«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصحيح الاخطاء العلمية فى تحليل الشخصية : المصرى ثورى .. وقابل للتغيير

باعتراف العلماء والباحثين أنفسهم.. فإن دورهم يقتصر غالبا على التشخيص والتحليل وربما تقديم حلول.. أما تحقيق التغيير المرجو وطريقة وأساليب تنفيذه فتفوق طاقاتهم وإمكانياتهم.. وبالتالى فإن ما انتهى إليه المؤتمر السنوى للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، والذى اختار فى دورته ال12 عنوانا عريضا.. «الشخصية المصرية فى عالم متغير».. كان أقرب إلى تشريح هذه الشخصية وتحليل واقعها، فهى رؤية أقرب للنظر فى المرآة عن قرب، ولم تقدم إلا توصيات لأصحاب القرار وفقا للأوراق المقدمة، فالأمر يتجاوز قدراتها للدرجة التى أقر فيها د. أحمد زايد بمحدودية قدرات العالم، ولم يبالغ حين قال: «لسنا أنبياء ليصبح التغيير بأيدينا، فنحن نفتقد الكاريزما أو صناعة المعجزات»!
برنامج المؤتمر الذى عقد على مدار 3 أيام، حملت جلساته وأبحاثه عناوين براقة وشيقة، وشارك فيها نخبة من العلماء اثروا النقاشات وحاولوا تحليل وسبر أغوار الشخصية المصرية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والنفسية، وحتى القانونية بداية من الأنماط التى تميزها بين الخضوع والثورة، وتحليل الخطاب اليومى، بما فى ذلك أثر التحولات الاجتماعية على شخصية الطبقة الوسطى، وكذلك رصد تغييرات لافتة فى الشخصية النوبية والبدوية باعتبار الأولى إثنية مصرية ذات طبيعة خاصة، والأخرى فئة لم تصل للاندماج الكامل مع المجتمع المصرى.. وغيرها من أوراق عن الزى وتغير علاقته بالجسد، والقيم السائدة حاليا!
لا يمكن إغفال المجهود المبذول من قبل الباحثين أو التقليل من قيمة الأوراق المقدمة والتى جاءت فى أغلبها مميزة وكانت النقاشات الدائرة فى الجلسات ناقدة لمناطق النقص فيها أملا فى تلافيها قبل طباعتها ونشرها فى صورتها النهائية.
لكن النتائج لم تأت بأى مفاجآت، وإن وضعت يدها على مواطن الخلل، ورصد تطورها، وحين انتقد البعض أن الدراسات لم تقدم رؤية للمستقبل، واكتفت بتوصيات، كان أن رد د. قدرى حفنى بأن العلم لا يدرس المستقبل لأن الأمر قد ينطوى على مغامرة، وقد تتأثر بالتوجه الفكرى للباحث، وأن دورهم ينتهى بالتنبؤ بالمستقبل فقط.
كل الأفكار كانت فاحصة فى نماذج وعناوين موضوعات صغيرة، تتجمع حول بعضها لتكوين الصورة الأعم والأشمل للشخصية المصرية، وإن جنحت إلى نقد الذات بشكل واضح، وفى هذا اعتمد بعضها على آراء وانطباعات دراسية سابقة كما جاء فى الدراسة المهمة «عن الشخصية المصرية وقيم التنمية» التى قدمها الباحثان د. «منال زكريا» - مدرس علم النفس بجامعة القاهرة - د. «خالد عبدالفتاح» - مدرس علم الاجتماع بجامعة حلوان - عن تصورات الشباب المصرى للشخصية المصرية وقيم التنمية والحداثة، والتى بدأت تعريفها لهذه الشخصية وفقا لتوصيفات سابقة تعتمد المصريين بأنهم متدينون متمسكون بالتراث ويتسمون بالخمول والبلادة والكسل واحترام كبار السن والاعتقاد فى الخرافات، أو كما انتهى إليه «حامد عمار» بأنها شخصية فهلوية تتسم بالقدرة على التكيف السريع، والمبالغة فى تأكيد الذات وإيثار العمل الفردى على العمل الجماعى!
أو كما يراها «عزت حجازى» بأن المصرى متصلب لا يقبل التغيير، ويتمسك بالأرض ويتصف بالقدرية، متقلب المزاج ولا يتسق قوله بسلوكه.. لتبلغ أقصاها عند «أحمد زايد» الذى يرى أنها تتسم ببعض الخصال أهمها التناقض والازداوجية، الشك والتوجس، التعلق بالأشخاص، الميل التبريرى، السلبية والصبر، الفكاهة والمرح، التواكل!
اللافت أن هذه المعايير الموصوف بها الشخصية المصرية لم تكن جديدة وإن استمرت على مدار أكثر من مئات السنين، ولا شك أنها موجودة فينا فعليا، ونلحظه فى تعاملاتنا اليومية، لكن الملاحظ أيضا الميل الشديد إلى نقد الذات والجنوح إلى وصمنا بالسلبية على طول الخط!
وحتى فى دراسة تخص الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية المصرية وعلاقتها بالمشاركة السياسية والتى عرضتها د. سوسن فايد فى الجلسة التى ترأستها د. فوزية عبدالستار أن هناك استعدادا شخصيا لدى المصريين للسلوك السياسى والمشاركة لكنه كامن، وانتهت الباحثة أن عينتها من الشباب اتصفوا بالتقدير السلبى للذات، وعدم الثبات الانفعالى.
وكشفت عن ازدواجية تتمثل فى نسبة الاهتمام بالأمور السياسية فى حين أظهرت النتائج محدودية المشاركة فى الانتخابات مثلا أو الانضمام للأحزاب.
يتماشى مع ذلك ورقة أخرى لا تقل أهمية عن الأبعاد السياسية للشخصية المصرية التى قدمها د. إكرام بدر الدين وبرغم اعترافها بكاريزما الشخصية المصرية ودورها القيادى عبر التاريخ إلا أنه لاحظ فى دراسته حالة فصام بين المواطن الذى يعتمد فى نظرته بشكل مبالغ فيه على السلطة السياسية فى تنظيم أمور حياته وحمايته، وأصبح يتوقع منها أن تعلمه وتوظفه وتعالجه، وتوفر له السكن بالإضافة إلى دورها الأمنى والدفاعى.. وهو نفسه المواطن الذى لا يثق فيها ويتشكك فى نواياها وإن كان يحمل فى ذاته احتراما للسلطة مبالغا فيه وعدم الميل للمبادرة.
لا غبار على ما انتهت إليه الدراسات الفارقة فى تفصيلات تخص موضوعها.. إلا أن د. على الدين هلال كان ناقدا للأبحاث المقدمة، وإن لم يشأ الغوص فى تفصيلات وإنما قدم من جانبه دستورا جديدا، ومنهجا خاصا، ونواهى للباحثين، فى شكل وصايا، وصفها بالقواعد الذهبية لفهم الشخصية المصرية.
أولا: تحدث عن الشخصية المصرية بحذر وتحوط، ولا تتحدث عن المطلقات، وأعط اهتماما أكبر للشخصيات النوعية الموجودة، ولا تنزلق فى التنميط.
بمعنى أنه يجب إعطاء احترام أكبر للتنويعات الفرعية والتى تنشطر إلى تنوعى جغرافى «حضر - ريف - بدو»، أو عمرى «شباب - كهول»، وآخر يخص الخبرات التاريخية لبعض المناطق والمحافظات مثل «الأقصر - أسوان»، تنوع دينى «إسلامى مسيحى»، إثنى «كالنوبيين نموذجا» بصفته كيانا مصريًّا أصيلا له سمات مختلفة وسوف نتعرض له لاحقا.
ثانيا: لا تصدق خرافة جمود الشخصية المصرية واستمرارها دون تغيير.
وعن ذلك يقول: من أخطاء الباحثين أنهم يطالبون المصرى أن يتحرك ويتصرف حسبما يريدون.. فالشخصية المصرية متطورة ولكن ببطء، والدليل أننا نتحدث عن شعب غير دينه من الفرعونية إلى المسيحية ثم الإسلامية، وبدّل لغته، حتى ملبس المرأة المصرية تطور على مدى 60 عاما من اليشمك والبرقع حتى خروجها سافرة ثم عودتها للحجاب مرة أخرى.
ثالثا: ابتعد عن التوصيفات الجامدة أو التعميمات الجوفاء مثل أن المصرى صبور أو لا يثور أو خانع ولا يلجأ إلى العنف!
فالمصرى يصبح وحشا فى أى حالة تمس الأرض أو العرض، فهو قد يقتل ابنته وأمه وزوجته إذا فرطت فى شرفها، أو دفاعا عن الدين أو طلبا للثأر.. فالأرض بالنسبة للمصريين مجال خارج المساومة، وهو ما يفسر حالات الاعتصام، فإذا شعر أن مورد رزقه فى خطر يتشبث بالأرض، والملاحظ أنه لا يفعلها مثلا لتغيير مادة فى الدستور.
فالمصرى ثائر وغير خاضع، وعنيف، مقاوم، لكن صياغة السؤال الأصح هو متى يصبح المصرى هكذا، ومتى يبدو متواكلا صبورا؟!
رابعا: لا تبحث عن الشخصية المصرية فى بطون الكتب بل فى سلوك البشر وحياتهم اليومية.
فلا يمكن فهم أو تقبل أحكام هى فى الأساس انطباعات قدمها بعض الرحالة الذين لم يعيشوا فى مصر إلا أعواما قليلة، وجاءت آراؤهم مجرد انطباعات أو انحيازات عن سحر الشرق وغموضه، وعلى من يريد أن يحلل السمات المصرية يقرأ وصف الحياة اليومية للناس!
فلا عجب أن يكون أسوأ وصف لنا عند المقريزى بأننا كذابون وغشاشون، والواقع أن الحكم على الأفعال والسلوكيات وليس الأقوال.
خامسا: قبل أن تطلق أحكاما أو تعميمات عن الشخصية المصرية انظر فى شخصيات شعوب وأقوام أخرى.
ففكرة الاستبداد يتحدث البعض عنها وكأنها اختراع مصرى، ليس له نظير فى طول الكرة الأرضية وعرضها وهذا غير صحيح.
سادسا: التزم بالتواضع عند الحديث عن الشخصية المصرية ولا تبالغ فى قوة الدولة على تغييرها.
فلم تستطع الحقبة الناصرية تحقيق أفكارها وشعارتها فى تغيير المصريين، وربما كانت التجربة السوفيتية على مدار 70 عاما بأقوى أدوات القهر قد شنت حربا ضد الله والأديان والقوميات وحين انهارت تفككت وعاد كل منهم إلى ديانته وإلى لغته التى حوربت لنكتشف أنها ظلت على قيد الحياة فى المنازل، وبالتالى فإن المصرى ليس قطعة من الصلصال يسهل تشكيلها، بل هو شخصية معقدة ومركبة.
سابعا: عليك أن تبدأ بما هو قائم.. ابدأ بالمصرى كما هو عليه واحترم مخاوفه وتطلعاته وأفكاره بغض النظر عن رأيك فيه وعن مدى فهمك لها.. يمكنك أن تحاول التغيير أو التطوير ولكن تأكد أنه بطىء وتراكمى.
ثامنا: ضرورة التغيير وهنا يتكلم د. على الدين هلال بصفته باحثا، ومعبرا عن وجهة نظره بأنه لا مناص للتغيير وأرجع ضرورته إلى التحرك العالمى السريع بشكل متدفق لا ينتظر العابثين أو اللاهين، كما أن السياق الجغرافى لمصر وطبيعة العلاقة بين المكان والبشر أوجبت علينا مجموعة من التوترات لابد من حلها بعيدا عن الأفكار المعلبة وأخيرا التقدم العلمى والثورات التكنولوجية المتلاحقة.
انتهت وصفة د. هلال وبنوده الثمانية لكن يبقى تساؤل طرحه بنفسه حول رؤيته للمستقبل، وماذا نتمنى تحقيقه؟
جاءت إجابته دون شطط.. واختصرها فى أن كل أمانيه أن نصبح جزءا من العالم، وأن ما يكون مطروحا فى مناقشاتنا هو ذاته الذى يناقش على مائدة العالم من حولنا، وأن نتحاور بنفس الأسلوب والمنهج.
فحسب قوله لا يمكن أن تكون معركة وزير التعليم هى محاربة مقولة «لا مدارس بعد مارس» أو جدلا ثائرا حول منهج التربية الدينية فى الوقت الذى تتماشى فيه مناهج الفيزياء والعلوم والرياضيات فى بلدان مثل تونس ولبنان مع الصيغة العالمية!
تغيرنا بالفعل
من المصادفة أن تأتى رؤية د. عبدالمنعم سعيد مكملة لوصايا د. هلال، وراصدة ومؤكدة أن التغيير فى الشخصية المصرية بدأ فعلا، وأن تحركا واختلافا فى مجمله إيجابيا طرأ على المصريين وعلى طبيعتهم الساكنة لفترات طويلة، وقدم وجهة نظره وفقا لأربعة معايير تؤثر وتتأثر بها الشخصية فى عملية التغيير.
فى مقدمتها الإقليم حيث أوضح أن علاقة المصريين به بدأت بالتغير بشكل لافت سواء من داخل الريف إلى المدينة، ومن المدينة إلى ضواحيها مدللا على رغبات الآلاف والملايين فى سكن مدن 6 أكتوبر والتجمع الخامس والشروق وغيرها كنموذج.
ثم الخروج من الوادى إلى البحر.. فكما تربى المصريون وعاشوا لعقود وأزمنة على 3% من مساحة المحروسة، افترشوا الآن 7% من المساحة وإن كانت أغلبها إلى المدن الساحلية مثل مرسى علم - السخنة - شرم الشيخ - الساحل الشمالى - سفاجا والتى كانت تعبيرات غامضة فى الماضى واستطاعت أن تجذب أهالى مدينة قنا أصحاب الطبيعة الصعبة للتعامل مع آلاف السائحين، حيث تطورت علاقة المصرى بالنهر عندما لامست أقدامه البحر.
وأضاف: من البحر انتقلت علاقة المصريين بالإقليم حيث انطلق أكثر من 7 ملايين مصرى للخارج، ولم يعد يأبه بمقولة «عواد باع أرضه»، ودخلت الهجرة كمتغير جديد على علاقة المصرى بأرضه.
العلاقة مع الزمن هى المتغير الثانى، والمعيار الذى قاس به «سعيد» التغيير الحادث فى المصريين، ولم يعتبره بطيئا كما كان يرى د. هلال واعتبر أن التواصل السريع مع التكنولوجيا ووسائل الاتصال مفاتيح للتغيير، حتى أنها خلقت بين المصريين لغة جديدة.
أما المعيار الثالث فكان العلاقة مع السلطة، والذى يرى أن التغيير الحادث فى علاقة المصرى مع الإقليم والزمن جعلته يتغير مع السلطة فلم يعد خانعا، ودلل «سعيد» على ذلك بظهور جماعات مادية بعيدة عن إطار سياسى محدد تتحرك وتحتج فى صورة جديدة لم يستوعبها السياسيون التقليديون، ومنها يتوقع أن نقطة الوصول إلى الديمقراطية قادمة لا محالة.
أخيرا رصد د.«عبدالمنعم سعيد» أن تغييرا طرأ فى علاقة المصرى بالمجتمع قائلا: المصرى بدأ يبحث عن نفسه أولا وهذا أمر جيد، فلا يمكن استيعاب المصرى فى جماعة استبدادية سواء فى الأكل أو الملبس أو غيره، وأصبح صاحب مبادرة،فانتشار المدونين والمدونات جعلت منه كتلة رأى متحركة ويبحث عن صيغة تميزه وحده يمكن التقاطها فى ارتداء المصرية للحجاب الملون أو على بنطلون جينز، وحتى لا يفقد العلاقة مع العالم أو مع الله!
عودة إلى د. «قدرى حفنى» الذى رصد بدوره أن الشخصية المصرية تعانى حاليا من أزمة انتماء بين محيط عربى ووطنى ودينى، كان يمكن أن تتعايش وتتدرج حسب الظرف الاجتماعى والسياسى، لكنه أوضح أن الانتماء الدينى هو أصبح الغالب على بقية الأنواع ضاربا مثلا بمناقشته رسالة دكتوراه فى الثمانينيات عن ظاهرة الحجاب فى الجامعة المصرية، أما الآن فيمكن أن تصبح الدراسة والملاحظة حول ظاهرة السفور بعد أن تحجبت الجامعة!
مشددا على أن خطورة تعاظم الانتماء الدينى يكرس العزلة ويشطر المجتمع إلى مسلمين ومسيحيين وهو الخطر الحقيقى الذى يهدد الشخصية المصرية!
النوبة المصرية
للحالة النوبية خصوصية فى التعامل معها، حتى الدراسات التى تجرى بهدف التعرف على طبيعة الشخصية النوبية باعتبارها جزءا من الشخصية المصرية، لا ينفى عنها أنها تتمتع بخصائص تميزها، والتى تعكس فى الوقت نفسه ما تتمتع به الشخصية المصرية من التنوع والثراء.. إلا أن الهجرات المتتالية التى اضطر لها النوبيون المصريون ساهمت فى إعادة تشكيل بيئتهم وأثرت على ملامح تلك الشخصية.
فالشخصية النوبية كما هو معروف عنها مسالمة وتميل للوداعة، لكن يبدو أن تغييرا قد طرأ عليها تأثرا بالأماكن التى هاجروا إليها، وتخلت عن وداعتها وأصبحت أكثر حدة وعنفا فى التعامل مع الآخر، وبرغم ذلك يرفضون محاولات استغلالهم لضرب الاستقرار فى مصر، ويرفضون تشبيههم بوضع الأكراد أو الأفارقة الأمريكان، خاصة أنهم يدركون أنهم لا يواجهون حاجزا تشريعيا أو مؤسسات تكرس التفرقة!
هذا ما توصلت إليه الباحثة د. «الشيماء عبد العزيز» - خبير العلوم السياسية بقسم بحوث الاتصال الجماهيرى والثقافة بالمركز القومى للبحوث - فى بحثها الذى يحمل عنوان «التغير فى ملامح الشخصية النوبية»، حيث قامت بدراسة عينة مكونة من 25 نوبيا من المهاجرين المقيمين فى القاهرة الكبرى وأبنائهم، والتى تنوعت ما بين ذكور وإناث تراوحت أعمارهم ما بين 22 و85 سنة.
الباحثة راعت توزيعهم من حيث الحالة التعليمية ما بين أميين، وحاصلين على مؤهلات فوق المتوسطة وعليا وحملة دكتوراه من الذين يعينون فى أحياء القاهرة الكبرى الراقية والمتوسطة وحتى الفقيرة، وإن كان أغلب أفراد العينة من أصحاب المهن التخصصية حاليا أو سابقا.
أفراد العينة ينتمون إلى 16 قرية نوبية هى أمبركاب ومحرحة وقرشة وعنيبة والمضيق وسيالة، وكلابشة ودكا، وتوشكى، وماريه، وكوشتمنة شرق، والدر، وأدندان، والجنينة، والشباك، وقسطل، وأرمنا.
هذا فضلا عن انتماء هؤلاء النوبيين عينة البحث إلى عدة قبائل نوبية منها السعداب والحجناب والونساب والعلياب والبداجاب والدفراب وأبو صلاح وآل موسى، الجبجارية والجدكول والكوليداب والصبواب والجدوكاب، وإن ذكر بعض المبحوثين أنهم لا ينتمون إلى أية قبائل وإنما عائلات كبيرة.
د. «الشيماء عبدالعزيز» استعرضت تاريخ منطقة النوبة فى بداية بحثها ثم رصدت ما جرى منذ خمسينيات القرن العشرين والتى شهدت عدة قرارات أبرزها تأميم قناة السويس وبناء السد العالى الذى أدى إلى تغيير جذرى فى البيئة النوبية بعد الهجرات التى تعرضوا إليها، والذى ساهم فى تغيير الشخصية النوبية بعد أن كانت بسيطة ومسالمة ولا تميل للمغامرة وغير مادية وتتمتع بالأمانة والتسامح والمبالغة أحيانا فى الثقة إلى شخصية أكثر حدة وعنفا، وكما يقول أحد المبحوثين : «كان لازم نكون ناشفين عشان نعيش، الضعيف بيتاكل».
الباحثة أشارت إلى ظهور بعض التحولات على الشخصية النوبية التى أصبحت أكثر عنفا، مع تراجع بعض القيم كاحترام الصغير للكبير على مستوى المجتمع النوبى.
جميع حالات العينة أجمعت أنه لا يوجد إحساس لدى النوبيين بالاختلاف العرقى، بل أكد بعضهم اعتزازه بأصوله العربية، مضيفة أن أغلب أفراد العينة من المتزوجين من نوبيين أو نوبيات وعددا قليلا منهم متزوج من خارج المجتمع النوبى.
وحول الموقف من الزواج من الخارج أشار المبحوثون إلى أن الأمر أصبح يسيرا بصورة تدريجية، فرغم أن بعض المبحوثين واجه معارضة لرغبته فى الزواج من خارج عائلته إلا أنه تدريجيا تقبل المجتمع النوبى فكرة الزواج من خارج العائلة أو القبيلة، وأحيانا من خارج القرية ثم من خارج الجماعة الثقافية!
مضيفة أنه رغم زواج النوبى من خارج قبيلته إلا أن هذا لم يقطع صلة النوبى بقريته، فحافظوا على علاقاتهم بمسقط رأسهم وذويهم من خلال الزيارات الدورية وتوثيق علاقتهم بأبناء قراهم فى أماكن الهجرة والعمل عن طريق إنشاء الجمعيات الخيرية والنوادى.
وقالت الدراسة أن الجمعيات النوبية برغم نشأتها فى مطلع القرن الماضى، وبالتحديد عام 1902 إلا أنها لم تمارس نشاطا سياسيا، ولم تتبن أيديولوجية، بل لم تشارك فى العملية السياسية لأن هدفها فى المقام الأول كان مساعدة أعضائها على الاندماج فى المجتمع الجديد مع تخفيف عبء الصدمة النفسية للمهاجرين الأوائل.
وأشارت الدراسة إلى أن بعض المبحوثين رأوا أن الهوية النوبية فى طريقها إلى التراجع والاختفاء البطئ، وأن النوبيين عرضة للذوبان الثقافى.
وعن مستقبل التراث الثقافى النوبى يؤكد المبحوثون أهمية دعم الثقافة النوبية، خاصة اللغة والاهتمام بكتابة هذه اللغة وتعليمها.
أما الفرح النوبى التقليدى فتقول الدراسة أنه تأثر بتغيير الإطار البيئى، فكثير من الطقوس انتهت ومدة الفرح اختصرت، فلم تعد تستمر عدة أيام.
كما تأثرت بالأوضاع الاقتصادية، فالفرح النوبى مكلف كما يقول أحد المبحوثين.
ويرفض النوبيون فى عينة البحث كما توضح الدراسة استغلالهم لضرب الاستقرار فى مصر، كما يرفضون بشدة تشبيههم بوضع الأكراد أو الأفارقة الأمريكان، فالنوبيون يدركون أنهم لا يواجهون حاجزا تشريعيا أو مؤسسات تكرس التفرقة العنصرية، بل يرفضون وصفهم بالأقلية من منطلق قولهم «إن النوبة ليست خارج الوطن فلسنا مقهورين داخل وطننا، فنحن نوبيون مصريون لنا ما لكل المصريين وعلينا ما عليهم ولنا خصوصية لا نرضى لها بأن تذروها رياح الزمن أو أن تذوب قصدا، خاصة أن الجماعات النوبية تتمتع بكامل حقوقها السياسية والدستورية ولا تعانى أى تمييز فى تولى الوظائف العامة.
ويرفض الأدباء النوبيون أن تتهم قصصهم بأنها تحمل نبرات انفصالية، فالهدف فى تلك القصص ليس الدعوة للانفصال، وإنما التعبير عن مجتمع ذى خصوصية، ومواجهة مشاكله بهدف إيجاد حلول لها، ومن هذا المنطلق، يقترح الباحثون إزالة أسباب الإحساس بالمعاناة الذى يشعر به النوبيون من خلال مشروع وطنى لإعادة توطينهم وتعمير النوبة القديمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.