الي هذا الحد وكفي .. فالمجتمع المصري ما عاد يتحمل مثل هذه المهاترات، خطوة واحدة في اتجاه التصعيد الفوضوي قد تدخل البلاد في نفق مظلم، إنني أتابع بقلق بالغ ما يدور علي الساحة بين القضاة والمحامين، تحول القلق الي ألم في الصدر وغصة في الحلق. كنت علي يقين أن عقلاء الأمة قادرون علي ضبط إيقاع الأحداث بطريقة تقي البلاد شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، لكن أزمة القضاة والمحامين تصاعدت بشكل مثير وغريب وغير مبرر بيد أن الجميع قد أخطأوا وهم يتناولون تلك الأزمة المفتعلة. أولا لابد أن نتفق أن القضية مهما كانت تفاصيلها مزعجة فإنها تبقي في إطار القضايا الفردية، محام مصري اختلف مع وكيل نيابة مصري وتطور الخلاف الي تطاول أحدهما علي الآخر، وقائع تحدث يوميا في العديد من المصالح والهيئات الحكومية وغير الحكومية والقانون هو الحكم بين الخصوم في كل الأحوال، فمصر الوطن والمجتمع والتاريخ والحضارة دولة مؤسسات لا مجموعة من الغابات، والسؤال والتساؤل الذي يطرح نفسه بقوة لمصلحة من؟ ما يحدث علي الساحة لمصلحة من؟ إننا نعيش لحظات إعمال العقل فيها شيء من الجنون! هل يصدق عاقل أن حصن العدالة في مصر المحروسة يمكن ان يهتز بسبب هذه المهاترات الرخيصة التي يمكن أن تأتي علي الأخضر واليابس لكنني أسفت كل الأسف عندما استمعت الي سيل الأحاديث والمقابلات والحوارات التي دارت علي مدار الأيام القليلة الماضية لكن أشد ما أحزنني وأحبطني هو ذلك الشعور الفئوي المتنامي داخل المجتمع المصري فالسيد نقيب محامي مصر يصرح أن كرامة المحامين خط أحمر والمستشار الزند رئيس نادي القضاة يؤكد أن هيبة القضاة خط أحمر كذلك ونحن جميعا نتفق مع الرجلين الكبيرين علي تلك الخطوط الحمراء. لكن أين الخطوط الحمراء لمصالح المجتمع المصري؟ اليس إضراب المحامين تعطيلاً لمصالح هذا المجتمع؟ إنني أوجه اتهاما مباشرا لجميع وسائل الإعلام التي لا هم لها الا التسخين وسكب البنزين علي النار، إن وسائل الإعلام تحولت الي عبء علي المجتمع المصري بما ترتكبه من خروقات مهنية وسقطات أخلاقية، فوسائل الإعلام المصرية لا تعمل من خلال أجندة واضحة الأهداف، هي تعمل بالقطعة إما لكسب مزيد من القراء أو الإعلانات أو غير ذلك من مصالح، وبالطبع فوسائل الجذب معلومة ولها قواعد منها ما يعتمد علي الجنس ومنها ما يعتمد علي الابتزاز والتشهير ومنها ما يعتمد علي إثارة الرأي العام والشارع. إن وسائل الإعلام تقوم بدور خطير علي المستوي المجتمعي، فالنظرة السوداوية القاتمة التي تعمقها وسائل الإعلام ستؤدي الي إحباط الجماهير، والقضايا المنتقاة ليست هي القضايا الأولي بالإثارة والاهتمام، هذا دور الإعلام فأين دور عقلاء الأمة ؟ إن دور عقلاء هذه الأمة هو الدور الأخطر والأهم خلال هذه الفترة الحرجة، إنني أتساءل أين القامات والهامات المحترمة في وسط العدالة؟ لماذا تباطؤوا في مواجهة الحدث والتعامل معه بالسرعة الكافية واللازمة والتي كان يمكن أن تجنبنا الكثير من المخاطر والمشاكل والأزمات، إن عملا ما كان من المفترض أن يقوم به العقلاء.. كل العقلاء لوجهوا دفة الأحداث الي مسارها الهادئ العادل الذي يترك أكبر الآثار إيجابة علي المجتمع المصري، إننا بحاجة ماسة إلي ما يسمي " كود أخلاقي " جديد أو " «مدونة سلوك » جديدة هذه المدونة وهذا السلوك، هما الضمانة الحقيقية لتطوير وتحديث المنظومة المجتمعية في مصر.