«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الرحمة المهداة
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 02 - 2010

عندما نتحدث عن سيرة النبي صلي الله عليه وسلم فهذا ليس من أجل سرد الحكايات والتسلية‏..‏ لكن للعبرة والعظة‏..‏ ولأننا نعيش في زمن أصبحت فيه لغة العنف هي اللغة السائدة‏..‏ وألغيت الرحمة من قاموس المعاملات الإنسانية‏..‏ الذي أصبح لا يعرف للسماحة منهجا‏..‏ ولا للتيسير أسلوبا‏..‏ ولا للبساطة طريقا‏..‏ كان لزاما علينا أن نلقي الضوء علي خلق النبي صلي الله عليه وسلم وبعض جوانب الرحمة في حياته حتي تكون لنا منهجا نحتذي به في حياتنا‏..‏ فكان صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين إنسهم وجنهم‏..‏ مؤمنهم وكافرهم‏..‏ طائعهم وعاصيهم‏..‏ كبيرهم وصغيرهم‏..‏ وشملت رحمته صلي الله عليه وسلم الإنسانية كلها بجميع ألوانها وأطيافها‏..‏ فكان رحيما بأمته‏,‏ وبأعدائه‏,‏ وبأزواجه‏,‏ وبالعصاة‏,‏ وبالأطفال‏,‏ وبالأيتام‏,‏ والحيوان‏..‏ وحتي الجماد أحس برحمته‏..‏ وكيف لا يكون رحيما وهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه‏..‏ وكيف لا يكون رحيما وهو الذي قال عنه الحق تبارك وتعالي‏:(‏ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين‏)..‏ وكيف لا يكون رحيما وهو الذي وصفه الله عز وجل بأنه‏'‏ بالمؤمنين رءوف رحيم‏'..‏ وكيف لا يكون رحيما وهو الذي قال عن نفسه‏:(‏ إنما بعثت رحمة‏).‏

خلقه القرآن
أخلاق النبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن تحصي أو تعد‏..‏ وكيف تحصي وقد أثني عليها الحق سبحانه وتعالي ووصفها بالعظمة فقال تعالي‏:(‏ وإنك لعلي خلق عظيم‏)..‏ يقول الدكتور مصطفي مراد الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر‏:‏ لقد حاز النبي صلوات الله وسلامه عليه كمال الأخلاق وتمامها فكان خلقه القرآن‏..‏ يقيم حدود الله ويأتمر بأمره وينتهي بنهيه‏..‏ يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويعرض عن الجاهلين‏..‏ أعدل الناس‏,‏ فالقريب والبعيد‏,‏ والقوي والضعيف عنده سواء‏..‏ أرحم الناس وأكثرهم تواضعا وعدلا ورفقا وحلما وأمانة وصدقا‏,‏ أجود البشر وأكرم الخلق وأكثر الناس عطاء‏..‏ أجود من الريح المرسلة‏..‏ فيعطي عطاء من لا يخاف الفقر فعندما جاءه أعرابي يسأله حاجته أعطاه صلي الله عليه وسلم غنما بين جبلين فرجع إلي قومه فقال‏(‏ يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشي الفاقة‏)‏ كان أرحب الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفاهم عهد‏..‏ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم‏,‏ يسبق حلمه غضبه‏..‏ ولا تزيده شدة الجهالة إلا حلما‏..‏ فكان يأسر بحلمه القلوب فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:(‏ كنت أمشي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية‏,‏ فأدركه أعرابي‏,‏ فجبذه بردائه جبذة شديدة حتي نظرت إلي صفحة عاتق رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته‏,‏ ثم قال‏:‏ يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك‏,‏ فالتفت إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم ضحك‏,‏ ثم أمر له بعطاء‏),‏ لا يغضب لنفسه‏..‏ ولكن يغضب إذا انتهكت حرمات الله‏,‏ ما عاب طعاما قطا إن اشتهاه أكله‏,‏ وإن لم يشتهه تركه‏,‏ كان لا يجلس ولا يقوم إلا علي ذكر‏..‏ وإذا انتهي إلي مجلس جلس حيث أنتهي الناس‏.‏
ويضيف‏:‏ أخلاق النبي صلي الله عليه وسلم تتميز بالربانية فقد كانت كلها لله فلم يكن يريد بها إلا وجهه تعالي‏..‏ كانت أخلاقه تتميز بالشمول والعموم فلم تكن في وقت دون آخر ولا مكان دون مكان ولا حال دون حال‏..‏ كما تمتاز بالوسطية فليس فيها إفراط ولا تفريط‏.‏

شفاعته لأمته
أرسل الله كل نبي إلي قومه خاصة وأرسل نبينا محمد صلي الله عليه وسلم إلي الجن والإنس عامة‏,‏ ولقد بعثه الله رحمة للعالمين‏..‏ والحبيب المصطفي صلوات الله عليه وسلامه سبب رحمة هذه الأمة في الدنيا والآخرة‏..‏ وعن ذلك يقول الدكتور مصطفي مراد‏:‏ بعث الحبيب المصطفي صلوات الله عليه وسلامه رحمة للعالمين‏..‏ أي رحمة للعوالم جمعاء‏..‏ وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالي‏:(‏ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين‏)..‏ وهذا فيه حصر وقصر للرسالة المحمدية في الرحمة‏..‏ وهذه الآية جاءت في سورة الأنبياء بعد ذكر جماعة من الأنبياء ليدل أن هذه الرسالة الخاتمة جمعت جميع الخيرات في الرسالات السماوية كلها وأضافت عليه ما استجد في العوالم من أحداث وتطورات‏..‏ وهذا يفيد أن هذه الرحمة ليست مقصورة علي المبعث النبوي ولا الحياة المحمدية ولا جيل السلف الصالح بل شاملة لسائر الأجيال وجميع الأجناس‏.‏
ويضيف‏:‏ من رحمة النبي محمد صلي الله عليه وسلم بهذه الأمة أنه سبب لرفع العقوبة العامة عنها في الدنيا لوجوده فيها قال تعالي‏:(‏ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون‏).(‏ الأنفال‏:33)..‏ وفي الحديث يقول صلي الله عليه وسلم‏:(‏ سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها وسألته ألا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيح بيضتهم فأعطانيها وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها‏)..‏ فهذه الأمة لو قصرت لا ينزل بها هلاك عام كما حدث للأمم السابقة كعاد وثمود‏..‏استجابة لدعوته صلي الله عليه وسلم‏..‏ ومن دلائل رحمة وحب النبي صلي الله عليه وسلم لأمته أنه آخر دعوته المستجابة إلي يوم القيامة ليشفع بها لأمته‏..‏ قال النبي صلي الله عليه وسلم‏:(‏ لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا‏)..‏ كما أنه صلي الله عليه وسلم يفرح بأمته يوم القيامة ويسقيها بيده الشريفة من حوضه الذي وهبه له ربه سبحانه وتعالي‏..‏ كما أن هذه الأمة هي الآخرة السابقة يوم القيامة‏..‏ قال صلي الله عليه وسلم‏:(‏ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة‏).‏ وهي أكثر أهل الجنة وأول من يدخل الجنة‏..‏ وأنه يرفع مقامها فوق الأمم يوم القيامة‏.‏
وقال‏:‏ إذا أردنا أن نكون أمة الرحمة المهداة حقا فيجب أن تكون الرحمة هي منهج حياة المسلمين فنقضي حاجة كل محتاج ونرحم الصغير ونعطف علي الفقير ونغيث الملهوف ونشفق علي المبتلي ونكون عونا علي كل خير‏.‏

العفو عند المقدرة
عندما يتعامل الإنسان مع البعض من أهله وقومه ومخالفيه يجد الغلظة والقسوة والجفاء في المعاملة‏..‏ ورسولنا صلوات الله عليه وسلم يعلمنا كيف نقابل الإساءة بالرحمة والمغفرة‏..‏ فما تعرض له صلي الله عليه وسلم من أذي وغلظة وجفاء من المشركين لا يمكن لبشر أن يتحمله‏..‏ ولكنه صبر علي أذاهم حتي مكن الله له من نشر رسالته‏..‏ بل إنه قابل هذه الإساءة بالرحمة والعفو والصفح والإحسان‏..‏ يقول الشيخ سعد النجار من علماء الجمعية الشرعية‏:‏ لقد اتسع قلب النبي صلوات الله عليه وسلم الرحيم لقومه سواء كانوا أعداءه أو أحبابه‏..‏ وظهرت هذه الرحمة واضحة عندما ذهب صلي الله عليه وسلم إلي أهل الطائف لدعوتهم إلي الإسلام فلم يستجيبوا له واستخفوا به وآذوه وقذفه الصبيان بالحجارة وأدموا قدمه صلي الله عليه وسلم فرجع وهو مهموم‏,‏ فلما كان عند قرن الثعالب ناداه ملك الجبال فقال يا محمد إن ربك قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد أرسلني إليك لأفعل ما تأمرني به فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين‏..(‏ الأخشبان جبلان عظيمان حول مكة‏)..‏ ولأن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن هدفه القصاص والانتقام ولكن العفو والرحمة‏..‏ فما كان منه إلا واجه هذه القسوة بالعفو فقال صلي الله عليه وسلم‏:(‏ بل أرجو ان يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا‏)..‏ ولقد حقق الله أمله فاسلم عمرو بن العاص فاتح مصر وخالد بن الوليد سيف الله المسلول وعكرمة بن ابي جهل وغيرهم ممن كان أباؤهم حربا علي الإسلام والمسلمين‏.‏
ويضيف‏:‏ من رحمته بقومه أنه عندما تعرض صلي الله عليه وسلم لأذي المشركين ودمه يسيل كان يدعو لهم ويعتذر عنهم مناجيا مولاه داعيا لهم ربه‏:(‏ اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏),‏ بل أنه كان يرفض مجرد الدعاء عليهم فعندما قيل له‏:‏ ادع الله تعالي علي المشركين فقال‏:(‏ إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا‏).‏ وأشار إلي أن ما فعله النبي صلي الله عليه وسلم مع المشركين عندما نصره الله عليهم يوم فتح مكة دليل عفوه وتسامحه ورحمته حتي مع أعدائه الذين أذوه وأخرجوه من مكة وهي أحب البلاد إلي قلبه بل وعذبوا أصحابه فلم ينكل بهم ولم ينتقم لنفسه منهم بل قال لهم صلي الله عليه وسلم‏:‏ اذهبوا فأنتم الطلقاء‏.‏

الأخذ بيد العصاة
من منا لا يذنب؟ ومن منا لم يخطئ؟ ولكن البعض يساهم في زيادة معصية العاصي بالنفور منه وتعنيفه وتغليظ القول له وعدم تعليمه الصواب‏..‏ ورسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه يعلمنا كيف نكون رحماء بالعصاة والمذنبين وكيف نمد لهم يد العون لنأخذ بأيديهم ونحولهم من أناس ألفوا المعصية وصارت عادة في حياتهم إلي قوم يحبون الطاعة ويبحثون عنها‏..‏فكيف هذب النبي صلوات الله عليه وسلم النفوس المذنبة وحولها من المعصية إلي الطاعة؟‏..‏ يقول الدكتور حسن القصبي أستاذ الحديث وعلومه جامعة الأزهر‏:‏ كان من دأب النبي صلي الله عليه وسلم ألا يعين الشيطان علي الإنسان وذلك برفقه ولينه ورحمته في معالجة المعصية‏..‏ فكان يعفو عن أصحابه ويستغفر لهم ويخفض لهم الجناح وهذه الصفات هي التي فتحت قلوب العباد والبلاد للنبي محمد صلوات الله عليه وسلم وأيد القرآن ذلك فقال تعالي‏:(‏ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين‏).(‏ آل عمران‏:159)..‏ وتظهر رحمته صلي الله عليه وسلم في معالجة المذنبين والعصاة‏..‏ حينما أتاه شاب وقال‏:(‏ يا رسول الله إئذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا‏:‏ مه مه فكيف تعامل معه النبي صلي الله عليه وسلم كيف رباه وأخذ به إلي الطاعة؟‏..‏ هل زجره أو نهره أو أذاه؟‏..‏ لا والله بل تعامل معه برحمه ولين فقال‏:'‏ ادن‏',‏ فدنا منه قريبا فقال‏'‏ أتحبه لأمك؟ قال‏:‏ لا يا رسول الله‏,‏ جعلت فداك‏.‏ قال‏:‏ فكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم‏,‏ قال‏:‏ أتحبه لأختك؟ قال‏:‏ لا يا رسول الله جعلت فداك‏,‏ قال‏:‏ فكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم‏'.‏ وهكذا حتي ذكر العمة والخالة والزوجة‏,‏ ثم وضع رسول الله صلي الله عليه وسلم يده الشريفة علي صدر الشاب ودعا له‏:(‏ اللهم نق صدره‏,‏ وحصن فرجه‏).‏ فهذا هو الفارق بين معالجة الناس لفعل المخالف ومعالجة نبي الرحمة‏..‏ فيجب علي المجتمع ألا يلفظوا المذنبين وأن يمدوا لهم يد العون وأن يفتحوا لهم طريق الأمل وباب التوبة ويأخذوا بأيديهم نحو الطاعة والتوبة‏.‏

البيوت تبني علي الرحمة
الناظر إلي حال الأسرة اليوم يجد أن الكثير منها يعاني التشتت والتفكك والضياع‏..‏ وذلك بسبب ابتعادها عن منهج الله وغياب الحب والمودة والرحمة بين الزوجين‏..‏ ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يرسم لنا الطريق ويضع لنا المنهج التي تستقيم عليه الأسرة‏..‏ وعن ذلك يقول الدكتور عبد المهدي عبد القادر أستاذ الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر‏:‏ كان صلي الله عليه وسلم حليما في بيته كريما في معاملة زوجاته وكل أهله‏..‏ فكان صلي الله عليه وسلم يعلمهم ويعلم الأمة أن البيوت تبني علي الحب والود والرحمة قال تعالي‏:(‏ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة‏).(‏الروم‏:21).‏ فالبيوت تبني علي المودة من الزوجة وعلي الرحمة من الرجل وعلي المودة والرحمة من الآباء للأبناء ومن الأبناء للوالدين‏..‏ ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول‏:(‏ إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق‏)‏ فيجب أن يكون كل عنصر من عناصر الأسرة رفيقا بالآخر‏..‏ المرأة رفيقة بزوجها فلا تكلفه من النفقة مالايطيق‏..‏والرجل رفيقا بزوجته فلا يكلفها فوق طاقتها‏.‏
ويضيف‏:‏ رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم يعلمنا كيف نكون رحماء مع أزواجنا وكيف نصبر عليهم ونعلمهم أخطاءهم‏..‏ فعندما دخل رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما ومعه بعض الضيوف فأسرعت عائشة رضي الله عنها لصنع الطعام وأسرعت حفصة رضي الله عنها لصنع الطعام‏..‏ فما كان من حفصة رضي الله عنها إلا أن أعدت طعامها قبل عائشة رضي الله عنها وأرسلت جاريتها فوضعت الطعام أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم فغضبت عائشة رضي الله عنها‏..‏ فلما أتمت طهي طعامها أرسلت جاريتها فأخذت قصعة حفصة من أمام الرسول وضيوفه فضربتها في الأرض وعادت إلي عائشة رضي الله عنها فأحضرت قصعتها ووضعتها أمام رسول الله وضيوفه‏..‏ فما كان من رسول الله إلا أن قال غارت أمكم والمرأة تعذر في هذا فهي طبيعتها ثم أخذ صلي الله عليه وسلم ما كان في قصعة حفصة رضي الله عنها ووضعها علي قصعة عائشة وأكل هو وضيوفه‏..‏ وليتنا نستفيد من هذه
الأخلاق في بيوتنا‏.‏
وأشار إلي أن النبي صلي الله علي وسلم كان في مهنة أهله فكان يحلب الشاة ويخصف نعله ويرقع ثوبه‏..‏وكان خيرا في تعامله مع أهله ودعانا لذلك فقال صلي الله عليه وسلم‏:(‏ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي‏)..‏ وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم حريصا علي إدخال السرور علي زوجاته‏..‏ والإنسان يؤجر علي ذلك حتي أن اللقمة تضعها في فم امرأتك لك بها آجر‏..‏وليتنا نتعلم ذلك وتتذكره سيدة البيت فتكون خيرا في بيتها ويتذكره رب الأسرة فيكون خيرا مع أهله عندها تستقر البيوت وتسعد الأسرة‏.‏

تقبيل الأطفال‏..‏ والمسح علي اليتيم
كثير من الآباء يجعل من العنف والقسوة والضرب وسيلة لتربية الأبناء مما ينعكس علي سلوك وأخلاق الأطفال‏..‏ والنبي صلوات الله وسلامه عليه يضرب لنا المثل والقدوة في التعامل مع الأطفال والرحمة بهم والحنو عليهم وعن ذلك يقول الشيخ أحمد ترك إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية‏:‏ من عموم رحمته صلي الله عليه وسلم بالأطفال أنه كان يخص بعض الأطفال بالحوار والحديث والمناجاة فقال لابن عباس وكان طفلا‏:(‏ احفظ الله يحفظك‏..‏ احفظ الله تجده تجاهك‏),‏ ولقد آثار النبي صلي الله عليه وسلم الرحمة في قلوب العرب نحو الأطفال والصغار والضعفاء فورد أنه قبل الحسن بن علي‏,‏ وعنده الأقرع بن حابس‏,‏ فقال الأقرع‏:(‏ إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا‏,‏ فنظر إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قال‏:(‏ من لا يرحم لا يرحم‏),‏ وكان صلي الله عليه وسلم يحمل الحسن رضي الله عنه علي كتفه الشريفة‏,‏ ويضاحكه ويقبله‏..‏ ومن رحمته صلي الله عليه وسلم بالأطفال أنه كان يخفف الصلاة لبكاء الصبي فعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:(‏ إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها‏,‏فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه‏).‏
ويضيف‏:‏ كان النبي صلي الله عليه وسلم يخص الطفل اليتيم برحمته ويحث الناس علي بره والإحسان إليه لعظم أجر هذا العمل‏..‏ فجعل الجنة ثواب من يكفل اليتيم فقال صلي الله عليه وسلم‏:(‏ أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا‏,‏ وأشار بالسبابة والوسطي وفرج بينهما شيئا‏).‏ كما أنه صلي الله عليه وسلم جعل المسح علي رأس اليتيم سببا لعلاج قسوة القلب فقد جاءه رجل فقال يا رسول الله أشكو قسوة قلبي فقال‏:(‏ امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين‏).‏
وقال‏:‏ علمنا النبي صلي الله عليه وسلم أن اليتم فخر وتاج يزين رءوس الأيتام بعدما كان اليتيم وصمة عار واستهزاء في عيون الناس وذلك لكونه صلي الله عليه وسلم كان يتيما‏..‏ وأصبح قدوة للأيتام ورمزا وأصبح كل من يرحم اليتيم يصل رحم رسول الله صلي الله عليه وسلم بهذا العمل العظيم‏..‏ وهذا يحملنا مسئولية كبيرة تجاه الأيتام فيجب علينا إعادة تأهيل الأطفال الأيتام الذين لا عائل لهم تربويا ونفسيا واجتماعيا وعمليا لتحقيق قول الله تعالي‏:(..‏ ويسألونك عن اليتامي قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح‏..).(‏ البقرة‏:220)..‏ وخاصة الأطفال الذين يعيشون في الشوارع‏..‏ كما يجب النظر في أساليب التربية بالنسبة للأيتام بدور الضيافة والملاجئ ودور الأيتام وإعادة تأهيل العاملين في هذه المؤسسات الخاصة بالأيتام‏.‏

الإحسان إلي الخدم
البعض يتعامل مع الخدم بجفاء وغلظة وكبر ويحملونهم أكثر مما يطيقون‏..‏ وعن ذلك يقول الدكتور محمد مختار جمعة الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر‏:‏ النبي صلي الله عليه وسلم يعطي للأمة درسا في التعامل مع الخدم‏..‏ فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم رحيما حليما ودودا بالخدم فلم يكن بسباب ولا بلعان وما لطم بيده مملوكا ولا خادما قط‏..‏ يقول أنس رضي الله عنه خدمت رسول الله صلي الله عليه وسلم عشر سنين‏,‏ فما قال لي‏:‏ أف قط‏,‏ وما قال لشيء فعلته لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله لم لم تفعله؟‏.‏
ولقد طالبنا النبي صلي الله عليه وسلم بأن نحسن معاملة الخدم والرفق بهم وألا نحملهم فوق ما يطيقون‏..‏ قال صلي الله عليه وسلم‏:(‏ إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم‏,‏ فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس‏,‏ ولا يحمله ما لا يطيق‏;‏ فإن حملتموهم ما لا يطيقون فأعينوهم‏)..‏ كما طالبنا صلي الله عليه وسلم بعدم التطاول عليهم وضربهم فعندما رأي النبي صلي الله عليه وسلم أبا مسعود رضي الله عنه يضرب غلاما له‏,‏ فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ يا أبا مسعود ألم تعلم أن الله أقدر عليك من قدرتك علي هذا الغلام؟ ويضيف‏:‏ تظهر أثر رحمته صلي الله عليه وسلم في معاملته الخدم‏..‏ أنهم كانوا يفضلون العبودية عند رسول الله عن الحرية مع الأهل‏..‏ وحدث ذلك من زيد بن حارثة ذلك الصحابي الذي كان عبدا مملوكا للنبي صلي الله عليه وسلم وبعد رحلة بحث طويلة من أبيه وعمه عنه‏..‏ علموا أنه عند رسول الله فجاءوا إليه ليفدوه‏..‏ فقال صلي الله عليه وسلم إن اختاركم فهو لكم بغير فداء وإن اختارني فما أنا بالذي يختار علي من أختاره شيئا لكن زيدا اختار أن يكون عبدا عند رسول الله علي أن يكون حرا في أهله وعشيرته لما وجده من حسن معاملة رسول الله صلي الله عليه وسلم ورعايته له فقال زيد فداك أبي وأمي يا رسول الله ما أنا بالذي يختار عليك أحدا‏.‏ وطالب المسلمين بأن تكون هذه المعاملة الراقية للنبي صلي الله عليه وسلم مع الخدم هي النموذج الذي يحتذي به كل إنسان في التعامل مع الخدم ومن كان علي شاكلتهم من البوابين والتباعين وعمال جمع القمامة‏..‏ ويجب أن يعلم كل إنسان أن الأيام دول‏,‏ فغني اليوم قد يكون فقير الغد وفقير اليوم قد يكون غني الغد‏..‏ وعزيز اليوم قد يكون ذليل الغد‏..‏ وذليل اليوم قد يكون عزيز الغد وصدق الله العظيم إذ يقول‏:(‏ وتلك الأيام نداولها بين الناس‏).‏

الرفق بالحيوان
البعض يتعامل مع الحيوان بقسوة وعنف فيضربها ويقسو عليها ويحملها أكثر من طاقتها‏..‏ وبالرغم من ذلك يبخل عليها بالشراب والطعام‏..‏ ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يعلمنا كيف نتصف بالرحمة في كل شيء حتي في معاملتنا مع الحيوان‏..‏ يقول الشيخ محمد عبد الفتاح عبده من علماء الأزهر‏:‏ لقد أخذ كل واحد من العالمين حظه من رحمة النبي صلي الله عليه وسلم حتي الحيوانات ناله قسط من هذه الرحمة‏..‏ فجعل النبي صلي الله عليه وسلم العطف علي الحيوان سبب المغفرة ودخول الجنة‏..‏ ليس هذا فحسب بل جعل النار جزاء من يعذب الحيوان أو يتسبب في موته جوعا أو عطشا‏..‏ ولقد أحس الحيوان برحمته صلي الله عليه وسلم بل وعرفت الدواب والحيوانات إلي أين تتجه بالشكوي عندما يقع عليها الأذي‏..‏ إنها تتجه إلي من جعله الله رحمة للعالمين‏..‏ فقد دخل النبي صلي الله عليه وسلم بستانا فاستقبله جمل‏..‏ ولما رأي الجمل رسول الله صلي الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه الرسول الكريم فمسح ذفراه فسكت‏,‏ فقال الرسول صلي الله عليه وسلم‏:'‏من رب هذاالجمل؟‏'..‏فقال فتي من الأنصار‏:'‏ أنا يا رسول الله‏,‏ فقال له‏:'‏ ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي أملكك الله إياها؟‏!‏ فإنه شكا إلي انك تجيعه وتؤذيه‏'.‏ ويضيف‏:‏ البعض يتهاون بضرب وجوه الدواب وكي وجوهها من أجل تمييزها ورسولنا الكريم يعطي للعالم أجمع درسا في الرفق بالحيوان‏..‏ فجعل لعنة الله علي من يقوم بكي وجه الحيوان‏..‏ فالوجه مجمع المحاسن حتي في الحيوان‏..‏ فقد روي أن النبي صلي الله عليه وسلم‏:(‏ مر عليه حمار قد وسم في وجهه فقال‏:‏ لعن الله الذي وسمه‏).‏
ولقد كان رسول صلي الله عليه وسلم رحيما بالحيوان حتي ساعة الذبح التي لابد منها فهكذا خلقها الله تعالي‏..‏ فقال صلي الله عليه وسلم‏:(‏ إن الله كتب الإحسان علي كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته‏)..‏ هذه رحمته بالحيوان‏..‏ فكيف تكون رحمته بالإنسان؟‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.