تنسيق الجامعات 2025.. أماكن شاغرة لطلاب المرحلة الثانية في كليات "الطب البيطري والتمريض والعلوم"    الانتهاء من تجهيز جميع المقار الانتخابية بمدينة الزينية استعدادا لانتخابات مجلس الشيوخ    كل ما تريد معرفته عن مبادرة «مدرستك في مصر» التي أطلقتها الخارجية والتعليم    البابا تواضروس يختتم ملتقى لوجوس الخامس بمشاركة شباب الأقباط من 44 دولة    ننشر أبرز أنشطة وفعاليات جامعة أسيوط خلال الأسبوع الماضي    وزير الري يحذر باتخاذ الإجراءات القانونية بشأن الآبار الجوفية المخالفة    شركة ضمان المخاطر: توفير ضمانة ب 250 مليون جنيه لتمويل جمعية "المبادرة"    وزارة الخارجية والهيئة العامة للرقابة المالية توقعان بروتوكول تعاون في إطار مبادرة «تأمينك في مصر»    اعتماد تخطيط وتقسيم 6 قطع أراضي لإقامة مشروعات عمرانية بالسادس من أكتوبر    بدء تداول أسهم الوطنية للطباعة الثلاثاء المقبل    سلامة الغذاء: فحص 502 طلب تظلم وارد من الموانئ المصرية في أسبوع    مكتب نتنياهو يعلق على اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى    السلطات السورية تتهم مجموعات مسلحة في السويداء بخرق اتفاق وقف إطلاق النار    وزير الإعلام الأردني الأسبق: مصر والأردن خط الدفاع الأول عن فلسطين    ارتفاع عدد شهداء مجازر الاحتلال ضد منتظري المساعدات في غزة    رغم إعلان رحيله.. سون يقود تشكيل توتنهام ضد نيوكاسل يونايتد وديًا    قائمة منتخب مصر للشباب لمواجهة الأهلي الودية    الآلاف يؤدون صلاة الجنازة على محمد أبو النجا "بونجا" بالإسماعيلية.. فيديو وصور    سواريز يقود إنتر ميامي للفوز أمام نيكاكسا في كأس الدوريات    "قضية الفيديوهات الخادشة".. قرار قضائي بشأن البلوجر هدير عبد الرازق    4 نعوش في جنازة واحدة.. سوهاج تشيع جثامين ضحايا دهس قطار الصعيد- صور    انتشال جثمان طفل غريق بمنطقة المكس غربي الإسكندرية    أصالة عن زوجها فائق حسن: "بيعدل في الشغل لكن مش هيقدر يعدل بين امرأتين"    عروض فرقة الأنفوشي وأطفال أوبرا عربي تشعل "صيف بلدنا" بدمياط الجديدة    راغب علامة يؤكد احترامه لقرارات النقابة.. ومصطفى كامل يرد: كل الحب والتقدير    الأسبوع المقبل.. انطلاق صالون ماسبيرو الثقافي من استديو أحمد زويل    27.2 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 18 يومًا؟    محافظ الإسكندرية: استمرار تكثيف القوافل الطبية المجانية بنطاق الأحياء    يخفض الكوليسترول ويضبط السكر.. فوائد مذهلة لماء الشعير    المثقف العربى |بين التورط الطائفى وغياب الموقف    "روكي الغلابة" يعتلي شباك التذاكر ب13 مليون جنيه في 4 أيام فقط    65 لجنة .. انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الإعدادية بأسيوط    محافظ أسيوط: براعم المصارعة يحصدون 6 ميداليات في بطولة الجمهورية    الأطباء البيطريين توضح موقفها من عمومية المهن الطبية وتدعو للوحدة والإصلاح    الخارجية والهيئة العامة للرقابة المالية توقعان بروتوكول تعاون فى إطار مبادرة "تأمينك في مصر"    نجم هولندا الشاب يكمل الفحص الطبي وينتقل إلى تشيلسي    خلاف كبير بين جيش الاحتلال ورئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن مستقبل غزة.. ماذا يحدث؟    رئيس جامعة القاهرة يشارك في فعاليات قمة «ستارت» لاختتام أنشطة «التضامن» بالجامعات    مصادر حكومية هندية: نيودلهي ستواصل استيراد النفط الروسى رغم تهديدات ترامب    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان مهم من الأصاد يكشف حالة الطقس غدًا الاثنين    بالفيديو| الأقواس التسعة.. رمز فرعوني قديم يلهمنا لمواجهة تحديات اليوم    خبير سياسات دولية: مصر ثابتة فى دعم غزة ودورها التاريخى لا يمكن التقليل منه    اليوم.. محاكمة 22 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية    طه عزت: المادة 63 بلا تحصين.. وننتظر حكم «التحكيم الرياضي» بشأن بطل الدوري    الحبيب علي الجفري: الإخوان واليهود يد واحدة    وزير الخارجية والهجرة: دعم كامل للمصريين بالخارج وتوحيد صفوف الجاليات    وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 18 شخصا غالبيتهم من منتظري المساعدات بمناطق مختلفة من قطاع غزة منذ فجر اليوم    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الأحد 3 أغسطس 2025    كتب ممنوعة (1)    «فتوى» برائحة الحشيش    مديرة مديرية الصحة بالإسماعيلية تتفقد سير العمل بوحدة الكيلو 17 (صور)    "بن قلبي".. 8 صور لمحمود بنتايج "ببدلة" التتويج والجمهور يعلق    دعاء الفجر | اللهم فرج همي ويسّر لي أمري وارزقني رزقًا مباركًا    أحمد كريمة: قائمة المنقولات لإثبات حقوق الزوجة ومرفوض تحويلها لسيف على رقبة الزوج وسجنه (فيديو)    السيطرة على حريق شقة سكنية فى منطقة الوايلى دون إصابات    القبض على التيك توكر شاكر بكافيه في القاهرة الجديدة    "الدنيا ولا تستاهل".. رسالة مؤثرة من نجم بيراميدز بعد وفاة بونجا    مشروب صيفي شهير لكنه خطير على مرضى الكبد الدهني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر رجال الأعمال الاشتراكيين يعترف: قرار بيع القطاع العام ذبحني.. (أعوذ بالله)
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 03 - 2010

«تجربة للتاريخ» يكتبها ذلك الشاب الذى بلغ سن الشيوخ دون أن يفقد شيئا من ذاكرته. ذلك هو اليوزباشى محمد غانم (85) عاما. صاحب الذاكرة المتوقدة بدرجة تثير الدهشة. فهو لا ينسى لا الأشخاص، ولا الأسماء، ولا الأماكن، وقبلها الأحداث.
يتذكرها وكأنها وقعت على التو. فهو يحكى عما فعله فى حياته بحيث يجعلك وكأنك تعيش تفاصيلها. وما أن يبدأ فى السرد إلا وتزول الدهشة من حدة التوقد. إنه «الفخر».
التجربة التي انتهى من تسطيرها في كتاب يحمل اسم (تجربة للتاريخ شركة النصر للتصدير والاستيراد فى الستينيات) ويوشك أن يخرج للنور دفعت «الشروق» إلى أن تطلب منه أن يقرأها لنا بصوته. وفى هذا الحوار ننقل سنوات من عمر ذلك الرجل الذي كان يدافع عن الاشتراكية فى عزها، وظل مخلصا لها حتى وهو داخل عش الرأسماليين.
ربما تصدق كثيرا «المجازفة» لكى تصبح العنوان الأبرز لحياة محمد غانم ذلك الشاب الذى تخرج فى الكلية الحربية عام 1944. والذى اشترك بحماس بعد 4 سنوات أثناء حرب فلسطين في عملية استشهادية كان دوره فيها أن يكون وسط حشود إسرائيلية في قطاع غزة. وأن يصدر لجميع مدافع غزة إشارة بأن تضرب هذه الوحدات لتدمرها قبل أن تتقدم إلى الأمام. وكان غانم يدرك أن نسبة العودة من هذه العملية 0% ومع ذلك قبل المجازفة بروحه. إلا أنه عاد منها ليحصل على نجمة الملك فؤاد العسكرية.
وهو نفسه (محمد صلاح) الذى عمل فى مدينة فايد على عربة كارو ضمن عمليات كان من شأنها إزعاج القوات البريطانية. ثم هو أيضا ابن أخت أرمانيوس (معاون محطة أبوسلطان) الذى كان يعمل عطشجيا على القطار. وبذلك استطاع غانم أن يدخل إلى أحد القطارات الذى يخترق مخزن الذخيرة للجيش البريطانى فى كهوف أبوسلطان. وبذلك استطاع أن ينسف الذخيرة فى المخزن البريطانى.
وهو مرة أخرى، أحد الذين كانوا يدخلون لبيوت العائلات البريطانية ليلا، ويضعون المنشورات على مخدات أطفالهم. بحيث تستيقظ الأم لتجد صورة لفدائى مصرى يحمل خنجرا، ويخاطبها بأنه كما وصل إلى سرير ابنها فيستطيع أن يقتله، ويدعوها إلى العودة إلى وطنها. وهو ذاته المكوجى، والجرسون، وسائق اللورى، وموزع المياه الغازية،. وغيرها من المهن التى تحمل كلها معنى واحدا هو أن هذا الرجل أحب هذا الوطن.
قطع رقبته
كنت أدخل إسرائيل متسللا مع الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون فى المخيمات فى لبنان وسوريا. وكنت أصل حتى مدينتى اللد، وبير سبع، وأنفذ عمليات صغيرة فى حدود نسف كوبرى، عمل كمين لدورية إسرائيلية، جمع معلومات. وفى إحدى المرات استدعانى ذكريا محيى الدين والذي كان رئيسا لجهاز المخابرات، بل كان أبوالمخابرات في مصر بالفعل، وعنفنى بقوة. وطلب منى أن أتوقف عنما أقوم به. وقال لى «أنا مش مستعد أفقد واحد زيك بطلقة طائشة فى مقابل عمليات بسيطة كتلك التى تقوم بها، وأفهمنى أن المخابرات الحديثة تعمل من خلال شركات». واستدعى محيى الدين على الفور ضابطا من الصاعقة وأعطى له أمرا «سأقطع رقبتك لو سمعت أن غانم سافر لإسرائيل ثانية، امنعه بالقوة».
وتسير به الحياة لكي يصبح هو نفسه (محمد عزت) مدير فرع شركة النيل للإعلان فى بيروت عام 1954، ضمن فريق كانت المخابرات المصرية قد أعددته لإسقاط حلف بغداد. ذلك الحلف الذي أرادت أمريكا أن تشكله من بعض الدول العربية لمواجهة الاتحاد السوفييتى وعبدالناصر. وهو أيضا صاحب الخدعة الإعلامية فى عام 1956 والتى اضطرته الظروف لها، بعد أن انقطع وصول الجرائد والمجلات المصرية إلى لبنان بعد العدوان الثلاثى وإغلاق مطارات مصر. وبدأت تنتشر شائعات مشينة ضد مصر تؤكد انهزامها. خاصة بعد ما ضربت محطة إرسال الإذاعة فى أبوزعبل. ووصل الأمر لدرجة أنهم ذكروا أن محافظ بورسعيد ركع أمام قدمى القائد البريطانى طلبا للرحمة. فما كان من (محمد عزت) إلا أن طلب من رئيس الوزراء اللبنانى عبدالله اليافى أن يغمض عينيه، ويسمح بطباعة وتوزيع جريدة الجمهورية (وهى كانت الجريدة الرسمية الناطقة باسم مجلس قيادة الثورة) بنفس عناوينها التى تصدر بها فى مصر فى بيروت، كما لو كانت تطبع فى القاهرة. وقد استغل ذلك التصريح بعد ذلك، وأصدر جريدة معظم أخبارها مفبركة لعدم وجود أخبار. واضطر فى بعض الأحيان لأن يصدر أعدادا منها بصفحات بيضاء تحت دعوى أن الرقابة منعتها.
وكان أشهر من تعاونوا مع الصحيفة «التقليد» هم الكتاب محمود السعدنى، ومحمد مندور،وعبدالرحمن الخميسى، وأحمد نافع. والذين اضطرتهم ظروف الحرب لأن يبقوا فى لبنان. وكان أشهر موضوع مفبرك تلك المقابلة التى زعم الكاتب الصحفى محمود السعدنى أنه أجراها مع الزعيم الصينى «ماوتسى تونج» وأخبره فيها أن الصين تجهز 200.000 جندى بأسلحتهم لمساعدة مصر، وسرعان ما انتشر الخبر وصدقته الجماهير العربية. ووصل الأمر إلى أن الجريدة كانت توزع نحو 50.000 نسخة.
عرض سخي
يقول محمد غانم بفخر إنه مؤسس ورئيس شركة النصر للتصدير والاستيراد فى الستينيات وأوائل السبعينيات «يعنى فى عصرها الذهبى» كما سماه. ومهمته لم تكن تصدير معظم المنتجات المصرية لدول العالم فيما عدا القطن والبترول فقط من خلال 35 فرعا للشركة فى قارات العالم ولكن كان المخفى من المهام هو الأعظم.
يقول غانم: تم تكليفى ذات يوم بزيارة سرية إلى فرنسا، فى الوقت الذى كانت فيه علاقتنا مقطوعة معها، بسبب موقفها من الجزائر، ومشاركتها فى حرب السويس فى عام 1956. وكان ذلك قبل أيام من تولى الرئيس شارل ديجول مهام الرئاسة. وكانت الزيارة لتلبية دعوة من الرئيس ديجول، والذى كان يستعد فى ذلك الوقت لأداء اليمين، لتولى مهامه الرئاسية. وكان الرئيس الفرنسى قد أبلغ عبدالناصر برغبته فى عقد اتفاقية اقتصادية، يتم بمقتضاها تبادل سلعى يتيح لمصر تصريف القطن مقابل أن تحصل على معدات وآلات وخامات فرنسية. وهو بهذا العرض أراد أن يضرب عصفورين معا. فمصر محتاجة بحكم الحصار الاقتصادى الذى ضربه الغرب عليها إلى هذه المنتجات الفرنسية، فى ذات الوقت فرنسا تحتاج إلى فتح الأسواق العربية والأفريقية، والتى كانت تدرك أن مفتاحها فى يد زعامة ناصر لهذه الدول وتأثيره عليها. ولذلك قبل عبدالناصر العرض، والذى كان الرئيس الفرنسى قد عرضه عليه عبر «روجينا» وهو عميل مخابرات فوضه ديجول للقيام بهذه المهمة، وأرسله إلى مصر.
«وتم اختيارى أنا وزميل لى، وسافرنا إلى فرنسا فى 5 يناير 1958. وكان موعد لقائنا مع ديجول بعد يومين من وصولنا. وطلبوا منا البقاء فى الفندق، وعدم مغادرته إطلاقا، والذى كان من أفخم فنادق باريس. وشددوا علينا عدم التحدث مع أى إنسان. لأنه كان معروفا أن اليهود يملأون هذا الفندق»، يكمل غانم.
«غير مرغوب فيكم»
«والمفاجأة التى أعلنها لنا نائب رئيس الوزراء الفرنسى أيامها أن ديجول سوف يعرض على عبدالناصر عرضا سخيا. وهو الإفراج عن المناضل الجزائرى بن بيلا زعيم الثورة الجزائرية وزملائه، والعودة بهم بطائرة خاصة إلى الجزائر. وهم الذين كانت فرنسا قد خطفتهم بطائراتهم، أثناء رحلة لهم من وهران إلى العاصمة الجزائرية. وذلك فى مقابل موافقة عبدالناصر على توقيع اتفاقية اقتصادية للتبادل التجارى. وكان ديجول فى ذلك الوقت يريد استرضاء عبدالناصر، ويرغب أيضا فى الخروج من مأزق حرب الجزائر» يروى وكأنه يرى المشهد أمام عينيه.
وفوجئت فى السادسة من صباح اليوم التالى بتعليمات فرنسية بضرورة مغادرتى أنا وزميلى فرنسا فورا إلى أى بلد فى الشرق الأوسط. وعلمنا فيما بعد أنه فى اليوم السابق، وبالمصادفة كان المذيع أحمد سعيد يهاجم فرنسا فى إذاعة صوت العرب، ويندد بموقفها من الجزائر. فتصور الجانب الفرنسى أننا أبلغنا القيادة فى مصر بالعرض. وأن هذا هو الرد المصرى على العرض. مما جعل ديجول يغضب ويرفض المقابلة بالرغم من أننى لم أبلغ مصر بسبب صعوبة الاتصالات فى ذلك الوقت.
ولكن تم توقيع العقد بين مصر وفرنسا بعد شهرين، بعدما تبين أنها مجرد مصادفة. وللأسف أوقف عبدالناصر الاتفاق بعد أن اكتشف أن بعض السماسرة من الحيتان، يتاجرون فى تراخيص الاستيراد، ويقدمون رشاوى لوزارة الاقتصاد للحصول عليها. «وطبعا كانوا حيتان على قد حالهم مش زى دلوقتى». وبذلك لم ننفذ من الاتفاقية سوى 2.5 مليون جنيه استرلينى، فى حين أن الاتفاق كان يتيح تبادلا تجاريا فى حدود 20 مليونا مناصفة بين الدولتين.
عايز أشوف الرجالة
* كيف تعرفت على عبدالناصر؟ وهل هو الذى اختارك لهذه المهمة؟
عبدالناصر كان يدرس لى فى الكلية الحربية، فهو خريج عام 1936، بينما أنا تخرجت بعده بثمانى سنوات، ولكن بعد ذلك كنت أقابله عندما كان يأتى إلى مدرسة الثانوية العسكرية لدفع مصاريف أخيه، وكنت وقتها أدرس له. ولكن أشهد بأنه لم يطلب ولا مرة واحدة واسطة لأخيه. وبعد ذلك رأيت عبدالناصر عندما طلب منى وأنا رئيس لشركة النصر أن يرى «الرجاله فى فرع غانا» على حد توصيف ناصر عندما كان فى زيارة للبلد. وبالفعل جاء إلى الشركة مخصوص لمقابلة العاملين فيها. ولكن هذه المهمة اختارنى لها ذكريا محيى الدين رئيس جهاز المخابرات الذى علمنى أن المخابرات الحديثة تقوم بتنفيذ بعض المهام عن طريق شركات وعن طريق متعاونين وليسوا أعضاء فى المخابرات.
إنه الفخر
يفخر غانم بأنه قام يوما بإنقاذ مصر من مشكلة نقص القمح فى وقت كان لا يوجد فى مصر سوى كميات من القمح تكفى لإنتاج عيش لمدة لا تزيد على خمسة أيام. «ففى هذه المرحلة كانت الولايات المتحدة تتحكم فى حجم المعروض من القمح، بل وسعره أيضا فى العالم. فكانت أمريكا ترمى القمح الزائد لديها فى المحيط، حتى لا تنخفض أسعاره. إلا أنها عدلت عن ذلك، وبدأت تقدمه لبعض الدول بتسهيلات فى الدفع وعلى مدد طويلة، وبفائدة بسيطة لكسبها، واستمالتها لصالح سياستها تحت دعاوى إنسانية» يضيف غانم.
ويستطرد قائلا إن أمريكا كانت تقدم هذه التسهيلات إلى مصر، والدفع كان يتم بالجنيه المصرى رغبة من الأمريكان فى توفير عملة محلية للصرف على عملائها داخل مصر، وعلى المنشآت الأمريكية العاملة فى البلاد. إلا أنها قررت التوقف عن مدنا بالقمح بعد أن عقدنا صفقة السلاح السوفييتى. إلا إننى استطعت عبر الشركة التعاقد مع الاتحاد السوفييتى على صفقة قمح وتم بالفعل تحويل سفينة سوفييتيه كانت محملة بالقمح وهى فى عرض البحر إلى مصر.
وكذلك بدأت أعمل على تنويع مصادر القمح حتى لا نعتمد على القمح الأمريكى فذهبت إلى استراليا وفتحت فرعا للشركة هناك. وعلى عشاء نظمه السفير المصرى فى استراليا جمعنى مع وزير الزراعة هناك، وكان هو ذاته من أكبر المزارعين هناك. طلبت منه أن يقدم لنا تسهيلات فى الدفع من أجل أن نستورد منه القمح. وكنت أعرف وقتها أن الصين وهى المستورد الأكبر من القمح الاسترالى كانت قد رفضت فى هذا العام أن تأخذ منها القمح. وقلت لوزير الزراعة إنكم محتاجون لتصريف القمح لديكم لأن المخازن الاسترالية لن تكفيه. ونحن فى مصر نحتاج إليه، فطلب منى أن نوقع على عقد لمدة ثلاث سنوات حتى نضطر لأن نلتزم باستيراد القمح من استراليا خشية من أن نتصالح مع أمريكا ونعود لاستيراد القمح منها. فطلبت منه أن يقدم لمصر عرضا سخيا بحيث يقل السعر عن 61 دولارا للطن وهو سعر التوريد الأمريكى، وبعد مفاوضات شاقة استطعت أن أحصل على تسهيلات فى الدفع لمدة سنتين، «ومن يومها ومصر تحصل على القمح من استراليا»، يذكر غانم.
غضب «الريس»
«نفس الشىء حدث مع الدخان حيث كانت لدينا مشكلة فى استيراده بعد الحظر الأمريكى علينا. وبحكم اتصالاتى بأفريقيا كنت أعرف أن روديسيا (والتى لم تكن قد استقلت بعد فى ذلك الوقت) لديها فائض من الدخان. وكان مجلس الأمن قد أصدر قرارا بضغوط من عبدالناصر ودول عدم الانحياز، ضد التفرقة العنصرية، بل وحظر التعامل مع روديسيا. فذهبت إلى حسن عباس زكى وزير الاقتصاد فى ذلك الوقت وقلت له حتعمل ايه فى مشكلة الدخان؟. قال لى مش عارف أعمل حاجة. فعرضت عليه أن آتى له بدخان وبتسهيلات فى الدفع لمدة سنتين. قلت له إن روديسيا بتهرب الدخان إلى زامبيا (روديسيا الشمالية) وتبيعه عن طريقها لأنه بلد غير محظور التعامل معه، وهو ما يمكن أن نفعله. فأكد لى «أن الريس لن يوافق».
وبالفعل ذهب الوزير إلى عبدالناصر وأخبره. إلا أن الريس انفعل ورفض. وبدأ حسن عباس زكى يقنع عبدالناصر بأن الإسلام يبيح المحظورات بفعل الضرورات. «والضرورات هنا هى توفير الدخان الذى نتفادى به ثورة المدخنين التى كانت من المؤكد أن تحدث فى مصر لو عجزنا عن توفيره» على حد قوله.
واحتاج الأمر من عباس ذزكى زيارة أخرى لعبدالناصر لكى يقنعه بأننا نتفادى غضب الناس لو اختفت السجائر من السوق. «لو انكشف الأمر فإن محمد غانم على استعداد للسجن، وتحمل تبعات ما يحدث. وسوف نحمله المسئولية كاملة» كانت هذه آخر ورقة فى يد حسن عباس ذكرها ليقنع بها عبدالناصر على حد تأكيد غانم.
ويتذكر غانم عندما استدعاه محمود رياض وزير الخارجية بعدها وسأله هناك شكوى من السفيرين البريطانى والأمريكى بأننا نخرق حظر التعامل مع روديسيا ونشترى منها دخانا. وعندما أخبرته بأن عبدالناصر وافق على ذلك قال لى «أنت مجنون» من المؤكد أن عبدالناصر لم يوافق. وبعد أن أتممت الصفقة ودخل الدخان مصر عاد السفيران مرة أخرى لوزير الخارجية يؤكدان له أن مصر استوردت بالفعل من زامبيا. وطبقا للمستندات التى حصل عليها السفيران فإن الكميات التى تم استيرادها من زامبيا تعادل عشرة أضعاف إنتاج زامبيا. وهذا يؤكد أن منشأ الدخان من روديسيا. فطلبت من محمود رياض أن يقل لهم إن مصر هى التى اشترت كل إنتاج الدخان فى زامبيا. أما الدول الأخرى فربما تكون هى التى تعاملت مع روديسيا وليست مصر. «ومرت القضية بسلام»، كما تذكرها غانم.
أنا اشتراكي
من الانغماس فى خدمة نظام اشتراكى، إلى المساهمة فى تأسيس أول جمعية لرجال الأعمال فى مصر، ثم أمينا عاما لها. جرت مياه كثيرة فى نهر حياتك. كيف جرت؟ وكيف وقفت مع هؤلاء الذين كانوا روادا لبيع القطاع العام، ودعاة للخصخصة ورافعى معاول هدمه تحت دعاوى فشل وحداته؟ يعنى اشتراكى فى عش الرأسماليين. كيف يستقيم الأمر؟ سألته.
«بيع القطاع العام، أعوذ بالله. هذا البيع دبحنى. الخصصخة دى مأساة. على فكرة أنا لم أغير أفكارى الاشتراكية. والحقيقة لولا القطاع العام لما كنا استطعنا أن ننتصر فى حرب 1973. استحالة أن ننتصر بالقطاع الخاص فى ذلك الوقت. والقطاع العام لم يكن فاشلا، كل ما فى الأمر أن نحسن اختيار رؤساء الشركات. فأنا كان لدى 3500 موظف لم يتم اتهام واحد منهم بإهدار المال العام» بكل يقين يؤكد غانم.
ولكن هذا لا يمنع أننى كنت أنادى بأن يكون هناك قطاع خاص قوى ويتنافس العام والخاص فى ظروف عمل واحدة، دون تمييز لقطاع عن آخر. ومن الطبيعى أن يهاجم كبار رجال الأعمال القطاع العام لأن معظمهم أضيروا من التأميم.
هل تصدق المقولات بأن الرأسمالية الحالية هى نتاج للاشتراكيين زمان؟
يقول غانم إنه من الطبيعى، بل ومن المنطقى أن تتشكل الرأسمالية، والتى جاءت بداياتها مع الرئيس السادات بذات الكوادر الموجودة فى ذلك الوقت. وهى كلها كانت تعمل مع النظام الاشتراكى، ممكن أن يكونوا مخلصين لعملهم، ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا اشتراكيين «الناس على دين ملوكهم» يقول ويضحك. ولكن هذا الجيل بدا ينقرض بالاختفاء. وأصبح هناك جيل جديد من الرأسماليين وهو الذى تربى على الفكر الأمريكانى، والذى يعتمد فكرة فلسفية تقوم على «أعيش أنا واللى مش قادر يروح فى داهية».
وتركت «يوزباشى» شركة النصر وهو يراجع البروفة الأخيرة لكتابه الذي سيخرج للأسواق بعد أيام (تجربة للتاريخ) شركة النصر للتصدير والاستيراد فى الستينيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.