«بس يا يوسف» مجموعة قصصية للكاتبة «أميرة حسن الدسوقى» تعيد إلى القصة القصيرة بهاءها عبر 27 قصة متنوعة الحجم والجرأة والخوف والشجن واللغة، مقسمة فى 3 فصول: قصص وقصص أخرى وقصص أخرى تماما. كتابة أميرة فى هذه المجموعة حادة.. فاضحة.. جارحة كنصل سكين، وهى غير مشغولة بما هو صادم قدر ما هى مشغولة بما هو إنسانى، فهى تمر عبر قصتها الأولى «بس يا يوسف» على علاقة جسدية بين امرأتين مرور الكرام، بينما تنشغل فى القصة الثانية «بس بقه يا يوسف» بالولد الصغير حين تنظر دورها فى العيادة. وفى «مأساة رب» تطرح جدلية العلاقة التى لا تنفض بين الأب والابن، وفى قصة «رز بالجمبرى» تحدثنا عن الولد بائع السمك الجميل الذى يجعلها تصبر على حبيبها وعلى الجمبرى أحد المأكولات البحرية التى لا تحبها، وفى «سيناريو حمضان» تسخر من انتظارها لتليفون من حبيبها وتسخر من نفسها، وعن «زياد» الذى هو قصة حب ربما تنتهى بالقتل تحدثنا أيضا، واللافت للنظر أن زياد ويوسف وكل الرجال فى قصص هذه المجموعة تستطيع أن تقول عنهم «هو البعيد إيه؟»، لأنهم لا يفهمون وإن فهموا لا يجيئون فى «التوقيت المناسب». وحين تقرأ «أسباب مقنعة للموت» عن مأساة طبيب نفسى فقد أباه تصدق الحكمة التى تختبئ فى ثنايا القصة التى تقول: فطالما وجدت جثة يجب أن نتخلص منها، وتتأكد أنك أمام كاتبة نفسية بامتياز تضرب وتدق على طبول وإيقاع بيركشن لتخلق حالة محمومة من التواصل مع نفسية القارئ، وفى «أربع أرجل فقط» تتحدث عن خوف بطلة القصة من العناكب، والخوف هو شعار هذه المجموعة، الخوف من كل شىء، الخوف من الوحدة، من الحب، من الحياة، الخوف من كون الجرح قد لا يلتئم، لتأخذ بنصيحة ومعلومة الأم فى قصة «عشان الجرح يلم»، حيث تقول الأم: انسيه عشان يخف ويلم، ولكنها مع ذلك لا تنسى تفاصيل ورائحة البيوت والأحباب فى الدواليب والهدوم والبيت العامر بالأهل والصحاب، ولا تنسى أيضا أن تفتح «سوستة جاكت» لتخرج نفسها من صدرها وتبقى رجلا داخله. وفى قصص أخرى تماما، وهى كذلك، لأنها قصص اختارت لمعظمها العامية بديلا للفصحى فى السرد، تستطيع فى «30 ثانية» أن تحكى ببراعة عن كيف يضيق الكادر ولا يتسع سوى لمن نحب، ثم كيف يتسع هذا الكادر مرة أخرى حتى يصبح من نحب out of cader. وفى «آخرنا إيه» أول القصيدة حب وآخرها كفر، تحاول أن تثبت الكادر حتى نستبقى من نحب داخل الإطار، بينما فى قصة غريبة «التشبع والمزراب»، تخبرنا عن التخلص من كل الألم والدموع بإنزالها من خلال مزراب يدق فى أعلى الرأس، وحين تتحدث الكاتبة عن شخصيتها فى إحدى القصص بشكل واضح فى مساحة فضفاضة من البوح تعنونها باسم «مش ضرورى». وفى آخر قصص المجموعة وفى آخر سطورها تقول: «ببساطة شديدة أنتم بالنسبة لى.. أنا، أنت جزء من هذا الهوس، هى كلها مجرد خدعة». أميرة حسن الدسوقى لا تخدعنا، فهى لم تختر كتابة ناعمة ولا هى مصابة بهوس «الفمينست»، ولا تسير فى ركب أدب الأظافر الطويلة، ولكنها اختارت «الوحدة» التى لا تجعلك ممتنا لأحد سواك، حسب تعبيرها فى قصة «الوحدة»، واسمحوا لى أن أحوّر قليلا فى عبارة فى المجموعة تقول فيها: «ولكن الحياة السلسة ليست من هواياتى المفضلة»، لأجعلها: «ولكن الكتابة السلسة ليست من هوايتها المفضلة» فى قصتها danse avec moi. هذه مجموعة تجعلك ترقص طربا على إيقاع بريكشن أحيانا، وتجعلك ترقص تصوفا على حالة «بنت انجذبت» أحيانا أخرى، وربما ترقص من الألم كرقصة الطائر الذبيح، لكن من المؤكد أنك سترقص فرحا حين تقرأ قصص هذه المجموعة.