فاديا عيسى قاصة وأديبة سورية، ترى فى القصة القصيرة تحدياً يستفز موهبتها الإبداعية، وتؤمن أن الكتابة بشكل عام ملاذ للكاتب أكثر منه للقارئ، فهى تفريغ شحنات رابضة فوق القلب .. حيث يرى الكاتب كل هذا الخراب ويعيد إنتاجه بطريقة أقل قسوة وأقل بشاعة.. لها عدة مجموعات قصصية وروايتين مخطوطتين لم تتمكن من نشرهما بسبب الأحداث بسوريا ... عن موقفها من النقاد ورأيها فى ثورات الربيع العربى وغيرها من القضايا الأدبية دار هذا الحوار:
■ كتبت أربع مجموعات قصصية .. لماذا الانحياز للقصة فى زمن الرواية؟ - القصة تشبه هذا الزمن: سريعة الإيقاع .. سريعة النسيان .. سريعة الاستهلاك والقراءة والاستيعاب، ومحظوظ جداً كل من يترك بصمته فى هذا الزحام .. سأضيف لمعلوماتك فقد كتبت روايتين مخطوط ولم أتمكن من نشرهما، وذلك بسبب الأزمة التى تجتاح وطنى .. ■ هل عشقك للقصة جاء مصادفة أم استجابة لإيقاع العصر المتسارع؟ - كتبت أول قصة فى سن السادسة أى فى زمن اللاوعى ولم أكن مبرمجة لفهم ما أفعل .. وبعد ذلك أدمنت حالة الكتابة .. ثم جاء الاحتراف وترتيب حياتى حسب متطلبات القصة، أعتقد أنه لا مصادفة فى الإبداع. ■ قصصك تهتم بالمهمشين والمطحونين.. فهل الكتابة هى الملاذ الاخير لهذه الفئات المهمشة؟ - أظن أن الكتابة هى ملاذ للكاتب أكثر منه للقارئ، فهى تفريغ شحنات رابضة فوق القلب .. حيث يرى الكاتب كل هذا الخراب ويعيد إنتاجه بطريقة أقل قسوة وأقل بشاعة لأن اللغة تمنح جمالياتها لكل المحسوسات والملموسات .. أما تلك الفئات فتعيش حلمها المكتوب من خلال ما يبدعه الكاتب.. ■ يقال إن المبدع ابن بيئته .. فهل هذه المقولة تنطبق عليك؟ - طبعا تنطبق انطباقاً محكماً، فى مرحلة الكتابة الأولى حينما تكون ذخيرة الكاتب بيئته فقط دون أى عامل خارجى .. لكن حينما تنضج أدوات الكاتب من خلال السفر والإطلاع على آداب الشعوب وتراثها وموروثها الشعبى أعتقد حينها إضافة لما تمنحه بيئته سيكون لديه الغنى الموسوعى وسوف يلون إبداعه مقدماً تجاربه وتجارب غيره ضمن قالب محلى شيق ومدروس .. ■ برأيك .. كيف يمكن للمبدع أن يخدم مجتمعه؟ - من خلال تقديم وجهه المشرق .. من خلال تعريف الآخر على حضاراتك .. من خلال التنبيه من الفساد والظلم هنا وهناك .. من خلال عدم محاباتك للعرف الذى يقوم على تهميش المرأة المبدعة .. من خلال تمردك على كل ما يعيق حروفك .. حينها أنت عاشق للوطن حتى النخاع وتريد أن تقدمه بالصورة الحقيقية الذى هو عليها. ■ كيف تعاطى النقاد مع تجربتك الإبداعية؟ - لم أسمع بناقد حقيقى تناول تجربتى الأدبية.. كل ما سمعته وقرأته الشتم والقدح والقذف، والسبب جرأتى الأدبية على الدخول إلى مناطق قالوا إنها محرمة على المرأة .. رغم أننى أسخر من كل هذه المقولات الجاهزة التى يضعها الرقيب العربى المتواطئ مع النقد والنقاد. ■ ما سر ولعك بالشاعر العباسى أبو نواس رغم أن شعره مفعم بالمجون والخمريات؟ ربما من يقرأ النواسى ويفهم أغراضه الشعرية ويفهم عصره الذى كان عصر الفساد والمجون بسبب الثراء الفاحش للدولة العباسية سوف يعذر النواسى فهو كما أسلفنا فى سؤال سابق إبن بيئته. ومن جهة أخرى لا أظن أن الإبداع يقاس بمجون المبدع بقدر ما يقاس بصنعته الأدبية فمن يقول: فسكبت منها فى الزجاجة شربة كانت له حتى الصباح صباحا لا بد أن تعترينا الدهشة أمام هذا الإبداع وأظن أن كتب التراث والنقد بقدر ما ظلمت شاعرنا النواسى بقدر ما أنصفته ووضعت النقاط على الحروف فى جدل لن ينتهى حول الشخصية الشعرية للنواسى.. كل ذلك جعلنى أقف مبهورة أمام هذا الشاعر ولعله شاعرى المفضل. ■ كيف ترين مستقبل سوريا فى إطار ما يسمى بالربيع العربي؟ - سوريا غيرت التاريخ من خلال هذا الخريف الذى أحرق أوطاننا ..فهى طائر الفينيق الذى يقوم من رماده ويحلق من جديد.. سوريا الوطن ستتعافى وتكتب مستقبلها بأحرف من ياسمين. ■ أخيرا.. هل كتبت ما تحلمين به؟ - حينما سأحقق حلمى الأدبى ماذا يتبقى من حلمي؟؟ .. كل يوم يتجدد الحلم بحروف جديدة وعزف جديد على إيقاع القص والنثر.