تحدثت فى مقال سابق عن الغزوات السياسية الساذجة التى يتحصن بها الإخوان وذراعهم السياسية فى البرلمان .. وقد كنت أعنى أن الإخوان وحلفاءهم «مؤقتًا» من السلفيين لن يتوقفوا عن إثارة وافتعال الأزمات السياسية أزمة تلو أخرى مع تغيير طريقة تناول كل أزمة سواء بالزمان أو بالمكان. فمرة تكون الأزمة من داخل البرلمان ومرة من خارج البرلمان وكلما فشلوا فى افتعال أزمة سياسية وخسروا غزوة برلمانية تجهزوا لافتعال أزمة أخرى على طريقة « العيار اللى ما يصيبش يدوش» .. «يا صابت يا اتنين عور». وفى الحقيقة أن ما يقوم به تكتل الأغلبية الاستحواذية فى البرلمان ليس فى مصلحة الوطن ولا فى مصلحة الإخوان ولا السلفيين .. وقد أصبح البرلمان كأنه ساحة حرب وقتال، فالأغلبية الاستحواذية أصبحت تحارب فى كل الاتجاهات وعلى كل الجبهات وتخلق جو اًمن عدم الاستقرار وخلق العداوات والضغائن.أما الشق الأول من غزوتهم هذه المرة فكان ولا يزال يستهدف المحكمة الدستورية العليا عن طريق ما أطلق عليه مشروع إعادة هيكلة أكبر وأهم محكمة فى مصر «المحكمة الدستورية العليا» هذا الصرح العالى المحصن والذى لم يستطع حتى نظام مبارك أن ينال منه أو - حاشا لله - أن يقلل من شأنه وهيبته لنفاجئ الآن بمشروع قدم بموافقة لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب على إعادة تشكيل أو إعادة هيكلة المحكمة الدستورية العليا .. إذن ما الهدف من إثارة هذه الأزمة الآن، وما هو المكسب الذى سيعود على القوى الاستحواذية الجشعة والتى تحولت إلى قوة مشاغبة بشعة .. تصر على عرقلة عمل اللجنة العليا لانتخابات رئاسة الجمهورية وعندما فشلت فى ذلك لجأت إلى ما هو أخطر وهو محاولة إضافة أو تعديل بند فى المادة 25 من القانون 48 لسنة 1979م والذى يلغى الرقابة الدستورية على القوانين التى يقرها المجلس بأغلبية الثلثين، أو ثلاثة أرباع الأعضاء واعتبار الموافقة بهذه الأغلبية يوقف كل احكام المحكمة الدستورية العليا، بل يفرغ المضمون القانونى لوجود المحكمة أصلاً.. يا الله .. هل وصل الاستهتار إلى هذه الدرجة؟! من أجل أن تظل القوى الاستحواذية أغلبية فى البرلمان؟! إن مشروع هذا القانون ليس له من تفسير سوى أن الأغلبية الجشعة تخشى من صدور حكم بعدم دستورية مجلس الشعب الحالى – وبالتالى تكون تلك القوى قد خسرت ما ظنت أنه مكسب دائم لهم وأنهم أى الإخوان والسلفيين قد أحكموا قبضتهم على مصر ولا فكاك من هذه القبضة الحديدية إلا بالدم!!.. نعم قالها لى أحد أعضاء البرلمان عن حزب الحرية والعدالة «لن تكون هناك قوى منافسة لنا» وأن قبضتنا حديدية ولا فكاك منها إلا بالدم!! يا منجى من المهالك يا رب.. أى دم يقصد هؤلاء؟! وهل الدماء رخيصة وسهلة إلى هذا الحد؟! نعم إذا كان الهدف هو حكم مصر والتحكم فى شعب مصر.. من قبل تلك القوى. ??? أما الشق الثانى من الغزوة التى ربما تكون الأخيرة.. هى محاولة عرقلة تشكيل الجبهة التأسيسية للدستور بافتعال الخلافات والأزمات ودق الأسافين وغيرها من أساليب الكر والفر والتى تعود عليها الإخوان وحلفاؤهم من السلفيين، على اعتبار أنهم الأغلبية الساحقة فى البرلمان ولذلك فقد أعطوا لأنفسهم الحق فى أن يفعلوا ما يريدون، حتى بعد أن تم الاتفاق على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور من حيث المبدأ.. وبعد أن وافق حزبا الحرية والعدالة والنور جاءوا بمشاكلهم المعتادة وتراجعوا عن هذا الاتفاق بحجج واهية وبأسانيد سياسية مردود عليها، وكأن الأمر لا يخرج عما ذكرته سابقًا.. «لعبة السلم والثعبان» وكلما تحركنا خطوة نحو الحل والانتهاء من معضلة تشكيل تأسيسية الدستور وكلما صعدنا درجة فى سلم الوصول للنهاية المرتقبة نجد ان « الثعبان» ينزل بنا مرة أخرى إلى نقطة الصفر، وهكذا. إن الأمر لا يخرج عن كونه مناورات سياسية وغزوات برلمانية من قبل الأغلبية فى مجلس الشعب والذى تصورنا أنه مجلسا الثورة، فأصبح بقدرة قادر مجلساً للإخوان والسلفيين ليفعلوا بنا ما يريدون.. ولم لا؟! وقد قالها مؤذن البرلمان الشهير حين قال قولته المغرورة وليس المأثورة «الحق لنا ولن يكون إلا بنا». ??? ونعود مرة أخرى إلى معضلة «تأسيسية الدستور» الأمر ببساطة شديدة هو رغبة حزب الحرية والعدالة ومن خلفه حزب النور فى إجراء تحصين لتأسيسية الدستور من الطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا، حتى لا يصدر حكم بالبطلان كما حدث فى تأسيسية الدستور الاخوانية السابقة، وبالتالى يكون للقوى الاستحواذية فرض ما يريدون فى اختيار أعضاء التأسيسية وتحصين هذا الاختيار بقانون بدلاً من التوافق عليه.. هكذا اتضحت النوايا وتجلت الحقائق وظهرت الأهداف التى لم تعد خافية على أحد. إن تلك القوى تعلم أنها تلعب فى الوقت الضائع والفرص أمامهم ضئيلة فضاقت صدورهم بعد ان ضاق عليهم الوقت ولم يبق من زمن انتهاء اللعبة إلا القليل وبعدها يتقلص دورهم السياسى ليعود إلى أقل من المعدل الذى كانوا يسعون إلى تحقيقه حتى أيام العهد البائد.. ورغم أن مشكلة التوافق على تأسيسية الدستور يمكن حلها بسهولة عن طريق المجلس العسكرى بصفته السياسية كحاكم للبلاد ويمثل رئيس الجمهورية بإصدار إعلان دستورى مكمل فى حال عدم التوافق على حل مشكلة التأسيسية أو الوصول بها لطريق مسدود.. إلا أن القوى الاستحواذية لا تزال تتعلق بتلابيب واهية بالية تتمزق كلما تمسكت بها حتى أصبحت متهرئة متقطعة وكلما فشلوا فى تحقيق هدف سلطوى لجأوا إلى لعبة الغزوات السياسية والكر والفر على طريقتهم المعهودة . ??? أما الشق الثالث من الغزوة التى أرى أنها الأخيرة هى اللعب على طريقة «صوب إلى السماء قد تصب المئذنة» أى - اللى يقدر على حاجة يعملها – ما دام الأمر كله فى مصلحة الحزب والجماعة.. فكانت الفتاوى الباطلة من بعض الشيوخ بأن التصويت لغير مرشح الإخوان حرام ورجس من عمل الشيطان، إلى درجة أن إمام أحد المساجد الشهيرة بالإسكندرية قال بالحرف الواحد «إن التصويت لغير المرشح الاخوانى يعتبر إثمًا عظيماً وخروجا على تعاليم الدين والشرع». يا الله هكذا تؤخذ أمور الدين وتوظف بكل سهولة لتحقيق أهداف دنيوية خبيثة.. أقول لهؤلاء المشايخ: ابتعدوا بأنفسكم عن استخدام فتاوى الحلال والحرام فى الانتخابات وأمور السياسة لأن فتاواكم باطلة فاسدة مغرضة.. ويبقى سؤال لم يجب عنه هؤلاء المشايخ فى فتواهم: هل هناك نص فى القرآن أو السنة يوجب بل يحتم التصويت لصالح المرشح الإخوانى؟! أقول: إذا كانت الفتوى ليست حكرًا على أحد، فإننى أفتى بأن تبتعدوا عن إقحام الدين فى أمور الانتخابات ولا تدنسوا الفتاوى بالأغراض والأهواء، لأن هذا باطل وحرام .. فإن كان من حق هذا الشيخ أن يفتى بما يريد، فمن حقى أن أرد عليه فتواه أقول له مرة أخرى: إن من يفتى بغير علم فهو آثم فما بالك إذا كانت الفتوى ذات هوى وغرض خبيث .. اعتقد أن ذلك كله رياء على الدين.. كما أن ترهيب وتخويف الناس بالفتاوى الدينية عمل مكروه مذموم حتى فى أمور الدين والعبادة. فالأصل فى الدعوة الترغيب وليس الترهيب .. فما بالك إذا كانت الفتوى فاسدة ظالمة مضللة.. هذا الرجل الذى كان دائمًا ولا يزال يتعمد الإثارة وإشاعة جو الفتنة باستخدام الفتاوى الباطلة ولا يتورع عن مخاطبة الناس بالهراء والكذب .. أقول لهؤلاء: اتقوا الله فى مصر وشعب مصر .. وكفاكم زورًا وبهتانًا .