جمعت حرب أكتوبر 1973 بينه وبين أشقائه الأربعة وكانوا في أسلحة مختلفة منها المدرعات والمشاة وحراسة منشآت وسلاح المهندسين، وخرجوا جميعا من الحرب سالمين دون إصابة أو استشهاد أحد منهم. عويس عويس صالح - 60 سنة - يعمل موظفاً بالإدارة الصحية بأوسيم محافظة الجيزة، وكان في رتبة عريف مشاة سلاح المهندسين كباري عام 1973 والتحق بهذا السلاح في 5 يناير 1970 وكان ضمن الفرق المسئولة عن اسقاط الكباري المعروفة ب«برطوم» من أجل انشاء الكباري العائمة فوق سطح مياه قناة السويس حتي يتمكن جنود الجيش المصري من عبور القناة من الضفة الغربية إلي الشرقية حيث سيناء. يؤكد عويس أن مهمة اسقاط تلك القطع في المياه ليست سهلة فهي منظمة بدقة شديدة ولذلك كان هو وزملاؤه يتلقون تدريبات عليها لعدة سنوات في مواقع علي رياحات المياه المتفرعة من النيل كما كان يحدث في منطقة أبوغالب بالخطاطبة محافظة البحيرة، حيث تشبه في عرضها وارتفاع شاطئيها قناة السويس، أو التدريب في النيل أمام مدينة الحوامدية. كانت التدريبات علي اسقاط الكباري بتوصيلها ببعضها البعض ثم العبور بالدبابات والسيارات الحربية والجنود من فوقها في الوقت تتم في جو يشبه الحرب حيث كان يتم إطلاق النار علينا أثناء التدريب. عويس الذي لم يبدأ الدور الفعلي لكتيبته سوي وقت الحرب مباشرة في منطقة «سرابيون» - بالإسماعيلية والغربية من ثغرة الدفرسوار - حسب قوله - يري أن تلك التدريبات كانت تتم بروح العزيمة والحماس والإصرار علي العبور ولم يبق أمامه سوي تحديد موعد الحرب. قبل حرب أكتوبر بأسبوعين انتقل مع زملائه إلي موقعه المحدد له وكان يتوقع كالعادة بأنها مناورات عادية كالتي تحدث بين الحين والآخر ولم يخطر بباله قيام حرب فعلية. وفي الساعة 1.30 يوم 6 أكتوبر وفدت إلي الجنود سيارات وزعت عليهم التعيين وأخري وزعت الذخيرة وأعقبها مرور قيادات الجيش الثاني لإبلاغ قادة الكتائب والألوية والفصائل بالخطة الحربية ثم تحفيز الجنود لشد الأزر وعزم الهمة واخبارهم أنهم سيحاربون عدوهم بعد دقائق سرعان ما مرت، وإذا بالطيران يمر من فوق الرءوس ويردد الجنود «الله أكبر» في فرحة شديدة وكأنهم يشهدون عرس عزيز لديهم. ويستطرد: بدأنا في نقل قطع الكباري وتركيبها فوق سطح مياه القناة وسط النار وتزامن ذلك مع عبور الجنود في القوارب المطاطية إلي الضفة الشرقية. واستمر انشاء الكوبري لمدة 5 ساعات بدأت بعدها عبور الدبابات والمدافع والمعدات الحربية الثقيلة، وأعدنا السيارات مرة أخري إلي مواقعها وأخفيناها في السواتر المموهة والحفر المخصصة لها، وكانت مهمتنا هي حماية الكوبري وضخ دخان يشبه الضباب عليه لعدم استهدافه، ثم نقل الذخيرة للجنود داخل سيناء والعودة بالسيارات محملة بالأسري وتسليمها إلي قيادة الجيش الثاني الميداني، واستمر ذلك حتي وقف اطلاق النار. ومن المشاهد الإنسانية التي رأها كانت في صباح يوم 7 أكتوبر بعد قصف الطيران الإسرائيلي لمقدمة كوبري العبور واستشهاد وإصابة زملائه، الأمر الذي أحزنه كثيرا، وأخذ يقلب في جثتهم وينظر في وجوههم بحثا عن أصدقائه وزملائه وقد يكون بينهم أحد أشقائه الأربعة الذين التحقوا بالجيش في نفس الفترة، ليجد أحد الجنود يطلب منه شربة ماء ثم يفارق الحياة بعدها بلحظات. وعن أشقائه يقول إنهم التحقوا بأسلحة المدرعات والمشاة والإشارة وحماية المنشآت، ومنهم من عناصر نكسة يونيو 1967 وفترة الاستئنزاف ثم حرب أكتوبر المجيدة من أجل استعادة الكرامة والأرض، وفوجئ أثناء وجوده في موقعه بمرور شقيقه الأكبر «محرم» ضمن أفراد أطقم الدبابات التي عبرت إلي سيناء، وإذا به يشير إليه ويسأله عما إذا كان محتاجا لشيء؟ فرد عليه عويس «اعبروا ربنا معاك والله أكبر» ويقول: شعرت أنها لحظة الوداع وأنني لن أري شقيقي مرة أخري، ولكن وجودي مع زملائي وسط النار والقتلي والمصابين والدبابات وغيرها أنساني نفسي ولم أر شيئا سوي فرحة العبور والنصر.