بعد عشرات السنين من النزاع والعلاقة المتوترة بين المالك والمستأجر بسبب «قانون الإيجار القديم»، أصدرت المحكمة الدستورية برئاسة المستشار بولس فهمى، حكمًا تاريخيًا يقضى بعدم دستورية المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981، الخاص بتأجير الأماكن السكنية وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر. ويمثل هذا الحكم علامة فارقة فى معالجة قانون الإيجار القديم الذى أثار جدلا كبيرا على مدار عقود، ويرى الكثيرون أن الحكم سيكون له أثر عميق فى تحسين وضع الملاك والمستأجرين على حد سواء، ما يفتح الباب أمام تدخل تشريعى منتظر لضبط هذه العلاقة فى إطار قانونى جديد. ◄ المرجح أن يكون موعد تنفيذ حكم الدستورية يونيو أو يوليو 2025 ◄ د.السعداوي: تطبيق ضريبة ال7 % التى تم تحديدها عام 1981 لم يعد منصفا كان عقد الإيجار القديم ينص على أن المستأجر له الحق فى الإقامة فى الوحدة مدى الحياة ويورثها لأبنائه إذا كانوا مقيمين معه دون زيادة فى القيمة الإيجارية، حيث كان القانون رقم 49 لسنة 1977 ينظم إجراءات ومدة وبنود عقود تأجير وبيع الأماكن، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وينظم القانون رقم 136 لسنة 1981 معايير تحديد قيمة أجرة تأجير الأماكن وزيادتها السنوية، وتمثل قوانين الإيجار القديم قنبلة موقوتة؛ لما تتضمنه من أمرين؛ أولهما مدة العقد، وامتداد هذه المدة إلى الورثة، وثانيهما قيمة الإيجار، وزيادته السنوية. ولم يكن عقد إيجار الشقق السكنية محددا فيه مدة انتهائه، والمعروف ب«تأبيد عقود الإيجار»، أى تستمر للأبد، بالتالى فإن الشقة تظل يتوارثها ورثة المستأجر الأصلى حتى الدرجة الثالثة. وفى 14 نوفمبر 2002، تصدت المحكمة الدستورية لذلك الخلل، وقضت بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977، فيما لم تتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذى يلتزم المؤجر بتحريره لمن لهم الحق فى شغل العين، بانتهاء إقامة آخرهم بها، سواء بالوفاة أو الترك، وفى عام 2011 فسرت المحكمة الدستورية الحكم بأن تكون لمرة واحدة. ◄ حيثيات الحكم ورغم إدخال هذه التعديلات على القانون، فإن القضية كانت تشكل أزمة كبيرة، وسبق أن أصدرت لجنة الإسكان بمجلس النواب توصيات على برنامج عمل الحكومة الجديدة، تضمن 31 توصية منها تنفيذ التكليفات الرئاسية بتعديل القوانين التى تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فى ظل قوانين الإيجارات القديمة، بهدف إقامة التوازن، الذى غاب عن تلك العلاقة التعاقدية لعقود طويلة فى الحقوق والالتزامات. أثر الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية العليا هو عدم جواز امتداد العقد لأقارب المستأجر المقيمين معه، بحيث يكون مقتصرا على جيل واحد فقط من ورثة المستأجر الأصلى، وهو «الأبناء والزوجات والوالدين»، ويبدأ العقد معهم وينتهى بوفاتهم، بشرط الإقامة الهادئة المستقرة لمدة سنة على الأقل قبل وفاة المستأجر الأصلى. وفق منطوق الحكم وكما قال المستشار طارق شبل، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والمتحدث الرسمى لها: فإن موعد تنفيذ الحكم سيكون فى اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى الحالى لمجلس النواب، وهو ما يعنى ضرورة قيام البرلمان من الآن وحتى فض دور الانعقاد بصياغة مشروع قانون بتعديل الفقرتين الأولى من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981 الخاص بقيمة الزيادة السنوية للإيجار القديم، بالنسبة للوحدات السكنية المؤجرة بهذا القانون، مع الأخذ فى الحسبان أن دور الانعقاد العادى بدأ فى شهر أكتوبر 2024، ويستمر لمدة تسعة أشهر، وعقب انتهائه يبدأ تنفيذ الحكم، أى يرجح أن يكون موعد تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بشأن قانون الإيجار القديم يونيو أو يوليو 2025. إن مضمون النصين خاص بحظر زيادة الأجرة عن نسبة 7% من قيمة الأرض عند الترخيص، وقيمة البناء عند البناء.. ومع الزيادات والتضخم، والتغيير فى الأسعار، ومع هذه النصوص وتثبيت الإيجار، جعل هناك خللا من التوازن فى العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، لصالح المستأجر على حساب المالك. والمحكمة سبق لها الفصل فى أكثر من نص يتعلق بقانون العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، تدخلت بحذف هذا الجزء الذى كان يقع على عاتق المؤجر لصالح المستأجر وانتهت إلى عدم دستوريته.. لن نتحدث فى نسبة ال7%، لكن النص جعل هذه النسبة مؤبدة ووقفت عند قيمة الأرض عند الترخيص وقيمة المبانى عند البناء، وهذا التثبيت غير دستورى. وحرصا من المحكمة على استقرار المراكز القانونية فى البلد وإعمالا للمادة 49 من قانونها المتعلق بأنها من تحدد تاريخ سريان حكمها، انتهت إلى أن هذا الحكم يتم سريانه اعتبارًا من نهاية دور الانعقاد التشريعى الحالى، ابتداء من نهاية هذا الدور يسرى الحكم، والمحكمة لم تجعل أثر الحكم أثرا مباشرا من يوم صدوره، ولم تلق عليه أثرا رجعيا، لكنها أعطت مهلة للمشرع، حتى نهاية الدور الانعقاد التشريعى. ◄ اقرأ أيضًا | «المتضررين من الإيجار القديم»: محل في وسط البلد لا يبيع بأسعار زمان ◄ حل مشكلة الإيجار ويرى أشرف السكرى، رئيس جمعية المضارين من قانون الإيجار القديم، أن حكم المحكمة الدستورية تاريخى، ومن المتوقع أن يكون عاملا رئيسيا فى حل مشكلة الإيجار القديم جذريًا. ومجلس النواب أصبح ملزما بإجراء تعديل تشريعى على قانون الإيجار القديم بما يتناسب مع حيثيات الحكم الجديد الذى سيكون له عدد من الإيجابيات التى ستنعكس على المالك والمستأجر، فالمالك سيحصل على قيمة إيجارية عادلة للعقار، كما سيرتفع المعروض من العقارات فى السوق بما يسهم فى انخفاض قيمة الإيجارات، فى ظل وجود عدد كبير من الوحدات المغلقة وغير المستغلة، والحكم سيسهم فى إعادة استغلال تلك الوحدات ليصبح هناك حالة من التوازن بين أسعار الإيجار الجديد والقديم. لقد كان القانون القديم الممتد منذ 70 عاما سببا فى الكثير من أزمات الإسكان فى مصر وتفاقمت، وكان الحل هو تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر فى قانون الإيجار القديم وبتحرير العلاقة سوف تفتح كل الشقق المغلقة ويبلغ عددها 8 ملايين و200 ألف وحدة سكنية، لتطرح فى الأسواق، ويزيد العرض عن الطلب بما يحقق الصالح العام فتنخفض أسعار التمليك والإيجارات، لتصل إلى ما بين 60 و70% من الأسعار الحالية. ◄ ثروة معطلة الحكم يعتبر حلقة فاصلة فى أزمة الإيجارات القديمة وقد يكون نقطة البداية للاستفادة من تلك الثروة العقارية المعطلة، هكذا يقول الدكتور جون سعد، خبير الاستثمار العقارى، مضيفًا: أدت القوانين القديمة الخاصة بالإيجار إلى تراكم مشكلات عدة فى سوق الإيجارات، وأثرت سلبيا على اقتصاديات العقارات السكنية، وثبات الأجرة على مدار عقود طويلة أضر بالطرفين، حيث تضرر الملاك نتيجة انخفاض عوائد إيجاراتهم بشكل كبير، مما أثر على صيانة المبانى وتحديثها وخلق فجوة بين ما يدفعه المستأجر كإيجار وبين القيمة الحقيقية للوحدة السكنية، وهذا جعل العلاقة بين المؤجر والمستأجر غير متوازنة وغير عادلة ونتج عن ذلك انخفاض واضح فى جاذبية القطاع العقارى للاستثمار. ◄ إعادة التوازن فيما يقول اللواء الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية وخبير الإدارة المحلية: هذا الحكم يمثل نقطة تحول فى سوق الإيجارات حيث يسهم فى إعادة التوازن فى العلاقة بين المؤجر والمستأجر، مؤكدًا أن المحكمة الدستورية منحت المشرع مهلة زمنية لدراسة البدائل ما يعكس حرصها على فتح حوار مجتمعى واسع يشارك فيه جميع الأطراف المعنية، ومن هنا تأتى أهمية وضع ضوابط مرنة لتحديد الأجرة السنوية، تأخذ فى الاعتبار معدلات التضخم ومستويات الدخل لضمان حقوق الطرفين، والتشريعات الجديدة يجب أن تتيح تعديل الأجرة بصورة دورية، وسيعزز ذلك من جودة الحياة والاستقرار الاجتماعى. ◄ المسئولية الدستورية من جانبه، يقول الدكتور مصطفى السعداوى، أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائى بكلية حقوق المنيا: المحكمة الدستورية العليا وضعت حدا لمعاناة نسبة كبيرة من المصريين وأرست مبدأ أن لصاحب الحق أن ينتفع بحقه، معلنة أنه لا أبدية لعقود الإيجار التى حرمت الملاك من أملاكهم، ويعد الحكم الصادر عنها بمثابة تشريع قانونى يوازى ما يصدره مجلس النواب، ومع إصدار المحكمة حكمها الخاص بتأييد الزيادة، فإن هذا الحكم سيطبق فور نشره فى الجريدة الرسمية، ما يعيد إلغاء النصوص القانونية المرتبطة به. ويؤكد السعداوى أنه لم يعد تطبيق ضريبة ال7% التى تم تحديدها عام 1981 منصفا، خاصة أن قيم العقارات تضاعفت، والملاك يرون أن تحديد هذه النسبة بناء على قيم العقارات فى تلك الفترة يعتبر ظلما كبيرا فى ظل التغيرات الاقتصادية الحالية. ومن الضرورى إعادة تقييم قيمة الإيجارات وفقا للأسعار الحالية لضمان العدالة لجميع الأطراف، والأثر المترتب على الحكم سيؤدى إلى تفعيل دور الدولة فى التنمية الاقتصادية، وتحريك عجلة التنمية التى كانت ثابته منذ عقود.. واتفق مع فكرة أن تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، ستؤدى لتخفيض قيمة إيجار العقارات، بسبب كثرة المعروض من العقارات المعدة للإيجار، علما بأن هناك ملايين العقارات المؤجرة بنظام قانون الإيجار القديم، مما يمنح الثروة العقارية انتعاشا ملحوظا عقب تطبيق الحكم وإصدار القانون، ما يعمل على توافر وحدات شاغرة. ◄ مصير العقود القديمة الإيجار القديم قائم على عنصرين، الأول امتداد العقد وهذا لم تتعرض له المحكمة، والثانى تثبيت القيمة الإيجارية والمحكمة تعرضت له، إذًا العقد مستمر طبقا للحكم، والمحكمة قالت إن تثبيت القيمة الإيجارية غير دستورى. ويقول محمد عطية الفيومى، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب: إن هناك حكما للمحكمة الدستورية منذ فترة وهو امتداد عقد الإيجار القديم لمرة واحدة وليس أبد الآبدين، والحكم الجديد ملزم لجميع مؤسسات الدولة سواء الحكومة أو البرلمان، بالتالى سيحرك الملف بوتيرة أسرع، وسنقوم بقراءة حكم المحكمة بشكل تفصيلى، ودراسته وبحثه وبناء عليه ستتحرك اللجنة التى سبق لها أن أصدرت توصيات بشأن قانون الإيجار القديم تتمثل فى ضرورة تنفيذ التكليفات الرئاسية بتعديل القوانين التى تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فى ظل قوانين الإيجارات القديمة. وهناك سيناريوهات كثيرة بشأن الزيادة فى قيمة الإيجار منها أن تكون تدريجية وليست دفعة واحدة، وسيناريو آخر لزيادة سنوية، والمجلس سيحاول اختيار ما يحقق مصلحة المالك والمستأجر معا، سواء بزيادة قطعية أو تدريجية، والزيادة ستختلف من منطقة لأخرى، ومن شارع لآخر؛ بحيث تكون القيمة الإيجارية عادلة دون شطط بالزيادة أو النقصان، ومن الضرورى وضع قانون جديد. ويؤكد أن حسم مشروع قانون الإيجار القديم لتوفير توازن فى العلاقة بين المستأجر والمؤجر، من أهم التشريعات التى يجب خروجها للنور، كما أن من بين تلك التشريعات الهامة أيضا وعلى الحكومة الجديدة سرعة إصدارها قانون المجالس المحلية، خاصة أن غياب هذا التشريع يجعل المحليات والأحياء مرتعا للفساد.