لم يكن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس» عام 1987، بداية لإعلان الوجود الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين فى فلسطين، لكنه مثّل مرحلة جديدة من عملها فى الأراضى المحتلة، ورغم عدم الاتفاق على تاريخ دقيق لوجود الإخوان فى فلسطين، فإنه يمكن الحديث عن إرهاصاتها فى الثورة القسامية 1936، قبل شروع الإخوان فى فتح فروع فى القدس، ونابلس، وغزة ويافا خلال الأربعينيات، ثم تزايد دور الإخوان نسبيا خلال حرب 48 عندما تسللت مجموعات من عدة دول عربية مثل مصر، والأردن، وسوريا، لكنها كانت محدودة العتاد والعدة. ومنذ خضوع قطاع غزة للإدارة المصرية، تأثرت أوضاع إخوان فلسطين بمصر، هكذا أكد دكتور زكريا السنوار، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر فى الجامعة الإسلامية بغزة، موضحا أن هذه المرحلة «شهدت انحساراً كبيراً لنشاط الجماعة، فانتقلت للعمل السرى المحدود، بعد تعرض عناصرها للملاحقة من قبل الإدارة المصرية، حتى أصبحوا يعدون على أصابع اليد الواحدة». وأعقبت هزيمة 1967 مرحلة جديدة، إذ أصبحت الظروف مواتية لنشر أفكارها، فبدأت ما سميت «مرحلة المساجد»، يقودها الشيخ أحمد ياسين، الذى شكل عام 1982 الجهاز العسكرى للإخوان المعروف ب«المجاهدون الفلسطينيون»، بهدف جمع السلاح والتدريب عليه، بينما كان فكر الإخوان ينتقل إلى فلسطينيى 1948 مع الطلبة الدراسين فى جامعات الضفة فى السبعينيات، لتتشكل فيما بعد الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر. ومن العوامل التى ساهمت فى المد الإخوانى خلال هذه الفترة هزيمة يونيو التى مثلت ضربة قاصمة للتيار القومى، إضافة إلى التأثر بالمد الإخوانى فى مصر من خلال الطلبة الفلسطينيين فى الجامعات المصرية، إضافة إلى أثر الثروة النفطية فى الدعم المالى، والثورة الإسلامية فى إيران التى ساهمت فى إعطاء دفعة قوية للعمل الإسلامى. ويؤكد الباحث الفلسطينى عدنان أبوعامر ل«المصرى اليوم» أن الإخوان شرعوا فى عملية البناء الهادئ للقوة الإسلامية، فلم يشاركوا فى النزاع المسلح الذى كانت تقوده منظمة التحرير الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلى، وركزوا على إقامة بنية تنظيمية واسعة. ويقول حماد الحسنات، أحد مؤسسى الإخوان فى فلسطين: «من أجل ذلك تأسس المجمع الإسلامى ثم الجمعية الإسلامية، وأخيراً الجامعة الإسلامية عام 1978، وهى المؤسسات التى شكلت نواة تخريج قيادة الجماعة فيما بعد»، وأضاف: «توفر الدعم المالى العربى ساهم فى تطور هذه المؤسسات، لاسيما فى مجالات الخدمات التعليمية والصحية، والدعوية، والاجتماعية، وهو ما لاقى استحسان الناس، وأكسبها شعبية، غير أن تركيز الإخوان على العمل الاجتماعى دون مواجهة الاحتلال أثار انتقادات التيارات الوطنية الأخرى، سواء الإسلامية أو الماركسية». وشكلت الانتفاضة الأولى 1987 (الحجارة) انطلاقة جديدة للإخوان، إذ تأسست بعدها بأيام حركة «حماس»، التى تعرف نفسها بأنها «جناح» الإخوان فى فلسطين، وفقاً للمادة الثانية من الميثاق، وشيئاً فشيئاً، أخذت الحركة توسع نفوذها الجماهيرى وعملها العسكرى حتى تأسست السلطة الوطنية 1994، حيث وصلت عملية التسوية السلمية ذروتها، وبدا المزاج الشعبى الفلسطينى أكثر ميلاً للهدوء والسلام بعد سنوات من القتال، وهنا دخلت «حماس» المرحلة الأكثر تراجعاً فى تاريخها، عندما تسببت عملياتها الفدائية ضد إسرائيل فى الضغط على السلطة، التى عملت على «استئصالها سياسيا وعسكريا» باعتقال كوادرها وقياداتها. ومع الانتفاضة الثانية 2000 (الأقصى)، التقطت «حماس» أنفاسها بعدما أطلقت السلطة سراح عناصرها إذ لم يعد هناك مبرر لاعتقالهم فى ضوء القصف الإسرائيلى للمقار الأمنية، وعادت الحركة لتأخذ دورها فى فعاليات الانتفاضة الشعبية والعسكرية، وفى هذه الأثناء كانت أجهزة السلطة تزداد ترهلا إداريا وماليا وأمنيا، مع تدهور واضح فى العملية السياسية، فاقتنصت «حماس» الفرصة فى الانتخابات التشريعية عام 2006 رغم رفضها لها منذ عام 1996، وهو ما برره محمد النجار، أحد مؤسسى الحركة، بأنه كان «تصويباً لفساد السلطة.. من داخل البرلمان وليس من خارج النظام السياسى»، فى حين رأى أسامة أبونحل، الأستاذ فى جامعة الأزهر، أن دخولها المعترك السياسى فى هذا التوقيت كان خطأ «خاصة أنها تعلم العقبات الدولية والإقليمية التى ستواجهها»، ويوضح «دخلت النظام السياسى فى إطار اتفاق أوسلو، وهى تعلم أن الاتفاق يكبل الطرف الفلسطينى ببنوده». منذ ذلك الوقت دخل فرع الإخوان فى فلسطين مرحلة الحصار الخانق، ومع ذلك فلم يتحولوا إلى رقم هامشى، بل أصبحوا جزءاً أساسيا فى أى مشروع سياسى فلسطينى مقبل، حتى رغم تداعيات الحصار، الذى أفضى إلى أزمة عميقة فى العلاقات المصرية مع «حماس» عام 2008، ففى حين اعتبرت الحركة الإسلامية أن رفح هى المتنفس الوحيد لأبناء غزة، رأت القاهرة أن تدفقهم للمنطقة الحدودية انتهاك لسيادتها، وهو ما أثار بدوره انتقادات المعارضة الداخلية خاصة من جماعة الإخوان، التى أكدت أن الموقف الرسمى مرده خوف النظام من تنامى نفوذ الإخوان فى فلسطين، لما فى ذلك من تأثير على نظامها وأمنها القومى الداخلى. وفيما عدا ذلك ليس للإخوان أجنحة أخرى فى فلسطين، إذا ما استثنينا حركة الجهاد، المنبثقة من الجماعة قبل ظهور «حماس»، التى كانت تتبنى إستراتيجية البناء الداخلى أولا، فى حين استعجلت «الجهاد» العمل العسكرى، أما التنظيمات الأخرى، خاصة تلك التى ظهرت فى الآونة الأخيرة فغالبيتها من السلفيين الذين يعتبرون أنفسهم فى مواجهة مع الإخوان.