يشكو البعض مما يدعونه مبدأ أولاد البطة السوداء في التعليم في مصر.. وقد أورد الأستاذ عبد الله كمال في عموده اليومي منذ يومين أحدي رسائل الشكاوي من هذا الأمر.. إذ يشكو أحد الآباء من حصول ابنته علي مجموع كبير ولكنه لا يؤهلها لأي من كليات المجموعة الطبية.. وتكمن المشكلة في أنه لا يملك ما يمكنه من إلحاق ابنته بكلية الطب في جامعة خاصة، وأن آخرين من الحاصلين علي مجموعها نفسه سوف يلتحقون بكليات الطب في الجامعات الخاصة لأن ذويهم يقدرون ماليا علي مصاريف الجامعات الخاصة.. وقد يري كثيرون منطقا في كلام الأب الحزين، ويتفقون أن هذه السياسة التعليمية ترسخ للطبقية المتعارف عليها بظاهرة (البطة السوداء)، أو ب (الخيار والفقوس).. ولكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن الطبيعة يوجد بها بط أسود وبط أبيض، ويوجد بها خيار وفقوس، ويوجد بها أناس مختلفون في إمكانياتهم الشكلية، والذهنية، والمادية.. ولا يختار البط الصغير أمه، فهو يوجد لأم بيضاء أو لأم سوداء.. ولا يختار الإنسان أين يولد أو لمن، ولا يختار شكله ولا عقله.. ولقد ثبت بالتجربة الإنسانية علي مدار تاريخ البشرية أنه لا توجد مساواة مطلقة.. وأن ما يمكن أن يتساوي فيه الناس علي أرض بلد واحد هو قليل جدا.. ويتمثل في الوطن والقانون.. أما غير ذلك فلا نتساوي فيه أبدا.. فمن قال إن التعليم في مصر كان واحدا للخيار كما الفقوس؟ وطالما تواجدت المدارس الخاصة، والمدارس الأجنبية، والشهادات المعادلة.. ولماذا نعتقد أنه ليس من العدل أن يكون للأوفر إمكانيات فرصة أكبر؟ ألا يلتحق أصحاب البنية الأفضل بالكليات الحربية مثلا؟ ألا يختارون الأفضل شكلا ومظهرا لأعمال معينة؟ ألا يتميز أصحاب القدرات العقلية عن غيرهم في التعليم؟ ألا يتميز أبناء الحسب والنسب عند الاختيار في أعمال بعينها؟لقد ترسخ في ذهن الكثيرين في بلدنا أنه لا ينبغي أن يكون هناك خيار وفقوس، وهذه نتيجة محتومة لنظام جمعي قديم لم يعد يصلح علي الإطلاق مع الواقع العالمي.. وكما يتواجد الخيار والفقوس في الطبيعة، يتواجد الخيار والفقوس في العمل، والتعليم، والقدرات، والشكل، والأسرة، بل وحتي الوطن الذي ينتمي له الإنسان.. فلا يختر أحد أيا من هذه.. هل هذا يأس؟ إطلاقا.. فلكل منا سلة بها بعض الخيار وبعض الفقوس.. مشكلتنا أننا نخرج الفقوس من السلة ثم نبكي لأنه ليس خيارا.. ولا نخرج الخيار الذي نمتلكه.. لماذا لا نعلم أولادنا أن يخرجوا الخيار، ونسلط الضوء علي أحسن ما نملك، ونساعدهم في اكتشاف أفضل ما يملكون، لننطلق بهم في عالم واقعي ونترك الأحلام جانبا؟ ثم ألم يقل الشاعر قديما: فإذا رزقت خليقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق فالناس هذا حظه مال، وذا علم، وذاك مكارم الأخلاق.. تصويب أعتذر عن خطأ غير مقصود في اسم الكاتب الكبير محمود عوض ورد في مقال أمس