نهاية الإخوان ربما هو التعبير الأدق والأكثر دلالة فى وصف الأزمة الأخيرة التى هزت الجماعة وكيانها من الداخل، بعد احتدام الصراع بين فريق الصقور برئاسة محمود عزت، وفريق الحمائم المتمثل فى اللجنة العليا لإدارة الجماعة بقيادة محمد كمال، والموالى للمخابرات القطرية، ويعتمد النهج الثورى المسلح.وخلال (48) ساعة تقريبا تقدم أكثر من (80) عضوًا باستقالتهم من مختلف المكاتب الإدارية على مستوى التنظيم احتجاجا على الأزمة الدائرة حاليا، ولعل أبرزهم (4) قيادات من عضوية ما يُسَمَّى ب «مكتب إدارة الأزمة بالخارج» المعروف إعلاميا باسم «مكتب الإخوان المصريين بالخارج» الموالى لجبهة «كمال». وفى إطار مرحلة التصعيد المستمرة بين طرفى الأزمة قرر محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، حل «المكتب الإدارى للإخوان المصريين فى الخارج»، وتكليف إدارة «رابطة المصريين بالخارج» بالملفات التى كان يشرف عليها بسبب تجاوز صلاحياته ورفضه لقرارات الجماعة بحسب ماورد فى بيان منسوب له. وكشف البيان، أن أحمد عبد الرحمن رئيس مكتب الإخوان بالخارج، أجرى اتصالات، مع العديد من الإخوان بأقطار مختلفة بالخارج بهدف الانقلاب على قيادات التنظيم ، وأن ساعة الحسم اقتربت بعد أن تم اختطاف الجماعة من 15 فردًا يتحكمون فيها . وأوضح البيان أن رئيس «مكتب الإخوان بالخارج» ادعى أن مكتب الأزمة تم انتخابه من كافة قطاعات العمل الإخوانى بالخارج وأنه مسئول عن شئون الإخوان المصريين بالخارج وهو غير صحيح . إلا أن مكتب جماعة الإخوان بالخارج، أعلن رفضه التام لقرار القائم بأعمال المرشد العام وقال فى بيان له إن هذا القرار لم يعلن إلا بالاستماع لطرف واحد يخطط للانفراد بالإدارة فى الداخل والخارج، ولا يقدر حجم ما تم من الإنجاز، حيث جاء دون تحقيق بل ودون حوار طوال ستة أشهر، وبالتالى فهو قرار غير ملزم أسوة بالعدم. وأكد مكتب الإخوان بالخارج أنه مستمر فى عمله وهو يتبع منذ إنشائه اللجنة الإدارية العليا بالداخل كمؤسسة، وليس تابعا لفرد، وأنه سيتم تحويل كل من تسبب فى هذا العبث للتحقيق، والمساءلة فى الأطر المؤسسية السليمة. ووجه المكتب رسالة إلى محمود عزت، قائلا: «لا تدار المؤسسة من مجهولين، ولا من فرد يظن أنه فوق الجميع، لن نكل ولن نتخاذل ولن نترك هذه الثورة». وكشفت مصادر إخوانية أن المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لتنظيم الإخوان، المحبوس على ذمة عدد من القضايا، أبدى غضبه من جناح الشباب الذى يسيطر على المكتب الجديد للإخوان بقيادة «محمد كمال»، فى ظل سعى تلك المجموعة وقيادات الصف الثانى إلى انتهاج العنف المُعلن فى مواجهة الدولة، الأمر الذى يعوق أى محاولة للإفراج عن القيادات المحبوسة، ويعرقل أى مفاوضات مستقبلية. وأشارت المصادر إلى أن «الشاطر» أجبر صهره أيمن عبد الغنى، الذى كان يشغل أمين شباب حزب الحرية والعدالة «المنحل»، على تقديم استقالته من مكتب الإخوان لإدارة الأزمة فى الخارج، وإعلان دعمه لرموز مكتب الإرشاد، المعروفة ب «القيادة التاريخية». رسالة الشاطر وأضافت المصادر أن «الشاطر» فى رسالة سربها عبر أسرته والمحامين الذين زاروه فى السجن مؤخرًا، طلب من عدد من القيادات الشابة فى التنظيم، منهم أيمن عبدالغنى، ومحمد البشلاوى، وعبدالحافظ الصاوى، وطاهر عبدالمحسن، إعلان استقالاتهم من مجموعة إدارة الأزمة فى الخارج، خوفاً على مصير القيادات الموجودة فى السجون، وأشارت المصادر إلى أن «الشاطر» أصر على أن تستمر القيادات التاريخية فى إدارة التنظيم، سواء فى الخارج أو الداخل، وأكد أن انتهاج العنف بشكل معلن سيؤدى إلى تزايد الدعم الدولى للنظام فى مصر، وينهى أى محاولة لإخراج القيادات من السجون. وكانت نيران الأزمة قد اشتعلت عقب ظهور الدكتور محمود حسين أحد قيادات جبهة الصقور الموالى ل «عزت» على قناة الجزيرة فى 14 ديسمبر 2015، فى أول حوار مباشر له بعد أحداث 3 يوليو، وأعلن أنه مازال فى منصبه كأمين عام للجماعة، مؤكدًا أن صفة المنصب لا تنتفى فى الجماعة رغم الغياب لسبب أو لآخر. مشيرًا إلى أن خروجه من مصر جاء بطلب من المرشد العام، وأن مكتب الإرشاد ومجلس الشورى كما هما، وأن الظروف الأمنية لا تسمح بانتخاب أعضاء جدد، وهو ما فجر موجة غضب داخل أوساط الإخوان. حوار «حسين» وضع اللجنة العليا ومكتب إخوان الخارج فى حرج بعدما ضرب بقراراتهما عرض الحائط وأعلن تمسكه بمنصبه، معتبرًا أن مهمتهما مقصورة على التواصل مع قيادات الجماعة المطاردين، وأن وظيفة المتحدث الإعلامى محمد منتصر نقل بيانات الإخوان لاتخاذ القرارات. عقب الحوار بيوم واحد أصدرت«الجبهة التاريخية» للإخوان من خلال مكتب «لندن» قرارًا بعزل المتحدث الإعلامى للتنظيم محمد منتصر، وتعيين طلعت فهمى بدلا منه، وتجميد عضوية الدكتور محمد كمال، وعبد الله عزت مسئول قسم «الطلبة» بالجماعة، وتجميد عضوية مسئول لجنة «الحراك الثورى»، بدعوى ارتكابهم مخالفات إدارية وعدم التزامهم بقرارات التنظيم. انقلاب ولم تمض ساعات حتى انقلبت المكاتب الإدارية بالمحافظات على القرارات التى اتخذتها «الجبهة التاريخية» بقيادة محمود عزت، حيث أصدرت المكاتب الإدارية بالقاهرة الكبرى، والإسكندرية، والفيوم، وبنى سويف بيانات تؤكد انحيازها للمسار الثورى المسلح ودعم جبهة «محمد كمال». وقالت «اللجنة الإدارية العليا» فى بيان لها، إن محمد منتصر، لا يزال متحدثًا إعلاميًا باسمها، مؤكدة أن «إدارة الجماعة تتم من الداخل وليس من الخارج»، وأنها «لم تصدر أى قرارات بشأن المتحدث الإعلامى للجماعة، وأن محمد منتصر لا يزال فى منصبه». وأكدت اللجنة، أن «كل القرارات الإدارية التى تخص إدارة الجماعة تصدر من اللجنة العليا فى الداخل، ولا يجوز لأى مؤسسة فى الجماعة، أو شخصيات اعتبارية، التحدث باسم اللجنة، أو إصدار قرارات هى من صلاحيات لجنة الإدارة». لكن المعركة بين الجبهتين زادت فى الاشتعال بعدما أعلن مكتب «لندن» أو ما يعرف برابطة الإخوان المسلمين فى الخارج (الهيكل الإدارى والتربوى للتنظيم الدولى)، وقف التعامل مع مكتب «إدارة الإخوان المصريين فى الخارج» الموالى لجبهة «محمد كمال» لترد عليهم اللجنة العليا بقرار تعيين أمين عام جديد للجماعة، لكنها لم تفصح عن اسمه حتى الآن، فى تكذيب واضح لمحمود حسين من أنه لازال أمينًا عامًا للجماعة. وأكدت مصادر مقربة من التنظيم أن «اللجنة العليا» اجتمعت ودرست قرارًا بمحاولة تجميد عضوية محمود عزت نائب المرشد، والدكتور محمود حسين من الجماعة، والتحقيق معهم فى القرارات التى صدرت عنهم مؤخرًا، وأثارت نوعا من شق الصف الإخوانى. بيان وقالت «اللجنة الإدارية العليا»، فى بيان لها: «نعترف بوجود خلاف يحصره البعض عن جهل أو قصد فى مسألة الثورية والسلمية، لكنه فى الحقيقة يتعدى ذلك إلى منهجية الإدارة وأسلوب اتخاذ القرار ومرجعيته، خاصة فى ظل انتهاء مدة مكتب الإرشاد، فضلا عن استحالة انعقاد نصابه القانونى بسبب وجود عدد من القيادات داخل السجون». ضمير الإخوان فى سياق آخر، أعلن نحو (21) قيادياً بارزاً بالجماعة تشكيل تيار يدعى «ضمير الإخوان»، عن بدء اتخاذهم خطوات ضد مجموعة «عزت»، وقال بيان موقع من المجموعة، بينهم أحمد عبد العزيز، مستشار الرئيس المعزول محمد مرسى، وعصام تليمة، مدير مكتب الدكتور يوسف القرضاوى، وعلى بطيخ، عضو مكتب الإرشاد، وجمال عبد الستار، القيادى البارز بالجماعة: «نحن تيار ضمير الإخوان، نمثل واقعًا على أرض الدعوة، خرجنا إلى العلن بعد أن كنا فكرة تعتمل فى صدور الغيورين على الدعوة، وقررنا أن نخاطب إخوتنا وأحبتنا فى الإخوان بعد أن رُوعنا من الخروج على قيادة الجماعة المتمثلة فى اللجنة الإدارية العليا القائمة بأعمال مكتب الإرشاد، فأبوا إلا أن ينحازوا لمناصب لم يحسنوا بها صناعة». وأضاف البيان: «نحن مع الجماعة وقيادتها المتمثلة فى اللجنة الإدارية العليا، ومع جميع قراراتها، نطالبها باتخاذ إجراءات رادعة وحاسمة ضد الذين اتخذوا قرارات ليست من سلطتهم ولا من صلاحيتهم». الطرف الثالث ليخرج طرف ثالث من جيل الشباب ويعلن عن انشقاقه تحت مسمى تيار «وأعدوا»، معلناً فى بيان رسمى أنه لن ينحاز إلى أى من طرفى الصراع الدائر على قيادة الجماعة، وهم من وصفهم البيان ب«القيادات الحالية». بيانات التيار الجديد تكشف عن ملامح هويته وانحيازاته، حيث دعا إلى اتخاذ مسار «أكثر عنفا دون الالتفات إلى طرفى الصراع»، فالحديث عن «المنهج الجهادى الأصيل للجماعة»، و«مؤسسات القوة اللازمة لتأهيل الجماعة لخوض صراع دام وشرس»، يشير إلى نيته انتهاج القوة. ولم يغفل منظّرو «وأعدوا» التنظيم وصفوفه من خطتهم ومطالبهم، فقد طالبوا ب «تطوير مناهج التربية لدى الجماعة للخروج بأفرادها من مرحلة فقه الاستضعاف إلى مرحلة الجهاد والنصر وبناء الدولة والتمكين». وكذلك طالبوا بالتخلى عن تعامل الجماعة مع نفسها بطريقة محلية وقُطرية فى وقت يعاديها الجميع بسبب أنها «جماعة عابرة للحدود»، مع تفعيل «التنظيم الدولى للجماعة وإعادة تشكيله بما يحقق لها قدرتها على التأثير فى الوضع الإقليمى كوحدة واحدة لا تعترف بقُطر أو تؤمن بحدود». وتوعد البيان التأسيسى ل«وأعدوا» بأن «المصحف لن يكون بلا سيفين»، وأن «العين بالعين والذبح بالذبح والحرق بالحرق». وتابع البيان: «نحن تيار بالجماعة ينادى بمشروعه الذى يراه المشروع الذى بُعثت له تلك الجماعة فى الأصل، نحن الصوت الضاغط والجاذب للمنبع وللمنهج دائما، نحن سياج الأمان، الذى يعمل على عدم انحراف القيادات عن منهج الجماعة، ونحن لن نترك الجماعة أبدا، فإنها ليست ملكا لأحد، ولن نسمح لأحد أن يقرر بفصل أحد منا أو إقصائنا أو تكميم أفواهنا». الرابطة العالمية وفى إطار هذه الانشقاقات ظهرت مطالبات داخل الجماعة بأن يتم إعلان حل التنظيم شكليًا، ويستمر تنظيميًا كخطوة مراوغة لتقليل القبضة الأمنية على التنظيم داخل مصر، وإبعاد الأنظار عن القيادات الهاربة خارج البلاد، خاصة بعد تقرير الحكومة البريطانية الذى أثبت أن الإخوان لها علاقة بأعمال العنف، وعلى علاقة وثيقة بالتنظيمات الإرهابية. ما دفع «القيادة التاريخية» إلى تكليف الكاتب العراقى محمد أحمد الراشد، مسئول التربية» داخل التنظيم الدولى ، بالتواصل مع جبهة «محمد كمال» للخروج من الظرف الراهن. وذكرت المصادر أن الراشد أعد تقريرًا حول النتائج التى توصل لها، وأنه اتهم مجموعة «كمال» بالسعى لاختطاف الجماعة. إبراء الذمة فى المقابل نشرت مواقع إخوانية مقالا للكاتب الإخوانى صادق أمين تحت عنوان «تعليق على حديث محمد كمال عن إبراء الذمة»، كشف فيه أن الدكتور محمد كمال عضو مكتب إرشاد الجماعة كان هو المسئول عن إدارة نشاط الجماعة داخل مصر، خلال الفترة التى تلت عزل محمد مرسى عن السلطة، وحتى مايو 2015، كما حمّله مسئولية الدماء التى سالت، والأرواح التى أزهقت، وشباب الإخوان الذين تم إلقاء القبض عليهم خلال هذه الفترة. وأضاف: «قرأت شهادة الدكتور محمد كمال على جزء من الأحداث، وقد دارت فى رأسى بعض الّذكريات والوساوس والهلاوس، أهذه شهادة يكتبها لأنه عضو مكتب إرشاد معين كما يعلم الكثير من الإخوان بينما د. محمود عزت ود. محمد عبد الرحمن منتخبون؟ أم لأنه من الذين صدر بحقهم قرار الإيقاف؟ أم لأنه مسئول إدارة سابق وقد قبله الإخوان فى الإدارة الجديدة عضوًا مسئولا فكان فى نفسه من الأمر شىء؟ أم لأنه كان مسئول تلك الإدارة القديمة التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن؟ أم أن هذه شهادة يريد أن يرسلها إلى لجنة التحقيق التى رفض المثول أمامها، فقد يرى نفسه فوق المساءلة وأنه رمز لا يُراجع؟ أم يريد إبراء ذمته من دماءٍ سالت وأرواح أزهقت؟». واتهم كاتب المقال «محمد كمال» بتحريض محمد منتصر أحد المتحدثين الإعلاميين باسم الجماعة على نشر معلومات غير صحيحة، مثل أنه تم إجراء انتخابات صعّدت مجموعة من الشباب فى المستويات القيادية للإخوان، وأنه قد تم عزل محمود حسين من منصب الأمين العام للجماعة. وأشار المقال إلى بعض المعلومات التنظيمية، منها أن «اللجنة الإدارية العليا» التى تدير نشاط الجماعة فى مصر تشكلت بموجب قرار من اجتماع مجلس الشورى العام للجماعة، وتضم (11) عضوا بينهم (7) ممثلين عن قطاعات الجمهورية المختلفة، بالإضافة إلى من تبقى من أعضاء آخر مكتب إرشاد قبل عزل مرسى داخل مصر.