لم تكن نتيجة الاستفتاء الأخير فى تركيا مجرد حدث عادى، بل كانت بمثابة محطة فاصلة فى تاريخ الجمهورية التركية، وما يتعلق بمستقبل الوضع السياسى لهذا البلد. وكان نحو 58% من الناخبين الأتراك وافقوا على مجموعة تعديلات دستورية طرحتها حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة رجب طيب أردوغان، وتبناها البرلمان التركى فى السابع من مايو الماضى، وصادق عليها الرئيس التركى عبد الله جول، ثم أقر المجلس الأعلى للانتخابات بالإجماع عرضها على الاستفتاء العام، وتقول الحكومة إن البلاد بحاجة إلى تطبيق هذه التعديلات من أجل تعزيز الديمقراطية، وتعزيز فرص أنقرة فى الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبى، وشملت التعديلات 26 بندا تتضمن الحد من صلاحيات الجيش، والسماح بمحاكمة العسكريين أمام المحاكم المدنية، وقصر المحاكمات العسكرية على الجرائم التى تتصل بالمهام والمسئوليات العسكرية، فضلا عن الحد من صلاحيات السلطة القضائية، والتى طالما وجهت لها اتهامات من قبل حزب العدالة والتنمية من جراء تدخلها فى شئون السلطتين التشريعية والتنفيذية. وبشكل عام فإن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية أبرزت مجموعة من الحقائق والدلائل والنتائج، أهمها أن تلك النتيجة تمهد الطريق أمام فوز جديد لحزب العدالة والتنمية فى الانتخابات التشريعية التى ستجرى فى يوليو المقبل، وهو ما أجمعت عليه الصحف ووكالات الأنباء العالمية، فقالت وكالة رويترز أن نتيجة الاستفتاء أظهرت أن الدعم الشعبى لحزب العدالة والتنمية مازال كبيرا قبل الانتخابات العامة، ورأت صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية أن نتائج الاستفتاء تعد نصرا للحكومة التركية، وتعزيزا لثقة الشعب برئيس الحكومة، كما أنها عززت احتمال فوز حزب العدالة والتنمية فى الانتخابات المقرر اجراؤها فى يوليو 2011، من جانبها قالت صحيفة « وول ستريت جورنال» الأمريكية إن نتائج الاستفتاء مؤشر قوى على احتمال انفراد حزب العدالة والتنمية بالسلطة مرة ثالثة بدون شريك إئتلافى بعد الانتخابات التشريعية، وأكدت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية نفس المعنى بقولها إن أردوغان سجل فوزا كبيرا سيعينه فى الانتخابات التشريعية. كشفت نتيجة الاستفتاء أيضا عن بداية ضعف السلطة العسكرية التى تحكمت فى البلاد نحو 9 عقود مستمرة، لتنهى هذه التعديلات حقبة الخوف والقلق من الانقلابات العسكرية التى اشتهرت بها تركيا منذ النصف الثانى من القرن الماضى، والتى كانت تتوج بانقلاب عسكرى مع بداية كل عقد، أوله كان فى عام 1960، ومن ثم 1970، وبعده 1980، وآخره «الانقلاب الأبيض» الذى قاده العسكر عندما أجبروا رئيس الوزراء الأسبق «نجم الدين أربكان» على التنازل عن السلطة عام 1996 دون أن يضطر العسكر إلى النزول للشارع كما حدث فى المرات الثلاث السابقة، حيث ستفتح هذه التعديلات الطريق أمام محاكمة العسكريين المتهمين بقضايا جنائية أمام المحاكم المدنية وليس العسكرية كما كان فى السابق، كما أنها ستسمح بمحاكمة انقلابيى عام 1980، وهو ما حدث بالفعل بعد يوم واحد من إعلان نتيجة الاستفتاء، إذ أطلقت مجموعة من السياسيين والكتاب الأتراك دعوى قضائية ضد قادة الانقلاب العسكرى عام 1980. الحقيقة الثالثة التى أبرزتها نتيجة الانتخابات هى فتح المجال أمام السلطة التشريعية للتدخل فى السلطة القضائية التى كان العلمانيون يسيطرون على كل تفاصيلها الرئيسية وبدعم مباشر من الجيش. وتعزز التعديلات الدستورية أيضا من فرص تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما تعكسه التصريحات الايجابية التى صدرت من دول الاتحاد الأوروبى بشأن نتيجة الاستفتاء، معتبرين أنه خطوة فى الاتجاه الصحيح نحو انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى.