مع إعلان الدولة الوليدة فى جنوب السودان تبدأ إجراءات فك الارتباط سياسيا وعسكريا واجتماعيا. لكن تبقى المشاكل والتحديات التى ستواجه دولتى السودان فى الشمال والجنوب. وامكانية معالجتها والتعامل معها ومستقبل العلاقة.. كل هذه التساؤلات وغيرها أجاب عنها الدكتور الوليد محمد على رئيس مكتب المؤتمر الوطنى بالقاهرة خلال لقائه مع «أكتوبر» حيث كشف عن تشكيل حكومة سودانية فى الشمال تضم «16» وزيرا برئاسة البشير بدلا من «32»، وتحدث عن نقص فى موارد الشمال وعملته الصعبة وخطة الخرطوم للتعامل مع الوضع الجديد وعلاقاتها بالدولة الوليدة فى الجنوب.. واقترح انعقاد قمة دورية بين مصر ودولتى شمال وجنوب السودان وتشكيل أمانة عامة تشرف على تطوير العلاقة. *كيف ترون مستقبل العلاقة بين دولتى شمال وجنوب السودان؟ **بداية لابد من التوضيح أنه منذ بداية حكم جبهة الانقاذ فى السودان عام 1989 وضعت ضمن أولوياتها بند «ديمومة السلام» بمعنى أن السلام هو الحل لكل مشاكل السودان وبالفعل بعد ثلاثة شهور من إنطلاق حكمها فى 1989/6/30 عقدت مؤتمرا أطلق عليه الحوار الوطنى حول قضايا السلام ثم استمرات هذه السياسة ومرت بمراحل كثيرة إلى أن وصلت لأتفاق نيفاشا فى تاريخ 2005/1/9 وقد التزمت حكومة الشمال بتنفيذ الاتفاق وصولا لهدف ديمومة السلام- وانسحب نفس الموقف على نتائج الاستفتاء الذى أيد انفصال الجنوب بنسبة كبيرة، ولذلك فإن الموافقة على الانفصال ودعم نتائجه جاء لترسيخ خيار السلام الشامل فى السودان بدلا من الوحدة واستمرار الحرب. *لماذا فشلت خيارات الوحدة؟ **بالعكس الجنوب حصل على مكاسب كبيرة فى ظل جعل الوحدة جاذبة منها نائب أول للرئيس من أبناء الجنوب.. ومشاركة الجنوب فى حكم الشمال علىمستوى الوزارة والمجلس الوطنى (البرلمان). كما حكم الجنوبيون أنفسهم من خلال رئاسة حكومة تولى حقيبتها النائب الاول سلفاكير لدرجة أن الرئيس البشير لم يستطع تعيين أى موظف فى الجنوب إلا بعد موافقة سلفاكير.. وعلى المستوى الاقتصادى حصل الجنوب على خمسين فى المائة من بترول السودان والباقى لكل السودان شرقا وغربا ووسطا وشمالا.. وكله كان من أجل تشجيع الوحدة وجعلها خيارا جاذبا - لكن لم توظف هذه الاتفاقية لتعزيز الوحدة نظرا لوجود اجندات خاصة تتعلق بشخصيات الحركة وأخرى خارجية تبنت الانفصال مهما حصلت على امتيازات وبالتالى فإن مسألة انفصال الجنوب لم تكن مفاجأة لأن اتفاقية نيفاشا أقرت بخيارين إما الوحدة وإما الانفصال. *نعود لسؤالى السابق ما هى آليات المحافظة على السلام فى السودان بعد قيام دولة الجنوب؟ **لدينا استراتيجية فى الخرطوم للمحافظة على السلام تتلخص فى ثلاثة محاور.. أولا: دعم الدولة الوليدة.. من خلال الاعتراف بها.. واستقلالها ومشاركة الرئيس البشير فى احتفالات إعلان دولة الجنوب.. كما يشارك المؤتمر الوطنى كحزب من دولة الشمال. ثانيا: استثمار الحدود بين البلدين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان خاصة وأن طول الحدود يصل لألفي كيلو متر.. وسنركز على الاستثمار الاقتصادى ببعده التجارى وتبادل عوائد البترول خاصة أن خط أنابيب تصدير نفط الجنوب يمر عبر دولة الشمال. مع المحافظة على القبائل على حدود الدولتين وحرية التحرك على خط التماس. ثالثا: عدم تهديد كل دولة للأخرى. *ماذا تقصد بالتهديد؟ **بصراحة لدينا معلومات أكيدة فى مقدمتها محاولات تقوم بها الحركة الشعبية الجنوبية لتجميع متمردى دارفور على أرضها، وهذا يتسبب فى احراق الجنوبيين قبل الشماليين، لأن الجنوب لديه ثلاثة تحديات أساسية يجب أن يركز عليها بدلا من اشعال المنطقة عبر دعم مسلحى دارفور، والتحدى الاول فى دولة الجنوب هو البنية التحتية وتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، والتحدى الثانى هو الجيوب العسكرية القريبة من «جوبا» وهى مكونة من مجموعات منشقة على الحركة الشعبية حيث تتمركز قوات جيش معارضة للدولة الوليدة ممثلة فى قوات القائد عبد الباقى آكول وغيره. والتحدى الثالث هو عدم رضاء القوى السياسية للاحزاب الجنوبية بحكم الحركة الشعبية بعد الانفصال.. والمطالبة بإجراء انتخابات.. وبالتالى من الأولى ان تهتم دولة السودان الجنوبية بهذه التحديات بدلا من إيواء مسلحى دارفور على أرضها.. *ما هى التهديدات التى يحذر منها الشمال دولة الجنوب؟ **دولة الجنوب تهدد الشمال بعدة طرق منها.. استغلال المشاكل فى منطقة جبال النوبا حيث استخدم أهالى النوبا أثناء الحرب كوقود واليوم يستمر الدور حتى بعد السلام وإعلان الدولة والآن تحاول الحركة الشعبية جر المنطقة للحرب وبالفعل فى هذه الساعة تجرى حرب فى جنوب كردفان.. وبالتالى من الافضل للحركة الشعبية بعد إعلان الدولة أن تبتعد عن الاجندات الخارجية خاصة الإسرائيلية منها وهى معروفة ولم تعد خافية على أحد، والآن قيادات الحركة الشعبية تعترف فى العلن أنها لاتمانع فى فتح الابواب والعلاقات مع إسرائيل وهى بدأت بالفعل فى مجال الاستثمار حيث نجد الاستثمار السياحى منتشرا فى « جوبا» مثل فندق شالوم وغيره تحت مسميات لجنسيات أخرى ولكنها فى الأصل إسرائيلية، وكل خبراء الزراعة والصناعة والتعدين تمت الاستعانة بهم من إسرائيل وهذا يثبت وجود الاجندات الخارجية التى حرصت على فصل الجنوب الذى يقع فى منطقة استرايتجية وهى فى القلب الفاصل بين الوجود العربى الإسلامى، والبعد الأفريقى من منابع النيل والقرن الأفريقى. *حذرت الحركة الشعبية من نشوب حرب شاملة نتيجة فشل المفاوضات حول وضع الحدود والترتيبات الأمنية كيف ترون ذلك؟ **لن تصل الأمور للحرب خاصة بعد الاتفاق الذى تم التوصل اليه فى «أديس أبابا» بين الدكتور نافع ومالك عجار، ونحن حريصون على هذا الاتفاق الذى نعتبره تفاهما بين الشمال وقيادات شمالية كانت تعمل مع الحركة الجنوبية مثل ياسر عرمان، وعجار وهم مواطنون فى الشمال ولكنهم كانوا أعضاء فى الحركة الشعبية الجنوبية، ونحن أقترحنا عليهم تشكيل حزب داخل الشمال وفك الارتباط مع حركة الجنوب، وينص الاتفاق على ثلاث نقاط هى: 1- السماح للحركة الشعبية ببناء حزب سياسى وفقا للقوانين واللوائح التى تنظم الاحزاب فى الشمال، وأن يتم تغيير الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى حركة شعبية فقط لأنه بعد السلام لا معنى لكلمة تحرير. 2- أن ينضم الجيش الشمالى الذى كان يعمل مع الحركة الشعبية إلى الجيش النظامى الشمالى لأنه ليس من المعقول أن يكون للشمال جيشان. 3- تشكيل لجنتين واحدة سياسية لمتابعة القضايا السياسية وأخرى أمنية لمراقبة تنفيذ القضايا العالقة بالأمن وترتيباته.. *هل تعتقد أن دولة الجنوب الوليدة لديها مقومات البقاء؟ أم ستعود بعد فترة إلى حضن السودان مرة أخرى؟ **العودة إلى حضن السودان لن تكون برغبته لأن الانفصال حدث فى تقديرى بسبب أمرين.. اجندات شخصية لتطلعات قيادات الحركة وارتباط الحركة بأجندات خارجية، وبالتالى سوف تواجه مشاكل كثيرة فى البنية التحتية والصحة والتعليم.. *أين ذهبت أموال النفط التى حظى بها الجنوب مناصفة مع الشمال؟ **إلى جهتين رواتب للجيش الشعبى الذى يحارب ومصالح شخصية.. *ما مدى صحة ما يتردد حول معاملة مواطنى دولة الجنوب كأجانب فى الشمال؟ **فى آخر لقاء بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى بأديس أبابا تم الاتفاق على منح تسعة أشهر فترة انتقالية لتوفيق أوضاع المواطنين الشماليين فى الجنوب، والجنوبيين فى الشمال وبعد مرور هذه المهلة سوف يتم ملاحقة أى منهما باعتباره أجنبيا وعلى أية حال العدد ليس كبيرا فالشماليون فى الجنوب حوالى 500 مواطن والجنوبيون فى الشمال حوالى نصف مليون مواطن.. *ما هى خسائر الشمال بعد انفصال الجنوب رسميا بإعلان دولته؟ **لدينا تحديات منها أولا: العلاقة مع الجنوب وأعتقد أن الرئيس البشير أكد فى زيارته يوم 9/7/2011 - على خريطة الطريق لهذه العلاقة والتى يأتى فى مقدمتها دعم دولة الجنوب الوليدة والتعاون معها وعدم الاعتداء أو التهديد، والتنسيق المتبادل- ثانيا: الوصول لتسوية سليمة فى دارفور.. وخطواتها تسير نحو التقدم باستثناء ثلاث نقاط تتمسك بها الحركات وهى منصب نائب الرئيس- وصندوق التعويضات وتسمية ولاية دارفور.. ثالثا: الوضع الاقتصادى الذى يشير إلى نقص إيرادات الشمال بنسبة لا تقل عن 40% بسبب بترول الجنوب كما انخفضت حصيلتنا من العملة الصعبة بنسبة 80%، والآن نحن نوجه كل هذا العجز من خلال برنامج ثلاثى سريع يعتمد على الترشيد فى الانفاق الحكومى وتخفيض المرتبات بنسبة 25%، وزيادة حجم الاستثمارات الخارجية وهى تسير بشكل جيد، وزيادة الصادرات وتقليص الواردات، كما اعتمدنا على موارد أخرى غير بترولية منها النهضة الزراعية وهو مشروع ضخم جدا يشرف عليه نائب الرئيس «على عثمان طه» وقد رصدنا التكاليف فى الميزانية الجديدة بحوالى ستة مليارات دولار،كما تم اكتشاف خام الذهب بكميات كبيرة.. فى شمال السودان تصل قيمته إلى ثلاثة مليارات دولار، يبقى تحد أخير فى الشمال هو الوفاق الوطنى وأعنى أن السودان يحتاج إلى رؤية لتراض وطنى بين حزبى الأمه والاتحادى والحزب الشيوعى وكل الاحزاب وأعتقد أن الرئيس البشير يسعى بشكل جاد لتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع ومؤخرا اتفقنا مع حزبى الأمة والاتحادى بنسبة 90% وبقيت التفاصيل لاشتراك هذه الاحزاب فى الحكومة الجديدة التى سيتم تشكيلها فى دولة الشمال بعد يوم 9/7- مع إعطاء فرص للشباب فى هذه الحكومة. *ماذا عن حل مشكلة تصدير نفط الجنوب عبر الشمال وما مدى الاستفادة منه؟ **تم حسم المشكلة باتفاق لاستخدام الشمال فى تصدير نفط الجنوب عبر أنبوب يمر فى أراضى السودان لمدة عشر سنوات بمقابل يتم دفعه لدولة الشمال وهو الاتفاق الذى يعوض نقص موارد الشمال من البترول بقيمة 40%. *هل متوقع الاتفاق على قمة تنسيقية ثلاثية تعقد كل ستة أشهر أو كل عام بين مصر ودولتى الشمال والجنوب السودانى؟ **بكل تأكيد لأن هذا الطرح هو الضمان الوحيد لاستقرار المنطقة والشمال والجنوب وأن نبحث باستمرار فى استراتيجيات التعاون فى ملف المياه وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك وأن تكون هناك أمانة عامة تشرف على الاستثمارات وكل الملفات.. لقطع الطريق أمام الاجندات الخارجية لأن الفراغ الذى تتركه مصر يتنافس عليه الآخرون بالتدخل والتلاعب فى مقدارات الدول الثلاث. *إذا تحدثنا عن العملة السائدة التى سيتم التعامل بها فى دولة جنوب السودان هل هى الجنيه السودانى أم ماذا؟ **ستبقى عملة دولة جنوب السودان الجنيه السودانى، ولدينا لجنة فنية تتفاوض فى أديس أبابا مع وفد جنوبى لمناقشة ثلاث قضايا هى: الديون الخارجية وتم الاتفاق عليها بأن تتحمل دولة الأم الشمال نسبة كبيرة، واتفق أيضا على فترة سماح لاستمرار استخدام عملة الشمال فى الجنوب لمدة ستة أشهر، واتفق ايضا على قضية المواطنة والجنسية بتوفيق الأوضاع فى حدود مهلة ستة أشهر. أما قضية الحدود فقد اتفق على أكثر من 80% وبقيت نقاط بسيطة. *ما هى النقاط المتبقية **النقطة الواقعة ما بين النيل الأبيض ومكان يسمى «تركاكا» التجارية ونقطة فى أقصى جنوب كردفان وبين جنوب دارفور تسمى بحفرة النحاس.. ولن تكون هذه النقاط محل خلاف وسوف نتفق حولها، كذلك منطقة «أبيى» وهى من القضايا السياسية المهمة وأعتقد ان اتفاق أديس أبابا أعطى الشمال مساحة «20» كيلو متر منطقة منزوعة السلاح ونفس المساحة على أرض الجنوب وستظل «ابيى» شمالية لحين إجراء الاستفتاء بين البلدين.. وبالتالى يمكننا القول بأن ما تبقى من مشاكل القضايا السياسية والاقتصادية بين الشمال والجنوب لايتجاوز 10%.