بالرغم من مرور نحو سبعة أشهر على مقتل الشاب الأمريكى الأسود مايكل براون على يد شرطى أبيض بولاية ميسورى، وهو الحادث الذى كشف عن عنصرية الشرطة الأمريكية، إلا أن شيئا لم يتغير منذ ذلك الحين، فما زال مسلسل استهداف الشرطة الأمريكية للمواطنين من أصول أفريقية مستمرا بل ازدادت وتيرته خلال الفترة الأخيرة فى الوقت الذى يتم فيه إعفاء عناصر الشرطة المتورطين فى هذه الجرائم من الملاحقة القضائية، وهو ما أدى إلى تجدد الاحتجاجات فى عدد من الولاياتالأمريكية تحت شعار «أرواح السود مهمة»، وتنديد المتظاهرين بامتناع القضاء عن توجيه اتهامات للجناة. وكان من بين آخر ضحايا عنصرية الشرطة الأمريكية الشاب تونى روبنسون (19 عاما) والذى قتل فى السادس من الشهر الحالى فى ماديسون بولاية ويسكنسون بوسط الولاياتالمتحدة بالرغم من أنه لم يكن يحمل سلاحا عندما تلقى رصاصة قاتلة من شرطى أبيض كان قد تعقبه إلى داخل شقته بعد تلقيه بلاغات عن قيام روبنسون بتخطى السيارات فى إشارة مرور وقيامه بضرب شخص آخر. وبالرغم من اعتذار رئيس شرطة ويسكونسن عن مقتل روبنسن، لكنه لم يدن سلوك الشرطى الأبيض الذى قتل الشاب الأعزل فى ظروف غامضة. وفى حادث عنصرى آخر، أظهر مقطع فيديو تم نشره على الإنترنت إطلاق أحد أفراد شرطة لوس أنجلوس النار على متشرد فى أحد شوارع المدينة، لم يجد سوى الرصيف لكى يقيم عليه خيمته ويستقر هناك، حيث داهمت الشرطة المتشرد وقام حوالى خمسة من عناصرها بمحاصرته وطرحه أرضا، لكن بصورة سريعة أطلق عليه أحدهم النار، وأرداه قتيلا. ومع استمرار المظاهرات فى العديد من الولاياتالأمريكية للتنديد بعنصرية الشرطة الأمريكية، تصاعدت الأسبوع الماضى حدة الاحتجاجات فى ضاحية فيرجسون المضطربة فى مدينة سانت لويس بولاية ميسورى وقام متظاهرون بتمزيق العلم الأمريكى، وذلك بعد اعتقال شاب من أصول أفريقية مشتبه بقيامه بإطلاق النار على اثنين من ضباط الشرطة خلال الاحتجاجات التى شهدتها الضاحية على إساءة معاملة السود هناك وهو ما وثقه تقرير نشرته وزارة العدل الأمريكية مؤخرا وأدى إلى استقالة توماس جاكسون قائد شرطة فيرجسون حيث اتهمت الوزارة جهاز شرطة وسلطات فيرجسون بارتكاب ممارسات عنصرية ضد الأمريكيين الأفارقة. وكان التقرير قد خلص، بعد تحليل 35 صفحة من سجلات الشرطة، إلى أن رجال الشرطة فى فيرجسون استخدموا تعبيرات عنصرية وكذلك القوة المفرطة ضد السكان السود. وكشف أن 93% من المعتقلين فى فيرجسون فى الفترة بين عامى 2012 و2014 كانوا من السود رغم أن نسبتهم بين سكان فيرجسون 67% فقط، وأن 90% من الحوادث التى استخدمت فيها الشرطة العنف كانت مع الأمريكيين السود وأيضا كل الحوادث التى عضت فيها كلاب الشرطة مواطنين. وأمام مقر المحكمة التاريخى فى مدينة سانت لويس الذى يعود إلى القرن التاسع عشر، تظاهر عشرات الناشطين مطالبين بتحقيق العدالة لضحايا ما يصفونه بالممارسات العنصرية للشرطة المحلية، وحمل المحتجون لافتات كتب على بعضها أنه «لا سلام من غير عدالة» وصرح المتظاهر ديفيد راجلاند «العدالة ماتت علينا إيقاظها» من على درج المحكمة بأعمدتها البيضاء، المكان الذى تقدم فيه فى عام 1846 «العبد الأسود»- فى ذلك الحين- دريد سكوت بدعوى تعد تاريخية – برغم فشلها- من أجل الحصول على حريته من سيده الأبيض. كما وجه المتظاهرون فى فيرجسون انتقادات للشرطة لإصرارها على ربط حادث إطلاق النار على ضابطى الشرطة بهم بالرغم من قول المتهم جيفرى وليامز (20 عاما) إنه عندما أطلق النار من داخل سيارة كان يستهدف شخصًا آخر وليس ضباطى الشرطة إلا أنهما أصيبا عن طريق الخطأ. وتعهد المتظاهرون بمواصلة المسيرة والتظاهرات قائلين إن الحادث لن يصرفهم عن السعى لتحقيق العدالة لبراون وأمثاله وتغيير ممارسات نظامى الشرطة والقضاء فى فيرجسون. وكان الرئيس الأمريكى باراك أوباما قال مؤخرا إن العنصرية لم تختف من المجتمع الأمريكى، وذلك أثناء إحياء الذكرى الخمسين للمسيرة التى قادها داعية حقوق الإنسان القس مارتن لوثر كينج من أجل الحقوق المدنية للسود فى بلدة سيلما بولاية ألاباما (جنوب) أو ما يعرف ب «الأحد الدامى» حيث شهد اشتباكات عنيفة بين رجال الشرطة البيض والأمريكيين السود وهى اشتباكات أسفرت لاحقا عن إصدار قانون يقضى بحق الأمريكيين السود فى التصويت. وعقب مقتل تونى روبنسون فى ماديسون، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن الحادث يفرض مناقشة الانقسام العنصرى فى مدينة يشكل فيها الأمريكيون من أصول أفريقية نسبة 7% فقط من السكان بينما يكون من نصيبهم النسبة العظمى من الفقر والاعتقالات وعمليات التوقيف. وأشارت الصحيفة إلى إحصاءات تظهر أن معدل البطالة بين السود فى مقاطعة دان التى تشمل ماديسون كان 25% فى عام 2011 مقارنة بنسبة 5% بين البيض، وأن نسبة الأطفال السود الذين يعانون من الفقر فى ماديسون كانت 58% بين عامى 2011 و2013 بينما بلغت النسبة بين نظرائهم البيض 5% فقط. كما أظهرت درجات اختبار الطلاب ومعدل الأطفال الأحداث ومعدل الاعتقالات فى السجون فجوة هائلة بين السكان البيض والسود. وفى نفس السياق، قالت صحيفة «الجارديان» البريطانية إن ما حدث فى ماديسون أوضح العنف المتبع ضد السود، مشيرة إلى الفوارق العنصرية الواسعة بين السكان البيض وبين السكان ذوى الأصول الأفريقية، مؤكدة أنه قد حان الوقت لتغيير ذلك.