قرأت النسخة الورقية المتميزة من جريدة اليوم السابع ليوم الثلاثاء الماضى، 12 يناير، وكانت فيها تغطية فوق المتميزة لأحداث نجع حمادى سواء أكانت بمقال للأستاذ خالد صلاح أو التحقيق الذى كتبه الأستاذ دندراوى الهوارى وغيرهم. التغطية أثبتت لى ما كنت أسمع همسات حوله طيلة الأيام الماضية من وجود أصابع استغلت سلطتها للتحريض على تلك الجريمة الشنعاء التى هزت كيان الأمة المصرية وجعلت الكثيرين يخافون حول مستقبل هذا الوطن، أكثر مما شعروا من أى أزمة عبرت خلالها البلاد منذ 2005، وهو العام الفاصل لبدء الحراك السياسى الكبير نحو الديمقراطية، فى مصر. واكتشفت أيضاً أن الفتن التى تحدث، فى أغلبها، إن لم تكن كلها، وكما كنت أتصور دون أدلة دامغة، مفتعلة، وذات أسباب أُخرى تماماً. وقرأت الكثير والكثير حول محافظ قنا، اللواء مجدى أيوب، المسيحى الذى حاول أن يثبت بشتى الوسائل أنه لن يجامل المسيحيين فى قنا، وفى النهاية، لم يرض لا المسيحيين ولا المسلمين عنه!! وقرأت عن الأنبا كيرولوس وخلافه مع السيد عبد الرحيم الغول، النائب عن تلك المنطقة، وكيف أن خلاف الاثنين، دفع ثمنه أهالى نجع حمادى! إننا نتكلم هنا عن "دولة" داخل الدولة وقضايا فساد كبيرة للغاية، أعتقد بكونها أكبر من أغلب قضايا الفساد التى مرت بها البلاد منذ زمن، لأن نتاجها هو اللعب بالدين لإشعال الفتن بين المسلمين والمسيحيين، والمصيبة الكُبرى أن هذا الاستغلال للدين يجىء هذه المرة، من واحد ممن أسماهم الدكتور عمرو الشوبكى "بإخوان الحزب الوطنى" فى مقاله بالمصرى اليوم ليوم 19 مارس الماضى ممثلاً فى السيد النائب عبد الرحيم الغول، "المتأسلم" الكبير وفقا لكل ما هو منشور عنه من رفع الشعارات الإسلامية فى الانتخابات، من أجل كسب أصوات المسلمين، فى ضرب واضح لكل صور الوحدة الوطنية فى محافظة قنا. وهو بذلك يحطم وبوضوح كل ما يؤكد عليه الحزب الوطنى من مفهوم للمواطنة. ومما كُتب عنه فى مختلف المواقع أيضاً أنه "مسنود" من النائب أحمد عز، رجل الحزب الوطنى القوى. إن سيادة النائب، عبد الرحيم الغول، يُقحم الدين فى الانتخابات وهو أمر فعله سنة 2005 وهو ما يظهر أنه سيفعله فى هذا العام، وقد اقتربت الانتخابات! وفى هذا الصدد فإن حمام الكمونى، المسجل خطر، وأحد المتهمين فى جريمة نجع حمادى البشعة، يُعتبر أحد بلطجية عبد الرحيم الغول وذراعه اليمنى فى أحداث الشغب التى يقوم بها النائب فى مدينة نجع حمادى لمصالح الشخصية. وكلما قام الكمونى بعمل خارج إطار القانون وسُجن يُخرجه الغول من السجن. وإزاء كل تلك الأخبار المنشورة فى مواقع كثيرة موثقة، يجب رفع الحصانة عن السيد النائب عبد الرحيم الغول والتحقيق معه فيما نُسب إليه، لأن ما يُقال جداً خطير، ويوشى بأن يتم تحويل مصر إلى لبنان جديدة، لأن أعظم النار من مستصغر الشرر! والفتنة تبدأ صغيرة وتنمو ثم تنفجر! إن الذى قرأ وشاهد الأخبار المختلفة حول تلك الجريمة وما أعقبها قد شاهد أيضاً الأنبا كيرولوس، أسقف نجع حمادى وهو يقف مع مدير أمن المدينة الذى كان يلقى على السكان "محاضرة" غاية فى الدلالة، مفادها، أن على الناس الاعتراض من داخل المؤسسة الدينية، فلما اعترض الواقفون من مسيحيين، نهرهم الأنبا كيرولوس، وقال لهم، "مش عايز قلة أدب"!! وأنا كمواطن مصرى، أرى أن الأنبا كيرولوس مع كل الاحترام له كرجل كنسى ليس له أدنى حق فى توجيه مثل تلك الكلمات للمواطنين المصريين، أياً كان دينهم. فهم لا يتبعونه ولكنهم يتبعون الدولة المصرية، وجريمة نجع حمادى ليست قضية دينية كما يريد مدير أمن المدينة تصويرها، ولكنها قضية وطن! نعم! إنها قضية مصر، وهى قضية مواطنة بجدارة، وليست قضية كنيسة أو قضية "العنصرين" التى "فلقنا" بها الإعلام المصرى! فنحن لسنا عنصرين! نحن عنصر واحد فقط، هو المصريين!! إلا لو كان من يلقى علينا محاضرة "العنصريين" هذا، يتصور أن مصر "دور عبادة" كبير! فإن كان الأنبا كيرولوس يقول للمقربين له، إنه البابا القادم فى مصر، فهو حر، وهو أمر خاص بالكنيسة، ولكنه ليس له أدنى سلطة على أى شخص فى أى مكان فى مصر، وإنما السلطة للمواطنة التى يحكمها القانون الذى لا يُفرق بين المصريين جميعاً! وقد شاهدت وسمعت خلال الأيام الماضية السيد مايكل منير الذى يرأس منظمة تُدعى "أقباط الولاياتالمتحدةالأمريكية"، ولا أعرف ما دخله فى شأن أقباط مصر، إن كانت المنظمة التى يرأسها هى خاصة بأقباط الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ إن هؤلاء الذين يتدخلون فى الشأن المصرى بأجندات دينية من الخارج ليشكلون جزءا خطيرا من المشكلة برمتها! وكمواطن مصرى، أرفض تدخل كائناً من كان، من خارج القُطر المصرى فى شئون بلادى. فنحن المصريون الأولى فى الدفاع عن أبناء جلدتنا نحن المصريون، بأى دين، يجب أن ندافع عن بعضنا البعض، وليدافع السيد مايكل منير عن الأقباط بالولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن ليس له أدنى حق فى التحدث معنا هنا فى بلادنا عن مواطنين، هم إخواننا فى الوطن! فشريف ومحمد وعلى وجرجس وهانى مصريون وأخوة ويمكنهم الدفاع عن بعضهم البعض عن طريق القانون فى ظل مساواة وعدل تستلزمها المواطنة! وفى هذا الصدد هناك شخص يُدعى موريس صادق أيضاً يسب المسلمين ويقول عنهم كلام، تأففت كثيراً من قراءته ويقول بأشياء لا تحدث فى مصر من اصطياد كل مسلم لكل مسيحى، وما شابه من غباء. وهو من أقباط المهجر، وأتمنى أن يمنعه النظام المصرى، من دخول مصر، لأنه شخص يمكنه أن يثير الفتن ولن يؤدى كلامه أبداً إلى أى حلول! إنه النموذج اليمينى المتطرف مُقارنةً بمايكل منير! لقد بنى الكثيرون جداراً وهمياً من الفتنة وارتضينا به على أساس أن الأمر مبنى على الدين والجهل، ولم نكن لنتعمق فى الأمر كى نعرف أنه خاص بمواضيع هى أبعد ما يكون عن الدين، مثل الثأر أو العصبية والقبلية، بل ونزاعات حول أراض ووضع يد وفى أحيان كثيرة من جراء إشاعات، مُغرضة للكيد! لقد رأينا طيلة سنوات طويلة إن الحديث عن الفتنة "خطاً أحمر" ولا يجب التدخل فيه، إن كنا مسلمين، وهذا أوجد جزءا كبيرا من المُشكلة! إن الأمر ليس "خطاً أحمر"، إلا لو أردنا استمرار الأوضاع على ما هى عليه! لقد أُقحم الدين فى مواضيع الفتن الطائفية، رغم أن ما نتحدث عنه، فيه إستغلال مريع للدين والسلطة وتكوين مراكز قوى جديدة على هذا الأساس، وهى كلها أمور ليس لها أدنى علاقة بالدين! لقد بدأ البعض، يلعب لعبة إستغلال الدين لتحقيق مكاسب، كما يظهر فى أغلب حوادث الفتنة. لقد أصبح الدين يُستغل من قبل قطاعات كبيرة فى مصر، وكنتيجة لهذا، أصبح الكثيرون يدفعون الثمن كما حدث ليلة 6 يناير الماضى!! ولا يُمكن أن يستمر الحال هكذا فلا يمكن أن نسمح "بلبننة" مصر ويجب التأكيد على مبدأ المواطنة فى كل شىء، وأن تُزال المادة الثانية للدستور، لأننا بتلك المادة إنما نُؤكد على تلك التفرقة بكل ما أوتينا من قوة. ولم أعرف بلد فى التاريخ، "عبدت" نص، بمثل ما نفعل نحن اليوم، فى عبادة هذا الدستور "المهلهل"! فهل الدستور أعلى مقاماً من القرآن والإنجيل؟!! إن الإيمان محله القلب والمواطنة محلها الفعل اليومى لكل مواطنى مصر، بغض النظر عن أى شىء، يمكن أن يفرقهم وعلى أساس العدل والمساواة فى التعامل والحب والتقارب والتوحد! ولقد عاشت مصر سنوات طوال تحت دساتير لم يوجد بها مثل تلك المادة من الدستور الحالى، وكانت مصر معتدلة الدين، فما الذى يُضيرنا اليوم من إلغاء تلك المادة؟ وللسخرية، فان الأغلبية أصبحت تُدرك اليوم، أن الدين يُستغل من الكثيرين، بمثل ما تُستغل تلك المادة، ويعتمد عليها البعض، مثل الإخوان المسلمين الذين يرفضون الدولة ككل، كما قال مُرشدهم مهدى عاكف، عندما أعلنها عالية وقال "طز فى مصر"! فهل يحاربون اليوم من أجل الدستور؟؟؟ إن الحل حتى لا تتكرر مآساة جريمة نجع حمادى أو حتى نعرف كيف نواجه جرائم مستقبلية مُشابهة، لا قدر الله، هو إرساء قيمة المواطنة بمنع استغلال الدين ورموزه فى الانتخابات والدعاية وإشعال الفتن! الحل فى إعلاء الهوية المصرية فوق كل شىء، على أرض الوطن، لأن تلك الهوية هى التى تجمع كل المصريين على اختلافاتهم! الحل أن نتعامل مع قضايا مثل قضية فرشوط أو نجع حمادى على أساس كونها قضايا وطنية وليست قضايا دينية! الحل فى أن نُعلى من قيمة الإنسان المصرى دون تمييز على أى أساس. الحل هو أن نُرسى دعائم المساواة وسيادة القانون والحب بين المصريين جميعاً وأن نُخلص العمل دون استغلال لأى رمز، من أجل تحقيق مصالح شخصية ولكم عامة فى خدمة مصر! الحل هو المواطنة ومصر أولاً أستاذ علوم سياسية.