لا يختلف أحد علي أن الفساد في مصر أكبر مما يمكن تصوره او تخيله، وهو ضارب بجذوره من قمة هرم السلطة إلي القاعدة العريضة، ومع ذلك، فإن أي فساد مهما تضخم وتوحش يمكن مواجهته والقضاء عليه، طالما يوجد في الدولة قضاء عادل ومستقل، ومشهود له بالنزاهة وعدم الخوف. لكن المشكلة أنه في السنوات الخمس الأخيرة عاني القضاء من تغول السلطة التنفيذية عليه، بحيث يكاد تحول إلي ذراع للسلطة التنفيذية وليس ملجأ للشعب يلجأ إليه لرفع الظلم ومحاربة الفساد الذي استشري في بدن الدولة. وأعظم خطيئة وقعت فيها الدولة هي جعل التفتيش القضائي الذي يحاسب رجال القضاء تابعا لوزارة العدل، وهو أمر يخالف الدستور، ويجعل من السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدالة رقيبا علي رجال العدالة وسيفا مسلطا علي رقابهم. وخلال السنوات الخمس الماضية تم فصل اكثر من خمسائة قاض تعرضوا لضغوط عنيفة داخل التفتيش القضائي لإجبارهم علي الاستقالة، أو التحويل إلي مجالس صلاحية لم تتردد في فصل القضاة وتحويلهم إلي أعمال إدارية، فدب الخوف والرعب في نفوس القضاة بعد ان تحول التفتيش القضائي التابع لوزارة العدل إلي سيف مسلط علي رقاب القضاة. أعلم ان المستشار انتصار نسيم مدير التفتيش القضائي السابق رجل محترم، لكنه تقريبا عاني من سحب صلاحياته في السنوات الأخيرة، وتولي «كمال سي» محاسبة القضاة والتنكيل بهم ولدي عشرات الوقائع أذكر بعضها وأتحدي أن يكذبها من مارسها في التفتيش القضائي، أو يلجأ للقضاء إذا كانت مكذوبة. 1- تم استدعاء مستشار رئيس محكمة إلي التفتيش القضائي، وأخبره المحقق أنه أثناء مراقبة تليفون قاض آخر اكتشفوا أنه علي علاقة غير شريفة بزوجة المستشار وطلبوا منه تقديم استقالته، لأنه لا يجوز استمرار قاض في العمل بينما زوجته (...)، انهار المستشار وكتب استقالته بخط يده، وأخذ "السي الدي" المفترض انه يحتوي تسجيلات تثبت خيانة زوجته وانصرف إلي بيته، وحين أراد الاستماع إلي تسجيل المكالمات اكتشف أنهم في التفتيش أعطوه اسطوانة فارغة ليس عليها شيء. 2-قدم قاض بلاغا لنيابة الأموال العامة ضد رئيس مباحث أحد اقسام الشرطة في الجيزة يدير مع أقاربه بيزنس توظيف أموال ونهب ملايين الجنيهات من المواطنين، فتم تقديم شكوي بحق القاضي إلي التفتيش القضائي مصحوبة بتوصية من وزير الداخلية حبيب العادلي بعمل اللازم، فتمت إحالة القاضي للصلاحية وفصله من القضاء. 3- تم استدعاء مستشار إلي التفتيش القضائي مصاب بفشل كلوي وأجري نفس المحقق تحقيقا معه لمدة 12 ساعة متواصلة دون أن يسمح له بتناول دواءه حتي أصيب المستشار بغيبوبة كلوية أثناء التحقيق معه. أمام وزارة العدل يتظاهر يوميا عشرات القضاة الذين تعرضوا للتنكيل، وتم فصلهم، أو إجبارهم علي الاستقالة مطالبين بالعودة إلي أعمالهم، لدي كل منهم حكاية عن فساد كبير داخل السلطة القضائية، وإذا كنا جادين في أي إصلاح، فإنه يجب أن يبدأ من القضاء، وأن تتم تنقية ثوب العدالة الطاهر النظيف مما لحق به خلال السنوات الماضية.. حتي يعود القضاء ملاذا لكل صاحب حق.