سعر الجنيه الاسترليني بالبنوك أمام الجنيه اليوم الجمعة 3-5-2024    شوبير يوجه رسائل للنادي الأهلي قبل مباراة الترجي التونسي    الأرصاد: رياح مثيرة للرمال على هذه المناطق واضطراب الملاحة في البحر المتوسط    حبس 4 أشخاص بتهمة النصب والاستيلاء على أموال مواطنين بالقليوبية    اسلام كمال: الصحافة الورقية لها مصداقية أكثر من السوشيال ميديا    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    دايملر للشاحنات تحذر من صعوبة ظروف السوق في أوروبا    تقارير أمريكية تتهم دولة عربية بدعم انتفاضة الجامعات، وسفارتها في واشنطن تنفي    حزب الله يستهدف زبدين ورويسات العلم وشتولا بالأسلحة الصاروخية    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    اعتصام عشرات الطلاب أمام أكبر جامعة في المكسيك ضد العدوان الإسرائيلي على غزة    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    5 أهداف لصندوق رعاية المسنين وفقا للقانون، تعرف عليها    مواعيد مباريات الجمعة 3 مايو 2024 – مباراتان في الدوري.. بداية الجولة بإنجلترا ومحترفان مصريان    خالد الغندور عن أزمة حسام حسن مع صلاح: مفيش لعيب فوق النقد    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    البابا تواضروس يترأس صلوات «الجمعة العظيمة» من الكاتدرائية    إشادة حزبية وبرلمانية بتأسيس اتحاد القبائل العربية.. سياسيون : خطوة لتوحيدهم خلف الرئيس.. وسيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    «التعليم»: امتحانات الثانوية العامة ستكون واضحة.. وتكشف مستويات الطلبة    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    ننشر أسعار الدواجن اليوم الجمعة 3 مايو 2024    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    حكم وصف الدواء للناس من غير الأطباء.. دار الإفتاء تحذر    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحيف الجهاد تنصب «المحامي» أميرًا للقص المصري
نشر في القاهرة يوم 16 - 02 - 2010

قصص محمود كامل تصور العادات الحديثة، وأساليب التعامل العملي في مكان متحضر، وزمن ظهر فيه التقدم، وتفسر غموض الأفعال، والنزوات المنطلقة والمنغلقة، وتوضح طرق الناس في التفكير، وتبين ما طرأ علي المجتمع من تغيير في الشكل والموضوع، وهو في كثير من قصصه يتناول السلوك الأدبي من ملاينة ومجاملة، وبعد أن ينبهر القارئ، يكشف له الطباع الحقيقية، ليستخلص أن الآداب البادية لا أساس لها في السجية الباطنة، إنه من هواة السير في مجاهل القلب،في الحلقة السابقة تناولنا حياته ومسرحه ونواصل في هذه الحلقة تقديم نبذة عن مسرحياته المترجمة والمقتبسة وقصصه القصيرة التي من خلالها نصبه النقاد أميرًا للقصة المصرية.
لمحمود كامل مسرحيات أخري مترجمة ومؤلفة ومقتبسة ومن هذا مسرحية «حسن» التي ترجمها عن جيمس فليشر ومثلتها فرقة التمثيل العربي و«سافو» المترجمة عن الفونس دوديه ومثلت علي مسرح الأوبرا الملكية عام 1935 و«المنتقم» التي مثلت علي مسرح برنتانيا عام 1936 وهي مقتبسة عن المؤلف الفرنسي أميل فابر ومسرحية «من الضباب» وقد نشرها في «الجامعة» عام 1938 وله مسرحيات من فصل واحد مثل «الأرض» و«جيجي» ونشرهما في العام نفسه.
والاقتباس عند محمود كامل ليس نقلا أو ترجمة حرفية وإنما هو مسرح مصري مطعم بأفكار أجنبية مثل مسرحية «الأفاعي» التي أعدتها للتمثيل «الفرقة القومية» عام 1938 وبهذه المناسبة أجرت جريدة «البلاغ» «11/8/1937» حديثا صحفيا مع محمود كامل ذهب فيه إلي أن مشكلة الطلاق كانت محدودة في الطبقة العالية الثرية ثم كثرت في الأعوام الأخيرة وشغلت بال المشرع المصري ومسرحية «البيت المتداعي» لأميل فابر تعالج نفس الموضوع ومن وجهة النظر الفرنسية فراقني أن أعالج نفس الموضوع من وجهة النظر المصرية في مسرحية «الأفاعي» وهذا يبين أن محمود كامل كان مستوعبا لمشكلات المجتمع المصري ومساهما في علاجها بالفن.
وجهود كامل المحامي في المجال المسرحي متنوعة وله كتابان هما «صيحات جديدة في النقد والفن والأدب» 1930 و«المسرح الجديد» 1932 ويضمان مسرحيات أوروبية ملخصة يقدم لكل منها بمقدمة يذكر فيها المؤلف واتجاهه المسرحي وملابسات عرض مسرحيته في أوروبا وما قاله النقاد والصحف عنها والجديد الذي يعنيه في كتابه المسرح الجديد أن كتّاب المسرح بعد الحرب العالمية الأولي منهم من يعتمد تحليل أبطاله في ضوء علم النفس ومنهم من يحلل فكرة فلسفية في إطار الفلسفة الحديثة وقد نشر معظم هذه الملخصات في مجلة كل شيء كما ذكرنا ثم جمعها في كتابيه وتلخيص القصص والمسرحيات فكرة كانت معروفة منذ أواخر القرن 19، وإذا كان طه حسين في كتابيه «لحظات» و«قصص تمثيلية» اقتصر علي تلخيص المسرحيات الفرنسية فإن محمود كامل لخص مسرحيات فرنسية ونرويجية وألمانية وإيطالية ومجرية وإنجليزية وربما كان يبغي من وراء ذلك لفت أنظار المترجمين وأصحاب الفرق المسرحية إلي هذه الألوان الجديدة دون التوقف عند المسرح الأوروبي القديم إلي جانب تعويد الناس علي مشاهدة مسرح هادئ يحلل النفوس ويفلسف المواقف بدلا من المسرح الذي يعتمد علي الصخب والشغب فهذه الملخصات القصد منها تجديد المسرح المصري وتطعيمه بالمسرح الجديد وعلي هذا الطريق الداعي للتجديد ألقي محاضرة بجمعية الشبان المسيحية عن هنريك إبسن لأن الفرق المصرية لم تقدم له عملا واحدا وكان يري أنه أحق من غيره في عرض مسرحياته وأخذ يبين مكانة إبسن ومدي اهتمام الدول به وأثر مسرحه في النفوس «م. مصر الحديثة المصورة 29/10/1930» وكان كامل المحامي من المهتمين «بإبسن» قبل غيره بل إنه لفت الأنظار إليه وكتب عنه وعن أهميته في كتابيه «صيحات جديدة» و«المسرح الجديد» وقال في الكتاب الأخير عن شخصيات ابسن أنهم «أكثر حيوية من الأحياء أنفسهم».
أما عن مختاراته المسرحية التي لخصها فقد كان نظره فيها عاليا وحسه دقيقا ويكفي القول إن مسرحية «فاريوس» التي لخصها وقدم لها ونشرها في كتابه «المسرح الجديد» 1932 وهي لمارسيل بانيول اقتبستها السينما عام 1937 وعرض الفيلم في سينما الكورسال بالقاهرة وألقي محاضرة أخري في جمعية الشبان المسيحية عن «القصة المسرحية وكيف يجب أن تكتب «جريدة مصر 12/12/1930» وكان المترجم ينادي بأن تحل المسرحية المصرية المؤلفة محل المسرحية المترجمة وأري أن يعرض هذا بجانب ذاك لتعم الفائدة ونكتسب خبرات.
مجموعات قصصية
كان محمود كامل في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين من أشهر القصاص، وأغزرهم مادة، وقد أطلقت عليه صحيفة «الجهاد» لقب «أمير القصة المصرية» وقالت: إن له أربعمائه قصة (الجهاد12/8/1937) ومع أن هذا الرقم مبالغ فيه حتي هذا التاريخ، فإن له مئات القصص علي مدار العمر، وقد جمع منها أكثر من عشرين مجموعة قصصية، تتضمن كل مجموعة عددا من طوال وقصار القصص، غير ما تركه في الدوريات التي كان يحررها إلي جانب جريدة المصري وغيرها، وقصصه القصار، طوال نسبيا، ومن هذه المجموعات: «المتمردون» 1932 «في البيت والشارع» 1933 «بائع الأحلام» 1935 «أول يناير» (8 يوليو) 1936، «الربيع الآثم» 1939، «زوبعة تحت الجمجمة» 1941، «آبار في الصحراء» 1948، «لوحات وظلال»، 1960، «واللهب المدفون» نحو عام 1974 وغيرها.. وغيرها، وله بالانجليزية Blue Wings «الأجنحة الزرقاء» مجموعة قصص ترجمها إلي الإنجليزية جير الدين اكنبري وبالفرنسية Zahira «زهيرة» مجموعة قصص مصرية نشرتها مجلة La semaine Egyptinne «الأسبوع المصري»، وزهيرة هذه بطلة قصة «حياة الظلام» ولعل هذه المجموعة القصصية هي مجموعة «8 يوليو» التي نشرت فيها «حياة الظلام» ولمحمود كامل مترجمات قصصية منها «جريمة حب» لمؤلفها فردريك دي ستراز صدرت عام 1937.
ومما ساعد كامل المحامي علي كتابة القصة، تطور المجتمع المصري بعد ثورة النساء، وانتشار كثيرات منهن سافرات إلي الشارع، مما أدي إلي نشوء علاقات ودية مع الرجال، وقد وسعت هذه العلاقة بين الجنسين من حدود موضوعات محمود كامل وغيره، ومن ناحية اتسعت دائرة طبقة في المجتمع نتيجة التعليم الجامعي في مصر وأوروبا الأمر الذي كان السبب في ظهور أعداد كبيرة من الأطباء والمهندسين والمحامين وما شابه، وأدي ذلك إلي لفت أنظار الأنثي إلي هذه الفئة، وكان ما كان بينهم مما هو معروف، وقد تناول المحامي هذه الطائفة في كثير من قصصه، مما جعل د. سيد حامد النساج إلي القول عنه: إنه كاتب الطبقة البرجوازية، وهؤلاء المتعلمون ليسوا برجوازيين وإنما هم أعلي الطبقة الوسطي، وفي حدود قراءاتي لمحمود كامل، فإنني أعرف جيدا أن في نفسه شيئا من الطبقة السرية الثرية في المجتمع، وبالرغم من أنه صار من سراة الناس، فإنه لم يكن منهم بحسه وفكره.
وقد تحدث عن شخوصه في مقدمة «حياة الظلام» 33 قائلا «كل الجهود التي بذلت حتي اليوم في كتابة القصة انصرف معظمها إما إلي تصوير شخصيات ريفية بحتة، أو شخصيات أبناء البلد، ونساء الحواري والأزقة، وهذه الجهود لها قدرها الأدبي.. ولكنني أردت بكتابة حياة الظلام أن أعطي صورة صادقة عن طبقة أخري لا هي بالغنية ولا الفقيرة، وقد تكون أدني إلي الفقر منها إلي الغني»، وحتي إذا وجدنا بعض الشخصيات الثرية في قصص، فإن هذا كان اختياراً وليس انتماء، ولو افترضنا جدلا أنه كان يعبر عن الطبقة البرجوازية، أليس من الواجب أن تمثل القصة المصرية جميع الطبقات؟!.
العقدة
وقصته تبدأ من الجملة الأولي، ليشغل ذهن القارئ، وتتسلل الأحداث في شيء من الهدوء، ثم يعقدها، أو يدخل عليها عقدة، ويجعلها تتأزم بمشكلة مفاجئة، وحينئذ يهلع القارئ وتشب مشاعره، ويمضي مسرعا في القراءة ليتبين كيف تحل المشكلة وبعض قصصه بهذا الشكل، وإذا كان الشخوص عاديين في أول القصة، وتبدو لنا أوصافهم الخارجية، فإنه منذ دخولهم في الأزمة، تظهر لنا أوصافهم الداخلية ، والنفوس لا يظهر ما في أعماقها غالبا إلا عند «ورطة»، ومن ذلك أن سهير في قصة «رصاصة في غيط الذرة» (مجموعة بائع الأحلام» كانت تعيش مع زوجها في منفلوط سعيدة الحال، وتخفي عنه ماضيها، وبغتة تفاجأ بحبيبها وخطيبها الأول
الذي كانت تتبادل معه القبلات في القاهرة، يدخل بيتها في منفلوط موقدا من والد زوجها الثري في مهمة، ولك أن تتخيل ماولّده هذا الموقف المفاجئ من فزع واضطراب، لا تستطيع معه ضبط مشاعرها، فأحاديث هذا الضيف ونظراته تشكل خطراً عليها، ويزداد الجو توترا عندما يترك الزوج زوجه مع ضيفه، وحين يجدد الخطيب الحبيب الأول ذكري الماضي، ويطالبها بالطلاق لتتزوجه، وبعد حكي مناسب يقتل الحبيب علي يد مزارع.
وهذه العقدة تعمل علي تماسك القصة، وتذكر القارئ بما طالع، وتجعله يربط بين ما قرأه وما سيقرؤه، العقدة حيلة فنية تشاغل ذهن المتلقي، وتحمله علي أن يتكهن بما سيحدث، ثم إن هذه العقدة تهز شخوص القصة وتنميها، أي لها أثرها النفسي والفني، والمؤلف في هذه القصة يستخدم الاسترجاع دون أن يذكر ذلك، فسهير عندما رأت خطيبها الأول، استرجعت كل ما كان بينهما حتي ولو لم يقل القاص ذلك.
المفارقة
كذلك تظهر قصصه المفارقات في الحياة ومن هذا قصة «حياة الظلام» وبطلها أحمد علوي المحامي الشاعر الذي ظل يستلهم شعره من «زهيرة» وتساعده صديقته البغي سوزي الفرنسية علي نشر شعره في مجلة فرنسية رائجة، وتترجم الصحف الأوروبية ثم المصرية هذا الشعر حتي حاز شهرة مدوية، ولأنه كان يحب زهيرة ويقيم معها في شقتها، فإنه أدرك في يوم من الأيام أنها عرفت غيره فهجرها، وبينما كان المسرح المصري يعرض مسرحية «زهيرة» سبب شهرته، والنظارة يهللون ويصفقون وهو يسمع هذا من خارج المسرح كان هو حالة هوس وإفلاس لأنه سدد ديون زهيرة بكل ما كان يملكه، وفي الوقت نفسه رأي «زهيرة» تلوذ بعشيقها القديم والمفارقة هنا أنه أصيب بالخبل بسبب زهيرة، أما هي فقد صارت لغيره، والمفارقة الثانية هي أنه ظل يجاهد ليكون شاعراً كبيراً مسموعاً وعندما بلغ قمة المجد والشهرة أصيب بالخبل، وتتكرر هذه المفارقات في أدبه القصصي.
وعلي ذكر القصة الطويلة «حياة الظلام» نبين أن أحمد بدرخان أخرجها سينمائياً عام 1940، وقام بالأدوار محسن سرحان وميمي شكيب وأنور وجدي وغيرهم.
وطبعت القصة عدة مرات، وتمثل نضجاً فنياً وهي خطوة علي درجة من الأهمية في تصوير مجتمع الطبقة المتوسطة المثقفة، وما يتعرض شبابها من اهتزاز وبطل القصة، أحمد علوي المحامي، فيه ملامح من حياة محمود كامل المحامي، فالأول لا يعير المحاماة اهتماماً كبيراً ويحقق مجداً أدبياً، وقد أثني علي «حياة الظلام» بعض النقاد والفنانين. قال يوسف وهبي «أو تعرف كيف أشبه حياة الظلام، إنها كقبلة طويلة تطبعها جريتا جاربو علي فم جيلبرت فتزمجر لها الصالة عن اعجاب وتمن، إذن دعني أنحني أمام خيالك» وحياة الظلام هي حياة عاهرة.
الواقع والتصور
وهو يتلاعب بخيال القارئ، ويجعله يتصور شيئاً، ثم يفاجئه بما جري في الواقع ليقضي علي تصوره، ففي قصة «الرجال طوابع بريد» نري فتاة «حكمت» لا ترغب في الزواج برجل قادته إحدي قريباته إلي فتيات قبلها، وإنما تريد فتي لم يتقدم إلي واحدة من قبل، وتحسب أن كل رجل هو بمنزلة طابع بريد، وكل فتاة ذهب إليها لخطبتها، ثم انصرف عنها، تكون قد ختمته بخاتمها، أي تركت فيه أثراً ما، فإذا تقدم الفتي إلي فتاة أو أكثر، يكون ختم مرة أو مرات، ولأن كل الرجال كذلك فإنهم طوابع بريد» ودون إطالة فإن حكمت تزوجت بحمدي لاعتقادها أنه لم يتعرض لخاتم فتاة واحدة، وتمضي الحياة بينهما جميلة، ثم تفاجأ هذه الزوجة المخدوعة، بأن زوجها حمدي كان متزوجاً قبلها من راقصة زواجاً عرفياً وانجب منها ولداً، وهذا هو الواقع الذي قضي علي التصور مما أثار الدهشة والغرابة.
وكثير منا، رجل أو امرأة، يخيل إليه أن الآخر كطيف الخيال لم يزر أحداً سواه ثم تتكشف الحقائق المخيبة للأحلام، والتكنيك الفني في هذه القصة وأمثالها يتجلي في إطالة الأحداث والمواقف التي تجعل المرأة سعيدة بزوجها، كما أن الزوج يضحي كثيراً من أجل الزوجة، حتي نتصور نحن كقراء أنهما سعداء، قام كل واحد منهما بختم طابع الآخر دون غيره، فإطالة الحكي في هذا الاتجاه هو الذي يعطي للقصة مذاقاً، ويجعل الوقاع يقضي علي التصور، ثم إن القاص لا يجعل الزوج تقدم لخطبة فتاة قبل حكمت، وإنما يرمي به في أحضان زوجة وينجب منها ولداً ليقوي التأثر في المتلقي.
القصة الحوارية
والقصة عند محمود كامل ليست سردية علي الطريقة المألوفة المكونة من سرد كثير وحوار قليل، علي طول المدي، وإنما منها قصص حوارية خالصة، لا سرد فيها، أو أن سردها هو الحوار فحسب مثل قصة «العالم في غرفة» «الجامعة 30/9/1937»، «قصة حب منطقي»، «الجامعة 4/11/1937» وهي عبارة عن «هو وهي»، رعدة الذكري «مجموعة أرواح بين السحب» وغيرها كثير، وقد يكون الحوار عبر الهاتف ووجها لوجه مثل القصة الأخيرة هنا، وفيها يلتقي شاب بسيدي بشر بامرأة، كانا منذ سنوات متحابين، وبينهما ما بين الأحباب من أحاديث الهوي والعناق والرسائل، فلما التقيا تذكرا ما جري، وحاول أن يحظي منها بقبلة، فرفضت لأنها كانت قد تزوجت وتناولا ذكريات حساسة، وافترقا علي وداد، دون وعد بلقاء.
وهذه القصة، وهناك أمثالها تنطبق عليها ضوابط القصة القصيرة، فأحداثها لم تتجاوز تذكرالماضي، وزمنها هو زمن اللقاء، والشخوص هو وهي، ولكن هناك من قصصه ما تكثر فيها الأحداث، ويتنوع فيها الشخوص، وتتعدد فيها الأماكن، ويطول فيها الزمن، وتتناول موضوعاً واسعاً، مما لاتنطبق عليه شرائط القصة القصيرة، وأظن هناك غيره يفعل نفس الشيء ويطلق علي ما كتبه قصة قصيرة وهي طويلة أو طويلة نسبياً وأحداثها مضغوطة.
وهذا اللون من القصص الحوارية كثير عند محمود كامل، ويشكل ظاهرة والقصة الحوارية يسرد فيها المتحاوران القصة بضمير المتكلم، وكلما كان القول الواحد قصيراً تتابعت الحركة مع السرعة، وهذا من مزاياها، وهي ليست كالقصص السردية التي تتنقل فيها الحركة بطيئة نسبياً، ويبدو أن المحامي مسرح القصة بالحوار علي سبيل التنويع، والراجح أن هذا جاءه من تعوده علي كتابة المسرحيات التي تنهض علي الحوار وحده، وفي عديد من المسرحيات تكون هناك فصول أو مشاهد لا يتحاور فيها إلا شخصان.
وقد نقل هذا إلي القصة، ونقل أيضاً الإرشادات المسرحية، ففي حديث أحد المتحاورين في القصة السابقة يفتح قوسين ويكتب «تهز رأسها في بطء» أو «مطرقة إلي الأرض».
ويتواصل الكلام، وإن ما بين الأقواس هو تصوير حالة، وهذه الارشادات من صميم المسرح.. إن القصة الحوارية عند محمود كامل بمنزلة مسرحية من فصل واحد.
الرسائل
وهذا اللون من القصص قد يأتي في رسالة واحدة، مثل «أنقاض امرأة»، «مجموعة فتيات منسيات»، وهي رسالة من امرأة مجهولة، بطلها حامد وناهد، ويصور فيها غيرة المرأة علي الرجل، بالرغم من أنها لم تتزوجه، وتذكره دائماً وهي محطمة، وقصة «عندما اتفقنا أن نفترق» «الجامعة 25/11/1937» و«الملعونة» «الجامعة 9/12/1937» وغيرها وهذه الرسالة الواحدة هي قصة سردية عادية، وقد تأتي القصة في رسائل متبادلة بين اثنين مثل قصة «عطر قديم» «مجموعة أرواح بين السحب» وهي قصة عاطفية نفسية، يتلون فيها الحب بلون قابض، فبينما هي تستدنيه بنغمة شجية، يتهرب منها هو بكلمات عاطفة، وكلاهما يدقق النظر في كلام الآخر، ويدون ملاحظات ذكية كاشفة،ويوضح القاص الفارق بين الحب والحنان.
وأهم ما في هذه الرسائل المتبادلة قوة التبليغ من طرف لآخر بالحالة التي هو عليها وكل مسألة تأتي بجديد في إطار تسلسل الأحداث والأفكار ولا تخلو هذه الرسائل من التشويق، فإننا بعد أن نقف علي مشكلة في رسالة نتابع ردود الطرف الآخر في الحل أو التصعيد، وكثيراً ما ترد الرسائل الأولي في هذه القصص غائمة للإثارة، أما الرسائل الأخيرة فتسير بالقصة إلي غايتها، وهذا الضرب من القصص يشبه إلي حد ما القصص الحوارية، فالرسائل المتبادلة حوار بين اثنين، غير أنها أكثر إسهاباً وتفصيلاً، وألين عبارة حتي لا تكون مقفرة جافة، لأن المجال فيها يحتمل التعبير والتفصيل، نظراً للفرصة المتاحة أمام المرسل، وهذا الشكل القصصي مطروق من قبل المحامي، ويعبر عن الطبقة المثقفة أو المتعلمة لأن الأميين لا يكتبون رسائل.
اليوميات
ومن قصصه ما يأتي في شكل يوميات، أي تتكون القصة في فترة زمنية من خلال هذه اليوميات، ويسجل في اليوم الواحد ما يقع فيه من أحداث، وهي حيلة فنية وليست حقيقية، لأن المرء الذي يدون يومياته يسجل في اليوم الواحد عدة أشياء أو أحداث ليس بينها رابط، أما اليوميات القصصية فلا تعني إلا بالأحداث المتعلقة بالقصة، وتأتي منسقة، وحادثاتها متماسكة متسلسلة وتواريخ يوميات قصص محمود كامل وغيره بمنزلة عناوين جانبية لمشاهد القصة أو فصولها، ولا نشعر بتنافر بينها أو تباعد- وعلي سبيل المثال جاء في آخر يومية 14 يونيو من «حياة الظلام» قول راوي القصة بضمير المتكلم: «وتناولت مجموعة قصص مسرحية للمؤلف الفرنسي رومان كولوس ومن بينها قصة عنوانها «المعجزة في الحب».. وفي أول يومية 25 سبتمبر أي بعد أحد عشر يوماً من اليومية السابقة يقول: إن رومان كولوس هذا كاتب مجنون ولاشك..» فهو يتحدث في يوميتين منفصلتين عن موضوع واحد، وكأن شاغلاً شغله في اليومية الأولي فعاد يكمله في يومية ثانية، وأدب اليوميات كثير في أدب كامل المحامي مثل قصة «حنين» «الهلال ديسمبر 1930» و«الجارة الراحلة» مجموعة «القافلة الضالة» و«نسيان»،«الجامعة 25/5/1939»، كذلك فإن القصص السردية العادية المعقدة، والمتسلسلة بغيرعقدة كثيرة.
مضامين القصص
وتشتمل موضوعاته علي قدر كبير من قصص الحب، وهذا اللون أكثر أنواع القصص رقة، وهو المناسب للعواصم والمدن الراقية، والحب ليس في حاجة إلي الفهم بقدر ما هو في حاجةإلي تحليل، وقد نهض محمود كامل بهذه المهمة، فتحدث الغيرة في قصص كثيرة منها «أنقاض امرأة» وعن الشك في قصة «الشك الهائل» «الهلال يناير 1931» وميز بين من يحنو علي امرأة، ومن يحبها، وكما بين أثر الحب في سقوط إنسان ودوره في ترقيته وصعوده، فأحمد علوي في حياة الظلام لكي يظفر بزهيرة بنت الباشا، ويجعلها تهفو إليه وتحبه، انتظر حتي يحصل علي ليسانس الحقوق، ويدرج اسمه في جدول المحامين ليخاطبها باسم أحمد علوي المحامي، ثم ناضل وطاول ليكون شاعراً عالمياً، وتحدث كامل المحامي عن العقد النفسية التي يسببها الحب، وعن دور الحب في تنشيط ملكة التخيل، وهكذا من يتتبع قصصه يقف علي قدراته الذهنية في التحليل.
وهو يسلط فكره علي الطبقة المتوسطة، فإذا تناول الطبقة العالية أبرز معايبها، ويقول د. سيد حامد النساج إنه كاتب الطبقة البرجوازية ويتساءل: «هل كشف عيوب هذه الطبقة وتناقضها، ومساوئها وخطرها علي المجتمع» ويجيب قائلا: «ولا نحس في قراءتنا لقصصه» القصيرة، أنه حاول نقد الأوضاع التي كانت عليها الطبقة البرجوازية».
وسترد قصص محمود كامل عليه، ففي قصة «غرام ذات صيف» مجموعة «أرواح بين السحب» يكذب المحامي صاحب العزبة النائية علي محبوبته شمس، فإذا سأله أين كنت، قال لها كنت أتناول الطعام في المطعم ، بينما هو يحتسي الخمر، وينظر النساء حتي منتصف الليل، ونكتشف كذبه وخداعه، وفي قصة خيبة دونجوان «يخدع شكري بسيوني، المعيد بكلية الهندسة» مرأتين، ويظهر حبه لهما، وينتج عن ذلك تشاجرهما، والتفاف الناس حولهما، وينتقل المعيد إلي امرأة ثالثة، ورابعة.. وصارت النسوة يعترفن من أجله،ويطلقن الشائعات عليه، أما هو فقد فشل في إعداد البحث الذي كان مفروضاً أن يتقدم به لنيل الدرجة العلمية التي تؤهله للترقية وعليه في قصة «أرواح بين السحب» بنت مدير المديرية التي كانت إذا هبطت من عربة أبيها نزل الشاويش ليفتح لها باب العربة، تعشق شقيق صديقتها، الذي يخرجها من عزلتها لتركب معه عربته ليختلي بها وراء أكمة، هذا عدا الخيانات الزوجية، ومن هذه القصص كثير والتي تظهر فيها خيبة شبان هذه الطبقة، وخداعهم، ونفاقهم، وسوء تربيتهم، أليس هذا من عيوب هذه الطبقة؟ وفي كثير من القصص يخضع أفراد من الطبقة العالية لأفراد من الطبقة الوسطي، أقرب إلي الفقر، ففي قصة «رصاصة في غيط الذرة» تتزوج سهير ابنة وكيل الجمعية الاستهلاكية براشد ابن الرجل الثري جداً، وتلهث فتاة ثرية لها فيلا في إسكندرية، وعائمة في الزمالك، وراء ابن رجل بسيط فقير ليتزوجها، وذلك في قصة «الكلب يضحك أحيانا» «مجموعة بائع الأحلام» بل تظهر زهيرة ابنة المرحوم إبراهيم باشا حلمي وكأنها بغي تتنقل من رجل إلي رجل، فأين تمجيد كامل المحامي للطبقة العالية أو البرجوازية؟ قلت وأكرر القول: إن محمود كامل في نفسه أشياء من هذا الطبقة العالية الغنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.