؤلفا من ثلاثة أصوات فإذا زاد علي الثلاثة ثقل علي ألسنتهم ولذلك كانت الكلمات التي تزيد أصولها علي ثلاثة أقل من الثلاثينات وكانت الخمسينات أقل التراكيب جميعا.