انخفاض الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى.. سيؤدى لزيادة عجز الميزان التجارى مباشرة نظرًا لأن تأثير التغير فى أسعار الصادرات والواردات الناتج عن تخفيض قيمة العملة أكبر من استجابة الكميات المطلوبة منهما.. وهو ما يعنى انه مع تراجع أسعار الصادرات نتيجة انخفاض قيمة العملة لا تتزايد الكميات المطلوبة من الصادرات خاصة فى ظل تعطل حركة الإنتاج نظرًا لإغلاق العديد من المصانع وتراجع الصادرات الزراعية. مما يؤدى إلى تراجع ايرادات الصادرات فى الوقت الذى ترتفع فيه أسعار الواردات نتيجة تخفيض قيمة العملة، بينما لا تتراجع الكميات المستوردة من الخارج أو تتراجع على نحو ضعيف, وهو ما يترتب عليه زيادة المدفوعات عن الواردات ومن ثم زيادة العجز فى الميزان التجارى. هذا ما أكده الخبراء تعقيبًا على تصريحات حسن مالك رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لتنمية الأعمال والقيادى بقطاع الأعمال فى جماعة الإخوان المسلمين والتى قال فيها إن مصر بدأت خفض قيمة عملتها لإنعاش الاقتصاد والوفاء بشروط صندوق النقد الدولى للحصول على القرض موضحًا أن الحكومة بدأت خطوات لخفض عجز الميزانية وتحقيق الاستقرار المالى للبلاد، لكن الإجراءات الأشد تأتى بعد الانتخابات البرلمانية المتوقعة فى إبريل القادم والكلام حول خفض الجنيه لم ينته عند هذا الحد لكن هناك تداعيات أخرى حوله لابد أن تناقش. درجة التنافسية بداية أوضحت د. هبة نصار نائب رئيس جامعة القاهرة والخبيرة الاقتصادية أنه من الناحية النظرية يترتب على تخفيض قيمة العملة المحلية رفع درجة تنافسية الدولة، ومن ثم زيادة صادراتها نتيجة انخفاض أسعار هذه الصادرات مما يعنى زيادة حصيلة العملات الأجنبية، وبالتالى زيادة العمالة الحالية فى قطاعات التصدير، كما يترتب على تخفيض قيمة العملة ارتفاع أسعار الواردات بالنسبة للمقيمين فى الدولة وهو ما يؤدى إلى تحويل الطلب على السلع المنتجة محليا بدلا من تلك المستوردة.. أو يشجع الصناعات البديلة للواردات وهو ما يساعد على تخفيض العجز فى الميزان التجارى أو تحقيق فائض فيه. وأضافت د.هبة أنه من ناحية أخرى فإن نجاح تخفيض العملة يتطلب ارتفاع معدل المرونة فى أسعار الصادرات أى درجة استجابة الطلب على الصادرات فى الخارج نتيجة تغير اسعارها، والمرونة السعرية للواردات تتوقف على درجة استجابة الطلب على الواردات فى الداخل نتيجة لتغير اسعارها وبما أن معظم السلع التى تصدرها مصر لا تنتمى لهذه الفئة من السلع فإن تخفيض قيمة العملة قد يؤدى الى سوء أوضاع الميزان التجارى. مشيرة إلى أنه مع افتراض زيادة الطلب على الصادرات فإنه لابد أن يصاحب ذلك توافر طاقة إنتاجية فائضة تمكن الدولة من زيادة الإنتاج لمواجهة النمو فى الطلب على الصادرات من السلع المحلية، وكذلك لمواجهة النمو فى الطلب على السلع التى تنتج محليا، والذى سيصاحب ارتفاع أسعار الواردات من الخارج وتحول المقيمين نحو استهلاك السلع المحلية بدلا من المستوردة، وذلك يعنى أنه إذا ما تمت عملية تخفيض قيمة العملة دون التأكد من قدرة جهاز العرض المحلى من السلع والخدمات على مواجهة الزيادة فى الطلب عليه.. فإن تخفيض قيمة العملة لن يؤدى إلى الآثار المتوقعة مع الميزان التجاري.. ويطلق على السياسة الرامية لتحويل إنفاق المستهلكين من الانفاق على الواردات إلى الانفاق على السلع المحلية البديلة لها سياسات تحويل الإنفاق. التجارب التاريخية وأوضحت د.هبة أن الشواهد التاريخية أكدت ان استجابة الصادرات لتخفيض قيمة الجنيه محدودة للغاية حيث إن التخفيضات الجوهرية للجنيه في1979 و1989 و1991 و2001 و2003 لم يصاحبها تطور يذكر فى نمو الصادرات غير البترولية. وحول تأثيرات انخفاض سعر صرف الجنيه المصرى على الواردات قالت د. هبة إنه من الملاحظ خفض استجابة الواردات بصورة واضحة لتخفيض قيمة الجنيه وان العكس هو المتوقع حيث سترتفع قيمة فاتورة الواردات بالجنيه المصرى، وهى مشكلة كبيرة لدولة مثل مصر تستورد جانبا كبيرا من المدخلات من المواد الخام والسلع الوسيطة اللازمة لعملية الإنتاج.. ومعظم السلع الرأسمالية من الخارج.. وهو ما يعنى ان نقص قيمة العملة لا محالة سيؤدى إلى ارتفاع تكلفة الانتاج وارتفاع أسعار السلع المنتجة محليا من جانب.. فضلا عن ارتفاع أسعار السلع النهائية المستوردة من الخارج والمحصلة هى أن تخفيض قيمة الجنيه لن يؤدى إلى تحسين وضع الميزان التجارى بقدر ما سيؤدى الى مزيد من التضخم فى الأسعار، وانخفاض القدرة الشرائية للصادرات على الواردات بمعنى أن يتطلب الحصول على كميات الواردات من الخارج نفسها تصديرا أكبر من الإنتاج المحلى. الاستيراد كما أن مصر تعتمد على استيراد السلع الأساسية مثل القمح والزيوت واللحوم والأسماك ومشتقات البترول من الخارج وهو ما سيشجع بقوة الاتجاه إلى رفع الاسعار وتخزين السلع بهدف تعطيش الأسواق ومن ثم زيادة اسعار السلع الأساسية على المستهلك الآمن وانتعاش السوق السوداء موضحة ان انخفاض الجنيه سيؤدى الى ارتفاع اسعار الوحدات السكنية والعقارات وذلك نظرا لزيادة تكاليف الانتاج التى يتحملها المستهلك النهائى، فهناك العديد من المواد الداخلة فى صناعة البناء والتشييد مثلا الأخشاب والمواد الصحية لا يتم انتاجها محليا ويتم استيرادها من الخارج, الأمر الذى يعنى حدوث تغييرات سعرية خلال الفترة الحالية ومن ثم إلقاء اعباء جديدة على كاهل محدودى الدخل . ومن جانبه، أكد محمد قاسم، رئيس المجلس التصديرى للملابس الجاهزة ضرورة تحديد قيمة الجنيه أمام الدولار على حسب قوى العرض والطلب، لأن ذلك سيعطى سعراً عادلاً للجنيه وهو ما يعود على التصدير المصرى الذى يتضرر من الوضع الحالي. وأضاف أن الاحتفاظ بقيمة للجنيه أعلى من قيمته الحقيقية يدعم المصدر الأجنبى لمصر ويضر بالمصدر المحلى والتصدير. وأشار قاسم إلى أنه على الرغم من أن مصر دولة مستوردة أكثر منها مصدرة إلا أن دعم العملة أمام الدولار ودعم بعض السلع المستوردة يؤدى إلى سوء الاستخدام مثلما يحدث فى القمح حيث يعتبر المواطن المصرى من أكثر المواطنين استهلاكاً فى العالم نتيجة الاستخدام السيئ. ولفت إلى أن المصدرين طالبوا الحكومة بأن يتم مراعاة السعر العادل للجنيه وليس تخفيض متعمد لسعر العملة. بينما أكد د. صفوت حميدة، أستاذ التأمين المساعد بأكاديمية السادات ضرورة عدم ترك سعر الجنيه للعرض والطلب قبل أن تستقر الأحوال السياسى والاقتصادية ويزيد الانتاج المصرى والتصدير، وحدوث تنمية اقتصادية تجعل للجنيه المصرى قيمة حقيقية وكبيرة أمام العملات الأجنبية.