فقد كنت قد وعدتك عزيزى القارئ بتخصيص هذا المقال للتعرف على أنواع العقود الشرعية التى تصدر الصكوك على أساسها.. ولكن أستأذنك فى استكمال الأحكام المشتركة التى تنظم إصدار وتداول الصكوك الحكومية وصكوك الشركات.. قبل أن نبدأ فى عرض العقود الشرعية. قضت أحكام قانون الصكوك - كما سيأتى بيانه- بوجوب قيد وتداول الصكوك ببورصة الأوراق المالية.. وهذا القيد والتداول يحقق الأهداف الآتية: 1 - يشجع المستثمرين على الاكتتاب العام فى الصكوك، حيث أن لهذه الصكوك سوقًا يمكن للمالك أن يبيع فيها كل ما يملكه من صكوك أو جزء منها عند رغبته فى البيع والحصول على أموال نقدية سائلة بدلاً من الصكوك وقبل موعد إطفاء الصكوك (موعد استرداد الصكوك) حتى إن الذى يكتتب فى الصكوك اليوم يمكن أن يبيعها خلال شهر إن أراد أو أن يستمر مالكًا للصكوك ويحصل على عوائدها طوال مدة حياة الصك التى قد تصل إلى 12 أو25 عامًا وقد تكون أقل من هذه المدة. 2 - يتيح لمن لم يكتتب ويرغب فى تملك الصكوك أن يشترى الصكوك من البورصة. 3 - يجعل البورصة رقيبًا إضافيًا على الصكوك لصالح من يملك الصكوك، ونحن نتذكر أن الصكوك قد قرر القانون أن يراقبها كل من هيئة الرقابة المالية وهيئة الرقابة الشرعية. 4 - يزيد حجم الأوراق المالية المقيدة والمتداولة بالبورصة، مما يساعد البورصة على الخروج من أزمتها التى بدأت منذ عام 2008. 5 - ينشط تداول أسهم المشروعات التى تصدر صكوكا، فضلا عن تداول الصكوك. وقبل أن نبدأ فى موضوع هذا المقال فإننا نذكرك عزيزى القارئ أننا قد تناولنا فى مقالاتنا الثمانية السابقة الصكوك.. من حيث تعريفها وأهميتها.. وعدم اعتدائها على الملكية العامة.. وتوافر الرقابة على أموال الصكوك لصالح مالكى الصكوك وهو الأمر الذى يضمن قيام المشروع الممول بالصكوك بالعمل وفق دراسة الجدوى المعدة عند طرح الصكوك للاكتتاب.. ورأينا أن الأزهر الشريف قد درس مشروع قانون الصكوك.. وأثنى عليه.. وطالب بعدم الالتفاف على أحكامه فاقترح تعديلات لبعض المواد لكى يطمئن قلب كل مواطن ثم بعد ذلك قسمنا الصكوك من وجهة نظر المستفيد من أموالها إلى ثلاثة أنواع هى: 1 - الصكوك الحكومية. 2 - صكوك الشركات. 3 - صكوك الوقف. وتناولنا النوعين الأول والثانى بالعرض والتحليل، وتعرفنا على بعض الأحكام المشتركة بينهما. البرلمان يقر القانون يوم 30 إبريل 2013 .. فى سابقة تاريخية.. ناقش مجلس الشورى فى حضور الحكومة التعديلات التى اقترح الأزهر إدخالها على مواد قانون الصكوك، ثم وافق أعضاء مجلس الشورى بالإجماع على مشروع القانون ليرسل إلى رئيس الجمهورية لإصداره. هل تتذكر عزيزى القارئ أننا قد ذكرنا أن رأى الأزهر الذى نشر فى 13 إبريل 2013 يتلخص فى ثلاثة أمور: أولها: إلغاء المواد المتعلقة بصكوك الوقف تأسيسا على أن الوقف مال يخرج من ملكية الواقف إلى ملك الله تعالى.. ولقد سبق أن علقنا على ذلك. ثانيها: أن ترشح هيئة كبار العلماء- من غير أعضائها- الأساتذة المصريين فى الفقه الإسلامى ليكونوا أعضاء فى الهيئة الشرعية المنصوص عليها فى المادة (20) من قانون الصكوك وأن يكون اجتماع الهيئة الشرعية صحيحا إذا حضره سبعة أعضاء. ثالثها: بعض العبارات التى رأى الأزهر الشريف حذفها أو إضافتها لعدد أربع مواد حتى لا يتم الالتفاف على أحكام القانون. ومن الجدير بالذكر أن الأستاذ الدكتور/ نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الأسبق قد اتفق معنا عندما قال: "إن ملاحظات هيئة كبار العلماء لا تتعلق بالشريعة بشكل كامل، وإن ملاحظات الهيئة لا تؤثر على القانون) . [جريدة الأخبار 1 مايو 2013 "الطبعة الأولى"]. ومن جانبه أكد الدكتور حسين حامد حسان مقرر اللجنة الاقتصادية أن هناك تطابقا كاملا بين رأى مجلس الشورى ورأى هيئة كبار العلماء، وأشار إلى أن رأى الشورى لم يتضمن أى أحكام تتناقض مع الشريعة الإسلامية . [جريدة الأهرام 1 مايو 2013 ] وهذا ما يتوافق أيضًا مع تحليلنا الذى أوردناه فى مقالاتنا الثمانية عن الصكوك. عزيزى القارئ.. ألست معى فى أن مصر قد غيرتها ثورة 25 يناير 2011 إلى الأفضل؟.. وها هو يوم الثلاثاء 20 جمادى الثانى 1434ه الموافق 30 ابريل 2013 قد حمل لنا البشرى بالفتح المبين.. فالرئيس د. محمد مرسى رئيس الجمهورية و د. أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى يحيلان مشروع قانون الصكوك للأزهر الشريف، وهيئة كبار العلماء لا تجد أى مأخذ شرعى أو مخالفة للدين الإسلامى الحنيف لما أقره نواب البرلمان من مواد قانون الصكوك.. وتتطوع هيئة كبار العلماء لتقترح تعديلات على نصوص عدد خمس مواد، ولا تتكبر الحكومة ولا يأنف مجلس الشورى من دراسة التعديلات، وعرضها فى جلسة المجلس، وتعديل ما يلزم، والتصويت والموافقة بالإجماع على القانون.. لينتهى عصر كان يقول البرلمان فيه "إنه سيد قراره" بل كان لا يلتفت حتى لأحكام القضاء. واليوم نتناول تداول الصكوك فى البورصة ويعتبر تداول الصكوك فى البورصة ضمن الأحكام المشتركة بين نوعى الصكوك الحكومية وصكوك الشركات. حيث تنص المادة (17) من قانون الصكوك على: «يجب قيد وتداول الصكوك التى تطرح للاكتتاب العام فى بورصة الأوراق المالية فى مصر، كما يجوز إدراجها و تداولها فى الأسواق المالية فى الخارج بعد موافقة الهيئة، ويحدد مجلس إدارة الهيئة قواعد وإجراءات قيد هذه الصكوك بالبورصة، وذلك بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ويجوز قيد الصكوك التى تطرح للاكتتاب الخاص فى بورصة الأوراق المالية، وفى حالة عدم قيدها يكون بيعها خارج البورصة وفقا للضوابط التى يصدرها مجلس إدارة الهيئة. وفى جميع الأحوال يخضع تداول الصكوك لأحكام الشريعة الإسلامية، وما تقره الهيئة الشرعية، كما يجب إيداع الصكوك لدى شركة الإيداع والقيد المركزى وفقا لأحكام قانون الايداع والقيد المركزى الصادر بالقانون رقم 93 لسنة 2000». ومن هذه المادة يتبين الآتى: 1 - إن تمويل المشروع الواحد سيكون بإصدار عدد من الصكوك متساوية القيمة الأسمية. 2 - طبقا لأحكام القانون فإن أقل حجم لتمويل مشروع أومشروعات حكومية من أموال الصكوك يجب ألا يقل عن 100 مليون جنيه مصرى، أو ما يعادلها بالنقد الأجنبى. ويقل الحجم ليصبح 50مليون جنيه مصرى أو مايعادلها فى حالة صكوك الشركات، وفى الصكوك الحكومية نفترض أنه إذا كانت القيمة الاسمية للصك الواحد تبلغ 100 جنيه مصرى سيتم اصدار 1000000 صك (مليون صك) يكتب فيها مستثمر واحد أو أكثر فبفرض أن عدد 20 مكتتبا اكتتبوا فى الإصدار بالتساوى سيصبح كل مكتتب يمتلك (50000) صك (خمسين ألف صك) وإذا انخفضت القيمة الاسمية للصك الواحد لتصبح (10)جم (عشرة جنيهات) سيطرح للاكتتاب 10000000 صك (عشرة ملايين صك).. وفى المثال السابق سيرتفع عدد ما يملكه المكتتب الواحد من الصكوك ليصبح (500000) صك (خمسمائة ألف صك). 3 - يتم إصدار الصكوك عن طريق طرحها للإكتتاب، «وعلى الجهة المستفيدة طرح الصكوك عن طريق الشركة ذات الغرض الخاص بناء على نشرة اكتتاب عام أو خاص معتمدة من الهيئة» (المادة 12). أسمعك تتساءل عزيزى القارئ عن الفرق بين الاكتتاب العام والاكتتاب الخاص؟ وردًا على ذلك نقول: يكون الاكتتاب عاما إذا دعىّ أشخاص غير محددين سلفا للاكتتاب فى الصكوك.. وفيه يتم النشر فى جريدتين صباحيتين واسعتى الانتشار وكل من يرغب فى الاكتتاب عليه أن يسدد قيمة الصكوك التى يطلب لاكتتاب فيها ثم يخصص له عقب قفل باب الاكتتاب عددًا من الصكوك يتناسب مع المبالغ التى سددها فقد يخصص له كامل عدد الصكوك التى سدد ثمنها أو أقل من هذا العدد فى حالة اجمالى زيادة المبالغ المسددة من جميع المكتتبين عن إجمالى حجم الإصدار. أما الاكتتاب الخاص، فنقول عنه للتسهيل أنه إذا كان هناك عشرون شخصا يعرف بعضهم البعض، يرغبون فى الاكتتاب وسيكتتبون فى كامل حجم الاصدار وحدهم دون غيرهم وتخصص لهم جميع الصكوك. أراك عزيزى القارئ.. تقول: عرفنا الطرح العام وعرفنا الطرح الخاص.. فما هى حكاية إيداع الصكوك لدى الإيداع والقيد المركزى؟ 4 - نقول: إن من يكتتب فى الصكوك.. يصدر له البنك إيصال اكتتاب.. ثم شهادة بالاكتتاب.. ولكن فى المثال السابق كنت أنت عزيزى المكتتب أحد ال 20 مالكا للصكوك وتملك 500000 صك.. أسمعك تقول عزيزى القارئ الحمد لله أنك طمأنتنى أننى أمتلك كل هذه الصكوك فأرد عليك أدعو الله لك أن تكون مالكا لها ولأكثر منها.. ونعود إلى حكاية الإيداع المركزى للصكوك.. وفقاً للقانون 93 لسنة 2000 بدلاً من أن تأخذ 500 ألف شهادة بال 500 ألف صك سيقوم المشروع مصدر الصكوك بايداع هذه الصكوك باسمك انت عزيزى القارئ لدى شركة الايداع والقيد المركزى.. ونشبه ذلك بأنه عندما يتوافر لديك نقود فأين ستودعها؟ أسمعك تقول فى البنك،.. وماذا سيعطيك البنك؟ اسمعك تقول كشف حساب.. وأريدك أن تعلم أن إيداع الصكوك فى شركة الإيداع والحفظ المركزى وهى (شركة مصر للمقاصة) مثله مثل ايداع النقود فى البنك.. وسوف تقوم شركة الايداع والحفظ المركزى بتسليم المكتتب كشف حساب يوضح عدد الصكوك المملوكة له والمودعة لحسابه.. أراك عزيزى القارئ تقول فهمنا خلاص.. ولكن ما الداعى لكل ذلك؟.. اصبر على عزيزى القارئ اتفقنا إن ربنا رزقك ب500 ألف صك.. أسمعك تقول آمين.. وأنت تريد تزويج البنت أو الولد أو تشترى له شقة والسيولة ليست متوافرة ماذا تفعل؟ 5 - ألزمت (المادة 17) سالفة الذكر المشروع مصدر الصكوك أن يقوم بقيد الصكوك فى البورصة.. أراك تقول: ماذا يعنى ذلك؟ 6 - يعنى ذلك أن جهاز البنت.. أو شقة الولد إذا كانت قيمتها 200 ألف جنيه وأنت معك عدد 500 ألف صك كل صك ب10جنيهات .. يمكنك أن تبيع منها 20 ألف صك ب200 ألف جنيه وتحتفظ بالباقى.. ليس هذا فقط .. ولكن لو أن الصك حقق أرباحًا وأصبح سعره فى البورصة ب20جنيها بدلاً من 10 جنيهات ففى هذه الحالة، لن تحتاج عزيزى القارئ لبيع أكثر من عشرة آلاف صك فقط.. أسمعك تقول وما حكاية تداول الصكوك التى لم تطرح للاكتتاب العام؟ 7 - أنت فاكر موضوع الخصخصة - الله لا يعيد هذه الأيام- قول آمين.. كانت هناك شركات لم تكن مطروحة للاكتتاب العام.. وتم قيد أسهمها والتداول عليها.. فكيف تستفيد عزيزى القارئ من قيد الصكوك التى لم تطرح للاكتتاب العام فى البورصة؟ 8 - إذا حدث عزيزى القارئ أن مشروعا تم تمويله بالصكوك.. ونجح.. ولكن هذه الصكوك لم تكن مطروحة للاكتتاب العام.. فإن قانون الصكوك يسمح بقيدها فى البورصة.. أعرف عنك عزيزى القارئ أنك تتابع وتريد أن تكسب.. فماذا تفعل؟ ستذهب لشركة سمسرة وتقول لها اشترى لى صكوكا فى المشروع الفلانى. 9 - يعنى ياعزيزى القارئ أن الصكوك سوف تضيف أوراقًا مالية جديدة للتداول فى البورصة.. ألست معى فى ذلك؟ 10 - ولكن لن تكون الصكوك قابلة للتداول فى البورصة إلا إذا كان هذا التداول يتم وفقًا لأحكام العقد الشرعى الذى يقوم عليه الصك. فما هى العقود الشرعية التى على أساسها تصدر الصكوك؟ هذا هو موضوع مقالنا العاشر إن شاء الله.