منذ نشأة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بفلسطين كأحد أجنحة حركة الإخوان المسلمين التى أسسها حسن البنا فى مصر عام 1924 وامتدت جذورها إلى قطاع غزة والضفة الغربية والأراضى المحتلة عام 1948 وهى تشهد نموا وتطورا على المستويين الفكرى والتنظيمى حتى حدث التطور الدراماتيكى بوقوع الحركة خلال السنوات الأخيرة وبصورة غير متوقعة فى براثن المد الشيعى الإيرانى بالمنطقة. مع نهاية عام 1987 ظهرت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» مستندة على مشروع أسرة الجهاد التى تشكلت عام 1981 ومجموعة الشيخ أحمد ياسين التي تشكلت عام 1983 حيث تم تكوين أجنحة لأجهزة المقاومة، وأعلن عن تأسيس حماس الشيخ أحمد ياسين بعد حادث الشاحنة الصهيونية الذى وقع فى شهر ديسمبر عام 1987 على طريق المنطقة الصناعية «إيرز»، وهى النقطة الواصلة بين قطاع غزة وما يسمى بالخط الأخضر، حين دهم سائق شاحنة إسرائيلية سيارة تقل فلسطينيين كانوا متجهين للعمل داخل الخط الأخضر ما أدى لمقتل أربعة منهم. وعلى الفور اجتمع سبعة من كوادر وكبار قادة جماعة الإخوان المسلمين العاملين فى الساحة الفلسطينية وهم أحمد ياسين وإبراهيم اليازورى ومحمد شمعة (ممثلو مدينة غزة)، وعبد الفتاح دخان (ممثل المنطقة الوسطى)، وعبد العزيز الرنتيسى (ممثل خان يونس)، وعيسى النشار (ممثل مدينة رفح)، وصلاح شحادة (ممثل منطقة الشمال)، وكان هذا الاجتماع إيذانًا بانطلاق حركة حماس، ثم صدر ميثاق الحركة فى أغسطس 1988. وترتكز أيديولوجية حماس في الأساس على فكر الإخوان المسلمين، وهو ما أعلنته الحركة فى البيان الأول لها باعتبارها جناحا من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، كما ورد ذلك فى المادة الثانية من ميثاق الحركة،ولهذا فإنها تنظر إلى الجهاد على أنه الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، ورغم أن حماس تعلن أن هدفها المركزي هو إقامة دولة فلسطينية على كل مساحة فلسطين فإنها عزلت قطاع غزة عن بقية الأراضى الفلسطينية وفرضت سيطرتها عليه بعيدا عن السلطة الوطنية الفلسطينية بهدف إقامة ما أسمته «إمارة إسلامية». وتذكر المصادر التاريخية أن حركة حماس قبل إعلانها عن نفسها عام 1987 كانت تعمل على الساحة الفلسطينية تحت اسم «المرابطون على أرض الإسراء» وكذلك «حركة الكفاح الإسلامى» بينما اعترف بعض أعضاء حركة حماس أثناء التحقيق معهم فى السجون الإسرائيلية أن الجهاز العسكرى للحركة (مجاهدو فلسطين) والجهاز الأمنى للحركة (مجد) قد باشرا أعمالهما منذ عام 1985 أى قبل عامين من نشأة الحركة التى اندمج معها عدد من المنظمات التى أنشئت قبل وبعد الانتفاضة الفلسطينية التى اندلعت فى الفترة من 1987 وحتى 1994 مثل «منظمة الجهاد والدعوة» و«منظمة المجاهدين الفلسطينيين». تزعم حركة «حماس» فى ميثاقها انها حريصة على حصر ساحة المواجهة مع الاحتلال الصهيونى فى فلسطين، وعدم نقلها إلى أى ساحة خارجية ، وأنها كذلك غير معنية بالشئون الداخلية للدول ولا تتدخل بسياساتها، ولكن الأمر الواقع يشير إلى عكس ذلك وخير دليل الأنفاق التى أغلقتها مصر على حدودها وعمليات تهريب الأسلحة الى جانب تورط الحركة فى تنفيذ أجندات لدول أخرى فى المنطقة وعلى رأسها إيران التى أغدقت الأموال عليها للعمل ضد مصالح دول عربية شقيقة بل ضد المصالح الفلسطينية ذاتها فى الكثير من الأحيان. وتمارس حماس فى السنوات الأخيرة أجندة محددة تقوم على افتعال الأزمات مع دول الجوار ومنها مثلا أزمة فتح المعابر مع مصر،وأزمة الجندى الإسرائيلى الأسير جلعاد شاليط، وأزمة المصالحة الفلسطينية التي رفضتها حماس فى شوطها الأخير، وأزمة حجاج غزة عام 2008، والتى انكشف فيها زيف حركة حماس حين نقلت وكالات أنباء دولية فى 29 نوفمبر 2008 عن الحجيج الفلسطينيين فى قطاع غزة أن الشرطة التابعة لحكومة حماس التى تسيطر على القطاع هى التى منعت مئات الحجيج الفلسطينيين من مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودى مع مصر لأداء مناسك الحج. وبحسب المادة الثالثة عشرة من ميثاق الحركة فإن المبادرات والحلول السلمية والمؤتمرات الدولية التى تعقد لحل القضية الفلسطينية تتعارض مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية، ولهذا ترتكز استراتيجية الحركة على أن العمل العسكرى يشكل وسيلة الشعب الفلسطينى الأساسية للإبقاء على جذوة الصراع متقدة فى فلسطين. وفى هذا الإطار قامت حماس بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية عن طريق جناحها العسكرى «كتائب عز الدين القسام» فأثارت عملياتها التى تصفها بالاستشهادية جدلاً دولياً كبيرا انعكس على الداخل الفلسطينى وألحق ضررا بالغا بالقضية الفلسطينية فى المحافل الدولية، وذلك لأن غالبية إن لم يكن كل الدول الغربية تعتبر أن أى عمليات عسكرية تقوم بها حماس تعد «أخطار محدقة» على دولة إسرائيل من «محيطها» على اعتبار أن المفاوضات هى السبيل الناجح والوحيد للتوصل إلى حلّ يرضى جميع الأطراف المتنازعة. وتواجه حماس العديد من الانتقادات وذلك لعدة أسباب أولها مواقف حركة الإخوان المسلمين التى انبثقت منها، وخصوصا تلك التى تتعلق بنظرة الحركة إلى الحركات الوطنية الفلسطينية الأخرى وعلى رأسها حركة «فتح» التى انقلبت عليها حماس، وثانيا للعمليات التفجيرية التى قامت بها حماس فى فترة كان يرى البعض أنها تشكل «فرصة» لإحلال السلام مع إسرائيل والوصول إلى حل سلمى عبر التفاوض، ثم انقسامها على العمل الوطنى الفلسطينى وانتزاع قطاع غزة بالقوة، وهو ما جعل بعض المحللين يعتبرون أن حماس ضيعت القضية الفلسطينية، لتفضيلها الجهاد بدل إقامة دولة مع العلم أنها غير قادرة على إقامة دولة فى 350 كم2. أضف إلى ذلك العلاقات المريبة التي تشكلت خلال السنوات الأخيرة بين حماس وإيران، وهو ما تحاول الحركة تبريره بأنها تؤمن بأن اختلاف المواقف حول المستجدات لا يحول دون اتصالها وتعاونها مع أي من الجهات التى لديها الاستعداد لدعم صمود ومقاومة الاحتلال، ولكن خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» اضطر فى أكثر من مناسبة إلى نفى أن تكون الحركة ذيلا لإيران فى المنطقة، واعترف صراحة بأن علاقة الحركة مع إيران جرّت عليها الكثير من الاتهامات والضغوط والتشكيك، وحاول مشعل تبرير العلاقة مع إيران بقوله:«لا ينبغى أن نلام لطَرق أبواب طهران بعد تقصير الآخرين» دون أن يشير من قريب أو بعيد عن مسئولية حركته فى تشتيت المواقف العربية وشق الصف العربى فى أكثر من مناسبة تتعلق بالقضية الفلسطينية.