مصر ليست بحاجة إلى مزيد من المشاكل والقلاقل.. فهى تواجه قضايا صعبة وخطيرة داخلياً وخارجياً.. ويجب على العقلاء من أبنائها أن يراعوا أن هذا ليس وقت اللعب بالنار فالبعض يلعب بالنار لمصالح شخصية مقيتة..والبعض الآخر يلعب به وفق أجندة خارجية.. وآخرون ينهمكون فى ذات اللعبة الخطيرة فى إطار حسابات معقدة.. ولا يدرك الجميع أن مصر وهى الهدف الأول والأساسى وأن مصر هى «الجائزة الكبرى» التى ينتظرها الكثيرون.. أعداءً.. وأصدقاء.. للأسف الشديد! والأهم من ذلك أن نتائج هذا الألاعيب المدمرة قد تطال أصابع من يمارسونها.. ولن تكون مصر - لا قدر الله - هى الضحية وحدها.. بل هؤلاء المتلاعبين بمصائر واقدار الأمم والشعوب. اللعبة الأولى برزت فى مباراة لكرة اليد بين الأهلى والزمالك.. فى ملعب الأهلى بالجزيرة. وبغض النظر عن الأخطاء التنظيمية والأسباب التى سبقت هذه المواجهات الخطيرة والملابسات التى سبقت تلك الأحداث.. فإن الواقعة ذاتها بكافة أبعادها وتفاصيلها.. تدعونا إلى وقفة عاقلة ومتعمقة.. ندرك خفاياها ومراميها ودلالاتها.. فما حدث قبل أيام فى النادى الأهلى من اعتداء بعض جماهير الزمالك لم يكن سوى القشة التى قصمت ظهر البعير. فقد سبقت واقعة كرة اليد.. أحداث أخرى مشابهة وذات دلالة عميقة.. تجاهلها الإعلام المتحيز للأسف الشديد.. ولم يعالجها المسئولون والحكماء والعقلاء بالسرعة الكافية والشدة الحاسمة.. تركوا الأحداث والتجاوزات حتى نالت واحداً من أهم صروح مصر (النادى الأهلى) ونذكر هنا على سبيل المثال ما حدث فى المباراة الودية بين الأهلى وكفر الشيخ فى ملعب مختار التتش.. يومها حدثت مواجهات دامية بين الشرطة والجماهير (التراس أهلاوى).. رغم أن المباراة لم تشهد سوى جمهور الأهلى ولكن هذه الجماهير الغاضبة.. أطاحت بالأمن داخل النادى الكبير.. وعاثت فيه تكسيراً.. وأطلقت الصواريخ والشماريخ والألعاب النارية بكثافة مذهلة.. حولت ليل المباراة نهاراً دامياً. وهنا يجب أن نتذكر أن قوات الأمن ضبطت خلال مباراتين فقط مئات الآلاف من هذه الصواريخ والشماريخ والألعاب النارية الخطيرة، مئات الآلاف من الصواريخ يتم ضبطها مع الجمهور خلال مباراتين فقط؟ لماذا؟ ومن أين جاءت؟ ولماذا هذا التسليح الكثيف؟ هل هى حرب كروية أم هو تعبير عن الكبت والأزمات الأخرى الدفينة داخل النفوس حتى تأتى مجرد مباراة فتنفلت الجماهير المكبوتة من أزمات أخرى لتطلق حمم غضبها؟ ونحن نتساءل: لماذا يتم السماح بدخول هذه الألعاب النارية إلى البلاد؟ ولمصلحة من؟ ونحن نعلم جميعاً.. تحديداً أن مصدرها الأساسى هو الصين.. لماذا لا يتم تفعيل القوانين القائمة وفرض عقوبات رادعة عن المتاجرين بهذه البضاعة الخطيرة؟ ومن هم الذين يسهلون دخول هذه الصواريخ والشماريخ والألعاب النارية الغالية إلى داخل البلاد؟ من المؤكد أن هناك أطرافاً وتجاراً تخصصوا فى هذه البضاعة القاتلة والمدمرة. هؤلاء التجار والمهربون يجب أن تتم مطاردتهم وتوقيع أشد العقوبات عليهم، ويجب ألا نسمح لأى طرف أو جهة بدعم ترويج وبيع هذه الألعاب.. مهما كانت المبررات والإغراءات.. فضحاياهم أغلى ما نملك هم أبناؤنا وفلذات أكبادنا. أيضاً فإن روابط المشجعين (الألتراس) تقوم بدور خطير يشيع روح التعصب والعداء والكراهية بين جماهير الأندية.. وينتج عن هذا ما شهدناه فى مباراة كرة اليد.. وغيرها من المناسبات الرياضية.. وحتى المباريات الودية التى لا يوجد فيها سوى جمهور نادٍ واحد. وللأسف الشديد أيضاً.. فإن الإعلام المتحيز وشبكة الإنترنت تحديداً تمثل وسائل لإذكاء هذه الروح العدائية المقيتة بين أبناء الوطن الواحد. ولا يدرك هؤلاء الإعلاميون والشباب الذى يدير أغلب مواقع الإنترنت أنهم يرتكبون أكبر جريمة فى حق الوطن.. أنهم يدمرون أغلب قيمنا ومبادئنا ويهددون وحدتنا واستقرار وطننا.. يضيعون وقت الشباب وجهدهم وإبداعاتهم وطاقاتهم فى أسوأ أشكال التعصب والحقد والكراهية. واتحاد الكرة وكافة المسئولين عن الرياضة والشباب يتحملون أيضاً مسئولية كبرى.. فهم الآباء والمعلمون والموجهون لهذا الجيل الشاب.. وتقع عليهم مسئوليات جسام فى تلجيم هذا الانفلات الإعلامى والسلوكى والاخلاقى، بل وهذا التجاوز الأمنى الخطير. وقد ترددت الأنباء عن النية فى تفكيك هذه الروابط المتعصبة والمنفلتة وقد يكون هذا قراراً محموداً فى ظاهرة ولكن العلاج لا يأتى بالحل والإلغاء فلو حدث هذا لن نستطيع أن ندير حواراً معهم. بل يجب أن تستمع إليهم وتناقشهم ونوجههم إلى الأسلوب الأمثل فى التشجيع والتعامل مع الروابط الأخرى.. ثم تنظم لقاءات مشتركة بين هذه الروابط وكافة أجهزة الدولة حتى نصل إلى صيغة مثلى لمعالجة هذه التجاوزات قبل أن تستفحل وتتحول إلى ظاهرة واسعة ومدمرة. وفى إطار الأزمات التى تهدد استقرار الوطن شهدنا أزمة المحامين والقضاء وكلاهما يمثلان جناحى العدالة ولا يستطيع الوطن أو المواطن الاستغناء عن أى طرف منهما.. وإذا كانت هناك تجاوزات من أى طرف فيجب ألا نعطيها أكبر من حجمها وألا تطغى حسابات معينة على الأزمة. هنا ندعو كافة العقلاء والحكماء من القضاة والمحامين إلى لقاء موسع يرعاه طرف ثالث.. طرف ذو ثقل ويحظى بمكانة واحترام وتقدير الطرفين الأساسيين.. وليجتمع الكل تحت مظلة الوطن والحرص على أمنه واستقراره وسلامته.. فهذا هو البنيان الراسخ الذى يجمعنا والذى يجب أن نحافظ عليه جميعاً.. ولا نسمح لأحد بأن يتسبب فى الماس به أو إضراره. النموذج الثالث للأزمات التى نشهدها هو ما حدث على خلفية تصريحات الانبا بيشوى والتى تجاوز فيها بتصريحات غير مسئولة وغير دقيقة، ورغم أن الأزمة قد انطوت باعتذار البابا شنودة إلا أننا يجب أن نخرج منها ببعض الدروس: أولها ألا نصدر أية تصريحات أو تلميحات من أى جهة تضر أبناء الوطن الواحد.. وأن يكون هناك متحدث رسمى واحد يعبر عن الكنيسة القبطية والأزهر الشريف.. والمفروض فى الانبا بيشوى أنه رجل مسئول.. بل ومسئول كبير داخل الكنيسة القبطية.. وهو الرجل الثانى داخلها.. كان يجب أن يزن كلامه بمنتهى الدقة ويدرك آثاره وأبعاده فالقرآن الكريم كتاب سماوى مقدس.. نزل به الروح القدس.. لم ولن يتغير بمشيئة الله (إنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون) صدق الله العظيم.أما تصريحه الآخر عن «الضيوف» فليعلم الانبا بيشوى أننا جميعاً ضيوف على أرض الوطن الواحد.. نعيش فوق ترابه وتظلنا سماؤه.. ولو حدث مكروه أو عدوان على مصر - لا قدر الله- فنحن جميعاً - مسيحيين ومسلمين - سوف نهب للدفاع عنها، ونذكر فقط أن الإسلام عندما دخل إلى مصر هو الذى أنقذ الأقباط من بطش الرومان.. والمهم أن ندرك جميعاً أن مصر تقع فى قلب العاصفة.. وهى محور أحداث ومنطقة الشرق الأوسط كلها.. شئنا أما أبينا.. يجب أن ندرك أننا مستهدفون من أطراف كثيرة.. داخلية وخارجية.. لذا يجب أن نرتفع إلى مستوى المخاطر المحطية بنا.. وأن ندرك حجم المؤامرات التى تدبر ضدنا فى الخفاء. هذه بعض نماذج الأزمات التى نعيشها والتى تفرض علينا أن نفتح حواراً وطنياً موسعاً فى ظل الانتخابات البرلمانية التى نتابع مشاهدها الساخنة ونسمع طبولها القارعة.. نريد أن تشارك فى هذا الحوار كل الأحزاب والقوى السياسية من أجل الوصول إلى عقد اجتماعى جديد يتضمن اسس التعايش السلمى بين أبناء الوطن الواحد ومن خلال هذه الحوار الوطنى الموسع نحدد الخطوط الحمراء التى يجب أن نلتزم بها جميعاً.. فالأديان والمقدسات خط أحمر.. وأمن مصر خط أحمر .. والتخريب والإرهاب بكل أشكاله مرفوض.. وإذا تعدى فرد أو حزب أو أية قوة سياسية هذه الثوابت فلا نتردد فى ردعه ومحاكمته.. حرصاً على كيان أرض الكنانة ومستقبل أجيالها.