هذه سطور تحمل عبق التاريخ ورائحة البخور وأيام العز والجاه والسلطان، خاضتها أكتوبر فى صحبة آخر من تبقى من أحفاد السلطان عبدالحميد الثانى آخر الخلفاء المسلمين والسلاطين العثمانيبن. ويكمل الرحلة حوار آخر أجرته «أكتوبر» مع أبناء عائلة «الديوركلى» التركية الذين يعيشون فى مصر، ومن الأناضول إلى حى الزمالك فى قلب القاهرة وبلدة برديس التابعة للدقهلية تمضى الرحلة عبر سطور تحمل تفاصيل مثيرة يروى فيها السلف عن الخلف مايحيى سيرة الكرام الراحلين وأيامهم.. أحفاد آخر خليفة للمسلمين يتحدثون ل أكتوبر : فى قلب القاهرة بمنطقة الزمالك وبالتحديد فى شقة من بنايات القرن الماضى ذات الطابع المعمارى الأوروبى يعيش أحفاد واحدة من أعرق الأسر الإسلامية الحاكمة فى التاريخ. انجى وأحمد وشاهيناز.. هم آخر ما تبقى من أسرة السلطان عبدالحميد الثانى آخر خليفة فعلى للمسلمين فى عهد الدولة العثمانية.. ذلك الرجل الذى كانت له أياد بيضاء على الأمة الإسلامية بأسرها ورفع شعار «يا مسلمى العالم اتحدوا».. والذى رفض الموافقة على اقتطاع أرض فلسطين لليهود وهم الذين قاموا - بعد ذلك - بتشويه صورته وحركوا ضده المتآمرين بدعوى الإصلاح وحاولوا اغتياله أكثر من مرة حتى تم خلعه فى 1909 وظل تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته. التقينا بهذه الأسرة الكريمة وتحدثنا إليهم وكشفوا لنا عن أسرار وتفاصيل ووثائق وصور نادرة عن حياة هذا السلطان العظيم وتفاصيل أخرى عن حياتهم وكيف يعيشون فى السطور التالية. فى البداية تقول انجى البنت الكبرى للشريف محمد البكرى: السلطان عبدالحميد هو والد جدة أبى «نعيمة سلطان» والدة الأميرة عادلة أم أبى. والسلطان عبدالحميد أنجب خمسة عشر من الأبناء والبنات وبعد صعود «أتاتورك» للحكم سنة 1924 تم إبعاد الأسرة كلها خارج تركيا.. حيث اتجهت جدتى مع أسرتها إلى فرنسا ثم اتجهوا فيما بعد إلى مصر بناء على دعوة من الأسرة المالكة حيث كانت إحدى حفيدات السلطان عبدالحميد- الأميرة نسل شاه -متزوجة من الأمير محمد عبدالمنعم الوصى على العرش- حيث جاءت جدتى عادلة إلى مصر والتقت بجدى أحمد البكرى وهو حفيد خليل البكرى زعيم الأشراف وشيخ مشايخ الطرق الصوفية فى العهد الذى جاءت فيه إلى مصر الحملة الفرنسية وهو شريف بحكم نسبه إلى طبقة الأشراف المعروفة. تشويه الصورة ويضيف أحمد الابن الأوسط والذى يعمل بالسفارة التركية فى القاهرة أن كثيرا من المستشرقين الذين وصفوا السلطان عبدالحميد بأنه مستبد ودموى هم من اليهود وهؤلاء يحملون فى قلوبهم حقدًا دفينًا على السلطان عبد الحميد لأنه رفض رفضًا قاطعًا العروض اليهودية بالسماح بإقامة وطن لهم فى فلسطين، على الرغم من أن عروضهم كانت تحمل إنقاذا اقتصاديًا للامبراطورية المنهارة التى أطلقوا عليها« تركة الرجل المريض».. وبالعكس مما أشاعوه عنه كان تقيًا مواظبًا على الصلاة متواضعًا واصطدامه بالأرمن جاء رد فعل لمحاولاتهم إنشاء وطن مسيحى مستقل ثم محاولة اغتياله لكونه خليفة للمسلمين. لقد استطاع اليهود من خلال من يطلق عليهم «الدونمة» وهم يهود الأندلس الذين أسبغت عليهم الدولة العثمانية حمايتها ومن خلال الجمعيات الماسونية التى كانت تنادى بالتتريك والعلمانية وفى إثارة النعرات القومية والخلافات الطائفية والمذهبية فى أنحاء الامبراطورية كما شجعوا الإرساليات التبشيرية على غزو العالم العربى فى الوقت الذى شجعوا جمعية ثورية تركية هى الاتحاد والترقى وجمعية أخرى « تركيا الفتاة» على الانقضاض على السلطان عبدالحميد وإقصائه عن الحكم. ميراث وتكمل انجى أنهم ذهبوا مع أبيهم إلى تركيا وأن لهم بعض الأقارب خاصة بعض إعلان الحكومة التركية عفوها وهو ما يعنى إمكانية الزيارة أو الإقامة بالرغم من أن من تبقى من الأسرة العثمانية موزعون الآن فى الولاياتالمتحدة أو فرنسا وسويسرا وكندا ونتواصل معهم من خلال جروب على الفيس بوك ونتحاور ونتابع أخبارهم باستمرار حيث يصل عدد أعضائه إلى 134 عضوًا حول العالم. واضافت: نحن مصريون ومعنا الجنسية التركية وكان لنا قصر فى ميدان الأوبرا فى قلب القاهرة ولكن الخديو إسماعيل أخذه ليبنى مكانه دار الأوبرا فاتجهنا إلى « الخرنفش» أحد أحياء مصر العتيقة حيث كانت لنا سراى فخمة ولكنها صودرت إلا أنها مازالت تحمل اسم جدى البكرى.. وبالنسبة للأوقاف فنحن نسعى لاسترداد ولو جزء منها. أما فى تركيا وبالتحديد فى إسطنبول فآثار أجدادى تضم العشرات من القصور منها قصر يلدز الذى ولدت وعاشت به أم أبى «عادلة هانم» وقصر دولما باشا وقصر «بيلد لبى» وهذه القصور أصبحت أماكن سياحية ولقد أثر فينا أن أبى عندما زار هذه الأماكن قد دخلها بتذكرة كأى سائح وبكى عندما شاهد فستان زفاف جدتى عادلة فى أحد القصور هناك. ونحاول السعى وراء ميراثنا من خلال محام تركى هو محامى باقى الأحفاد.. حيث علمنا أنه يوجد لنا أوقاف فى السعودية وفى مصر ويكفى أن تعلموا أن قصرنا فى « الخرنفش» كانت مساحته 16 ألف متر وكان موكب محمل الكعبة يخرج منه. الطريقة البكرية وعن أصول الأسرة من ناحية الأب يقول أحمد. عائلة البكرى هى أيضًا من العائلات العريقة التى تمتد بنسبها إلى أبو بكر الصديق، ولهم مساجد وأسبلة وأضرحة فى مصر ومنهم جدى خليل البكرى الذى عاصر نابليون بونابرت فى حملته على مصر وأهداه القائد الفرنسى قطعة نادرة من الفراء ولا تزال صورتهما معًا معلقة فى متحف اللوفر فى الجزء الخاص بالحملة الفرنسية على مصر. وهناك من أجدادى توفيق البكرى الذى كتب سيرة الأسرة كلها تحت عنوان «فى بيت الصدّيق» ثم هناك «محمد مراد البكرى» الذى كان يشهد قصره فى حى الخرنفش إعداد كسوة الكعبة المشرّفة بحضور الملك فاروق وكبار رجال الدولة يوم كان إعداد هذه الكسوة يتم فى مصر.. وكان هذا احتفالًا سنويًا مشهودًا حيث يؤتى بجمل -كما كان يحكى والدى- لحمل الكسوة بعدها يطوف الجمل بسرايا البكرى سبع مرات قبل أن تبدأ رحلة الكسوة إلى السرادق المعد لاستقبالها فى العباسية.. وذلك قبل رحلتها الميمونة إلى الأراضى الحجازية.. وأنا مازلت شيخ الطريقة البكرية فى مشيخة الطرق الصوفية. أردوغان الطيب وتكشف انجى عن أن رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا حاليًا قد عرض على والدى منذ أعوام الرجوع إلى تركيا والتعيين فى وظيفة مرموقة ولكن أبى رفض.. ومازالت الدعوة قائمة لنا فقد عرفنا أن أردوغان يريد أن يجمع أصول العائلة المالكة. ولذلك فإننا نعتبر هذا الرجل هو امتداد للخلافة الإسلامية لأنه رجل دين من الطراز الأول.. ويكفى أنه أرجع حقوق الدولة العثمانية مرة أخرى. أما شاهيناز الابنة الصغرى فى عائلة البكرى أحفاد السلطان عبدالحميد والتى أرادت أن تتكلم فقالت إن لها ثلاثة أبناء هم ليليان وفرح وأحمد وهى ربة منزل ولها رأى فيما يحدث فى مصر وعن إمكانية أن يتكرر النموذج التركى فى القاهرة فأكدت أنه من المستحيل أن يتكرر والدليل على ذلك ما يحدث فى مصر، حيث لايرجع أردوغان فى أى من قراراته السياسية إلى حزبه « العدالة والتنمية» ويفصل بين حكمه للبلاد وانتمائة الحزبى والدينى. وتضيف شاهيناز قائلة إننا من الممكن أن نقبل دعوة أردوغان بالعودة إلى تركيا إذا بقت الأمور كما هى بالرغم من أننى لا أريد أن أترك مصر التى ولدنا بها وتربينا وعشنا فيها ويكفى أننى اضطررت إلى تغيير وظيفتى التى بقيت فيها 17 عامًا بسبب الانفلات الأمنى وما وصلت إليه السياحة على مدار العامين الماضيين. وحول رأيهم فى الدراما التركية فى التليفزيون المصرى تقول شاهيناز إن المسلسلات التركية هى الشئ الوحيد الذى يرفه عنا فى مصر وأنا سعيدة جدًا لأن المسلسلات التركية بدأت تنتشر فى الدول العربية مثل الخلافة العثمانية فى القرون الماضية. اللقب «أغلو» وعن اللقب الذى يحب أفراد العائلة أن تناديهم به فهو «عثمان أوغلو» فأى شخص ينتمى لهذه العائلة يجب أن ينتهى لقبه بهذا الاسم. ويقول أحمد إن أبى كان يعتز بمصريته.. وكان دائمًا يقول إن هذه الفترة من تاريخنا نحن أحوج ما نكون إلى إعادة قراءة هذا التاريخ وعلينا أن نقرأ انجازات 750 عامًا كان فيها العرب فى أوروبا المبدعين ولم يكتفوا بدور « ساعى البريد» أو «المترجم» عن الإغريق والرومان حيث هذه النهضة العربية التى كان للعثمانيين دور فيها. وكان يقول: علينا أن نقرأ لأبنائنا سيرة الرموز من السلطان محمد الفاتح حتى صلاح الدين الأيوبى ومن ابن خلدون والخوارزمى والكندى والجاحظ والفارابى والإدريسى إلى د. مصطفى مشرفة وعباس العقاد وطه حسين وأنور السادات وغيرهم من الرموز. إن مكتبة صغيرة كمكتبة «النجف» فى العراق كانت تحوى فى القرن العاشر آلاف المجلدات فى الوقت الذى كانت فيه اوروبا وأديرتها غارقة فى الظلام. العثمانى الأخير لفت نظرنا طفل صغير لا يهتم بما يحدث حوله ولا يشغله سوى ألعاب على تليفون محمول عندما سألنا من هو قال والده أحمد : هو ابنى يدعى كوبلاى يبلغ من العمر 7 سنوات يعتبر أصغر حفيد للسلطان عبدالحميد الثانى ويمكن أن نطلق عليه لقب العثمانى الأخير لأنه آخر حفيد للأسرة المالكة حاليًا. وعن معنى «كوبلاى» قال: هذا الاسم هو لوالدى محمد كوبلاى وكانت قد اختارته له جدتى عادلة وهو أحد أسماء أبناء جنكيز خان قائد التتار «كوبلاى خان» وكان اسمًا لأحد أبناء السلطان عبدالحميد أيضًا. وأضاف أحمد أن من أفضل الفترات التى شهدتها مصر هى فترة حكم الملك فاروق.. حتى جاءت الثورة وأممت ممتلكات والدى لذلك فأنا أكره الناصريين لأنهم ظلمونا كما ظلمنا أتاتورك حين أجبر الأسرة المالكة على الرحيل من تركيا ولم يسمح لأى شخص من أفرادها بالرجوع إليها إلا منذ وقت قريب. السلطان عبد الحميد فى سطور.. - هو السلطان رقم 35 من سلاطين الدولة العثمانية. - من مواليد 1842 وتوفى 1918. - حكم بداية من 31 أغسطس 1876 وحتى 27 إبريل 1909. - يعرفه البعض ب «أولو خاقان» أى الملك العظيم وعرف فى الغرب باسم «السلطان الأحمر» أو القاتل الكبير بسبب مذابح الأرمن التى وقعت فى فترة توليه منصبه. - تم خلعه 1909 واقام تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته. - تلقى تعليمه بالقصر السلطانى ودرس اللغات التركية والعربية والفارسية والفرنسية كما درس الأدب وأولى اهتمامًا بالشعر. - شهدت سلطنته عددًا من الأحداث المهمة مثل مد خط سكة حديد الحجاز بين دمشق والمدينة المنورة. - عرف عنه مزاولة الرياضة وركوب الخيل والمحافظة على العبادات والشعائر الدينية والبعد عن المسكرات والميل إلى العزلة وكان والده يصفه بالشكاك الصامت. - كان معجبًا بروايات شرلوك هولمز وكان مهتمًا بالتصوير وبالأوبرا.. بالإضافة إلى أنه كان نجارًا ماهرًا. - رفع شعار «يامسلمى العالم اتحدوا» ورفض إعطاء فلسطين لليهود بالرغم من إغراءاتهم المادية له.