المستشار هشام البسطويسى أحد أبرز من وقفوا بالمرصاد للنظام السابق.. فى انتخابات 2005 عوقب البسطويسى من قبل حكومة مبارك بعد أن كشف تزوير الانتخابات فأحيل إلى لجنة الصلاحية.. وتوقف قلبه لمدة أربع دقائق بسبب الضغوط التى مورست عليه وبعد تعرضه لمضايقات أمنية غادر مصر إلى الكويت ثم عاد بعد ثورة 25 يناير إلى الوطن ساعيًا للقيام بدور يساعد فى تعافى مصر من ثلاثة عقود من حكم مبارك معلنًا الترشح لانتخابات الرئاسة ليصبح أحد الشخصيات الشهيرة التى انضمت لسباق الرئاسة.. وبعد خروجه من الجولة الأولى لسباق الرئاسة عاد إلى الكويت وفى منزله بدولة الكويت حيث يعمل ويقيم حاليا استقبلنا فوجدناه متابعًا للمشهد المصرى وما يحدث فيه بل ومشاركًا فى بعض الأحيان. فى حواره مع «روزاليوسف» أكد البسطويسى أن بقاءه بعيدًا عن مصر مؤقتًا.. وأنه ينتظر الوقت المناسب للعودة مشيرًا إلى نيته فى تأسيس حزب سياسى كما أشار إلى ألمه الشديد بسبب أزمة القضاء الحالية كاشفا عن المقترحات التى تقدم بها لكل من الرئاسة ووزارة العدل لتجنب الأزمات التى حدثت.. لكنها للأسف ظلت حبيسة الأدراج.
■ فى رأيك ما سبب أزمة القضاء الحالية؟
- مشكلة السلطة القضائية لا تنفصل عن المشكلة الموجودة فى مصر والمرتبطة بكل مؤسسات الدولة سواء الإعلام أو الأزهر أو الكنيسة، وذلك نتيجة الرغبة فى السيطرة على كل مؤسسات الدولة، وفيما يتعلق بالقضاء فإن هناك برنامجًا معروفًا من قبل الثورة بسنوات «لأخونة القضاء»، حيث كانت لديهم النية لإنشاء كيان مواز للقضاء. ونشر فى جريدة الأهرام من قبل عن دورات إعداد القضاة الشرعيين.
■ ما رأيك فى مصطلح «تطهير القضاة»؟
- هو مصطلح أسىء استعماله جدًا، كان منالمفترض أن تكون هناك محاولات حقيقية للإصلاح، وقد طرحت من قبل مقترحا على كل من حسام الغريانى، رئيس الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ومحمود مكى، نائب الرئيس، ومحمد الجندى، وزير العدل، حتى لا نقع فى أزمة. وهو أن نستبق الأحداث بعقد مؤتمر لإصلاح العدالة وتطوير النظام القضائى على أن يكون مؤتمرًا علميًا، لأن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود قاض مستقل تتوفر له الحصانة اللازمة، كما أن النظام القضائى نفسه ثبت أنه غير صالح على الاطلاق، حيث إن القضايا تظل فى المحاكم لسنوات طويلة، لأن منظومة التقاضى بطيئة جدا حيث إن العدالة ليست قاضيًا فقط.
كما اقترحت فكرة قاضى الصلح الذى يمكن أن ينهى عددًا كبيرًا من القضايا دون شغل المحاكم، فضلا عن إنشاء النيابة المدنية لإعداد الدعوى المدنية بدلا من الوقت الضائع فى إعداد القضية. فضلا عن أن النظام العقابى يجب تغييره حيث إن هناك جرائم العقوبات فيها غير منطقية مثل قضايا النظافة والبناء بدون ترخيص والبناء على أرض زراعية، وهناك تدابير أفضل من الحبس والغرامة، ويمكن للمؤتمر أن يفرز أفكارًا أكثر، ولكن للأسف لم يتم عقده.
■ كيف ترى المقترحات المطروحة لحل أزمة القضاء؟
- الآن يأتى التفكير فى عقد المؤتمر بشكل مشابه لما طرحته من قبل، ولكن بكل أسف بعد تعرض القضاء للكثير من الاهانات سواء من النظام الحاكم أو من بعض أفراد الشعب نتيجة الإساءة لسمعة القضاء.
■ كيف يمكن للقضاء أن يطهر نفسه؟
- القضاء مثله مثل كل أجهزة الدولة يحتاج إلى إصلاح لأنه جزء من المجتمع، ومن النظام السابق بكل ما فيه، لكن يجب التعامل معه بشكل يتفق مع آليته بمعنى أن الإصلاح يجب أن يكون من داخل القضاء نفسه، وهو ما كان يحدث بالفعل، فقد كنا نحاسب القضاة الفاسدين.
■ ما الآليات التى يمكن استخدامها لإصلاح القضاء؟
- لدينا بالفعل الكثير من الآلياتالإصلاحية لكى يطهر القضاء نفسه مع الزمن، أهمها وجود معايير واضحة للإقصاء، مع عدم استغلال الأمر من أجل «أخونة القضاء»، لأنه من المفترض أن يكون القاضى مستقلاً تماما، ولا ينتمى لأى تيار سياسى.
■ وهل هذا سبب عدم عودتك إلى العمل القضائى بعد الخروج من سباق الانتخابات الرئاسية؟
- بالفعل فهذا هو ما دعانى لعدم العودة إلى القضاء، رغم إلحاح بعض زملائى لأننى مازلت بعيدا عن سن التقاعد، إلا أننى رفضت تماما حيث أصبح لى موقف سياسى معلن وواضح، لذلك لا يمكن أن أعود قاضيا على الحياد. وفضلت التقاعد.
■ كيف ترى أزمة النائب العام؟
- الميدان طالب باقالته أولا وذلك نتيجة عدم إدراك بعض الحقائق عن العالم القضائى، حيث إن القاضى لا تتحكم فيه أهواؤه ولكنه محدد بقانون يجب أن تتوفر لديه الأدلة والقرائن لكى يتخذ قراره، وذلك وفقا لتشريعات قانونية ودستورية موضوعة من قبل. والأزمة تتعلق بمشكلة الثورة منذ بدايتها.
■ لماذا لم تنجح الثورة فى تحقيق أهدافها حتى الآن؟
- مشكلة الثورة أنها عندما قامت طالبت فى بعض الأحيان بالشرعية الثورية وفى أحيان أخرى طالبت بالشرعية الدستورية وهو «تناقض واضح»، لأن هناك إجراءات ثورية لا تلتزم بالقانون، وفى نفس الوقت ظهرت مطالبات تتمسك بدولة القانون والنظام الإجرائى.
كما أننا انتهينا من الحالة الثورية بانتخاب رئيس الجمهورية وحديث الرئيس عن الشرعية الثورية «ضحك على الناس»، والحالة الثورية انتهت أيضا بوضع الدستور، وهى لعبة استخدمت على مدار المرحلة الانتقالية ومازالت تستغل والمسألة «مش بالكيف وحسب المصلحة».
■ لماذا تاهت الثورة؟
- لأنه منذ بداية الثورة لا يوجد مفهوم واضح ومحدد لها، حتى المبادئ التى قامت عليها وهى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية لها مفاهيم مختلفة لدى كل فصيل شارك فيها، هذا بخلاف رغبة جماعة الإخوان المسلمين فى السيطرة، والاستيلاء على الحكم وفرض الوجود فى كل مؤسسات الدولة وإقصاء المدنية وفرض الوجود بشكل «فظ جدًا».
■ كيف يمكن لحزب الحرية والعدالة أن يحقق وجوده السياسى بعيدا عن جماعة الإخوان المسلمين؟
- لكى يكون هناك حزب سياسى مقبول لدى الناس على الجماعة التخلى عن فكرة السمع والطاعة، والقسم، وكان رأيى من البداية طالما أنهم كونوا حزبًا سياسيًا وترشح ممثل لهم لمنصب رئيس الجمهورية فإنه يتوجب على المرشد إعلان حل الجماعة وتبرئة أعضائها من القسم حيث إن العمل تحت لواء الجماعة لا يقبل التعددية ويجعل النظام السياسى فاشيًا وهو ما يناقض الديمقراطية، وذلك لكى يكون هناك مجال للاختلاف والحوار.
■ هل التقيت بقيادات إخوانية؟
- قابلت شباب الإخوان ورأيى أنهم «شباب زى الفل»، لكن أسلوب القيادات هو السبب وراء أداء الجماعة، وأرى أن الشباب يجب أن يديروا هم الحوار السياسى لأنهم ليس لديهم عقد الماضى، وهم أصحاب المستقبل فنحن نعبر عن تاريخ، ويكفى أن نقدم لهم دور المشورة، كما أن عددًا كبيرًا من شباب القوى السياسية قبل الفكرة ولكن لم يأتنى رد فعل من جماعة الإخوان المسلمين، والسلطة الحاكمة الآن لديها أولويات أخرى، لذلك لابد أن تتغير هذه النظرة وكثير من تيار الإسلام السياسى عقلاء ولديهم هذه الرؤية ولكن من يسيطر على الأمور أولوياته السيطرة فقط، ولا أعرف كيف يمكن أن يكون لديهم عقلية مثل كمال الهلباوى ويترك ليخرج من الجماعة التى يسيطر عليها من يأخذون مصر لجهة خاطئة.
■ فى رأيك ما السبيل للخروج من الأزمة الحالية وإيجاد حالة من التوافق السياسى؟
- الخروج من المأزق الحالى له سبيل واحد وهو الدعوة لعقد مؤتمر وطنى، يكون بمثابة «صفحة جديدة»، تشارك فيه كل القوى السياسية من أجل الوصول إلى صيغة تنفيذية لتحقيق أهداف الثورة.
أكمل قائلا: على أن يكون لهذا المؤتمر جدول أعمال يركز على كيفية تحقيق أهداف الثورة عبر وضع خطة زمنية لها خلال أربع سنوات، وتشمل أيضا التوافق حول كيفية وضع دستور جديد بمشاركة كل القوى السياسية، على أن يكون هناك لجان تنفيذية فى كل المحافظات تختص بمتابعة ما يتحقق من الأهداف المتفق عليها، وتقدم بها تقرير شهرى، فضلا عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل القوى السياسية، إضافة إلى المصالحة مع كل القوى السياسية، من المنتمين إلى النظام السابق الذين لم يرتكبوا أى جرائم أو تورطوا فى فساد مالى، وذلك من أجل خلق حالة من المصالحة.
■ هل تقدمت بهذا المقترح للرئيس محمد مرسى؟
- بالفعل تقدمت بهذا المقترح للمستشار محمود مكى نائب رئيس الجمهورية السابق فى عيد الأضحى الماضى، وهو ما أذكره إعلاميا للمرة الأولى، حيث إن الأزمة الاقتصادية تتفاقم يوما بعد الآخر، وتحقيق التوافق أمر مطلوب، وقوبل هذا الاقتراح بالترحيب، إلا أننى فوجئت بعدها بالإعلان الدستورى الذى أثار الجدل.
■ بخلاف هذا المقترح، هل تواصلت من قبل مع مؤسسة الرئاسة؟
- كانت لى تجربة فى عيد الفطر، حيث التقيت بنائب الرئيس، وكان الحديث عن الرغبة فى الحوار، وعلمت أن حمدين صباحى ليست لديه رغبة فى الحوار، لذلك تطوعت للتوسط وبالفعل أقنعته بالحوار، ووافق بشرط أن يكون حوارًا جادا، وحضر الحوار أيضا عمرو موسى، والبرادعى، إلا أننا تفاجأنا أن الحوار اختزل فى تمرير الدستور، وكان هذا هو كل هم الرئيس، الذى ركز على تمريره مع بعض التعديلات، ولذلك فشل الحوار لأن الدستور لم يكن له الأهمية الكبيرة، فى ذلك الوقت.
■ بخلاف أزمة القضاة، أدت بعض سياسات النظام الحالى إلى خلق حالة من العداء مع أكثر من فئة فى المجتمع كما ذكرت، ما هو السبيل لعودة الهدوء مرة أخرى؟
- لابد من تخلى جماعة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسى عن فكرة السيطرة والأخونة لمؤسسات الدولة، وهو أمر لن يسمح به الشعب المصرى، والمجتمع الدولى، وهو ما يعرضنا لمخاطر شديدة هم لا يدركون حقيقتها.
■ ما رأيك فى الأداء السياسى لحزب الحرية والعدالة؟
- فى الحقيقة أداء الحرية والعدالة جاء أقل كثيرا مما توقعت خاصة أنهم لديهم خبرة وباع طويل فى الممارسة السياسية، ولكن ما تفاجأت به هو أداء حزب النور الذى يعتبر أفضل كثيرا من جماعة الإخوان المسلمين.
■ ما هى أخطاء جبهة الإنقاذ التى أضعفت التواصل بينها وبين الشارع المصرى؟
- ظروف الحياة السياسية فى مصر عبر السنوات السابقة لم تكن تسمح بعمل سياسى حقيقى عمل نضالى فى الشارع، لذلك فإن كل ما تم بعد الثورة يحدث بشكل غير منظم ولا يخرج عن كونها ردود أفعال لمواقف الحياة اليومية، حيث اعتاد السياسيون على هذا النمط دون خطة أو رؤية واضحة. ويستثنى من ذلك حزب التجمع، لكنه مر بفترات انتكاسة طويلة حتى أصبح وضعه فى الشارع ضعيفا والجبهة تتدارك هذه النقطة الآن، ما يتم علاجه مع الوقت.
■ ما الذى تحتاجه جبهة الإنقاذ لتجنب مشاكلها؟
- جبهة الإنقاذ لا يوجد لها شكل قانونى، لأنها اجتماع مجموعة من الأحزاب للوصول إلى موقف موحد، ومن المفترض أن يكون لها برنامج مشترك واضح ومحدود، لابد أيضا من رؤية استراتيجية ويكون الجميع مشاركاً فيها بدون عقد اجتماع تالى لأى حدث، لكن يكون رد الفعل معروف مسبقا، لأن معنى الاجتماع بعد كل أزمة عدم وجود رؤية مشتركة، وأن رد الفعل «يوم بيومه».
■ كيف ترى الدستور الحالى؟
- لا يمكن لفصيل سياسى واحد أن يضع دستور مصر، حيث لابد من مشاركة جميع قوى وفصائل المجتمع، لذلك فإن صياغة الدستور كانت تحتاج إلى التدقيق والاتفاق على طريقة صياغته، لأنه بمثابة عقد اجتماعى بين الشعب والقوى الحاكمة، ولا يمكن أن يضعه فصيل سياسى واحد، كما أنه تمت صياغته فى وقت غير مناسب، وبطريقة غير صحيحة، ولم يشارك فى وضعه كل القوى الاجتماعية.
■ كيف ترى مصر فى عهد الرئيس محمد مرسى؟
- أصبح من الواجب أن تسترد مصر مكانتها بعد أن وصلت لحالة مؤسفة جدا، حيث اختفت الرؤية وزاد الاضطراب، كما أن معدلات الجريمة مرتفعة، حيث إن الرؤية الخاصة بالأمن القومى غير واضحة، فأصبحنا نسمع معلومات عن السودان أو عن حماس وتأتى مؤسسة الرئاسة لنفيه، ولكننا فى المجمل لا نعرف أين الحقيقة لأنهم ينفردون بالقرار، كما أنه لا توجد أى شفافية لدى متخذ القرار.
■ إقامتك خارج مصر تجعلك مطلعا على مشاكل المصريين ومؤخرًا، أعلن الرئيس عن تأسيس مجلس استشارى لرعاية المصريين فى الخارج، كيف ترى هذه الخطوة؟
- لا يوجد مصرى يخرج من بلده وينفصل عنها، بل إنه يعش آلامها، وحديث الناس عن المشاكل طبيعى، وهى أمور كانت موجودة فى الستينيات على سبيل المثال، ولم يكن أداء الخارجية يختلف كثيرا عن الوضع الحالى، بل ربما يكون حاليا أفضل، ولكن إحساس المواطن المصرى حينها بالعزة والكرامة والكبرياء نتيجة انعكاس الوضع الداخلى فى مصر على المواطنين أنفسهم كان سببا لهذا الإحساس.
■ كيف يتحقق هذا الأمر؟
- لو مصر استردت مكانتها وأصبح لها وجودها الفاعل فى المنطقة بأحاديث إعلامية ونظام حكم رشيد لن تقع أى مشكلات وربما يكون سبب المشاكل أن النظامين الحالى والسابق ليست لديهما رؤية أو فهم لدور مصر.
■ لماذا غادرت سريعا بعد الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة واختفيت عن الساحة الإعلامية؟
- ليس لدى أهداف الزعامة والظهور الإعلامى ويهمنى أن تتخطى مصر العقبة الحالية، لأنها لا تستحق ما وصلت إليه. فهى دوما تقدم إبداعات فى كل المجالات.
■ هل تفصلك الإقامة بعيدا عن مصر عن المشاركة فى الأحداث ومتابعتها؟
- أحرص دائما على المتابعة والمشاركة فى الأحداث بأشكال مختلفة، كما أننى عندما أنظر للأمور من بعيد أرى المشكلة منجذورها ولا أنشغل بالفروع التى تتوهنى عن الأصل.
■ هل تفكر فى تأسيس حزب سياسى؟
- أنا بالفعل بصدد تأسيس عمل شكل سياسى يضم الشباب والقوى السياسية المدنية التى ترى أن العدالة الاجتماعية لا تتناقض مع الديمقراطية وفى نفس الوقت لها برنامج اقتصادى يساعد على النهوض بمصر.
■ تعرضت للمحاربة من النظام السابق كما مرت بك أزمات صحية تجاوزتها جميعا، ما هو سر هذه الصلابة التى تتسم بها شخصيتك؟
- الأمر الوحيد الذى يعطينى وأسرتى القوة لمواجهة المواقف الصعبة هو الإيمان الحقيقى، وهذا الإيمان ليس بارتداء جلابية قصيرة أو بإطلاق اللحية، لكنى لدى قناعة قوية أنه لا يوجد على وجه الأرض من يستطيع أن يمد عمرى أو يقصره ثانية واحدة وأن يزيد رزقى أو ينقصه قرشا واحدا، لذلك فأنا لا أخاف.