تبين لنا فيما بعد أن أحد كبار رجال الصحافة المصرية المقربين جدًا إلي الرئيس عبدالناصر كان وراء تسريب الخبر إلي سعيد فريحة وسليم اللوزي من قلب إسرائيل كان عنوان أخطر حملة صحفية وسياسية نشرتها روزاليوسف وصباح الخير للكاتب الصحفي الأستاذ إبراهيم عزت في مايو ويونيو 1956!! وبعد عام بالضبط صدرت في كتاب مهم ومثير عنوانه كنت في إسرائيل ضم هذه الحلقات وما لم ينشره وقتها! ونفي إحسان عبدالقدوس وقتها وكان رئيسًا لتحرير روزاليوسف في مقالة لا صلح مع إسرائيل أن تكون هذه التحقيقات الصحفية بمثابة خطوة للتقريب بين العرب وإسرائيل!! لقد حاولت عشرات المرات مع الراحل الكبير إبراهيم عزت أن أجعله يفتح قلبه ويتكلم لكنه كان يعتذر، حتي فوجئت في نوفمبر 1983 بالأستاذ إبراهيم عزت ينشر رسالة مهمة وخطيرة علي صفحات مجلة المجلة التي كانت تصدر في لندن ردًا علي حوار مطول مع الدكتور وليام بولك المبعوث الأمريكي إلي مصر بتكليف من د. هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي واعترف بولك - الذي تقابل مع عبدالناصر عدة مرات - بأن الرئيس عبدالناصر كان علي وشك توقيع مسودة اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1969(!!) كتب إبراهيم عزت في رسالته أو شهادته البالغة الأهمية يقول ما يلي: كنت شخصيًا في إبريل ومايو عام 1956 مكلفًا بالاتصال بالإسرائيليين بطلب من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن طريق مدير المخابرات السابق صلاح نصر وتم هذا الاتصال في لندن عن طريق القائم بالأعمال الإسرائيلي وبعض الأصدقاء الأمريكيين والقائم بالأعمال الإسرائيلي يعمل حاليًا مديرًا لجامعة حيفا، وعن هذا الطريق وُجهت إلي دعوة لزيارة إسرائيل لمقابلة موشي شاريت الذي كان وزيرًا للخارجية مع بن جوريون الذي كان رئيسًا للوزراء، وقد وافقت القاهرة علي سفري إلي إسرائيل بتعليمات من الرئيس الراحل عبدالناصر، وأبلغت ذلك في باريس عن طريق الدكتور ثروت عكاشة الذي كان ملحقًا عسكريًا في السفارة المصرية والمسئول عن كل الأجهزة في أوروبا، وتم ذلك بعلم الأخ صلاح دسوقي الذي كان مسئولاً في وزارة الداخلية المصرية. في إسرائيل تلقيت عن طريق تيدي كوليك عمدة القدس حاليًا - أي 1983 - وكان مديرًا لمكتب بن جوريون رسالة خاصة من بن جوريون إلي الرئيس عبدالناصر يعرب فيها رئيس وزراء إسرائيل عن استعداده للحضور إلي القاهرة، أو أي مكان لمقابلة الرئيس الراحل عبدالناصر كما تلقيت رسائل مشابهة من شاريت وجولدا مائير التي كانت آنذاك ترأس الهستدروت والتي دعتني أكثر من مرة إلي منزلها! عند عودتي للقاهرة اجتمعت بالدكتور عبدالقادر حاتم الذي تسلم مني كل ما حملته معي من إسرائيل، طلب مني الاستعداد للعودة إلي إسرائيل عن طريق قبرص حاملاً معي ردودًا علي رسائل بن جوريون وشاريت وجولدا مائير، كما تحدد أن تتم الاجتماعات في سرية تامة في سيناء مرة وفي النقب مرة أخري وكان محددًا لي السفر في بحر أسبوع! فجأة تسرب نبأ زيارتي لإسرائيل إلي بعض الصحفيين اللبنانيين وخاصة المرحومين سعيد فريحة وسليم اللوزي اللذين أذاعا نبأ الزيارة مما أثار غضب الرئيس عبدالناصر الشديد، وألغيت العودة إلي إسرائيل، وقد تبين لنا فيما بعد أن أحد كبار رجال الصحافة المصرية المقربين جدًا إلي الرئيس عبدالناصر، كان وراء تسريب الخبر إلي سعيد فريحة وسليم اللوزي، وتم هذا أيضًا بعد اتصال هذا الصحفي الكبير المقرب جدًا مع أصدقاء له في سفارة دولة غربية كبيرة جدًا في القاهرة كان علي اتصال دائم معها، مما يدل علي عدم رغبة هذه الدولة الكبيرة أن تتم أي اتصالات بين مصر وإسرائيل إلا عن طريقها هي وحدها لأسباب أصبحت معروفة الآن وبعد مرور أكثر من 27 عامًا! ثم يضيف إبراهيم عزت: وقد اجتمعت بالمرحوم الرئيس عبدالناصر في منزله بمنشية البكري أكثر من ست ساعات وأكلت معه شطائر الجبنة البيضاء والفول المدمس المصري، وكانت أمامه كل الصور التي التقطتها أثناء الأحد عشر يومًا التي قضيتها في إسرائيل، وكان يسألني بدقة عن موضوعات معينة وعن آرائي في بعض الشخصيات التي قابلتها في إسرائيل، وكان يهتم اهتمامًا خاصًا بمعاوني بن جوريون وخاصة تيدي كوليك واسحق نافون رئيس إسرائيل السابق الذي كان مسئولاً عن الشئون العربية في مكتب بن جوريون، وكذلك موشي شاريت وبيريز الذي كان يتولي منصب مدير وزارة الدفاع الإسرائيلية وقتها، وكان عبدالناصر علي علم بما يحدث في إسرائيل، وكان مهتمًا جدًا بآرائي حول مدي جدية هؤلاء الذين رغبوا في الاجتماع به، وسئلت عما إذا كنت علي استعداد بعد أن تهدأ الضجة للذهاب إلي إسرائيل حاملاً معي رسالة إلي بن جوريون، ولكن الأحداث تسابقت وفضل بن جوريون ركوب القطار البريطاني الفرنسي للعدوان علي مصر في أكتوبر 1956 بأمل أن يضم سيناء نهائيًا إلي إسرائيل. وأخيرًا يختتم إبراهيم عزت رسالته الوثيقة بقوله: أكتب هذا للتاريخ، وهو ما لم أنشره سابقًا في الكتابين اللذين نشرتهما باللغة العربية وباللغة الإنجليزية بعد أعوام من زيارتي لإسرائيل، وأضيف أن الأخ محمود رياض وقبله المرحوم الدكتور محمود فوزي لم يكونا علي علم بما حدث بالنسبة إلي هذه الزيارة، كما أنني أعلم يقينًا أن الدكتور حسن صبري الخولي لم يبلغ إياهما أو أي وزير آخر في حكومات عبدالناصر بالاتصالات مع إسرائيل. انتهت شهادة إبراهيم عزت المثيرة، لكن هل ترك الرجل أوراقًا أخري لم تنشر؟! ربما كانت الأستاذة العزيزة الكاتبة الكبيرة مديحة عزت شقيقته - أطال الله عمرها - تملك الإجابة!