في ظل شيوع الفكر التكفيري عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات ووقوع الكثير من الشباب فريسة لتلك الأفكار المتطرفة، طالب علماء الدين بنشر ثقافة الاختلاف والتنوع والتعايُشُ مع غيرِ المسلمينَ. وفرض رقابة مشددة على مواقع التواصل الاجتماعي وتفعيل دور المؤسسات الدينية والتعليمية في مواجهة الإرهاب . وأكد العلماء أن المؤسسات الدينية فى الدول العربية بحاجة إلى مزيد من الدعم للرد على فتاوى التكفيريين . كما طالبوا بتوفير فرص عمل للشباب ومواجهة الفقر ونشر الحرية والديمقراطية وتمكين الشباب من ممارسة العمل السياسي. وشدد العلماء على ضرورة محاصرةُ شيوخِ الفتنةِ الذين يروِّجونَ مِثلَ هذه الأَراجيفِ، وإعدادُ منهجٍ متكاملٍ للتصدِّي للإرهاب، وتدريسُهُ في الجامعاتِ والمدارسِ مع إفرادُ قسمٍ في الجامعاتِ لتأهيلِ دعاةٍ واعِينَ بتزييفِ تِلكُمُ الأباطيلِ، وعملُ دروسِ توعيةٍ مكثفةٍ في وسائلِ الإعلامِ للتحذيرِ مِنَ الغلوِّ والتطرفِ وملاحقةُ الشبهاتِ المبثوثةِ على الشبكةِ العنكبوتيةِ، والقيامُ بتفنيدِها . وأكد الدكتور عبد الحي عزب رئيس جامعة الأزهر، أن الإسلام أكد ضرورة إفشاء السلام في المجتمع وهى رسالة الإسلام الحقيقية، حيث قال الله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فلم يقل الله وما أرسلناك إلا رحمة للمسلمين وهو ما يؤكد على عالمية رسالة الإسلام الداعية لنشر السلام في جميع أرجاء العالم. ومن أسباب انتشار الغلو والتطرف والتشدد الفهم الخاطئ لآيات القرآن الكريم وما جاءت به السنة النبوية الشريفة، وتغيير النصوص وفقا للنفس والهوى، و الزج بالدين في مفاهيم التيارات السياسية المختلفة، رابع هذه الأسباب يتمثل في قلة الاقتراب من الشباب ودخول الكثير من الناس الذين لهم أفكار معادية للبشرية في مجال الدعوة، كما إلى أشار أن من بين أسباب انتشار التطرف الغلو في الخلاف والمبالغة في الفروع الفقهية والاختلافات فضلا عن انفكاك بعض الدعاة عن مشاكل المجتمع والجهل الديني لدى الشباب نظرا لقلة البرامج المخصصة للتوعية وطغيان لغة المال مما يجعل هناك الكثير من القنوات تستغل جهل الشباب للتغرير بهم وكذلك نشر فكر الجماعات المتطرفة من خلال بعض القنوات المغرضة. ويرى الدكتور أبو لبابة الطاهر صالح حسين، رئيسُ جامعةِ الزيتونةِ سابقًا وعضوُ مجمعِ البحوثِ الإسلاميَّةِ بالأزهر، أن علاج الإرهاب يتمثل في نشرُ الحرّيةِ وتحسينِ الوضعِ الاقتصاديِّ ومنعِ الرّشوةِ والمحسوبيّةِ ومعاقبةِ المُفسدين. كما أرجع السببَ الرئيسَ لظهورِ الإرهابِ في البلادِ العربيّةِ والإسلاميّةِ إلى ما يحدث في فلسطين من طَردِ وقتل وتشريد للأهالي، مقدما وصفة علاجية تقضي على الإرهاب منها ما ينبغي أن يكونَ عِلاجًا مُركّبًا يقومُ على عناصرَ عديدةٍ تَوْعَوِيّةٍ، وحواراتٍ فكريّةٍ وتنمويّةٍ اقتصاديّةٍ، ومشاركةٍ في الحياةِ السياسيّةِ وأضاف: أن مَن يعمل في نطاقِ القانونِ والدّستورِ، ويُؤْمِنُ بالدّيمقراطيّة، ويلتزمُ بنتائجِ ما تُفْرِزُهُ صناديقُ الاِقْتِرَاعِ، ويُؤمنُ بالتداوُلِ السِّلْمِيِّ على الحُكمِ، فهذا لا يجوز بحال وَصْمُهُ بالإرهابيّ، ومَن يَقْبَلُ بالتعدُّدِيَّةِ الحزبيّةِ وبحُرِّيَّةِ العملِ السياسيِّ والاجتماعيِّ وبمُنَاوَأَةِ الاستبدادِ، والإقصاءِ، لا يكون إرهابيًّا. وأكد أن مِن أهمِّ علاجاتِ الإرهابِ نشرُ الحرّيةِ والدّيمقراطيّةِ، وتحسينِ الوضعِ الاقتصاديِّ، ومقاومةِ الحرمانِ والبَطالةِ، والقضاءِ على أسبابِ القهرِ الاجتماعيِّ، وتوفيرِ تكافؤِ الفرصِ، ومكافحةِ الفسادِ الإداريِّ، ومنعِ الرّشوةِ والمحسوبيّةِ والسَّرقةِ، ومعاقبةِ المُفسدين، ومحاسبةِ ناهبي المالِ العامِّ. من جانبه يؤكد الدكتور رياض جرجور، أمين عام الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، أهمية احترام الاختلافِ والتنوُّعِ والتعايُش والعيش المشترك، معتبرا أن الاختلافَ والتنوَّعَ هما سنّةٌ مِن سُننِ الطبيعةِ البشريةِ،خاصة في ظل وجودالكثير من المجتمعات التي تضمُّ في حدودِ الدولةِ الواحدةِ العديدَ من الأديانِ والمذاهبِ، وهو ما يسمى بالتعدديةِ الدينيةِ والمذهبيةِ. وانتقد الجماعاتِ التكفيريةِ التي تحكمُ بالجلدِ والتعذيبِ والنفيِ والقتلِ لكلِّ مَن حادَ قِيدَ أُنملةٍ في عقيدتِهِ عنِ العقيدةِ السلطويةِ في ممارسةِ الحريةِ الدينيةِ، واعتبر أن الوَحدةُ هي ما يجمعُ الناسَ ليصبحوا واحدًا في تنوّعِهِم، وأن هناك عوامل تقود إلى الوَحدةِ في التنوّعِ، تتمثل في الإنسانيةُ الجامعةُ والواحدةُ، والأُخوّةُ، التي تكون إما بفعل التاريخُ المشترِكُ، والمصيرُ الواحدُ المشترِكُ، أو الوطنيةُ مِن حيثُ الأرضُ الواحدةُ، والحاجاتُ الواحدةُ، والآمالُ الواحدةُ، والمساواةُ في الحقوقِ والواجباتِ، وغيرِ ذلكَ. كما يرى الدكتور رياض جرجور، أن َّ النظامَ السياسيَّ والاجتماعيَّ والحقوقيَّ الأكثرَ ملاءمةً للتعايشِ أو للعيشِ المشترِكِ السليمِ هو النظامُ الديمقراطيُّ، مؤكدا أن النظامُ الديمقراطيُّ الحقيقيُّ مبنيٌّ على أساسَيْنِ: تأمينُ الحريّاتِ وتطبيقُ المساواةِ في الحقوقِ والواجباتِ، معتبراً أنه بدونِ هذين الأساسَينِ لا ديمقراطيةَ حقيقيةً. كما خلص إلي أن الصيغةَ الأمثلَ للعيشِ المشترِكِ هيَ «العلمانية المؤمنة» لا العلمانيةُ الملحدةُ، وبالتالي يجبُ السعيُ إلى فصلِ الدينِ عنِ الدولةِ، على أن يكونَ الدينُ هو الموكولُ إليه إدارةُ مستوى المَعنى في الحياةِ، وأن تكونَ الدنيا هي الموكولُ إليها إدارةُ المستوى التقنيِّ في الحياةِ الجماعيةِ ، مؤكدا أنَّ احترامَ الاختلافِ والتنوُّعِ والتعايشِ هوَ شرطٌ أساسى لا مَناصَ منه لضَمانةِ السلامِ والتقدّمِ في المجتمعاتِ المتعددةِ الأديانِ والمذاهبِ؛ داعيا ً الى ممارسة هذا الحق بصدقٍ وعمقٍ لنضمنَ سلامَ وعِزّةَ أوطانِنا. وحول دور المؤسسات الدينية في مواجهة الإرهاب، يلخص الدكتور أبو بكر سعداوي وصفةً للعلاج من خطورة التطرف في أمرين، أولهما يكمن في معالجة النفس؛ حيث أن الغلو ناشئ عن عدم تزكية النفس فبدل التزكية التي هي أصل كل خير صار الإذكاء فاشتعلت النفوس وسُعرت وزاد لهيبها بتقديس الرأي الشخصي وداعيته الهوى والجهل والغرور، أما ثاني الأمور المعالجة للإرهاب والغلو هو أن يقوم علماء الأزهر بجعل هذه القضية ( إخراج المسلم من الإسلام) وممهداتها من التبديع والتضليل والتفسيق قضية قضائية محضة ويصدروا تقنينات في هذا الباب بالتعاون مع الجهات المختصة وإشاعة هذا الأمر والتركيز على خطورته في مشارق الأرض ومغاربها من جانبه اكد الدكتور إبراهيم الشيخ راشد المريخي رئيس محكمة الاستئناف العليا الشرعية بالبحرين على دَورِ العلماءِ والمؤسساتِ الدينيةِ في مواجهةِ الغلوِّ والتطرفِ، ورأى أن من أهم أسبابُ انتشار التطرفِ والغلوِّ: الجهل وعدمُ تحصيلِ آلاتِ العلمِ التي يُستطاعُ مِن خلالِها فهمُ النصوص، بالإضافة إلى التشبُّثُ بظواهرِ النصوصِ والرُّكونُ إلى ما يُسمَّى بالشيوخِ، ممَّن لم يُعهَدْ منه مجالسةُ العلماءِ، والأخذُ عنهم فضلا عن غيابُ مناهجُ أهلِ التربيةِ والسلوكِ لتصفيةِ المناهجِ المعكرةِ، وتقاعُسُ العلماءِ عن أداءِ دَورِهِم في توعيةِ الجيلِ، ونقلِ المناهجِ الوسطيةِ التي تلقَّوَها كابرًا عن كابرٍ . واقترح مجموعة من الحلول التي من شأنها مواجهةِ الغلوِّ والتطرفِ، أهمها ضرورة ضبطُ المنابِرِ بحيثُ لا يَعتلِيها إلَّا مَن تحصَّلَ على أهْليَّةٍ علميةٍ مِن مَشارِبَ صافية، وألَّا يقومَ بالتدريسِ في المساجدِ وإلقاءِ المحاضراتِ إلَّا مَن وُجِدَت فيه الأهْليَّةُ المذكورةُ . وطالب بتأهيلُ علماءَ وطلابِ العلم للردِّ على المناهجِ المشبوهةِ ، وحصرُ شبهاتِ أهلِ الغلوِّ والتطرفِ، والردُّ عليها ردًّا يُبدِّدُ ظَلامَها فضلا عن تسميةُ المناهجِ المارقةِ والضالَّةِ لِيَعلَمَها الناسُ، وكذلك رصدُ المنابعِ المعكرةِ التي يرجعُ إليها أصحابُ المناهجِ الهدامةِ، ويعوِّلونَ عليها، والتنبيهُ على خطورتِها، والحذرُ منها . وشدد على ضرورة محاصرةُ شيوخِ الفتنةِ الذين يروِّجونَ مِثلَ هذه الأَراجيفِ، وإعدادُ منهجٍ متكاملٍ للتصدِّي للإرهاب، وتدريسُهُ في الجامعاتِ والمدارسِ مع إفرادُ قسمٍ في الجامعاتِ لتأهيلِ دعاةٍ واعِينَ بتزييفِ تِلكُمُ الأباطيلِ، وعملُ دروسِ توعيةٍ مكثفةٍ في وسائلِ الإعلامِ للتحذيرِ مِنَ الغلوِّ والتطرفِ وملاحقةُ الشبهاتِ المبثوثةِ على الشبكةِ العنكبوتيةِ، والقيامُ بتفنيدِها . ويؤكد الدكتور هشام بن عبد الله العباس، أستاذ المكتبات والمعلومات بكلية العلوم الاجتماعية. بجامعة الملك عبد العزيز، على دور المنتديات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وكذلك وسائل الإعلام المختلفة في محاربة الإرهاب كونها الأكثر تأثيراً والمتصدرة لأساليب التغرير، ورأى أن التنظيماتُ الإرهابيةُ تستخدم عدةِ أنشطةٍ خطيرةٍ ومتنوعةٍ ومستحدَثةٍ باستمرارٍ لتجنيدِ الشبابِ والنساء والتغريرِ بهم واستقطابِهِم لأماكنِ القتالِ ونشرِ الفكرِ الضالِّ المتطرفِ بينهم. وطالب بضرورة التصدي للاستخدام المتزايدِ للمواقعِ الالكترونيةِ من قِبَلِ الإرهابيين وإيجاد قوانين رادعة من قبل الدول والحكومات للحد مِن هذه الظاهرةِ الخطيرةِ،و تفعيلِ الدَّورِ الذي تلعبُهُ وسائلُ الإعلامِ لمواجهةِ هذا الخطر، فضلًا عن ضرورةِ إصلاحِ المنظومات التربويةِ والتعليميةِ، وإعاة النظرِ في مضامينِ العملِ الصَّحَفيِّ والإعلاميِّ، واستبدالِها بمضامينَ جديدةٍ تركزُ على معالجةِ انتشارِ ظاهرةِ الإرهابِ والعنفِ، والتصدي لوسائلِ الإعلامِ المشبوهِ التي تمارسُ أدوارًا تحريضيةً مدمرةً تهدُفُ إلى التأثيرِ في عقولِ الشبابِ وتهديدِ أمنِ الشعوبِ والمجتمعاتِ، إلى جانبِ التصدي للمعلوماتِ الهدامةِ التي تبرُزُ على شبكةِ الإنترنت وشبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ ومعالجتِها من خلالِ التشريعاتِ الكفيلةِ بإغلاقِ مثلِ هذه المواقعِ التي تروجُ للعنفِ وللأفكارِ المتطرفةِ والردِّ عليها من قِبَلِ الجهاتِ المختصةِ وبنفسِ الطريقةِ التي استخدَمَتها الفئةُ الضالَّةُ من خلالِ المواقعِ الإسلاميةِ. واقترح إقامةِ مركزٍ أو جهةٍ رسميَّةٍ مركزيةٍ لتوحيدِ الخطابِ الإعلاميِّ لرفعِ مستوى نوعيةِ التوعيةِ والتوجيهِ الإعلاميِّ الممنهجِ للمعلوماتِ عن الإرهابِ، وكذلك إقامةُ اتصالاتٍ ودَوْراتٍ وتدريباتٍ توعوية مشترِكةٍ بين ممثِّلي الجهاتِ الرسميةِ وبين ممثِّلي الصِّحافةِ والإعلامِ والأخبارِ على كيفيةِ معالجةِ الحواراتِ الإرهابيةِ إعلاميًّا، والابتعادُ قدرَ الإمكانِ عن الإثارةِ في طريقةِ نشرِ الأخبارِ المتعلقةِ بالأحداثِ الإرهابيةِ، وضرورةُ اتخاذِ الحِيطةِ والحذرِ فيما يتعلقُ بنشرِ معلوماتٍ تتناولُ الأحداثَ الإرهابية. وانتهت الورقة إلى ضرورة تصحيحُ بعضِ المفاهيمِ الخاطئةِ والتأويلاتِ الفاسدةِ لنصوصِ القرآنِ الكريمِ والسنَّةِ المطهَّرةِ فيما يتعلقُ بعَلاقةِ المسلمِ بأتباعِ الدياناتِ الأُخرى، وأكدت دور المؤسساتِ التعليميةِ في تحصينِ ووقايةِ الشبابِ والنساء من أيِّ انحرافٍ فكريٍّ باتجاهِ الغلوِّ والتطرفِ، من خلالِ الحوارِ مع الطلابِ وفتحِ المجالِ أمامَهم للتعبيرِ عن آرائِهِم بجميع الوسائلِ وفي مختلِفِ الأنشطةِ التعليميةِ والفنيةِ وأنشطةِ الخَطابةِ والإلقاءِ وغيرِها.