فى مجموعتها القصصية «عاملة المنزل رقم 14» تقدم الكاتبة أميمة السلاخ مجموعة من القصص والحكايات لبطلات يتطلعن لاكتشاف الحياة والعالم من جديد، لكسر كثير من الحواجز الوهمية والفعلية التى تحاصر أرواحهن وتمنعهن من عيش تجارب جديدة ورؤية وجوه مختلفة للحياة. حيوات متعددة المجموعة الصادرة حديثا عن دار صفصافة، تحتوى على أكثر من عشرين قصة تدور فى أمكنة مختلفة، وأزمنة متقاربة، وتحظى المرأة فيها ببطولة كاملة فى جميع القصص فهى الراوى للأحداث والفاعل الرئيس فيها. «مارست عديدًا من الأدوار، ولزوم ذلك غيرت مظهرى الخارجى، ارتديت الحجاب ثم خلعته، صبغت شعرى بألوان مختلفة، سافرت إلى مدينة المنيا، ولبست زى الراهبات بحثًا عن مأوى آمن لى داخل أحد الأديرة، وهكذا كانت أدوارًا بغرض استنشاق روح أخرى». تختار أميمة عناوين قصصها بعناية بدءا من قصة «خلف النافذة» مرورا بقصص «هنا لا يوجد ألم، صباحات ملتبسة، ونس مستعار، هديل اليمام، يوم تعامدت الشمس، ملامح صادقة، عندما قررت أمى الانتحار» وصولا لخاتمة المجموعة بقصتى «سكن مؤقت، والمعاناة رقم 14». تنطلق معظم قصص المجموعة من لحظات بسيطة ومعتادة تمر بمعظمنا دون أن نلتفت لها، لكن الكاتبة تسلط الضوء عليها وتكشف عما وراءها من حياة مختلفة وآمال وأحلام وخذلان، إذ جاء فى سطورها .. «تزوجت من أكثر من ثلاثين عامًا، أنجبت ولدًا وبنتًا، واعتنيت بهمها كما ينبغى أن تكون العناية بالأبناء، سافرا إلى الخارج بعدما توفى والدهما، كانت فى البداية زياراتهما سنوية، ثم أصبحت تمر أعوام لا أراهما إلا من خلال صور الجوال أو فيديوهات على «واتساب»، وجدا فى الغربة السلوى بعد وفاة ولدهما، كان القريب من قلبيهما بتصرفاته الحنون، وكنت أنا العقل المدبر لأمور العائلة، هكذا يكون الحال دائمًا، إذا لم يؤد الأب دوره المتوازن نابت عنه الأم، فتتحمل مسئولية نقص دوره، الملفت فى الأمر أنه أظهر جانبًا لم اكتشفه فى نفسى قبل زواجى، هو أنى امرأة قوية، وربما لا أحتاج إلى رجل فى حياتي، لكنى بالتأكيد أحتاج إلى أولادى بجوارى». مواجهة الذات تضع أميمة دوما بطلاتها فى مواجهة مع ذواتهم، مع مخاوفهم، مع أفكارهم المسبقة، وعبر هذه المواجهة، تولد حياة جديدة، وتتكشف عوالم مختلفة يمتد تأثيرها للمشاعر والأفكار والعلاقات الاجتماعية. هذه الحالة تظهر بوضوح فى قصة «فلافى» فالكلبة الصغيرة تكشف للبطلة عن حياة أخرى تقوم على الحب غير المشروط، على الإخلاص والوفاء على تجاوز الأفكار المسبقة التى يفرضها المجتمع، على تقبل الآخر. «باتت فلافى جزءا أساسيا من الحياة، أفيق من نومى لأجل اللعب والمرح معها ومحاولة تعليمها كيفية الجلوس او الوقوف، وماذا تعنى كلمة لا، وكيف أنها ستحصل على الحلوى مكافأة إذا سلكت سلوكا جيدا.. للأسف كانت هذه طريقتنا لنجعلها أشبه بادمى مطيع. وإذا بها تفتح أمانى عالما جميلا، تتقبل كلا منا كما هو، تجود بالحب والاهتمام فى ابسط صوره، لمستها تمنح الولاء فى أجمل معانيه، تعبر عن الحب والاحتياج بالجلوس بين يدي، روح جلبت السعادة للبيت، وأصبحت سببا للتأمل فى خلق الله. نوع جديد من الفرح لم أكن أعتقد ان افتقده حتى حصلت عليه. كيف يكون احتواء هذا المخلوق فى المنزل حرام? إذا كانت حراما وتحية فلماذا خلقها الله». جسور التواصل تركز أميمة كذلك فى مجموعتها على العلاقة بين الرجل والمرآة، وتطرح العديد من الأسئلة وترصد مشكلات متنوعة، يبدو معظمها نابع من غياب جسور التواصل بين كل من طرفى العلاقة، فالرجل لا يهتم بالطريقة التى تفكر بها المرأة، والمرأة لا تحاول فى أحيانًا أخرى أن تضع نفسها مكانه، ورغم أن معظم القصص يبدو الرجل فيها هو الأكثر قسوة، إلا أن الكاتبة لا تنصب نفسها قاضية بقدر ما تحاول أن تطرح تساؤلات وتمنح القراء مساحة ليكونوا شركاء فى العمل، وينظروا من جديد إلى حياتهم، ويحاولوا بناء ما تهدم من جسور. «تناول عصيره على دفعات، ثم تركها وذهب إلى الغرفة المجاورة ليرتدى ملابسه الرسمية تأهبًا للذهاب للعمل، أما هى فقامت وهى تتمتم فى سرها: أول مرة قدمه لى أخبرته أنى أعانى قرحة ومعدتى لا تتحمله، فى المرة الثانية تركته كما هو فى المطبخ حتى أتى من عمله ورآه ولم يعلق. مع الوقت اكتشفَت أنه يقدم لها ما يحب هو لا ما ترغب هي، ومن بعدها آثرت الصمت. الكل يحسدها عليه وكيف أنه زوج رائع.