حيث كلف الإمام الأكبر لجنة علمية متخصصة من علماء الأزهر برئاسة وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان بالعمل على جمع الأبحاث العلمية والكلمات والمداخلات التى ألقيت فى المؤتمر، الذى حظى بزخم عالمى واسع وارشادات محلية وإقليمية ودولية وطبع هذه المقررات فى كتاب بعنوان «مؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب»، يترجم إلى 5 لغات ونشرها على مستوى العالم متضمنا البيان الختامى للمؤتمر، بالإضافة إلى طبع نصف مليون نسخة منها توزع على أساتذة جامعة الأزهر المشتغلين بالدعوة ووعاظ الازهر الشريف وأئمة الأوقاف على مستوى الجمهورية، وترسل إلى البعثات الأزهرية بالخارج. وشدد الإمام الأكبر على أنه سوف يراجع هذه الأعمال بنفسه بعد الانتهاء من جمعها. المؤتمر الذى عقد بالقاهرة على مدار يومين شهد العديد من الدراسات والأبحاث التى تحلل ظاهرة الإرهاب وأسبابها وكيفية مواجهتها ومن هذه الأبحاث ما قدمه الدكتور أبو لباية الطاهر، رئيس جامعة الزيتونة سابقًا، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والذى تطرق إلى تحديد مفهوم الإرهاب وخطورته على السلم والأمن معتبرًا أن الإرهاب يعد أخطر الظواهر وأسوأها فى حياة المجتمعات الإنسانية المعاصرة، لأنه يستخدم أساليب متدنية وأدوات غير مشروعة للوصول إلى أهدافه. واستشهد بتعريف مجمع الفقه الإسلامى للإرهاب حيث وصفه بأنه العدوان الذى يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان فى دينه وأمنه وعرضه وعقله وماله ونسله، وشمل صفوف التخويف والأذى والتهديد والرعب والترويع والقتل بغير الحق، وما يتصل بذلك من صور الحرابة وقطع الطريق. وأكد أن الإسلام نقيض الإرهاب، حرّم سفك الدماء وهتك الأعراض وترويع الآمنين، مشيرًا إلى أن أول ظهور للإرهاب فى العالم العربى كان على يد العصابات الصهيونية فى فلسطينالمحتلة، معتبرًا أن لظهور الإرهاب فى مجتمع ما أسبابا ودوافع عديدة منها ما هو دينى ومنها ما هو سياسى واقتصادى واجتماعى مثل الفقر والبطالة والكبت والإقصاء، حيث يمتنع الناس من التعبير عن آرائهم، وحيت تغيب الديمقراطية ومبدأ التداول السلمى على السلطة. كما رأى أن من الأسباب ما هو خارجى كالتدخل الأجنبى فى شئون الوطن واستنزاف خيراته وثرواته وسعيه لطمس هويته. وأرجع رئيس جامعة الزيتونة سابقًا، السبب الرئيسى لظهور الإرهاب فى البلاد العربية والإسلامية إلى ما يحدث فى فلسطين من طرد وقتل وتشريد للأهالى، مضيفًا: لمواجهة هذه الظاهرة ينبغى أن يكون هناك علاج مركب يقوم على عناصر عديدة توعوية وحوارات فكرية وتنموية اقتصادية ومشاركة فى الحياة السياسية متبنيًا خلال ورقته فكرة مفادها أن من يعمل فى نطاق القانون والدستور ويؤمن بالديمقراطية ويلتزم بنتائج ما تفرزه صناديق الاقتراع، ويؤمن بتداول سلمى على الحكم، واعتبر أن من يقبل بالتعددية الحزبية وتجربة العمل السياسى والاجتماعى وبمناوأة الاستبداد والاقصاء لا يكون إرهابيًا. واختتم مؤكدًا أن من أهم علاجات الإرهاب نشر الحرية والديمقراطية وتحسين الوضع الاقتصادى ومقاومة الحرمان والبطالة والقضاء على القهر الاجتماعى وتوفير تكافؤ الفرص ومكافحة الفساد الإدارى ومنع الرشوة والمحسوبية والسرقة ومعاقبة المفسدين ومحاسبة ناهبى المال العام. فى حين أكد رياض جرجور، أمين عام الفريق العربى للحوار الإسلامى المسيحى على أهمية احترام الاختلاف والتنوع والتعايش والعيش المشترك، معتبرًا أن الاختلاف والتنوع هى سنة من سنن الطبيعة البشرية، خاصة فى ظل وجود الكثير من المجتمعات التى تضم فى حدود الدولة الواحدة العديد من الأديان والمذاهب، وهو ما يسمى بالتعددية الدينية والمذهبية. وانتقد الجماعات التكفيرية التى تحكم بالجلد والتعذيب والنفى والقتل لكل من حاد قيد أنملة فى عقيدته عن العقيدة السلطوية فى ممارسة الحرية الدينية، ورأى أن النظام السياسى والاجتماعى والحقوقى الأكثر ملاءمة للتعايش أو للعيش المشترك السليم هو النظام الديمقراطى، مؤكدًا أن النظام الديمقراطى الحقيقى مبنى على أساسين تأمين الحريات وتطبيق المساواة فى الحقوق والواجبات معتبرًا أن بدون هذين الأساسين لا ديمقراطية حقيقية. وشدد على أن الصيغة الأمثل للعيش المشترك هى «العلمانية المؤمنة» لا العلمانية الملحدة وبالتالى يجب السعى إلى فصل الدين عن الدولة على أن يكون الدين هو الموكول إليه إدارة مستوى المعنى فى الحياة، مضيفًا أن احترام الاختلاف والتنوع والتعايش هو شرط أساسى لا مناص منه لضمان السلم والتقدم فى المجتمعات متعددة الأديان والمذاهب داعيا إلى ممارسة هذا الحق بصدق وعمق لتضمن سلام وعزة أوطاننا. وقال الدكتور إبراهيم الشيخ راشد المريخى رئيس محكمة الاستئناف العليا الشرعية بمحكمة البحرية على دور العلماء والمؤسسات الدينية فى مواجهة الغلو والتطرف، لافتا إلى أن من أهم أسباب انتشار التطرف والغلو الجهل وعدم تحصيل آلات العلم التى يمكن من خلالها فهم النصوص بالإضافة إلى التشبث بظواهر النصوص والركون إلى ما يسمى بالشيوخ ممن لم يعهد منهم مجالسة العلماء والأخذ عنهم فضلًا عن غياب أهل التربية والسلوك لتصفية المناهج العكرة وتقاعس العلماء عن أداء دورهم فى توعية الجيل ونقل المناهج الوسطية التى تلقوها كابرا عن كابر. واقترح مجموعة من الحلول التى من شأنها مواجهة الغلو والتطرف، أهمها ضرورة ضبط المنابر بحيث لا يعتليها إلا من حصل على أهلية علمية من مشارب صافية، وألا يقوم بالتدريس فى المساجد وإلقاء المحاضرات إلا من وجدت فيه الأهلية المذكورة. وطالب بتأهيل علماء وطلاب العلم للرد على المناهج المشبوهة وحصر شبهات الغلو والتطرف والرد عليها ردًا يبدد خلافها فضلًا عن تسمية المناهج المارقة والضالة ليعلمها للناس وشدد على ضرورة محاصرة شيوخ الفتنة الذين يروجون لمثل هذه الأراجيف وإعداد منهج متكامل للتصدى للإرهاب وتدريسه فى الجامعات والمدارس لتأهيل الدعاة.