أحد الأسباب التي يرحب بها صندوق النقد الدولي لانخفاض قيمة الجنيه أنه يجعل سعر السلع التي تصدرها مصر للخارج أرخص( أي أقل في عين المستوردين). ومن ثم يشترون منها كميات أكبر مما يعزز القدره التسويقية لمصر وبما يعود في النهاية بالنفع علي الاقتصاد ويتمثل ذلك في صورة حصيلة أكبر للصادرات والعملة الأجنبية الصعبة وخفض العجز الموجود بالميزان التجاري. لكن إذا علمنا أن55% من حصيلة مصر من العملات الأجنبية تأتي من ثلاثة مصادر رئيسية( وهي إيرادات قناة السويس وتحويلات المهاجرين بالإضافة الي صادرات البترول) وأن جميعها لا يتأثر بانخفاض سعر الجنيه. أما باقي الحصيلة(45%) فهو يأتي من سلع تتميز- كما تؤكد الدراسات الاقتصادية أن مرونة الطلب السعرية عليها منخفضة, أي أن الطلب لن يزداد كثيرا إذا تم خفض سعرها ومن ثم لن نصدر أكثر إذا خفضنا أسعار صادراتنا وعلي ذلك فإن زيادة ايرادات الدولة من العملة الصعبة نتيجة لانخفاض سعر الجنيه كما يتوقع الصندوق سيكون شبه معدوم أو محدود علي أكثر تقدير. السبب الآخر لترحيب الصندوق بانخفاض سعر الجنيه يأتي كما يوضح السيد محسن خان( المدير الاقليمي السابق لمنطقة الشرق الأوسط في الصندوق) هو تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري. وذلك كما شرح السيد خان أكثر من مرة ينجم من تباين معدلات التضخم في مصر( حوالي10% إلي12% في المتوسط) مع الدول التي تتعامل معها مصر في مجال التجارة الخارجية( حوالي2% إلي4% في المتوسط) ومن ثم فإن سعر السلع في هذه الدول يكون أقل عن سعر السلع المماثلة في مصر) بحوالي8% إلي10% في المتوسط( ومن ثم يجب تخفيض سعر الجنيه حتي تتعادل أسعار السلع وتتعزز قدرة الاقتصاد المصري علي التنافس مع هذه الدول. ولعل التفنيد السابق الذي يفيد بثبات ايرادات مصر من العملة الأجنبية رغم انخفاض سعر الجنيه يمكن أن ينسحب علي حجة السيد خان أيضا ولكن الأخطر وما يدعو للتسائل هو التجاهل التام لمثل هذه الحجج والتي ترحب بانخفاض سعر الجنيه لتأثير ذلك الانخفاض علي تكلفة الواردات المصرية. فمن المعلوم أن انخفاض سعر الجنيه سيتسبب في ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة- كما هو حادث الآن, ونتيجه لذلك التضخم المستورد ترتفع أيضا اسعار السلع المحلية ويرتفع معدل التضخم. وهكذا إذا أخذنا بنصيحة السيد خان يمكن أن ندخل في حلقة مفرغة, حيث إن انخفاض سعر الجنيه سيسبب ارتفاع معدلات التضخم وحتي نعزز قدرة مصر التنافسية يتم تخفيض سعر الجنيه مرة أخري مما يتسبب في دورة أخري من التضخم وهكذا. الخلاصة هنا أن تحرير سعر الصرف أو تعويم الجنيه كما يريد البعض لن يجلب الكثير من المنافع بل العديد من التكاليف والمخاطر للاقتصاد المصري. لكن بما أننا دخلنا فعلا سواء أردنا أم لم نرد في مرحلة الانخفاض الحاد في سعر الجنيه فيجب أن نوقف هذا التدهور المفاجئ علي الأقل بالعمل علي إيقاف أهم أسبابه... ذلك يعني قيام الأطراف السياسية المتناحرة باجراء ايجابي وشامل ومفاجيء لتغيير هذه التوقعات. إذا تعذر ذلك كما هو حادث ولأننا لا يجب أن ندع الاقتصاد في هذه البلد يتساقط من بين أيدينا إلي هذا الحد فأنا أدعو الرئاسة إلي تكوين فريق استشاري اقتصادي يتبع الرئاسة مباشرة ويقوم علي الفور بوضع خطة قصيرة الأجل للتعامل مع المشاكل الاقتصادية الحالية والخطيرة. ولكن الأهم الآن أن يتوقف غير الاقتصاديين وفورا عن إدارة الاقتصاد المصري. المزيد من مقالات د. حسن يوسف علي