لم يكن التقرير الذى نُشر الثلاثاء الماضى، بشأن أساليب التعذيب التى اتبعتها وكالة الاستخبارات المركزية CIA بعد اعتداءات 11 سبتمبر بحق معتقلين يشتبه فى انتمائهم لتنظيم القاعدة، يمثل مفاجأة لأحد، فالكل يعلم أن هؤلاء المعتقلين تعرضوا لاعتداءات وحشية من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، ولكن أهمية هذا التقرير تأتى من كونه يثبت بالدليل القاطع أن ما تدعيه الولاياتالمتحدة من أنها راعية الحرية والديمقراطية فى العالم، ليس إلا أكذوبة نجحت فى ترويجها لسنوات عديدة. ومنذ نشر التقرير، الذى قدمت ملخصه رئيسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكى، الديمقراطية « ديان فينشتاين» لم تتوقف ردود الأفعال سواء داخل الولاياتالمتحدة أو خارجها، فالكل يدين ويشجب وينتقد الممارسات الأمريكية، أما الصحف ووسائل الإعلام فسارعت إلى تحليل ما ورد فى التقرير، ورصد ردود الأفعال، ومناقشة تأثير تلك « الفضيحة الدولية» على صورة الولاياتالمتحدة أمام العالم. التقرير الذى جاء ملخصه فى 480 صفحة من أصل 6000 صفحة تضمن العديد من النقاط المهمة، أبرزها أن استخدام سى إى أيه تقنيات مشددة خلال الاستجواب لم يكن وسيلة فعالة للحصول على معلومات أو تعاون من قبل المعتقلين، كما أن التبريرات التى قدمتها الوكالة حول استخدام تقنيات الاستجواب المتطورة غير دقيقة، يضاف إلى ذلك أن طرق استجواب المعتقلين وحشية وأسوأ بكثير مما أعلنت عنه لصناع القرار فى البلاد والمشرعين، ومن أبرز النقاط الأخرى التى ذكرها التقرير، أن الوكالة لم تحص بشكل تام أو محدد المحتجزين لديها، وأبقت فى السجون أشخاصا لا تنطبق عليهم المعايير، وأن تأكيدات الوكالة بخصوص أعداد المعتقلين، وأولئك الذين خضعوا لتقنيات الاستخدام المشددة كانت غير دقيقة، وكذلك لم تنجح الوكالة فى إجراء تقييم صحيح لفاعلية تقنيات الاستخدام المشددة، ولم تحاسب الوكالة موظفيها المسئولين عن انتهاكات خطيرة ومهمة، كما تجاهلت أيضا الانتقادات الداخلية والاعتراضات بخصوص تطبيق وإدارة برنامجها للاعتقال والاستجواب، وأبرز التقرير مفاجأة تتعلق بالرئيس السابق جورج بوش، حيث كشف التقرير أنه لم يعلم بأمر تقنيات التعذيب التى اعتمدتها الوكالة إلا بعد 4 سنوات من بدئها، وخلص التقرير إلى أن برنامج الوكالة ساهم فى تلطيخ سمعة الولاياتالمتحدة فى العالم. ??? ومنذ الكشف عن التقرير، صدرت عشرات البيانات للدول والمنظمات الدولية، تدين ممارسات السى آى إيه، وتطالب بمحاسبة مرتكبى هذه الأعمال الوحشية، فمن جانبها دعت منظمة العفو الدولية إلى محاسبة المخطئين الذين كشف عنهم تقرير التعذيب، أما المقرر الخاص للأمم المتحدة فى مجال حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب «بن إيمرسون» فطالب بملاحقة المسئولين الكبار فى إدارة بوش الذين خططوا، وأجازوا ارتكاب جرائم، وكذلك مسئولو السى آى إيه ومسئولون آخرون بالحكومة اقترفوا عمليات تعذيب، كما ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش فى بيان أنها صُدمت بحجم أساليب التعذيب، وطالبت بالكشف عن الفاعلين ومحاكمتهم، سواء أكانوا داخل جهاز المخابرات، أو موظفين بالبيت الأبيض، أو بوزارة العدل. واعتبر وزير الخارجية الألمانى أن ممارسات التعذيب لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التى كشف عنها التقرير تشكل انتهاكا خطيرا للقيم الديمقراطية، كما طالبت الصينالولاياتالمتحدة بتصحيح أساليبها، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن عليها أن تحترم جديا لوائح الاتفاقيات الدولية المعنية وتتبعها، كما كانت أفغانستان- وهى من أبرز حلفاء الولاياتالمتحدة- من منتقدى «السى آى إيه»، حيث قال الرئيس الأفغانى أشرف عبد الغنى، إن التقارير عن ممارسة المخابرات المركزية الأمريكية للتعذيب فى مركز احتجاز فى بلده تنتهك كل الأعراف المقبولة لحقوق الإنسان فى العالم، ووصف عبد الغنى التقرير بأنه صادم، وطلب معرفة عدد الأفغان الذين كانوا ضمن من تعرضوا لاستجوابات مؤلمة ومهينة فى موقع سرى للمخابرات الأمريكية فى بلاده. ??? فى المقابل حاول المسئولون الأمريكيون، وعلى رأسهم أوباما احتواء تداعيات الفضيحة الدولية، حيث تعهد الرئيس الأمريكى بعدم تكرار استخدام وسائل التحقيق القاسية خلال وجوده كرئيس للولايات المتحدة، كما قال مدير «السى آى إيه» جورج برينان إن الوكالة ارتكبت أخطاء باستخدام التعذيب وسيلة للاستجوابات، كما أعلن مسئولون سابقون فى الوكالة إطلاق موقع إلكترونى للرد على حملة الانتقادات العنيفة الموجهة لها، والموقع، «سى آى إيه سيفد لايفز دوت كوم» ومعناه «السى آى إيه أنقذت أرواحا»، لا يرمى إلى التشكيك فى لجوء الوكالة إلى تقنيات استجواب قاسية، بل على العكس من ذلك يهدف إلى إثبات فعالية هذه التقنيات ودحض ما خلص إليه تقرير مجلس الشيوخ، وقال القائمون على الموقع إن مؤسسيه هم «مجموعة من قدامى المسئولين فى السى آى إيه ممن لديهم مجتمعين مئات السنوات من الخبرة. وبعيدا عن المواقف الرسمية، اتفقت الصحف العالمية على أن ما نشره التقرير بمثابة عار وفضيحة دولية للولايات المتحدة، فتحت عنوان «عمليات التعذيب التى نفذتها السى آى إيه ألحقت العار والخزى بأمريكا» كتبت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن التقرير حول برنامج السى آى إيه لاستجواب المعتقلين كشف القصة الكاملة والمخزية للأمريكيين، مضيفة أن أساليب التعذيب التى اتبعت مع المعتقلين تعد واحدا من أسوأ الفترات فى تاريخها، وذكرت الصحيفة أبرز الأساليب التى استخدمتها الوكالة لتعذيب المعتقلين، منها الإيهام بالغرق، وتغطية الرأس والدفع باتجاه الحائط، والصفع والغمر بمياه مثلجة، والحرمان من النوم لفترات طويلة قد تصل لأكثر من أسبوع، وهم واقفون ومكبلون وعراة، إضافة إلى التهديد باستخدام العنف ضد عائلاتهم، وأشارت الجارديان إلى أن سى آى إيه كذبت بشأن برنامج الوكالة لاستجواب المعتقلين، وهى لم تكذب فقط على الشعب الأمريكى، بل على الحكومة الأمريكية نفسها، إذ زودت الوكالة البيت الأبيض بمعلومات غير دقيقة. ??? وفى نفس السياق، كتبت صحيفة « دايلى ميل» البريطانية أن يوم صدور التقرير يعد بمثابة يوم العار بالنسبة للغرب، بعد أن اتضح تورط الولاياتالمتحدة والكثير من الدول الغربية فى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأشارت الصحيفة إلى معالجة الكثير من الجهات بإجراء تحقيقات مماثلة فى بريطانيا، من أجل الكشف عن مزيد من الحقائق ومعرفة أسرار أكثر. من ناحية أخرى، أشادت صحيفة «زود دويتشه تسايتونج» الألمانية بالرئيس الأمريكى أوباما، معتبرة أن هذه الخطوة تعد واحدة من إنجازاته، بعد أن ندد بتقنيات الاستجواب التى اعتبرها مخالفة لقيم الولاياتالمتحدة، وذكرت الصحيفة أن أوباما اعتبر أيضا أن هذه التقنيات مست كثيرا بسمعة أمريكا فى العالم، واعدا بالقيام بجهود لضمان عدم تكرار وسائل التحقيق القاسية مادام موجودا فى السلطة.