حمدي حمادة يسجل بطولات الفرقة 19 مشاة الفريق يوسف عفيفي يروي ملحمة صمود وبسالة المقاتل المصري · مقاتلو الفرقة قتلوا 68 ضابطا و23 طيارا و373 جنديا لم يتم العثور علي جثثهم حاولوا الاستيلاء علي مدينة السويس حقيقة لايمكن إغفالها أو انكارها وهي أن الإنسان المصري منذ القدم لم يعرف «العقم» في حياته وانما يعرف العطاء منذ شهد مولد الزمان.. فالمصري قد صنع الحضارة لافي مصر وحدها بل في العالم أجمع وكما أكد المؤرخ هنري بروستد أن عطاء مصر للحضارة والإنسانية دائم ومتجدد واعظم ما جاءت به القريحة المصرية كان في مجال العقائد وقد لايعلم أحد أن معارك العبور بدأت مع معارك التحرير عبر صحراء سيناء ومنذ 4000 عام.. منها دخل الغزاة ومنها خرجوا وعلي ارضها دارت المعارك حيث سجلت البرديات قصص الإيمان والكفاح والاصرار والصمود ومعارك النصر.. هكذا استهل الفريق يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 في حرب أكتوبر حديثه معي.. كان الحديث عن معركة السويس الباسلة يوم 22 أكتوبر 1973 والتي أكدت استمرار هزيمة القوات الإسرائيلية حتي المرحلة الخامسة والنهائية من الحرب.. وعلي حد قول الفريق عفيفي فقد تميز القتال في هذه المرحلة بالقطاع الجنوبي لجبهة القتال شرقا وعزبا- بالضراوة والعنف وتحطم أمام صمود المقاتل المصري ما كانت تعتنقه القوات الإسرائيلية من أسلوب الاندفاع السريع بالدبابات والتطويق.. وسقطت ايضا ادعاءات قادة الجيش الإسرائيلي الذين كانوا يدعونها بأن جيش الدفاع الإسرائيلي لايقهر ولايهزم. وإذا كان لنا أن نؤرخ لهذه المرحلة من مراحل حرب أكتوبر التي بدأت من الساعة السادسة و52 دقيقة من مساء يوم 22 أكتوبر لحظة وقف اطلاق النار واستمرت حتي الساعة العاشرة من صباح يوم 29 أكتوبر لحظة وصول قوات الطوارئ الدولية لاتخاذ مواقعها بين القوات المتحاربة خارج مدينة السويس، فأننا نؤكد أن حقيقة ملحمة السويس الباسلة وصمودها كانت أروع بكثير جدا من بعض ما قيل وتردد. كان وراء هذه الملحمة بطولات قدمها الرجال من أبناء الفرقة 19 مشاة بالجيش الثالث الميداني هكذا يستمر الفريق عفيفي في حديثه والذي كان له شرف قيادتها في حرب أكتوبر ولذلك فهو يري اليوم من واجبه أن يقدم تفاصيل هذه المعركة بأبطالها الحقيقيين من أبناء قواتنا المسلحة الذين تطوعوا للدفاع عن «السويس» بعد أن أدوا مهامهم القتالية شرق القناة بكفاءة عالية شهد لها العالم. يقول الفريق «عفيفي» دار قتال شرس خارج المدينة وداخلها أيضا.. كان هذا النوع من القتال الذي يطلق عليه العسكريون قتال ما قبل النهاية أو هو القتال الذي يلقي فيه الطرف المهزوم بكل ثقله في آخر محاولة لإنقاذ سمعته أو بهدف تحقيق أي «كسب» وهذا ما فعلته القوات الإسرائيلية واستخدمت فيه كل الوسائل القتالية والحرب النفسية حينما أعلنت علي العالم كذبا أنها استولت علي مدينة «السويس»!! ثم لجأت لأسلوب المنشورات الذي ادعت فيه أنها أحكمت القبضة علي قوات الجيش الثالث ودعت المقاتلين المصريين البواسل للاستسلام.. ومثلما فشلت اسرائيل في القتال فشلت في حربها النفسية أمام صمود وإيمان المقاتل المصري. لم تكن معركة السويس فقط يوم 24 أكتوبر بل سبقتها ولحقتها معارك ضارية عندما حاولت القوات الإسرائيلية تكرار هجماتها علي مدينة السويس بمختلف الأساليب حتي تأكد لها أن المدينة حصن حصين لن تستطيع أن تقترب منه والإ كان الفناء لقواتها، وخلال المعارك تكبدت القوات الإسرائيلية خسائر بلغت 43 دبابة بخلاف عدد لا حصر له من العربات المدرعة والمجنزرات بل وفتك البواسل الهجوم الإسرائيلي وتبين بعد ذلك من الكشوف الإسرائيلية التي قدمت لهيئة الصليب الأحمر بضحاياها التي لم يعثر علي جثثهم وقد بلغوا 68 ضابطا و23 طيارا و373 جنديا لم تعثر علي جثثهم خلال القتال غرب القناة. ولمعركة السويس وقائع حيث حاولت قوات الجيش الإسرائيلي استغلال التزام قواتنا المسلحة بقرار مجلس الأمن الخاص بوقف اطلاق النار لتحقيق أي مكاسب لانقاذ ماء الوجه أمام العالم بعد الهزيمة الفادحة التي لحقت بها فكثف العدو من غاراته الجوية علي قوات الجيش الثالث شرق القناة بتركيز وعنف لم يحدث من قبل! كانت الفرقة 19 مشاة تؤمن مساحة كبيرة من رأس كوبري الجيش الثالث شرق القناة وحينما استشعر رجال الفرقة المقاتلة أن القوات الإسرائيلية تستهدف احتلال مدينة السويس تقدم الرجال تطوعا لقيادة الفرقة يبدون رغباتهم للدفاع عن المدينة التي عاشوا فيها ودافعوا عنها سنوات طويلة قبل حرب أكتوبر المجيد.. وعلي الرغم من أن الدفاع عن السويس في هذه المرحلة خارج مهمتهم القتالية فقد استجابت قيادة الفرقة لطلب رجالها البواسل..ويتذكر الفريق «عفيفي» المشهد ويقول قمنا بإعادة توزيع قوات الفرقة لمواجهة القوات المعادية في الشرق والغرب معا وتم احتلال السواتر الترابية علي ضفتي «القناة» ووجهت النيران للعدو المتجهة نحو السويس. وتم الدفع بمجموعة استطلاع ليلة 22-23 أكتوبر لمنطقة معسكر حبيب الله بالضفة الغربية للقناة لإبلاغ الفرقة بنشاط العدو في هذه المنطقة ومنذ يوم 22 أكتوبر تم توجيه مواسير بعض مدفعيات الفرقة لتغطية بعض القطاعات غرب القناة مع دفع مركزملاحظة للمدفعية علي الساتر الترابي غرب القناة لإدارة نيران المدفعية. وفي يوم 23 أكتوبر اشتبكت مدفعيات الفرقة 19 ولمدة ثلاث ساعات ونصف الساعة نفذت خلالها مهام نيرانية منعت قوات العدو ودباباته من اقتحام مركز القيادة المتقدم للجيش الثالث غرب القناة والذي كان يبعد عن مواقع هذه المدفعية بشرق القناة بحوالي 20 كيلو مترا..وفي العاشرة من صباح ذات اليوم تم دفع سرية صواريخ موجهة مضادة للدبابات بقيادة المقاتل «حسام» عبرت القناة فوق ناقلة برمائية وسط قتال رهيب جواوبرا ونجحت هذه القوة المصرية في احتلال خط نيران علي بعد 8 كيو مترات شمال السويس لملاقاة دبابات العد المتجهة للسويس علي طريق المعاهدة شرق مطار الشلوفة.. وفي الساعة الخامسة والنصف بعد ظهر يوم 23 أكتوبر تقدم لواء اسرائيلي مدرع «110 دبابة» إلي الكيلو 109 علي طريق السويس ودفع بكتيبة دبابات وسرية مشاة ميكانيكية في اتجاه المدينة الباسلة وعند منطقة «المثلث» شمال المدينة فوجئت بقذفة نيران قوية من مدفعية الفرقة 19 ودمرت لها 8 دبابات وتشتت الدبابات الأخري وفي ذات الوقت كانت هناك 10 دبابات معادية تعمل كمفرزة جانبية لتأمين اللواء الإسرائيلي المدرع علي طريق المعاهدة وحينما حاولت هذه القوات مهاجمة إحدي قواعد الصواريخ المضادة للطائرات شرق مطار الشلوفة مستخدمة الذخيرة شديدة الانفجار والرششات نصف بوصة اشتبكت معها سرية الصواريخ المضادة للدبابات بقيادة المقاتل «حسام» ودمرت 4 دبابات فارتدت باقي القوات الإسرائيلية شمالا وابتعدت تماما عن قاعدة صواريخنا. وفي صباح يوم 24 أكتوبر الساعة 8 والنصف حاول العدو مرة أخري التقدم ب10 دبابات جنوب المنطقة ذاتها علي طريق المعاهدة وخصص 15 دبابة أخري للتقدم في اتجاه الشرق وهنا تدخل المقاتل «حسام» وسريته وتمكن من تدمير 9 دبابات للعدو علي محورين، فاضطرت قوات العدو للارتداد شمالا وأدت سرية حسام دورها بشجاعة وصمود رغم تدمير عربة الذخيرة المضادة للدبابات وهنا أصدر الفريق «عفيفي» أوامره لرجاله بالتوجه لمدينة السويس والقتال بالقواذف ال«آربي جي» التي معهم حتي عاد إمدادهم بالصواريخ اللازمة ودخلت السرية المدينة في الساعة العاشرة والنصف وتم تقسيمها إلي مجموعات اقتناص دبابات عند منطقة الأربعين والمثلث.. وحاول العدو التسلل للمدينة بدبابتين و4 عربات مجنزرة فقام الرجال باطلاق قذيفتهم الأولي التي سرعان ما تبعتها نيران كثيفة من قواتنا المسلحة وقوات الدفاع الشعبي والشرطة المدنية ورجال منطقة سيناء المصرية وتحولت المنطقة إلي كتلة من النيران الكثيفة اسفرت عن تدمير مركبات العدو بمن فيها.. وعندما فشلت القوات الإسرائيلية في اقتحام المدينة حاولت مرة أخري معاودة الهجوم بقوة أكبر من خلال سريتين دبابات وسرية مشاة ميكانيكي ومن ثلاثة اتجاهات بمناطق الجناين في اتجاه السويس وطريق مصر -السويس في اتجاه حي الأربعين واتجاه بور توفيق بطريق الزيتيات وتصدت المدينة الباسلة لهذا الهجوم رغم القصف الجوي المركز والذي استمر لثلاث ساعات وتصدت مجموعة مدفعية الفرقة 19 لقوات العدو لمنع تقدمها جنوبا فقامت القوات الجوية الإسرائيلية بنقل هجومها إلي قوات الفرقة المتمركزة شرق القناه بعنف وضراوة واستمر ذلك من الساعة 11 صباحا حتي الساعة الخامسة بعد الظهر وتركزت الهجمات علي منطقة الشئون الإدارية والمعابر ومرابض المدفعية المضادة للطائرات ومدفعية الميدان وتمكنت قوات العدو من تدمير بعض الكباري المقامة علي القناة ولكن أمكن استيعاضها بالمعديات والناقلات البرمائية.. وركزت القوات الجوية الإسرائيلية ضرباتها علي القوات المدافعة بمنطقة الترعة الحلوة في اتجاه طريق المعاهدة وطريق القناة وعدلت قواتنا أوضاعها وخاضت معركة مريرة وشرسة نجحت في الحفاظ علي مواقعها لحماية ظهر الفرقة 19 والحفاظ علي المنفذ الذي يصل بين قوات رأس كوبري الجيش الثالث ومدينة السويس وفي المساء تلقي الفريق «عفيفي» اشارة لاسلكية من المقاتل «حسام» والمقاتل عزت ضابط ملاحظة المدفعية تفيد بتماسك المدينة وفشل قوات الجيش الإسرائيلي في الاستيلاء عليها وتدمير 19 دبابة و9 عربات مجنزرة و4 لوريات ومقتل 39 جنديا ترك العدو جثثهم علي مشارف المدينة في محاولته للتسلل للمدينة الباسلة. ولم ترهب المنشورات التي تم إلقاؤها علي المدينة الأبطال واهل السويس والموقعة من الجنرال «جونين» قائد الجبهة الجنوبية والتي طالبت بالاستسلام واستمر القتال.. بل قامت القوات الإسرائيلية بالاتصال بمحافظ السويس وابلغوه بعدم وجود أية مرافق صالحة بالمدينة وعدم وجود مياه أو مواد غذائية وطالبوه بإعلان استسلام المدينة وإلا دمروها خلال نصف ساعة بالطيران والأسلحة المختلفة.. وتم رفض الانذار الإسرائيلي وألهب صوت الحاج «حافظ سلامة» إمام مسجد الشهداء حماس الناس من فوق مئذنة المسجد واشترك الشيخ ورفاقه في نقل الذخائر وبفضل صمود وصلابة الرجال لم تستسلم «السويس» وتحولت إلي حصن حصين وفي يوم 26-27 أكتوبر استمرت محاولات العدو لدخول المدينة فتصدت له صواريخ الأبطال ودمرت دباباته ومجنزراته بمنطقة حوض الدرس والمثلث وقام المقاتل الشهيد فخري بتنفيذ خطة الفرقة للاغارة علي الدبابات الإسرائيلية الأخري يوم 27 أكتوبر شمال حوض الدرس وكان الدرس وهنا أيقن قادة الهجوم الإسرائيلي استحالة دخول مدينة السويس الباسلة. ********** الفلاحون كانوا يقذفوننا بالطعام والدعوات عبدالله المصري أحد أبطال الكتيبة 14 دفاع جوي يروي ملحمة البطولة في حرب أكتوبر · الإسرائيليون أصبحوا مثل رجل وضع رقبته تحت المقصلة · تناسيت الدماء التي سالت علي وجهي من أجل تنفيذ المهمة الوطنية هناك الكثير من الذكريات في قلوب مئات الآلاف من الجنود الذين خاضوا حرب اكتوبر المجيدة والتي تعبر عن بطولات وأمجاد الشعب المصري العظيم من بين هؤلاء الابطال الجندي عبدالله المصري الذي التحق بالكتيبة «14 دفاع جوي» قبل الحرب يروي عبدالله ذكرياته ويقول خلال خريف 1971 تم تجنيدي في الجيش وبسبب دراستي تم إرسالي إلي مدارس القوات المسلحة المتخصصة في الرادار والصواريخ لتلقي العلوم العسكرية في أنظمة الدفاع الجوي لأصبح متخصصاً في تشغيل وإصلاح الرادارات التي توجه الصواريخ، وفي صيف 1972 انهي الرئيس السادات عمل الخبراء الروس، وتم ارسالنا لنحل محلهم في كتائب الصواريخ، وكان موقعي في كتيبة الصواريخ «14» علي الجبهة بالقرب من مدينة السويس، وكانت المفاجأة عند نزولي ومعي «مخلتي» من السيارة التي تحمل المياه متجهاً إلي الكتيبة والتي وجدتها علي الطريق، خرج أحد الجنود من خندقه وهو يبتسم وقال بصوت عال «أيوه هي دي الجبهة» ولكني لم أشاهد محطات الرادار ولا قواذف الصواريخ ولا العربات التي تحملها، فسألت «اين هي هذه الكتيبة»وعرفت أن الكتيبة تنصب كميناً لطائرات العدو، علي حافة القناة وهذا المكان هو مؤخرة الكتيبة، أي مكان العودة، وركبت مرة اخري عربة المياه بعد تزويدها بالطعام واتجهنا إلي القناة، وانتهي الكمين وقمنا بفك المحطات وتحميل الصواريخ، وكان عملاً شاقاً لأن قواعد الصواريخ صممت لتبقي في مكان ثابت لضخامتها وثقل معداتها، ولكن كانت قيادتنا تدربنا علي نقلها من مكان إلي آخر، حتي لا يعلم العدوبمكان ثابت لها عن طريق الاستطلاع فكنا في حركة مستمرة وأضاف المصري: كان أول لقاء مع رفقاء السلاح، ومنهم العريف أبو الفتوح مأمورضرائب وحبه الشديد للنظافة والترتيب، والعريف توفيق معهد صناعي والذي لا تفارق بيبته فمه التي يفوح منها دخان «الانفورا» ذو الرئحة الجذابة، والعريف حمدي مهندس زراعي ومهارته في تتبع الأهداف علي شاشات الرادار والرقيب جرجس وبشرته البيضاء وشاربه الأشقر وصداقته الكبيرة مع الرقيب أول زكريا وعرفت النقيب حمدي قائد المحطة الصارم ودفاعه الدائم عنا للحصول علي أفضل امتيازات، واخيراً صديقي، فكري عامل المولد الذي يمد المحطة بالكهرباء واعتنائه الشديد بنفسه ومظهره ويقول المصري: قبل بدء الحرب بعدة أيام شعرنا أن شيئاً ما سوف يحدث في القريب العاجل، فقد صدر الأمر برفع درجة الاستعداد إلي «حالة أولي عمليات» أي الحالة القصوي، وهذا يعني القتال واختفت طائرات التدريب من شاشات الرادار لنصبح مطلقي اليد، وبدأنا نعد انفسنا للرحيل إلي الجبهة، وفي يوم السادس من أكتوبر اندلع القتال وجاء يوم الثأر وتحرير الأرض الذي كنا ننتظره بفارغ الصبر، وبدأ جنود الكتيبة «14» ثائرين يسألون ماذا نفعل هنا؟! إن مكاننا علي الجبهة، واجتمع بنا قائد الكتيبة وقال نحن في انتظار الأوامر، وفعلاً وصل الأمر وكان سروراً عظيماً فسوف يكون لنا شرف الدفاع عن مصر وتحرير الأرض ودخول التاريخ، وبدأ الجنود يهتفون «سنقاتل... الله اكبر» وفي لمح البصر تم فك الكتيبة ووضعها علي القطار المخصص لنا والمتجه إلي الجبهة وبدأ يطوي الطريق بسرعة وكانت له الأولوية فقد كانت جميع القطارات تقف لتفسح له الطريق ووصل إلي محطة طنطا ليلاً، وكانت وجهتنا سرية، ولم نكن نعلم من أي مكان سوف ندخل الجبهة، ثم اتجه إلي مدينة المنصورة، وتم إنزال المعدات وعلمنا أننا سوف نكمل الطريق بواسطة السيارات، وفي الصباح حدث اشتباك بين قواعد الصواريخ المحيطة بمدينة المنصورة وطائرات العدو وتم إسقاط عدد منها، وفي المساء بدأ التحرك في اتجاه دمياط ومنها إلي بورسعيد ولا استطيع أن انسي البسطاء من فلاحينا، الذين خرجوا علي طول الطريق من المنصورة حتي دمياط يقذفون لنا كل ما يملكون من حلوي وطعام حتي البصل والفجل والجرجير والدعوات تخرج من كل فم«الله معكم» وقتها شعرت أن مصر كلها اسرة واحدة، تابعنا طريقنا وعندما وصلنا إلي بورسعيد كان موقعنا في منطقة كوبري الجميل بين البحر شمالاً وبحيرة المنزلة جنوباً، وكانت الأرض تحت قدمي متفحمة وفوق الكوبري المتهدم جنود يجلسون في الظلام حول طبلية يأكلون، وآخرون يقفون علي أبعاد متساوية، ولكن الشئ الغريب أنهم لا يتحركون، عندما اقتربت منهم اكتشفت أنهم من القش تم وضعهم خدعة للعدو، وأدخلنا محطتنا في الدشم المخصصة، يجب أن نكون مستعدين للقتال قبل أن يحل الصباح، وكان اصعب ما في هذا العمل هو تجميع الهوائيات في وضع أفقي علي الأرض ثم رفعها بواسطة أحد المحركات إلي الوضع الرأسي، وكان العمل في الظلام علي قدم وساق وانزلق المفتاح الإنجليزي من إحدي الصواميل ليصيبني في وجهي وانسالت الدماء، ولكن ليس هناك وقت لتجفيفها، لم اكن اعلم ان دمائي بهذا الطعم المالح، وتم تركيب الهوائي وبدأنا في تشغيل المحرك الذي يقوم برفعه، وكانت هناك مفاجأة سيئة، لقد احترق المحرك ولابد من رفع الهوائي يدوياً عن طريق يد حلزونية وليس هناك وقت لقد اقترب الصباح ووقفنا واحداً خلف الآخر في طابور لإدارة هذه اليد بسرعة، وارتفع الهوائي قبل الصباح، ويستكمل المصري روايته للملحمة بقوله: كنا مستعدين للقتال وبدأ سلاح الجو الإسرائيلي في الدخول إلي منطقة بورسعيد معتقداً عدم وجود قواعد صواريخ وكانت مفاجأة مذهلة لهم، وانطلقت صواريخنا لتهز الأرض وتشق السماء ولتسقط ثلاث طائرات وهرب الباقي مذعورين في كل اتجاه، وشاهدنا طائراتهم الهليكوبتر تبحث عن قتلاهم في مياه البحر، وبدأت لعبة القط والفأر، وكنا القط الذي ينتظر الفأر، وللتغلب علي وسائلهم الساعية إلي تدميرنا، كنا نطلق قنابل الدخان حولنا وبهذا تصبح المنطقة مغطاة بالدخان الأبيض الكثيف، لتقليل القنابل التليفزيونية، كما احرقنا براميل السولار حولنا في كل مكان لجذب الصواريخ الحرارية بعيداً عنا وبدأ سلاح الجو الإسرائيلي يدور حولنا في دائرة نصف قطرها«40» كيلومتر ليكون في أمان من صواريخنا، وكانوا يدخلون من عدة اتجاهات بمجموعات من طائراتهم لإرباكنا، وكنا اكثر ذكاء منهم فكنا نطلق صواريخنا في كل اتجاه، ونختار الأهداف الأكثر قرباً وخطورة ونتحكم في الصواريخ الموجهة إلي هذه الأهداف تاركين الصواريخ الأخري بدون تحكم ونسقط الأهداف القريبة قبل أن تفر، أما الأهداف البعيدة فكانت تفر من صواريخنا الغير متحكم فيها، وكان جميلاً جداً عندما نسمع من راديو القاهرة البيان الذي يعلن عدد الطائرات التي أسقطناها في بورسعيد، وكانت بيانات صادقة ويلخص البطل عبدالله المصري أسباب انسحاب قوات العدو من غرب القناة، في أنه كان هناك حصار وحشد هائل من دبابتنا ومدفعيتنا وقواتنا تحاصر الإسرائيليين بعد تقدمهم، خلال الأيام الأولي لوقف اطلاق النار، كان الممر بين الجيش الثالث والثاني في سيناء بالنسبة للقوات الإسرائيلية اشبه بممر الحياة، وكانوا أشبه برجل وضع رأسه تحت المقصلة متطوعاً.