«وجوه مصرية» قدحتها شمس الجنوب بالسمرة الجميلة، ولكن القلوب بيضاء بالخير، عامرة بذكر الله دائمًا، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم. وبيوت بسيطة ينام أهلها ويستيقظون على الفطرة، وعلى ضفاف نهر النيل العظيم، الذى توارث الجميع حبه واحترامه منذ أيام الفراعنة.. هنا أسوان بوتقة الحضارة المصرية التى تتلخص فى عبارة «أجمل ما فى مصر هم أهلها».. وفى سوق «دراو» شراء وبيع الجمال على بعد 50 كيلو مترا من أسوان تجد نفسك وكأنك فى مهرجان للجمال.. والتقينا بالتاجر الحاج عبدالظاهر حسين، وبدأ حديثه قائلاً: الجمال تأتى من السودان ويطلقون عليها اسم «حليب» ويتراوح عددها ما بين ثمانين إلى مائة جمل، حيث يتم عرضها فى سوق «دراو» بقرية النحابة ويتم شحنها على عربات نقل تتجه إلى سوهاج ومنها للقاهرة حيث تتجمع مرة أخرى فى سوق واحد. وتستغرق رحلة الجمال من السودان حتى أبو سمبل أربعين يومًا سفرًا فى الصحراء. أيضَا يتم شحنها مرة أخرى وتتم إضافة سعر الشحن إلى سعر الجمل فيما بعد، حيث يتراوح سعر الجمل القاعود أو الجاعور أو الصغير من ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه إلى خمسة آلاف جنيه. أما الجمل الكبير ويسمى (ناقة) فسعره يصل إلى 6500 جنيه. وعن أنواع الجمال يقول: توجد أنواع عديدة منها الشادى ويتسم هذا النوع بسرعة الجرى ولذلك يتم تجنيده فى حرس الحدود. وهناك أيضًا زيبيدى ودنجلاوى وزغاوى وأنواع أخرى كثيرة يتم استخدامها فى تحميل المحاصيل من الأراضى الزراعية أو يتم تسمينها للذبح حيث يعتبر اللحم الجملى من أنقى أنواع اللحوم. ويقول الحاج عبد الظاهر: إن الجمال لها لغة لتفاهم خاصة إذا أردت أن تبرك الجمل تقول له «إخ إخ» وأضاف قائلا: أن لبن النوق له فوائد صحية مؤكدة ويباع كيلو اللبن منه ب 25 جنيهًا فى دراو. وقد ارتبطت الجمال بالتاريخ فكان للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ناقة وكان لسيدنا صالح عليه السلام ناقة، وتم ذكرها فى القرآن الكريم،الآية 13 من سورة الشمس: ( فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ) تصل فترة حمل أنثى الجمل إلى 11 شهرًا ويتم فطام الجمل الصغير بعد 4 شهور. وتشهد البلاد الخليجية سباقات كبرى للجمال تسمى سباقات الهجين، ولا يقرب أهل أسوان من تناول لحوم الأبقار أو الضأن بل يأكلون لحم الجمل فقط. والمثل الشائع بينهم «كل هزيل الجمال ولا تأكل سمين البقر». وفى سوق «دراو» كثير من القصص الإنسانية التى لا تخلو من دلالات تعكس تقاليد هذا السوق العريق، وأثناء جولتنا بالسوق لفت انتباهنا امرأة تصرخ وهى ممسكة بتلابيب تاجر تتهمه بأن الجمل الذى يعرضه للبيع ملك لها، وأنها تمتلك أمه فى حظيرتها. فاجتمع الناس واتفقوا على أن تأتى المرأة بأم هذا الجمل.. وهذا ما حدث بالفعل، وفوجىء الجميع بالجمل يحل النزاع ويركض ناحية ثدى أمه ويرضع منه. صاح الناس فى السوق ما بين تهليل وتكبير وتم تسليم الجمل للمرأة. وبصفة عامة يتم تزيين كل جمل بعلامة معينة حتى يكون مميزًا بين أقرانه. ويضم سوق «دراو» للجمال أنواعا أخرى، منها الأبقار والماعز التى يتم عرضها وبيعها يوم الثلاثاء من كل أسبوع. أما يوم الأحد فهو مخصص فقط للجمال. ومن أشهر تجار الجمال فى سوق «دراو» أبو الحمد الذى يقول: هذه تجارة مباركة، ونحن مرتبطون فى حياتنا بالجمل فهو وسيلة مواصلات ونقل المحاصيل مثل القصب وجريد النخل والبرسيم وبلح النخيل.