وسط صمت تام من الدول الكبرى والأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مازالت داعش – تحت الحماية الأمريكية – ترتكب فظائعها من قتل وذبح وتهجير بحق المدنيين الأبرياء فى العراقوسوريا، وكأن الدور هذه المرة على مسيحيى الموصل الذى تم هدم كنائسهم – التى يرجع تاريخ بعضها إلى ألفى عام – وتم تخييرهم بين دفع الجزية أو الإسلام أو الرحيل عن المدينة مشياً على الأقدام تاركين أموالهم وممتلكاتهم فارين فقط بحياتهم التى أصبحت لا تهم أحد من القوى الكبرى وفى مقدمتها أمريكا التى تتشدق فقط بشعارات حقوق الإنسان لتحقيق مصالحها وتفتيت دول المنطقة فى إطار خطتها للشرق الأوسط الجديد فى البداية وصف القمص صليب متى ساويروس عضو المجلس الملى العام ما يحدث للمسيحيين فى الموصل بأنه مأساة إنسانية لم تحدث منذ قرون طويلة، وأضاف أقول بصدق إن دماء المسيحيين العرب الذين يتعرضون لهذه المذابح فى بلاد العراقوسوريا وحتى ليبيا انما هى فى رقبة الإدارة الأمريكية والدول الغربية، وللأسف هذه الدول تدَّعى أنها دول مسيحية وأنها تدافع عن حقوق الإنسان وهى لا تعرف عن المسيحية أو حقوق الإنسان أى شىء، انما تستخدم تعبير حقوق الإنسان فى تفتيت الدول وتحقيق مصالحها والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط بما فيه من كنوز وثروات بترولية ومعدنية.. وأضاف صليب اننا نشكر الله الذى كانت عنايته بمصرنا الغالية كبيرة فلم ندخل فى هذا النفق المظلم، والفضل فى هذا لثورة 30 يونيو التى توحد فيها الشعب المصرى مسلميه ومسيحييه وكافة طوائفه وبمساندة جيش مصر العظيم بقيادة المشير السيسى واستطاعوا إنقاذ مصر من أن تعود وتعيش فى عصور الجاهلية، وكما قال البابا تواضروس إن بلاد العالم فى يد الله ولكن مصر فى قلب الله.. مخططات أمريكا وأكد صليب أن الشرق الأوسط مهد جميع الأديان التى تعايشت بين جنباته فى سلام ومحبه قرون عديدة، مشدداً على أن المسيحية نشأت فى الشرق الأوسط ومنها انطلقت إلى جميع انحاء العالم وبالتالى المسيحيون يعتبرون اصل السكان فى المنطقة، وأضاف لقد قدم المسيحيون من أبناء الشرق الأوسط كثيرًا من الانجازات العلمية والإنسانية التى أضاءت المسكونه كلها.. وعن الصمت الدولى تجاه ما يحدث من مذابح فى الموصل قال صليب للاسف الشديد فإن الذين يتشدقون بشعارات حقوق الإنسان إنما هم يستخدمونها طبقا لمصالح الدول الكبرى التى تتغنى بها، وحتى الأممالمتحدة المفروض بها أن تدافع عن حقوق الإنسان فى أى مكان فى العالم نرى منها صمتاً مطبقاً، وهذا دليل على أنها لا تتحرك إلا بأوامر الدول الكبرى وفى مقدمتها أمريكا.. وأكد صليب أن خطة أمريكا للشرق الأوسط الجديد ليست فقط على حساب المسيحيين، وإنما على حساب الإنسانية والتراث الإنسانى كله للشرق الأوسط، مشدداً على أن أمريكا تهتم بمصالحها ومصالح ربيبتها إسرائيل وتريد أن تقسم المنطقة إلى دويلات صغيرة حتى تكون إسرائيل هى القوة الوحيدة الضاربة فى الشرق الأوسط.. واستبعد صليب أن يأتى اليوم الذى نرى فيه الشرق الأوسط خاليا من المسيحيين رغم الهجرات الكبيرة للمسيحيين فى سورياوالعراق وليبيا لما يجرى من أحداث مؤسفة دامية فى هذه البلاد وتهجيرهم بالقوة وخير دليل على ذلك أن عدد المسيحيين فى العراق إبان حكم صدام حسين كان حوالى 2 مليون مسيحى اصبحوا الان لا يتعدون مائه الف مسيحى وسوف يتناقصون مع مذابح داعش الجديدة، وأضاف أنه باستثناء مصر رمانة الميزان فى المنطقة والتى حمى الله شعبها بوحدة مسيحييه ومسلميه، فإن المسيحية فى الشرق الأوسط وإن كانت تتعرض لمأزق حقيقى وسط غياب كامل من المجتمع الدولى، ومع ذلك فاننى اثق أن المسيحية لن تغيب عن الشرق الأوسط طالما توحد ابناء المنطقة المسلمون والمسيحيون أمام مطامع الدول الكبرى.. أين الأممالمتحدة؟! من جهته وصف الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الطائفة الأنجيلية ما يحدث للمسيحيين فى الموصل بأنه لا يمت للدين ولا للاخلاق ولا للادمية بصلة، وأضاف أن ما يحدث هناك تعف الوحوش البرية أن تفعله.. والغريب اننا دائماً نردد أن الساكت عن الحق شيطان اخرس.. فأين الحكومة العراقية؟ اين جامعة الدول العربية؟ اين المجتمع الدولى؟ أين الأممالمتحدة؟ أين أمريكا التى تدخلت فى العراق الذى كان مستقراً وقتها وما كان يحدث أيام صدام حسين من انتهاكات لحقوق الإنسان لا يمثل 1% مما حدث بعد الغزو الأمريكى للعراق وما نشاهده اليوم؟ وتساءل البياضى لماذا هذا الصمت الدولى على هذه المذبحة؟ اللهم إلا إذا كان هذا الصمت مطلوبًا لتمرير الأحداث التى تتم على أرض فلسطين من انتهاكات إسرائيلية، وأضاف بمعنى أوضح ترك الحبل على الغارب لإسرائيل أن تفعل ما تريد فى فلسطين مقابل ما يحدث من مذابح فى العراق، وفى نفس الوقت أن ينشغل العالم باحداث العراق للتغطية عما يحدث فى غزة.. وشدد البياضى على أن الغرب يستفيد بما يفعله الاخ بأخيه الإنسان فى المنطقة منتهزاً ما يفعله بعض الجهلاء والمتطرفين المتشددين، مشيراً إلى أن الكنائس العالمية طالبت ورفعت صرخاتها مدوية للمؤسسات الدولية للتدخل لانقاذ الموقف، ولم تكن هناك أية استجابة للقوى الكبرى تجاه مناشدات الكنائس لان ما يحدث فى مصلحة الدول الكبرى.. وأكد البياضى أن المسيحيين دفعوا ثمن الخطط الأمريكية للشرق الأوسط الكبير باهظاً، مشدداً على أن أمريكا أبعد ما تكون عن النظرة الدينية لأنهم فصلوا تماماً بين الدين والسياسة منذ مئات السنين والمصلحة هى الغالبة على سياستهم، كذلك استغلال جهل الجهلاء على أن يفعلوا بأنفسهم ما لا يفعله الأعداء، وأضاف: المسيحيون فى المنطقة دفعوا ثمن هذه السياسة الأمريكية باعتبارهم نقاط ضعف، بل إن أمريكا ستحاول بعد ذلك إثارة أى خلاف مذهبى آخر فى المنطقه، سنَّة ضد شيعة على سبيل المثال، فى إطار خطتها لتقسيم وإضعاف الشرق الأوسط وبأيدينا نحن أبناء المنطقة والغرب وأمريكا متفرجون بسرور بما نفعله بأنفسنا.. أما عن دور الكنيسة الانجيلية لوقف هذه المذبحة خاصة أن لها علاقات قوية بمثيلتها الأنجيلية فى أمريكا، رد البياضى لقد كنت فى رحلة لأمريكا وقابلت كثيرا من الساسة الأمريكان وأعضاء الكونجرس وطالبتهم بالتدخل لوقف هذه المذابح، لكن أمريكا تستفيد من هذا الوضع بصرف النظر عن دماء الضحايا سواء كانوا مسيحيين أو غير مسيحيين، وأضاف المهم أن يستفيد العرب من هذا الدرس ويتحدوا لمواجهة المخططات التى تحيط بهم.. وأكد البياضى على أنه إذا لم يلتفت العالم كله لهذه المأساة الإنسانية وان يتحد ابناء المنطقة لمواجهة التطرف والتشدد فإن هناك مخاوف حقيقيه من أن نرى شرق أوسط خاليا من المسيحيين.. داعش والمصالح الأمريكية من ناحية أخرى أرجع مايكل منير رئيس حزب الحياة ورئيس منظمة أقباط الولاياتالمتحدة الصمت الدولى المريب على هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان لاحتمال وجود علاقة بين قائد داعش أبو بكر البغدادى مع الأجهزة الأمنية الأمريكية، وأضاف لو نظرنا تاريخياً فإن البغدادى الذى حارب ضد أمريكا من 2003 وحتى 2006 عندما تم القبض عليه وقتئذ، اطلق سراحه فجأة مع نهاية 2010 أو بداية 2011، والمخابرات الأمريكية لها تاريخ فى تجنيد الإرهابيين لتوظيفهم لخدمة اغراضها، وبعد اطلاق سراحه اتجه لتكوين جماعة جبهة النصرة وارسلهم إلى سوريا فى بداية الحرب الأهلية هناك، وكانت هذه الجبهة هى النواة الأساسية التى بدأت الحرب فى 2011 ضد نظام الاسد المناوئ لأمريكا، والذى أعلن أوباما أكثر من مرة أنه لا يريد بقاءه فى الحكم.. واشار منير إلى أن داعش تستخدم اليوم فى العراق لتقويض النفوذ الايرانى داخل الحكومة العراقية ولهدم رئيس الوزراء المالكى المعروف أنه ذو علاقة وثيقة مع الايرانيين، وبالتالى أمريكا تستخدم داعش لتهديد الوجود الايرانى فى العراق خاصة أنها أصبحت تسيطر على مدن بأكملها هناك، ووصل الامر إلى أنها تهدد الحدود الايرانية مباشرة، كذلك فداعش تستخدم للضغط على ايران فى ملفها النووى، أى أن داعش تخدم الاغراض الأمريكية فى سورياوايران.. وأضاف منير أنه لو نظرنا إلى الممول الرئيسى لداعش فسنجد أنها قطر، ومعروف أنها الذراع اليمنى للمخابرات الأمريكية فى المنطقة، وهذا يفسر لنا السكوت الأمريكى والغربى – الذى يتبع غالباً النفوذ الأمريكى – على جرائم حقوق الإنسان وهدم الكنائس واغتيال المدنيين من مسلمين ومسيحيين فى الشوارع، وكل الأعمال البربرية التى تقوم بها داعش، حتى سكوتهم على بيع النفط من مدينة رقاء السورية للدول الخارجية، والسؤال هنا أمريكا التى تستخدم كل قوتها وطائرتها بدون طيار فى أى مكان فى العالم لمحاربة الارهاب سواء فى اليمن او باكستان او افغانستان.. كيف تصمت على داعش التى تحرك قواتها واسلحتها فى سيارات نصف نقل مكشوفه؟ إلا إذا كانت داعش تخدم الاجندة الأمريكية فى المنطقة.. وحول ما إذا كانت خطة أمريكا للشرق الأوسط الكبير على حساب المسيحيين، أجاب منير بأن المسيحيين هم الذين يدفعون الثمن فى الشرق الأوسط سواء كان التخطيط أمريكيا أو خلافه، وأضاف هذا ما حدث فى لبنانوالعراق ولن يتوقف، وكان هذا ما سيحدث فى مصر فى حال استمرار نظام الإخوان، أمريكا لا تهتم إلا بمصالحها..أمريكا ليست حامية المسيحيين فى العالم .. بل إن ما تفعله فى الغالب يأتى برد فعل سلبى على المسيحيين فى الشرق الأوسط لاعتقاد البعض أن أمريكا تفعل ذلك باسم الدين، وهذا خطأ كبير فأمريكا تعمل لمصلحتها وللتحكم فى العالم.. وشدد منير أنه – على نحو شخصى – لا يعترف بدور للأمم المتحدة فى حل النزاعات الدولية لانها لا تتدخل إلا فى النزاعات التى تريد التدخل فيها ولصالح القوى العظمى فقط، وأضاف أنه يمكن حشد الرأى العام فى الدول الكبرى – سواء فى أمريكا او الاتحاد الأوروبى - للضغط على حكوماتهم لوقف هذه المذبحة.. أما عن دور المنظمات القبطية فى المهجر لمنع استمرار هذه المذبحة أجاب منير أنه لا يجب أن نحمل المؤسسات القبطية عبئا أكبر من حجمها فمازالت تمول من أشخاص ومجهودات ذاتية، وأضاف أنه بصفة عامة هناك تواصل بين المنظمات القبطية ونظيرتها العراقيه الكلدانية والآشورية فى العمل السياسى منذ زمن طويل، مشدداً على أن هناك مجهودات كبيرة تبذل فى الخارج للتدخل لوقف المذبحة لكن مستوى تأثيرها لم يظهر بعد، موضحاً أنه تم الاتصال بمؤسسات بحثية وصناع القرار والرأى العام فى محاولة لايضاح الصورة والضغط على الإدارة الأمريكية، وأضاف نتمنى أن نتوصل لنتائج طيبة قبل أن تهدم العراق بأكملها وتهدد داعش الشرق الأوسط كله.. حرب عالمية ثالثة من جانبه ارجع المفكر كمال زاخر المنسق العام للتيار العلمانى فى الكنيسة ما يحدث من مذابح للمسيحيين فى الموصل إلى أنه نتيجة متوقعة لحالة الهوس التى سيطرت على المنطقة منذ ظهور جماعات الإسلام السياسى، وأضاف ما يحدث فى الموصل امتداد طبيعى للمد المتطرف فى المنطقة، وهو ما يسير عكس مسار التاريخ الذى ينتقل بالطبيعة من دولة الطوائف إلى الدولة القومية المدنية، ولكن ما يحدث قد يجر المنطقة إلى صراع لا يمكن التنبؤ بمداه، وقد يصل إلى اعلان الحرب العالمية الثالثة.. وأرجع زاخر الصمت الرهيب للمجتمع الدولى عن هذه المذابح إلى أنه حتى اللحظة فإن الحسابات الغربية تقوم على المصالح التى مازالت محكومة بمنطق الحسابات التقليدية، وأضاف لم ينتبه الغرب للتغييرات التى حدثت فى ذهنية المتطرفين فى المنطقة وذلك لاعتماده على التقارير التى ترصد الظاهرة دون أن تحللها، وبالتالى قد يفيق الغرب يوماً على الكارثة التى تهدد مصالحه كما حدث سابقاً فى ايرانوافغانستانوالعراق.. واستبعد زاخر أن تكون داعش عميلة لأمريكا، ولكنه اضاف أنها أحد نتائج الغباء الأمريكى الذى لا يتعلم من اخطائه، وهو الذى اسس ودعم وسلح كل التنظيمات الإرهابية فى مواجهة الشيوعية فى حرب أفغانستان، ولم يدرك مخاطر دعم هذه الجماعات التى مازلنا حتى هذه اللحظة ندفع فاتورة الدعم الأمريكى لها.. وأكد زاخر أن المسيحيين فى الشرق الأوسط يتحملون الآثار الجانبية للمخطط الأمريكى للشرق الأوسط الجديد ويدفعون ثمن نشأته، مضيفاً أن هذا أمر لا يعنى أمريكا من قريب أو بعيد لأنها لا تبحث إلا عن تحقيق مصالحها الضيقة حتى أن تقاطعت مع حقوق ووجود المسيحيين فى الشرق الأوسط، والدليل أن العراق كان يوجد به قبل الغزو الأمريكى حوالى 2 مليون مسيحى يتمتعون بكل حقوق المواطنة باعتبارها واحدة من اقدم الكنائس فى المنطقة وتمتد إلى عصر ظهور المسيحية، والآن لا يتجاوز عددهم مائة ألف مواطن يتعرضون لكل هذا الكم من المذابح والتهجير كأحد نتائج الغزو الأمريكى للعراق.. واستبعد زاخر أن يأتى اليوم الذى نرى فيه شرق أوسط خاليًا من المسيحيين، وأضاف لا يمكن بأى شكل من الأشكال تفريغ المنطقة من المسيحيين، والدليل على ذلك الأحداث التى يحتفظ بها التاريخ فى دوراته المختلفة والتى فشلت فيها هذه المحاولات التى حدثت على امتداد التاريخ، وأضاف المخاوف ستظل قائمة وربما تكون التكلفة عالية، ولكن فى النهاية لن يتحقق هذا الهدف ربما لطبيعة المنطقة، ووجود علاقات تاريخية ممتدة بين المسلمين والمسيحيين والرهان على عدم قابلية الغالبية من المسلمين لما يحدث.