للولايات المتحدةالأمريكية صفتها القطبية وهيمنة قواتها العسكرية والمادية على عناصر تميز كانت تحدد موقعها المتقدم والطاغى تاريخيا وسياسيا على الخارطة « الجيوبوليتكية « العالمية وفيما يبدو وخلال فترتى حكم (بوش الابن) الماضية و(أوباما) الحالية فقدت الإدارة الأمريكية صوابها وقدرة قيادتها على تحديد دورها الاستراتيجى ووزنها الدولى وإدراك دلالات بوصلة العداء الشعبوى العالمى الذى يحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، والذى واكبه تراجع اقتصادى واضح ناتج عن فشل التوجهات السياسية ليضع (وحيد القرن) بصلفه واندفاعه وقصر نظره الدبلوماسى فى حفرة التردى الحضارى.. وهكذا تحول ربيع الشعوب الثائرة إلى خريف القوة الأمريكية الغاشمة..! أضف إلى ذلك.. تنامى أصوات النخب السياسية الرافضة للتدخل العسكرى فى منطقة الشرق الأوسط من داخل المجتمع الأمريكى ذاته لاسيما بعد فشل تجربة غزو العراق والاكتفاء بأداء محايد - بالوكالة - يهدف فقط للحفاظ على المصالح الأمريكية فى المنطقة، اتضح ذلك فى كلمة الرئيس الأمريكى أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 24 سبتمبر الماضى الذى استرشد بنتائج الدراسات والاستفتاءات للنخب السياسية الأمريكية المعارضة.. وأعلن استجابة الإدارة الأمريكية للحلول السلمية لكافة القضايا الخلافية وهو ما وصفه البعض بأنه تراجع فى السياسة الأمريكية مقارنة بالسياسة التى اتبعها الرئيس الأسبق جورج بوش الابن التى اعتمدت التدخل العسكرى كحل حاسم للقضايا الخلافية اتضح ذلك فى كلمة ديك تشينى النائب للرئيس الأسبق بوش الابن الذى قال « إننا لن نتفاوض مع الطغاة فى العالم فنحن لا نفاوض الشيطان بل ندحره».. والغريب أن هذا التباين الواضح فى الأداء بين إدارتى بوش الابن وأوباما يكمن فى المنهج وليس فى المضمون، ولمزيد من الإيضاح استخدم بوش العصا فى حين استخدم أوباما العصا والجزرة، وفى نفس الوقت اتفق الاثنان ولأول مرة على اتباع سياسة التركيع للدول الرافضة بهدف الخضوع للنفوذ الأمريكى، وتأتى مصر فى مقدمة هذه الدول، ولذلك لجأت الإدارتان للتلويح تارة بتقليص المعونة الأمريكية الممنوحة لتلك الدول أو إلغائها فى بعض الأحيان، وكما نعلم أن المعونة الأمريكية لمصر مثلاً جاءت كنص مكمل لاتفاقية كامب ديفيد التى وقعت بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة عام 1979، وقد داومت إدارتا بوش الابن وأوباما على استغلال سلاح المعونة كوسيلة لمعاقبة الإدارة السياسية المصرية ودفعها لاتخاذ مواقف قد تضر بمصالحها داخلياً وخارجياً كما حدث فى حرب الخليج الثانية، وأخيراً تثمين رضوخ الجيش المصرى للإرادة الشعبية بعد ثورة 30 يونيو ، وكل ذلك يعكس عمق الأزمة التى تمر بها الإدارة الأمريكية الحالية التى يعتبرها البعض أزمة قيادات وليست أزمة أيديولوجية، فالفرق بين شخصيتى بوش الابن وأوباما يرجع لفروق بين الشخصيتين وهو ما ذكر فى دراسة أعدها عالم السياسة جيمس دافيد باربر فى كتاب بعنوان (الأخلاق الرئاسية - التنبؤ بمستوى الأداء فى البيت الأبيض) وصف خلالها بوش الابن بصاحب الطاقة الذهنية المتواضعة والذى اختاره الأب السياسى المخضرم لكى يكمل مشروعه فى الشرق الأوسط، أما شخصية أوباما فهى الخائفة من الفشل حتى لا يوجه إليه اللوم على اتخاذ قرار الحرب ضد سوريا أو إيران.. وهكذا فى لعبة الأمم تخضع مصائر الشعوب لأهواء ونزوات قيادات الدول الكبرى.