لطالما كانت أستراليا قبلة المهاجرين حول العالم، وفى مقدمتهم المسلمين بمختلف جنسياتهم، حيث يرون فيها جنتهم على الأرض وملاذهم الوحيد من قسوة أوطانهم، وطلبا للأمن والحرية والرزق، ليأتى 11 سبتمبر الأسود ومن بعده وحشية تنظيم داعش الإرهابى، لتتبدل بهم الأحوال، وتتحول الجنة إلى سعير ملتهب يكوى الوافدين بعد أن وضعتهم بلاد الحرية فى قفص الاتهام بتهمة الإسلام، ويطاردهم شبح الإسلاموفوبيا لينغص عليهم حياتهم. ومنذ أيام شهدت ست عشرة مدينة أسترالية تظاهرات معادية للإسلام، دعت إليها مجموعة تعرف باسم «استرداد أستراليا»، وأشار منظمو التظاهرات إلى أن الهدف منها الاحتجاج على الشريعة الإسلامية وإصرارالمسلمين فى أستراليا على تناول اللحوم المذبوحة طبقا للمعايير الإسلامية، إضافة إلى تخوف منظمى التظاهرات من انتشارالإسلام فى بلادهم. وفى سيدنى، تظاهر المئات فى ساحة مارتن، قرب المقهى الذى احتجز فيه متطرف مؤيد لتنظيم داعش رهائن فى ديسمبر الماضى، وقتل فى العملية شخصان بالإضافة إلى منفذ الهجوم، وحمل أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها «لا للإسلام، لا للشريعة، لا للحلال»، وكتبت حملة «استرداد أستراليا» على موقعها الإلكترونى أنها ضد الشريعة والبرقع وتدعم المساواة بين الجنسين. جاء ذلك فيما نظم التيار اليسارى فى البلاد تظاهرات تحت شعار «لا مكان للعنصرية فى أستراليا» رفضا منه للتظاهرات المعادية للإسلام، ما أدى إلى تصادمات بين المتظاهرين فى ميدان فيدريشين فى ملبورن وسجلت العديد من الإصابات الخطيرة، واضطرت الشرطة إلى التدخل فور اندلاع المواجهات، ووصف آخرون حملة «استرداد أستراليا» بالعنصرية ضد المسلمين، وقالت كلير فيستر، التى نظمت التظاهرة المضادة فى سيدنى، إن «فعاليات كهذه تشجع على العنصرية والعنف ضد المسلمين»، وتابعت فيستر فى بيان أن «هجومهم على الإسلام يوحى بأن كل مسلم هو شخص عنيف ويدعم الإرهاب وضد المرأة، هذه محاولة لاستهداف كافة المسلمين بعنصرية كلاسيكية نمطية». ورغم تيار فيستر فإن أستراليا تشهد ازديادا فى المشاعر المعادية للمسلمين خاصة بعد الهجوم على مدينة سيدنى ديسمبر الماضى، حيث تلته اعتداءات كثيرة ضد المسلمين إلى جانب تدنيس مسجد بمدينة كوينسلند وتلقى مفتى أستراليا تهديدات مباشرة. وكشفت مسلمة محجبة مقيمة فى استراليا عن هجوم تعرضت له داخل قطار فى مدينة سيدنى، وأفادت الضحية أنه وبعد الهجوم الذى تعرضت له من طرف شاب بدون سبب، لم يعد بإمكانها مغادرة منزلها لأن الرعب يسيطرعليها. وأظهرت دراسة أجريت مؤخرًا أن ما يقارب 75% من المسلمين فى أستراليا يعتقدون أن قوانين مكافحة الإرهاب التى تم اعتمادها منذ هجمات 11 سبتمبر تستهدفهم بشكل واضح، مؤكدين أن الجماعات الإرهابية تشوه المعنى الحقيقى للإسلام. وأوضح استطلاع للرأى نقلته صحيفة «الجارديان» البريطانية، شمل طبقات مختلفة من مسلمى أستراليا ذات خلفيات وجنسيات متباينة، أن أقلية فى أستراليا فقط هى من ترى أن وسائل الإعلام تتعامل بشكل عادل مع قضايا المسلمين. وكانت رئيسة وزراء أستراليا السابقة جوليا جيلارد أطلقت تصريحات ضد المسلمين فى وقت سابق وأعادت تكرارها مرة أخرى، مفادها أنه على المتمسكين بالشريعة الإسلامية التى لا تتوافق مع التقاليد الغربية مغادرة الأراضى الأسترالية والبحث فى أماكن أخرى فى العالم عن منزل جديد، مضيفة: «أستراليا بلدنا وأرضنا وأسلوب حياتنا، وإذا واصلتم الشكوى والتذمر من معتقداتنا المسيحية وطريقتنا فى رؤية الحياة، أشجعكم بشدة على الرحيل، إذا كنتم غير سعداء هنا فارحلوا، من أجبركم على المجىء إلى هنا، أنتم طلبتم المجىء، إذن تقبلوا البلد الذى قبلكم».