إن ظهور جماعات التطرف التى تتخفى وراء الدين قد يكون أحيانا سببا فى توحيد صف علماء المسلمين وتركيز جهودهم بعد أن تهلهل الخطاب الدينى الموحد محليا ودوليا نتيجة للخلافات المستمرة فى الآراء الفقهية بين بعض العلماء، إلا أن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام والمعروف إعلاميا ب«داعش» قد عجَل بهذه الوحدة بعد أن تبينت سوء العاقبة الناجمة عن تفشى فتاوى «الدواعش» على عالمنا العربى والإسلامي. استقطاب الشباب إلى الجهاد المزعوم فى عقيدة الفكر الداعشى هو الغاية، وقد نجحت بالفعل هذه الجماعة فى ضم عدد كبير من الشباب المحبطين الذى نجحت فى الاستئثار بعقولهم، وتلاعبت بأفكارهم وعقائدهم واستبدلتها بأفكارها المسمومة من خلال جواسيس تنشرهم الجماعة فى مختلف الأقطار العربية مُحملين بفتاوى دينية توجب على الشباب العربى ضرورة الجهاد تحت لواء الدولة الإسلامية - حسب معتقدهم - هيهرول الشباب عليها خاصة إن كانوا يعيشون مرحلة تغيير من حياة المجون إلى حياة الالتزام الديني، مثلما حدث مع إسلام يكن الشاب المصرى خريج مدرسة «الليسيه» الذى كان يعيش حياة مرفهة يقيضها بين النادى و«الجيم» والأصدقاء، لتتحول حياته 180 درجة، فيلتزم دينيا لفترة، ثم ينطلق إلى سوريا منضما لكتائب الجماعة الإرهابية. نتيجة لما سبق أطلقت دار الإفتاء المصرية مؤتمرها العالمى الأول الذى شاركت فيه خمسين دولة إسلامية من أجل مواجهة الفتاوى المتطرفة وضبط منظومة الفتوى محليا وعالميا، وتزامنا مع المؤتمر نفتح ملف فتاوى «داعش» ومخاطرها على الأمة الإسلامية وعلى الشباب المسلم مع عدد كبير من الفقهاء والعلماء. فى البداية يقول العالم والداعية اليمنى الحبيب على الجفرى إن تبعثر أهل الإفتاء الحقيقيين قد أفسح المجال أمام ظهور الفتاوى المسيسّة والمتطرفة من جانب بعض الجماعات، فما نراه اليوم من اشتعال واحتراق يحدث فى المنطقة والعالم ويأتى تحت اسم الله والدين بإصدار فتاوى ممن هم ليسوا أهلا لها، فأهل الإفتاء الحقيقيين هم كثرة مبعثرة يقابلهم أدعياء من مستغلى الدين، لذا فإن أكثرية مبعثرة مقابل أقلية منظمة لا يمكن أن تتصدى لهذه الفتاوى، لذا يجب أن يحدث نوع من التنسيق الضرورى والذى يكون من خلال التواصل لمواجهة هذه الموجة التى تسىء إلى التدين وتهدد الأوطان، لافتا إلى أن الشباب يجب تحصينه من هذه الفتاوى من خلال التعلق بمنهج الشريعة الصحيح، فنحن نعيش أمّية دينية ونحتاج إلى محو هذه الأمية فى أسرع وقت ممكن. بينما تناول الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، فكرة تفجير النفس البشرية فى العمليات الانتحارية التى يقوم بها الارهابيون المنتمون لهذه الجماعات قائلا: «إن تفجير النفس فى العمليات الانتحارية التى تقوم بها بعض الجماعات المتطرفة إفساد فى الارض ورد على حكم الله الذى وصف قتل النفس الواحدة بأنه قتل للناس أجمعين، كما وردت أحاديث نبوية عديدة تؤكد أن الشخص الذى يقتل نفسه هو محرم عليه الجنة»، وهو ما يخالف عقيدة المتطرفين الذين ينظرون له على أنه الجهاد الأمثل فى سبيل الله. وشددّ واصل على ضرورة اصدار تشريعات قانونية ملزمة لجميع الدول العربية والإسلامية تقصر الفتوى على المتخصصين ممن لهم سلطة الإفتاء ومن يخرج عليها يخضع للمساءلة، وذلك تجنبا لاستقاء الفتاوى الجهولة من غير المؤهلين الذين قد يدعمون أفكارا متطرفة بشكل غير مباشر. فى سياق متصل قال الشيخ أسامة الأزهري، المستشار الدينى لرئيس الجمهورية، إننا بحاجة إلى إعادة ضبط الخطاب الدينى خصوصًا فى صورة الفتوى، وذلك من خلال عودة القاهرة قلبًا نابضًا للعالم الإسلامى ومصدرًا لصناعة الفتوى، كذلك جمع شمل العلماء وصهرهم فى بوتقة واحدة، الشيخ أسامة الأزهري، مؤكدا أن داعش تمثل ظاهرة سرطانية من الفكر المغلوط الدموى الذى يدمر مقاصد الشريعة ويشوه صورة الإسلام فى أعين العالمين، لذا نحن فى حاجة إلى إعادة ضبط هذه الظاهرة الفوضوية، وذلك يتحقق من خلال العمل الدءوب على السوشيال ميديا لأنه الميدان الذى يتم اختطاف الشباب من خلاله. فيما حذر الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة والفقه المقارن بجامعة الأزهر من مخطط تقسيم المنطقة على أساس عرقى ودينى نتيجة فتاوى المتطرفين قائلا: «إن الوقت الحالى يتم تقسيم المنطقة على أساس عرقى مذهبى دينى وخير مثال على هذه الفرقة حرب اليمن بين الحوثيين وهم من أصل الشيعة الزيدية وتدخل قوى أخرى، كذلك ما يحدث فى العراقوسوريا»، مشيرا إلى أن ما يحدث فى سيناء التى تفشي فيها من الفكر السلفى منذ 30 عامًا، أنتج لنا السلفية الجهادية والقاعدة وطالبان وبوكو حرام والدواعش فكل هذا الحصاد المر نجنيه الآن، حتى سادت روح الاستهانة والبلادة وأسندوا الأمور لغير قيادات أكفاء فوصل الأمر إلى هذا الخراب الذى نحن فيه على حد تعبيره. وأشار إلى أن أخطر أنواع الفتاوى التى يجب أن يضعها الأزهر على رأس قائمته لمواجهتها هى الفتاوى الداعشية لأنها تُشتق من الجهادية السلفية، لذا ينبغى معالجة فتاوى ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، مضيفًا: أنه بالنسبة للفتاوى الجنسية التى يصدرها بعض الشيوخ وخاصة التى تخص الشباب أنها لا تصدر عن فقيه وهذه هى الخطورة فهو ليس متخصصًا فى الفقه مثل الفتاوى الخاصة بإباحة أكل لحوم الجن وخلافه. بينما ذكر الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن العولمة والانفتاح الذى نشهده ومواقع الإنترنت، كان سببا فى تناقل فتاوى التطرف بشكل سريع، وهو ما دافع دار الإفتاء إلى اختراق عالم الشبكة العنكبوتية وعمل حسابات على جميع المواقع مثل «الفيس بوك» و«تويتر» و«جوجل بلس» وكل مواقع التواصل الاجتماعى تقريبا. واختتم قائلا: «خطتنا لتحصين الشباب من الفتاوى المغلوطة والقرب من المؤسسات الدينية تحتاج الى فهم الناس أولا، أن الفتوى صنعة وليست مجرد اطلاع وحين إذا يستوعبون أنه لا بد من الرجوع الى المتخصصين كما يرجع مثلا المريض إلى طبيب وهكذا، كما أننا أنشأنا بروتوكول تعاون مع وزارة الشباب والرياضة ونحن نتواجد بصفة شهرية فى مراكز الشباب ونذهب إلى الناس فى مراكز وأماكن تجمعاتهم».