نادراً ما ننظر إليه بعين الإنسانية والشفقة.. تراه فى كل صورة.. وهو دائماً وأبداً الغائب عن كل صورة.. فى مباريات كرة القدم هو الوحيد الذى يعطى ظهره رغم أنفه للملعب الذى تتطلع إليه كل العيون بينما هو ينظر ناحية المدرجات.. تلك مهمته.. وعليه إنجازها.. ولو أنك سألته مَنْ بيلاعب مَنْ؟ ما عرف الإجابة.. لأن الخدمة بالنسبة له قد تكون أمام سفارة أو فى كشك عند عمارة يسكنها مسئول.. وكنا نراه فى التشريفة متسمراً تحت الشمس والمطر حتى يمر الباشا الكبير.. والفتى الأريافى الغلبان فى مكانه كأنه عود القصب.. هو الذى يحمى سفارة لا يعرف اسمها. ويذهب إلى ماتشات لا ناقة له فيها ولا جمل ولا معزه.. إذا هبت المظاهرة وضعوا على رأسه خوذة وفى يده عصا وفى الأخرى «درع» ويعمل بالإشارة.. لا يدرى لماذا خرج هؤلاء ويبهدلون أنفسهم على هذا النحو يتعرضون للضرب والحبس وربما الموت.. ثم من هى مصر التى يقولون إنها أمهم؟.. ألست أنا الآخر مصرياً؟! بالقرب من مبنى الإذاعة والتليفزيون وصلت الإخبارية بأن هناك تحرشات ومناوشات بين ثوار التحرير والباعة السرّيحة.. ورأيت طابوراً من عساكر الأمن المركزى بعد منتصف الليل يشدون الرحال إلى أرض المعركة أغلبهم شبه نائم وبعضهم يحمل فى يده بطانية لأن القعدة قد تطول، لكن ما عليهم إلا أن يقولوا لأوامر الباشا الضابط الذى يأخذها ممن هم أعلى وأعلى.. تمام يا أفندم.. شمال شمال.. أو يمين يمين.. وكم من مرة فكرت فى إجراء حوار مع أحد هؤلاء وفى ذهنى «سبع الليل» ذلك الدور الذى أداه ببراعة عبقرى التمثيل فى بر مصر وبلاد العرب أحمد زكى فى فيلم «البرىء».. ولكنك للأسف لا تقابل هذا العسكرى إلا فى المصائب فقط، حيث لا مجال إلا العصا.. والويل لمن عصا. فهل هذا الغلبان المنكسر الذى قد يجلس بالساعات الطوال فى عربة البوكس الكبيرة ينتظر الأوامر.. من الممكن أن يتكلم أو يتبرم؟! لقد قرأنا مؤخراً أن أحدهم رفض إطلاق القنابل والخرطوش على ثوار شارع محمد محمود.. وقيل إنها فبركة إنترنت ليس إلا!.. وبصرف النظر عن صحة هذا الكلام من عدمه يظل الحوار مع نفر من الأمن المركزى خبطة صحفية قد يأخذها ثورى من عصاه على دماغه.. وقد يأخذها المسكين من طوبة فى وجهه.. وإذا قلت إن هذا الحوار مجرد خيال كاتب صعبان عليه حال عساكر الأمن.. وصعبان عليه الأمن ذات نفسه فأنت على حق.. وإذا قلت إن هذا الحوار حقيقى بدون ألوان صناعية أو مواد حافظة فأنت أيضاً على حق.. المهم أن نكلمه ونسمعه لأول وربما آخر مرة. نص الحوار/U/ الكاتب: عارف يعنى إيه أمن مركزى؟ العسكور: أيوه يا باشا.. يعنى الأمن بتاع كل مركز. الكاتب: تعرف يعنى إيه مظاهرة؟ العسكور: يعنى خدمة زيادة ويا ضارب يا مضروب. الكاتب: مفيش مرة صعب عليك عيل من بتوع المظاهرات قبل ما تضربه؟ العسكور: هو أنا يعنى باصعب على مين.. دلوقت بقى كله بيضرب طوب.. ويرمى «بولويوف» علينا. الكاتب: قصدك «مولوتوف». العسكور: هى يا بيه ده. الكاتب: محصلش ولا مرة وانت طالع خدمة فى مظاهرة.. لقيت واحد بلدياتك أو قريبك.. ولو حصل عملت معاه إيه؟ العسكور: ساعة الدنيا ما بتقوم بعيد عن سيادتك على بعضها.. باشوف كل اللى قدامى نفر واحد.. لو وقفت قدامه ساكت مش هيرحمنى ولا حضرة الباشا الضابط هيسبنى فى حالى فيها إهانة وحبس وبهدلة! الكاتب: مفهوم مفهوم.. سمعت عن واحد «ليبرالى»؟ العسكور: أيوه يا باشا ده حاجة ولمؤاخذة زى «المحمول»! الكاتب: طيب تعرف يعنى إيه «علمانى»؟ العسكور: طبعا ده المتعلم! الكاتب: بتعرف تقرأ وتكتب؟ العسكور: طشاش! الكاتب: انت عرفت أن وزير الداخلية حبيب العادلى موجود فى السجن دلوقت؟ العسكور: سمعت الباشا الضابط بيتكلم مع واحد زميله فى التليفون فى الموضوع ده! الكاتب: طيب عارف هو مسجون ليه؟ العسكور: بيقولوا غلط فى الراس الكبيرة! الكاتب: وعلى كده بقى عرفت ان الراس الكبيرة هى كمان محبوسة! العسكور: قصدك فى المستشفى! الكاتب: ميه ميه.. انت ما شاء الله عارف كل حاجة! العسكور: يا بيه أنا معايا موبايل وباعرف اقرأ واكتب بس الواحد ما بيحبش يتكلم.. وربنا يكفينا شر الغرور. الكاتب: على كده بقى انت عارف ان البلد فيها انتخابات. العسكور: وما عرفش ازاى.. وانا كنت ماسك خدمة قدام لجنة من اللجان.. وشلت الصناديق لما راحت على الفرز. الكاتب: معلهش يا مغاورى استحملنى فى أسئلتى! العسكور: براحتك يا باشا براحتك.. أنا عارف إن فيه ناس كتير ولمؤاخذة بتبص للمجند بتاع الأمن المركزى على إنه حتة دبشة.. وربنا يسامحهم على كده.. إحنا برضه لحم ودم. الكاتب: لا يا مغاورى فيه ناس عاقلة.. وعارفة انك عبد المأمور وشغلتك مهمة وفيها خطر عليك.. وربنا يقويك. العسكور: تعيش يا ذوق..ياريت الناس كلها تبقى زى حضرتك.. إحنا بناخد ملاليم وطول النهار والليل فى الشارع.. طيب وحياة من جمعنا من غير ميعاد.. أنا كتير الود ودى أقول للشباب الذى ورد فى المظاهرات سامحونى.. لكن فى الزحمة ماحدش بيسمع حد. الكاتب: انت عارف هما بيعملوا مظاهرات ليه؟ العسكور: باسمعهم يقولوا سلمية.. سلمية. الكاتب: ومعناه إيه الكلام ده؟ العسكور: يعنى نبقى حلوين مع بعض! الكاتب: وإيه اللى بيقلبها غم بعد كده؟ العسكور: طوبة بنت حرام.. وساعات طلقة خرطوش.. ما نعرفلهاش أصل من فصل.. الجو يتكهرب والباشا يدينا الأوامر نرد عشان نحمى نفسنا. الكاتب: والطوبة بنت الحرام دى.. بتيجى عليكم ولا على الشباب؟ العسكور: حسب الظروف. الكاتب: وافرض إنك عكشت واحد من الشباب هتعمل معاه إيه؟! العسكور: ياريت بابقى لوحدى.. وياريت هو يدينى فرصة افكر.. لكن ممكن يئذينى عشان يجرى.. هو خايف.. وأنا كما بابقى خايف على نفسى.. بس هو يقدر يروح ويمشى.. وأنا ماقدرش.. «الميرى».. صعب مش لعب عيال! الكاتب: لما بتكون فى إجازة وقاعد فى بيتكم مع أهلك.. وبتتفرج على التليفزيون.. تحب تشوف فيلم إيه؟ العسكور: «جعلونى مجرماً»! الكاتب: طيب ممكن اسألك سؤال محرج شوية.. أنت متجوز؟ العسكور: وعندى 3 عيال غير أمى اللى عايشة معايا! الكاتب: وعلى كده بتقبض كام فى الشهر؟ العسكور: مفيش داعى يا بيه! الكاتب: إيه خايف من الحسد؟ العسكور: لا خايف الناس بعد ده كله تضحك عليا.. مرتبى 84 جنيها أول عن آخر! الكاتب: فى اليوم.. ولا فى المظاهرة الواحدة؟ العسكور: لا فى «الخارجة».. ما هو الواحد مننا بيطلع من بيته الله أعلم هيرجع تانى لعياله ولا ألف رحمة ونور عليه! الكاتب: وعيالك عايشين إزاى؟ العسكور: بقدرة الله.. وبركة السيد وزير الداخلية!