طُرح مشروع الدستور الجديد بعد أن سلمته الجمعية التأسيسية لرئيس الجمهورية ويجرى الاستفتاء على مجمل الدستور. وقد نشطت المعارضة منذ انتخاب الرئيس مرسى لافشال خطته فى إنهاض مصر كما انسحب من الجمعية التأسيسية عدد من أعضائها تارة لأسباب سياسية أو تآمرية وتارة أخرى لأسباب موضوعية وهى أن الجمعية لا تستجيب لوجهات نظرهم وأنهم لا يحتملون حكم الأغلبية. يطرح مشروع الدستور فى وقت ينقسم فيه المجتمع إلى التيار الإسلامى ومن يؤيده والتيار الليبرالى بكل أطيافه الناصرية واليسارية والشيوعية والشيعية واللا دينية وغيرهم ممن يرفضون التيار الإسلامى فضلا عن الأقباط بشكل عام وهذه قسمة جديدة عرفها المجتمع المصرى عند الاستفتاء على الإعلان الدستورى الأول الذى أصدره المجلس العسكرى فى 30 مارس 2011. فإذا رفض مشروع الدستور شكّل الرئيس جمعية جديدة لإعداد دستور يرضى الجناح غير الإسلامى على اساس أنه دستور لوطن واحد وشعب واحد .أما إذا قبل الشعب الدستور بحالته الراهنة فإن ذلك يعنى أن شريحة سياسية وأخرى دينية ترفض الدستور لاعتقادها بأن تمرير الدستور يعنى انكسارها ونجاح التيار الآخر بعد أن اتخذ الصراع صورة ذاتيه ودينية بعيداً عن الموضوعية والمصالح الوطنية. ولذلك فإنه من المفيد أن يتم فهم الدستور مفصولاً عن المناخ السياسى الذى يصدر فيه . الملامح الاساسية للدستور يجب التأكيد ابتداء على أن دستور 1971 كان نموذجياً ولكن مشكلته الاساسية أن الرئيس مبارك ونظامه لم يحترموا أى نص فيه وتم استخدامه وتوظيفه لأغراض دعائية ذلك أن السلطات الاستثنائية للرئيس فى الدستور السابق كان مصدرها مجلس الشعب الذى كان مشكّلاً بالتزوير. ولذلك فإن العبرة ليست دائماً بالنصوص، وإنما العبرة بالنفوس والضمانات والإصرار على احترام الدستور. يتسم الدستور الجديد بالخصائص التى تجعله دستوراً عصرياً يعكس اشواق المصريين إلى الحرية والحكم الرشيد ومكافحة الفساد والكرامة والتوازن بين السلطات والفصل بينها وتهذيب صلاحيات الرئيس وضبط وضع الجيش. السمة الأولى، هى التأكيد على أنه إذا كانت مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.. فمن حق غير المسلمين من المسيحيين واليهود الاحتكام إلى شرائعهم فى المجالات التى يتطلبها ذلك، ولكن تبقى الشريعة الإسلامية هى الشريعة العامة وهى الأحكام الكلية والاجتهادات المعتبرة فى الفقه الإسلامى. فالنص للعموم فى شقه الإسلامى ولغير المسلمين فى المعاملات المتعلقة بالأسرة وغيرها وهذا لا يمنع أنهم يحتكمون أيضاً إلى شرائعهم فى تشريعات فرعية. السمة الثانية، هى إنشاء الأجهزة الرقابية فى الدستور وهى صمام الأمان فى النظم الديمقراطية. السمة الثالثة، هى إنشاء المفوضية الوطنية للانتخابات ومعظمها من عناصر قضائية. السمة الرابعة، إنشاء برلمان من غرفتين ووضع ثقل معين لكل منهما ولكن مجلس النواب هو مركز الثقل فى العملية التشريعية وإن كان مجلس الشورى يقوم مقامه إذا كان منحلاً. السمة الخامسة، يستحدث الدستور هيئة لمقاومة الفساد مما يعكس الجرح الغائر الذى تركه الفساد فى جسد الدولة ومهمة الدولة هى تنظيف جسد مصر من الفساد بمختلف الوسائل ووضع الاجراءات اللازمة لمنع ترسب الفساد من جديد وهذا بعد مهم فى تنقية حياة المصريين وترشيد النظام السياسى وتحسين صورة مصر فى الخارج. السمة السادسة، استحدث الدستور الجديد نظام الوقف وهو يختلف عن هيئة الاوقاف فى وزارة الاوقاف فالوقف طريق إسلامى لتعمير المجتمع والاستجابة لنوازع الخير عند الناس لتمويل مشروعات تجلب النفع العام وهو إحياء لتقاليد الوقف فى التاريخ الإسلامى. السمة السابعة، استحدث الدستور الجديد هيئة لحفظ التراث بعد أن لوحظ تجريف مصر من ذاكرتها وتراثها ونأمل أن يمتد الاهتمام إلى صيانة الآثار المصرية. السمة الثامنة، حظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى سوى فى الحالات التى يرتكب فيها المدنى أعمالاً تضر بالقوات المسلحة. معنى ذلك أن هذه الحالة هى استثناء على الأصل وهو ما طالبت به ثورة يناير. السمة التاسعة، تتعلق بوضع رئيس الجمهورية من حيث شروط الترشيح ومدد الولاية وسلطات الرئيس ومحاكمته وعلاقته بالسلطتين التشريعية والقضائية، ونشير بشكل خاص إلى أن رئيس الوزراء أصبح فى الدستور الجديد شخصية محورية وهو يحل محل الرئيس عند غيابه أو عدم قدرته المؤقته على العمل ثم تسرى القواعد المعروفة السابقة فى حالة خلو منصب الرئيس. ويكلف الرئيس رئيس الوزراء من الحزب الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب إذا لم يحظ رئيس الوزراء والحكومة فى المرة الأولى بثقة مجلس النواب، لكن مجلس النواب هو الذى يختار رئيس الوزراء فى المرة الثالثة إذا لم تحظ حكومته على ثقة المجلس. أى أن مجلس النواب يشارك الرئيس فى تعيين رئيس الوزراء وهذه اضافة مهمة مع غيرها تجعل النظام السياسي فى مصر نظاماً مختلطاً. أما محاكمة رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة فلا ينفرد بالاتهام رئيس الجمهورية. وإنما يشاركه النائب العام ومجلس النواب ويحسم مجلس النواب بأغلبية الثلثين الاتهام بقرار منه. وقد شدد الدستور على نزاهة رئيس الجمهورية وحظر تلقى الهدايا لأنها رشوة من الداخل وإهانة لمصر من الخارج. وحظر الهدايا حكم عام يسرى على كبار موظفى الدولة ومع ذلك إذا ثبت أنه تلقاها تؤول للخزانة العامة. ولم يعد رئيس الجمهورية فى الدستور الجديد هو الذى يبرم المعاهدات منفرداً إنما أصبحت موافقة البرلمان اساساً قبل أن يصدق الرئيس على المعاهدة. أما المعاهدات المهمة التى فصلتها المادة 145 فيجب أن تكون موافقة البرلمان بأغلبية ثلثى الأعضاء وأكدت هذه المادة فى نهايتها أنه لا يجوز اقرار أية معاهدة تخالف أحكام الدستور ومعنى ذلك أن الدستور أصبح قيداً على نوع المعاهدات التى تلتزم بها الدولة وهذا لا يقدح فى التزام مصر باحترام المعاهدات التى تصبح طرفًا فيها. أما سلطة إعلان الحرب فهى بقرار من الرئيس ولكن بشرط أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى (سلباً أو إيجاباً) ولكن ضرورة موافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء. كما يعلن الرئيس حالة الطوارئ وفقاً للقانون بعد أخذ رأى الحكومة ثم يعرض الإعلان على مجلس النواب خلال أسبوع من الإعلان . والمثير أيضًا فى الدستور الجديد أنه يمكن اتهام الرئيس بارتكاب جناية أو بالخيانة العظمى وفصّل الدستور فى المادة 152 اجراءات المحاكمة كما ينظم القانون اجراءات التحقيق والمحاكمة ويحدد العقوبة وهي اضافة بالغة الأهمية تسقط حصانة الرئيس فى الدساتير السابقة. السمة العاشرة، للرئيس الحق في حل مجلس النواب إذا لم تحظ الحكومة وبيانها بثقة مجلس النواب على أساس أن الدستور لم يشترط أن تتشكل الحكومة بطريقة معينة ولا يكون للبرلمان دور فى تشكيلها في المرتين الاولي والثانية. وقد أحسن الدستور بحظر الجمع بين عضوية الحكومة وعضوية البرلمان ولكن يجوز أن يعين أعضاء البرلمان فى الحكومة دون الجمع بين الاثنين. السمة الحادية عشرة، خصص الدستور مكانا للأزهر اعترافاً بأهمية دوره واستقلاله بعد أن كان شيخ الأزهر عضواً فى الحزب الحاكم. السمة الثانية عشرة، اهتم الدستور اهتماماً خاصاً بالقضاء فنص لأول مرة على ماكان النص عليه فى القانون وهو الاعتراف بجميع الهيئات القضائية بما فى ذلك هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية والقضاء العسكرى بأنها هيئات قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ولم يعد رئيس الدولة هو الرئيس الأعلى للهيئات القضائية إنما صار الرئيس الأعلى للشرطة باعتبارها جزءاً من السلطة التنفيذية التى يرأسها الرئيس. السمة الثالثة عشرة، وضع الدستور حلاً نهائياً لتنظيم الانتخابات على كل المستويات والاشراف عليها واسند هذه المهمة إلى المفوضية الوطنية للانتخابات كما يمكن أن يسند إليها الاشراف على الانتخابات النقابية وغيرها ويتكون مجلسها من عشرة أعضاء من القضاه المنتخبين من جمعياتهم العمومية والمنتدبين ندباَ كاملاً وتفرغاً تاماً لمدة 6 سنوات. السمة الرابعة عشرة، يعين الرئيس النائب العام لمدة واحدة وهى أربع سنوات ويعين النائب العام بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس النقض ورؤساء الاستئناف والنواب العامين المساعدين ولا يكون للرئيس الا اصدار قرار التعيين. وقد حدد الدستور عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشرة أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية ويحدد القانون الجوانب المتعلقة بها. ولكن المادة 177 حصّنت عددا من مشروعات القوانين الخاصة بمباشرة الحقوق السياسية والانتخابات على كل المستويات من الرقابة الدستورية اللاحقة اكتفاءً بالرقابة الدستورية السابقة. وقد أوضحت المادة 235 أن يستمر رئيس الدستورية العليا وأقدم عشرة أعضاء فقط بالمحكمة .وأخيراً أشارت الاحكام الانتقالية إلى استمرار الرئيس حتى اتمام مدته ويتولى مجلس الشورى الحالى سلطة التشريع كاملة حتى انتخاب مجلس النواب الجديد وتلغى جميع الاعلانات الدستورية الصادرة من 11 فبراير أى يوم تنحى مبارك على أن تظل الآثار المترتبة عليها سارية. السمة الخامسة عشر، بالنسبة لقيادات الحزب الوطنى المنحل حيث منعت هذه القيادات من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات وهى أعضاء الأمانة العامة ولجنة السياسات والمكتب السياسى وأعضاء الشعب والشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على الثورة. السمة السادسة عشرة، لم يجد الدستور الجديد مكاناً لنائب الرئيس كما كان الحال فى الدستور السابق لأن نواب الرئيس من أهم سمات النظام الرئاسى الأمريكى. السمة السابعة عشرة، عالج الدستور الجديد وضع المحامين ومنحهم الحصانات اللازمة وبذلك سد الطريق على إعاقتهم لأى سبب ولذلك سيتم تنقيح قانون المحاماه لضبط العلاقة بين المحامين والقضاه بعد الازمات الطاحنة التى عطلت مرفق العدالة. وسوف يترتب على بدء العمل بالدستور إقالة النائب العام الجديد وإقالة نائب الرئيس الجديد. وفي ضوء ما تقدم، فإن الدستور الجديد قدم حلولا منطقية و شدد علي ملامح السلطات الثلاث والعلاقة بينها واستجاب لما طالبت به ثورة يناير وترك الباب مفتوحا لتعديله وفق ما تكشف عنه تحديات التطبيق. ويعتبر بدء العمل بهذا الدستور شهادة ميلاد مصر الجديدة التي تأخرت عامين كاملين دفعت فيها مصر ثمنا باهظا من امنها واقتصادها ودماء ابنائها. بعبارة اخري إن هذا الدستور مثل غيره تضمن ما يكفل انطلاق مصر إلي مستقبل آمن ولم تقل مصر بأي وقت كلمتها الأخيرة، فإن الموافقة علي الدستور هي اقتحام للعقبة يجب علينا جميعا ان نتضافر لعبورها وللا تتشتت جهودنا فنتفرق وتذهب ريحنا.