إذا وصلت لمشهد السيدة رقية وتجاوزاته قليلا لتصل إلى قبة أم الصالح فإنك ستكون فى شارع الأشرف والذى تكون نهايته عند مسجد السيدة نفيسة، والأشرف هو الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النجمى وهو ثامن سلاطين المماليك البحرية الذين جلبهم السلطان الصالح أيوب؛ ليحارب بهم الصليبيين والمغول وليوطد بهم حكمة وبدء حكمهم بالمعز عز الدين أيبك. ويعد السلطان الأشرف هو الابن الثانى للسلطان المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النجمى ويرجع سبب تسميته بالألفى لأنه تم شراؤه بألف دينار والأشرف خليل كان حاد الطباع ميالا للسلطة، ولهذا دخل فى صراعات مع أمراء والدة ومساعدية وكانوا هم أيضا يكرهون الأشرف خليل، وكان السلطان قلاوون يحب ابنة الكبير علاء الدين أبو الفتح على ويرغب فى توليته السلطنة من بعده الإ أن علاء الدين مات بعد أن أصيب بإسهال شديد ويرجح المؤرخون أن أخيه الأشرف خليل قد دس له السم حتى ينال السلطنة لان أخويه الآخرين سنهما صغير وليضع والده أمام الأمر الواقع ولهذا فإن السلطان قلاوون لم يعلم على تقليد ولاية العهد لابنة الأشرف خليل وبعد موت السلطان قلاوون الذى كان مشغولا بتخليص المسلمين من آخر معاقل الصليبيين ولكن الموت لم يمهله لإكمال مهمته. وأوضح القاضى فتح الدين عبدالظاهر أن السلطان لم يعلم على تقليد ولاية العهد فلما رأى خليل التقليد بغير علامة أبيه قال: «يا فتح الدين إن السلطان امتنع أن يعطيني، وقد أعطانى الله» وألقى التقليد إلى ابن عبدالظاهر وجدد الأمراء الحلف له فجلس على تحت السلطنة وكُتب بسلطنته. وكان الأشرف خليل قد قام بنفى ولدى السلطان الظاهر بيبرس لأنهما يشكلون خطرا عليه خاصة أن الظاهر بيبرس كان قد زوج ابنه من بنت السلطان قلاوون وأخت الأشرف خليل حتى يضمن أن تكون السلطنة لأولاده من بعده، خاصة أنه قام بقتل السلطان قطز فخاف أن يحدث ذلك لأولاده إلا أن قلاوون كان قد نفى زوج بنته (فاطمة خاتون) السعيد ناصرالدين أبوالمعالى محمد بركة وعزل بدر الدين سلامش الابن الثانى للظاهر ركن الدين بيبرس، وبهذا قضى على فرصة تولى أولاد بيبرس للسلطنة، وأكد ابنه خليل ذلك بنفى الابنين الآخرين لبيبرس وكانت العلاقة بين بيبرس وقلاون ممتدة منذ كانا يعملان مع الامير أقطاى، وكان ثالهما هو الأمير سنقر الاشقر الذى سرعان ماقتلة الأشرف خليل، وبذلك قضى الأشرف خليل على كل منافسيه فى السلطة وتفرغ لاهم مافعله وجعله يدخل التاريخ وهو فتح عكا والقضاء على آخر معاقل الصليبيين، وكان ذلك يوم الجمعة 18 جمادى سنة 690 هجريا وبعد فتح عكا هدم الأشرف خليل كل الحصون التى كانت تشكل منطلقا لهجمات الصليبيين على المسلمين، ثم أكمل فتح ساحل الشام ثم حرر بيروت ثم فتح قلعة أرمينية وبهذا يعد السطان الأشرف خليل هو من أنهى حلم الصلبيين بالاستيلاء على الأماكن المقدسة وأكمل ما فعلة صلاح الدين الأيوبى والظاهر بيبرس ووالده قلاوون إلا انه تكبر على الأمراء بعد ذلك، وصار يوقع على الأوراق بحرف الخاء فقط وقرر الأمراء التخلص منه، ونفذ ذلك الأمير بيدرا مع خشداشيتة (تلامذته)، ومن ضمنهم الامير حسام الدين لاجين زوج بنت السلطان قلاوون وأخت السلطان الأشرف خليل، وتولى بعد ذلك السلطنة الامير الناصر محمد ابن قلاوون الأخ الأصغر للملك الأشرف خليل، ومن غرائب اسرة قلاون التى حكمت مصر حوالى مئة عام أن الأمير الناصر محمد بن قلاوون قد تولى حكم مصر ثلاث مرات فى أوقات متقاربة. ولم يبق من آثار الملك الأشرف صلاح الدين خليل سوى مدرسته بشارع الأشرف، والتى لم يتبق منها إلا قبة التى دفن بها، وقد صار مدخلها مصنعا للايس كريم لإحدى الشركات المصرية الخاصة وتعد هذه القبة التى تحيطها المياه الجوفية والحشائش علامة على تاريخ ذلك الملك الذى فتح عكا وحكم مصر لمدة ثلاث سنوات وشهرين وأربعة أيام. وبجوارها توجد قبة أم الصالح وقد أنشاءها السلطان المنصور سيف الدين (هذا لقبه) قلاوون الألفى النجمى والد السلطان الأشرف خليل ليدفن فيها زوجتة ودفن فيها أبنة علاء الدين على أقرب أبنائه اليه، ومن كان موعودا بالحكم بدلا من الأشرف خليل كما دفن بها فاطمة خاتون بنت السلطان قلاوون وأرملة السلطان محمد بركة بن ركن الدين الظاهر بيبرس وكلمة خاتون تعنى (خاقان تون) ومعناها الملك أو السلطان، ويكون بذلك معنى خاتون السيدة أو المعظمة أو السلطانة. وفى كتاب الالطاف الخفية من السيرة الشريفة السلطانية الأشرفية نجد ان السلطان الأشرف خليل بن قلاوون قد أمر بعمل وقف من كسب سيفة فى عكا وصور ودمشق يصرف ريعه على قبته ومدرسته الأشرفية وعلى قبة ومسجد والدة السلطان قلاوون. حتى يكون التدريس بمدرسته على المذاهب الاربعة إلى يوم الدين، ونلاحظ هنا فى ذلك الكتاب الاحتفاء بالفتوحات الكبرى التى حققها السلطان صلاح الدين الأشرف خليل والتنبيه على أهمية توزيع الوقف كما هو مبين بحيث تظل المدرسة منارة للعلم، وبها مايكفيها من شموع ومؤن لطالبى العلم وقراء القرآن والمؤذنين والقائمين على خدمة المدرسة والمناط بهم تجديد القبة الأشرفية وكذلك المسئولين عن مسجد والدة بالحسين وبالتحديد بميدان بين القصرين كما هو مبين فى الوقف والمذكور تفصيله فى الكتاب، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث ووصل حالة القبة إلى ما نراه عليها اليوم من إهمال امتد لمئات السنين حتى كادت أن تندثر.