نظمت حركة حماس في الرابع عشر من ديسمبر الجاري, مهرجانا جماهيريا حاشدا في غزة احتفالا بالذكري الثانية والعشرين لانطلاق الحركة, وتمكنت من جمع عشرات الآلاف في القطاع المحاصر في رسالة واضحة للخارج سواء في الضفة الغربية أو العواصم العربية أو الكبري العالمية وعلي رأسها واشنطن- بأن الحركة لها من الجماهيرية والتواجد علي الأرض ما يجعلها فاعلا محوريا في كافة التطورات الجارية بشأن القضية الفلسطينية. ويأتي ذلك في الوقت الذي لم تتوقف رسائل الحركة باتجاه الخارج واشنطن تحديدا- والتي تقول بأن للحركة من الواقعية السياسية ما يمكنها من الدخول في أي صيغة للتسوية السياسية وفق قرارات الشرعية الدولية, في نفس الوقت الذي يبدو فيه الجمود سيد الموقف بالنسبة لجهود تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. وحتي تتضح معالم الدور الذي لعبته وتلعبه حركة حماس علي الساحة الفلسطينية, يبدو مهما تناول علاقة الحركات والمنظمات الإسلامية بالقضية الفلسطينية وموقفها من إسرائيل بصفة عامة, فهذه العلاقة تثير العديد من التساؤلات, حول رؤية هذه الحركات بداية لقضية فلسطين وموقعها ضمن إطارها الحركي ومشروعها السياسي. بصفة عامة لم تكن القضية الفلسطينية تحظي بأولوية لدي غالبية هذه الحركات والمنظمات, وعادة ما كانت تستخدم القضية الفلسطينية لاعتبارات غائية أو مصلحية, وعادة ما كانت تري معظم هذه الحركات, أن معركتها الرئيسية مع نظم الحكم في دولها, وتري أن إسقاط هذه النظم له الأولوية علي مقاتلة إسرائيل أو تحرير أرض فلسطين, وتري جل هذه الحركات أن إقامة الدولة الإسلامية يمثل بداية العمل للحل النهائي للقضية الفلسطينية علي اعتبار أن فلسطين من' البحر إلي النهر' أرض وقف إسلامي لا يجوز التفريط في شبر منها. وربما تختصر قصة نشوء وتطور حركة المقاومة الإسلامية حماس- جوهر هذه الرؤية. فالمعروف أن حركة حماس هي امتداد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تواجدت في فلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي, وقد حددت الحركة منذ بداية عملها في فلسطين هدفها الأساسي في العمل من أجل بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم, وصولا إلي إنشاء الدولة الإسلامية. وعلي مدار الفترة من ثلاثينيات القرن الماضي وحتي اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولي في الثامن من ديسمبر عام1987, لم تمارس هذه الجماعة أي عمل مقاوم ولم تشارك في أي مقاومة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي, ولم يكن للحركة جناح عسكري, بل كانت مجرد جماعة تعمل في المجال الدعوي. وقد برر قادة الحركة هذا التوجه بالرغبة في الحفاظ علي الحركة وتجنب مواجهة العدو الإسرائيلي الذي يتفوق في القوة والعتاد, وأي مواجهة معه أو نشاط مسلح من عناصر الحركة ضد الاحتلال سوف يؤدي إلي رد فعل انتقامي يمكن أن يدمر مؤسسات الحركة وأنشطتها, ومن ثم يتأخر الوصول إلي المشروع الإسلامي. وبينما كانت الفصائل الفلسطينية المختلفة مثل فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية تمارس الكفاح المسلح, نأي هذا التنظيم بنفسه تماما عن العمل المقاوم. ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولي في الثامن من ديسمبر عام1987, ومشاركة كافة شرائح المجتمع الفلسطيني في أعمال المقاومة بكافة السبل المتاحة بما فيها مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وإنشاء مشروعات صغيرة للاكتفاء الذاتي من بعض القري وحتي الأحياء, بدأت القطاعات الشابة في هذا التنظيم تطالب بالمشاركة في أعمال المقاومة والمساهمة في الانتفاضة, وطرح البعض فكرة أن إحجام التنظيم عن مشاركة الشعب الفلسطيني في أعمال المقاومة بينما تمارس الفصائل الأخري العمل المقاوم وتلتحم بالجماهير, سوف يؤثر بالسلب علي صورة التنظيم في الشارع الفلسطيني. وتحت ضغط شباب التنظيم وافق الزعيم الروحي للتنظيم الراحل الشيخ أحمد ياسين علي تشكيل جناح مسلح للتنظيم ليشارك في أعمال المقاومة. وقد تم الإعلان عن إنشاء حركة المقاومة الإسلامية حماس- في الرابع عشر من ديسمبر عام1987, أي بعد مرور ستة أيام علي اندلاع الانتفاضة. وجاء بعد ذلك ميثاق الحركة ليكشف عن الرابطة العضوية بحركة الإخوان المسلمين, ويؤكد في مواده المختلفة أن فلسطين من البحر إلي النهر أرض وقف إسلامي لا يجوز التفريط في شبر منها, وأن الحل يأتي عبر القضاء علي' الكيان الصهيوني'. ومنذ إعلان إنشاء حركة حماس دخلت في مواجهة مفتوحة مع القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة من أجل انتزاع إدعاء تفجير وقيادة الانتفاضة, وعاني المواطن الفلسطيني العادي كثيرا من التنافس والصراع بين القيادة الوطنية وحماس, وكثيرا ما كانت تتضارب مواعيد الإضراب أو الاعتصام بين القيادة الموحدة وحماس الأمر الذي أنهك المواطن الفلسطيني. وقد استند بعض المحللين الفلسطينيين والسياسيين من منظمة التحرير الفلسطينية علي تمتع تنظيم الإخوان في الأراضي الفلسطينية بحرية الحركة والسهولة التي كان يحصل بها علي تراخيص العمل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي, لكي يشيروا إلي وجود تفاهم ضمني بين التنظيم وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت ترمي إلي تقوية التنظيم' الذي يحصر نشاطه في المجال الدعوي' فقط لضرب التيار العلماني في منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تحمل لواء المقاومة المسلحة. وما أن تشكلت حركة حماس وبدأت في ممارسة العمل المقاوم حتي لاحقتها الضربات الإسرائيلية, ومن هنا بدأ الصراع المفتوح بين الجناح العسكري للتنظيم حماس- وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي. وتكشف أدبيات التنظيم والحركة أنها كانت تركز ضرباتها العسكرية ضد قوات الاحتلال, والسياسية ضد منظمة التحرير الفلسطينية التي رأتها الحركة وتحديدا الجبهتان الشعبية والديمقراطية- تيارات علمانية أو شيوعية ملحدة, وجب القضاء علي نفوذها, بينما رأت في حركة فتح تنظيما قريبا فكريا, فهو تنظيم وإن شارك في العمل مع تيارات يسارية ملحدة في إطار منظمة التحرير, إلا أنه غير منقطع الصلة بالفكر الاخواني, وعدد من رموزه جاءوا من خلفية إخوانية, لذلك كان أسري حركة حماس يلبون دعوات أسري فتح للاحتفال بذكري انطلاق عمل الحركة, بينما كانوا يحجمون عن الاختلاط بأسري الجبهتين الشعبية والديمقراطية.