■ كتب: أحمد ناصف يشهد مجلس النواب حالة من الجدل والنقاش الواسع حول مشروع تعديل قانون الإيجار القديم، الذى يُعد من أكثر القوانين إثارة للجدل فى الساحة التشريعية والاجتماعية، وبين مطالبات الملاك بضرورة تعديل القانون بما يضمن حقوقهم، وتمسّك المستأجرين بالحفاظ على استقرارهم السكنى والمعيشي، يحاول البرلمان الوصول إلى صيغة توازن بين الطرفين، تراعى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية لهذه القضية الشائكة، التى تمس ملايين المواطنين وتؤثر على قطاع الإسكان بشكل مباشر. ويعود قانون الإيجار القديم إلى عقود مضت، حيث تم إقراره فى ظروف استثنائية بغرض حماية المستأجرين من ارتفاع أسعار الإيجارات وتوفير سكن آمن ومستقر لذوى الدخل المحدود، إلا أن استمرار العمل به حتى اليوم، مع تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أدى إلى وجود مشكلات كبيرة، أبرزها تدنى القيمة الإيجارية للوحدات السكنية القديمة بشكل لا يتناسب مع أسعار السوق الحالية، مما اعتبره الملاك إجحافًا بحقوقهم المالية. وانقسمت آراء النواب داخل البرلمان بين مؤيدين لتعديل القانون بشكل جذرى يضمن حقوق الملاك، ويرفع القيمة الإيجارية تدريجياً وفق آلية منظمة، وبين من يطالب بإصلاح تدريجى يراعى البعد الاجتماعى ويحمى المستأجرين من التشريد، وأكد عدد من النواب أن التعديل لا يعنى الإخلاء الفورى أو التعسفي، بل يجب أن يتضمن فترات انتقالية وحلولًا بديلة تضمن استقرار الأسر المقيمة فى تلك الوحدات منذ سنوات طويلة. ◄ مقترح الحكومة من جانبها، قدمت الحكومة مقترحًا يتضمن تعديل العلاقة الإيجارية للمبانى غير السكنية أولاً، كمرحلة أولى، على أن يتم لاحقاً بحث أوضاع الوحدات السكنية، ويتضمن المقترح تحرير العلاقة الإيجارية خلال فترة انتقالية قد تصل إلى خمس سنوات، مع زيادة تدريجية فى القيمة الإيجارية بنسبة محددة سنويًا، بهدف تحقيق توازن تدريجي. وأثار النقاش داخل لجان النواب تفاعلًا واسعًا فى الشارع، حيث عبّر عدد من الملاك عن ارتياحهم لخطوة مناقشة القانون أخيرًا بعد سنوات من المعاناة، فيما أعرب العديد من المستأجرين عن قلقهم من أن تؤدى التعديلات إلى فقدانهم مساكنهم فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ويبقى تعديل قانون الإيجار القديم واحدًا من أصعب التحديات التشريعية فى مصر، لما له من أبعاد إنسانية واقتصادية متشابكة، ويأمل الشارع المصرى أن تنجح المؤسسة التشريعية فى الوصول إلى صيغة متوازنة تحقق العدالة لجميع الأطراف، وتحفظ حق السكن الكريم، وتعيد التوازن إلى سوق الإيجارات. وبدأت اللجنة المشتركة من لجان الإسكان والمرافق العامة، والإدارة المحلية، والشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، فى عقد اجتماعاتها لمناقشة مشروعى القانونين المقدمين من الحكومة بشأن الإيجارات القديمة الذى أثار جدلًا واسعًا فى الأوساط المجتمعية بين طرفى العلاقة الإيجارية؛ الملاك والمستأجرين، مستهدفة الاستماع لكافة الآراء ووجهات النظر من جميع الأطراف المعنية، وفى هذا السياق، تعقد اللجنة جلسات استماع للمستأجرين أولاً، من أجل الوقوف على آرائهم ومطالبهم بشأن القانون الجديد، يعقبها جلسة مخصصة لعرض رأى الملاك ومقترحاتهم، وذلك فى حضور وزراء الإسكان، والعدل، والتنمية المحلية، والتضامن الاجتماعي، بما يعكس اهتمام الدولة بتوفير مظلة تشريعية متوازنة تراعى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المختلفة لهذا الملف الشائك. ◄ تحقيق التوازن من جانبه، أكد النائب طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن التعديلات المقترحة على قوانين الإيجار القديم يجب أن تحقق التوازن بين جميع الأطراف، مشيرًا إلى أن المادة الخامسة من مشروع القانون، والخاصة بإخلاء الوحدات خلال خمس سنوات، تسببت فى حالة من الانقسام المجتمعي، وأوضح أن هذه المادة تحديدًا أثارت جدلًا واسعًا، قائلًا: «لو لم تكن هذه المادة موجودة، لكان القانون قد مر بسهولة، لكنها قسّمت المجتمع»، مشددًا على أهمية إجراء حوار مجتمعى موسع حول المشروع، قائلًا: «يجب أن نستمع جيدًا إلى جميع الآراء، سواء من جانب الملاك أو المستأجرين». وانتقد وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، تفاوت نسب الزيادة فى القيمة الإيجارية بين الوحدات السكنية والتجارية، موضحًا أن المشروع ينص على زيادة الإيجار السكنى إلى 20 ضعفًا بحد أدنى 1000 جنيه، بينما ترتفع القيمة فى الإيجار التجارى إلى 5 أضعاف فقط، وهو ما يثير التساؤلات حول العدالة فى توزيع الأعباء. ◄ دون انحياز بدوره أكد المستشار محمود فوزى وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، أن الحكومة والنواب لن ينحازوا لطرف على حساب الآخر فى مناقشات قانون الإيجار القديم، مشددًا على أن الهدف هو تحقيق العدالة والتوازن فى العلاقة بين المالك والمستأجر، وأوضح أن أزمة الإيجار القديم ترتكز على نقطتين أساسيتين: امتداد عقود الإيجار وثبات قيمة الأجرة، لافتًا إلى أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت 39 حكمًا بشأن الإيجارات القديمة، من بينها 26 حكمًا بعدم الدستورية، مشيرًا إلى أن المحكمة الدستورية تُوصف بأنها «محافظة»، إذ تراعى الأبعاد الاجتماعية والإنسانية فى أحكامها، وهو ما يضع مسئولية مضاعفة على المشرّع لتحقيق التوازن المطلوب. وأكد المستشار محمود فوزي، أحقية المشرع فى إجراء تدخل تشريعى بشأن تحرير العقد، قائلًا: تُثار تساؤلات عن أحقية المشرع فى إنهاء العلاقة الإيجارية بموجب حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير، والإجابة: نعم، الأصل فى الحكم الدستورى هو الامتداد القانونى لعقد الإيجار، وكان التدخل التشريعى بموجب حكم الدستورية العليا فى شأن تحديد الأجرة، وذكرت أنه لا يستعصى على حكمها التعديل التشريعى ولا يعد حكمها مطلقًا، وتابع: «إذن المحكمة فتحت الباب ليتخير المشرع ما يراه من تنظيم، ومن وجهة النظر القانونية نعم يجوز تحرير عقد الإيجار بين المالك والمستأجر، ولكن يمكن الاختلاف فى المدد القانونية»، مُضيفًا، بشأن تعليقات عدد من النواب حول ملف الإيجار القديم، أن قانون الأماكن لغير غرض السكنى للأشخاص الاعتباريين صدر تحت رقم 10 لسنة 2022، وقد جاء وفقًا للحكم من المحكمة الدستورية، وأشار إلى أن المادة الأولى فى مشروع القانون هى آخر مرحلة فى ملف الإيجار القديم، وذلك لأن المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت أحكامًا لتصفية ملف الإيجار القديم على مراحل عدة، مراعاة للبعد الاجتماعي. ◄ اقرأ أيضًا | «الإيجار القديم وغش البنزين» أبرز تصريحات مدبولي بالمؤتمر الصحفي الإسبوعي ◄ مُتناقض دستوريًا بينما انتقد النائب مصطفى بكرى مشروعى القانونين المقدمين من الحكومة بشأن الإيجارات القديمة، مشيرًا إلى أن الحكومة أعدت مشروع قانون يتناقض مع أحكام المحكمة الدستورية العليا خاصة فيما تضمنه هذه الأحكام من قصر أجل الإيجار القديم إلى جيل واحد، وهو ما أكدت عليه المحكمة فى حكمها الأخير، وأشار بكرى إلى أن طرد المستأجر بعد خمس سنوات بعد صدور القانون ليس فيه نظرة قانونية أو دستورية وإنما الحكومة تلقى الكرة فى ملعب مجلس النواب، منتقدًا مشروع القانون المعروض، متمسكًا بكلمة رئيس المجلس عند إحالة مشروعى القانونين بأن مجلس النواب لن يسمح بمرور مشروع القانون إلا إذا بتحقيق توازن وعدالة بين المالك والمستأجر. كما انتقد النائب ضياء الدين داوود مشروعى القانونين المقدمين من الحكومة بشأن الإيجارات القديمة، موضحًا أننا أمام سابقة أولى فى تنازع أحكام الدستورية وهو ما يحتاج لإعادة دراسة من الجميع. ◄ أزمة مُعقدة بدوره قال المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان، إن أزمة الإيجار القديم أزمة معقدة تخص طرفى العلاقة الإيجارية بين الملاك والمستأجرين، حيث يعانى الطرفان منها منذ فترة طويلة، مشيرًا إلى أهمية إيجاد آلية حقيقية لتطبيق القوانين المتعلقة بالإيجارات القديمة، مؤكدًا إمكانية إعادة صياغة بعض مواد مشروع القانون وفقًا لمقترحات النواب، كما أكد أن الحكومة تدرس إمكانية عدم تحرير العلاقة الإيجارية فى بعض الحالات الإنسانية التى قد تستدعى ذلك، مشيرًا إلى أن العديد من المستأجرين يمتلكون وحدات أخرى ويعتمدون على دخل هذه الوحدات فى الإيجار، مضيفًا أنه من المهم وجود تقييم عادل لكل الحالات، مؤكدًا استعداد الدولة لدعم الحالات المتنوعة، سواء من خلال تمديد عقد الإيجار أو من خلال توفير بدائل سكنية، وأشار إلى أن الوحدات البديلة المتاحة حاليًا قليلة وقد لا تتناسب تكلفتها مع القدرة المالية لبعض المستأجرين، موضحًا أن الحكومة تدرس توفير المزيد من الوحدات السكنية خلال الفترة القادمة لتلبية احتياجات المواطنين، مشيرًا إلى أن مدة الخمس سنوات المحددة لتحرير العلاقة الإيجارية قابلة للنقاش، قائلًا: «الدولة مش هتخرج حد من مسكنه وتسيبه فى الشارع». وبعد إحالة الحكومة مشروعى القانونين بشأن الإيجارات القديمة إلى مجلس النواب، كلف المستشار الدكتور حنفى جبالي، رئيس مجلس النواب، اللجنة المختصة بضرورة الاستماع لآراء أساتذة القانون المدنى والخبراء المتخصصين، فضلًا عن إتاحة المجال الكامل للملاك والمستأجرين للتعبير عن مواقفهم بمنتهى الشفافية، مؤكدًا أن المجلس لن يصدر هذا القانون إلا بصيغة متوازنة تحقق العدالة بين طرفى العلاقة الإيجارية وتحفظ الحقوق الدستورية والقانونية لكل طرف، وأشار جبالى إلى أن القانون ستتم مناقشته من خلال حوار مجتمعى موسع تحت قبة البرلمان، وبحضور الجهات المعنية كافة، على رأسها المجلس القومى لحقوق الإنسان والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى جانب المتخصصين القانونيين وأساتذة الجامعات. ◄ 9 مواد تضمن مشروع قانون الإيجار القديم تسع مواد، استهدفت معالجة الاختلال القائم فى العلاقة الإيجارية، سواء للوحدات السكنية أو غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين، على نحو يحقق التوازن المنشود، ونصت المادة الأولى من مشروع القانون على سريان أحكامه على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى، والأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، والتى تخضع لأحكام القانونين رقم 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981. وتضمنت المادة الثانية رفع القيمة الإيجارية للأماكن المؤجرة للسكن لتصبح عشرين ضعف القيمة القانونية السارية، على ألا تقل عن ألف جنيه شهريًا فى المدن، و500 جنيه فى القرى، بينما نصت المادة الثالثة على أن تكون القيمة الإيجارية للمحال المؤجرة لغير أغراض السكن خمسة أضعاف القيمة الحالية، وأفادت المادة الرابعة بأنه سيتم زيادة القيمة الإيجارية بنسبة 15% سنويًا، فيما أكدت المادة الخامسة انتهاء عقود الإيجار الخاضعة لأحكام هذا القانون بعد خمس سنوات من تاريخ العمل به، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، أما المادة السادسة، فقد أوضحت إجراءات إخلاء العين المؤجرة بعد انتهاء المدة القانونية، إذ يحق للمالك اللجوء لقاضى الأمور الوقتية لطلب طرد المستأجر الممتنع عن الإخلاء، دون الإخلال بحق التعويض، كما أجازت للمستأجر رفع دعوى موضوعية دون أن يترتب على ذلك وقف تنفيذ قرار الطرد. وفيما يتعلق بالبعد الاجتماعي، جاءت المادة السابعة لتمنح المستأجرين الذين ستنتهى عقودهم أولوية فى الحصول على وحدات سكنية أو غير سكنية تطرحها الدولة، سواء بنظام الإيجار أو التمليك، وفقًا لضوابط يحددها رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض من وزير الإسكان، مع مراعاة الفئات الأكثر احتياجًا، وتضمنت المادة ذاتها إنشاء بوابة إلكترونية تتولى تلقى طلبات المستأجرين، على أن تصدر القواعد المنظمة لها خلال شهر من بدء العمل بالقانون، وتُفتح البوابة لتلقى الطلبات لمدة ثلاثة أشهر، ونصت المادة الثامنة على إلغاء القوانين أرقام 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981، و6 لسنة 1997، إلى جانب إلغاء كل حكم يخالف أحكام هذا القانون، اعتبارًا من مرور خمس سنوات على تطبيقه، وتختتم المادة التاسعة مشروع القانون بالتأكيد على نشره فى الجريدة الرسمية والعمل به من اليوم التالى لتاريخ النشر. ◄ حوار مجتمعي وفى ظل الجدل المجتمعى الواسع الذى يصاحب هذا المشروع، أكد رئيس مجلس النواب أن القانون لن يرى النور إلا بعد إجراء حوار مجتمعى شامل، يستهدف تحقيق صيغة توافقية عادلة تراعى مصالح كافة الأطراف وتستجيب للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، مشددًا على أن المجلس يولى أهمية قصوى لعدم الإضرار بأى طرف فى العلاقة الإيجارية، لا سيما المستأجرين الأكثر احتياجًا، الذين تمثلهم مواد القانون بوضوح من خلال منحهم الأولوية فى برامج الدولة السكنية المقبلة، كما يعكس التوجه البرلماني، المدعوم بحضور وزارى مكثف فى جلسات الاستماع، حرص الدولة على إرساء قواعد جديدة أكثر عدالة واستقرارًا فى سوق الإيجارات، بما يضمن استمرارية العلاقة التعاقدية ضمن إطار قانونى يحمى الحقوق ويعيد التوازن المفقود فى ملف ظل معقدًا لعقود.