إذا كان الرئيس الامريكى الأسبق «جيمى كارتر» هو احد الرؤساء الامريكيين القلائل الذين لم يستطيعوا الحصول على فترة رئاسة ثانية حصل عليها رؤساء أقل منه كفاءة تربعوا على عرش البيت الأبيض لثمان سنوات كاملة فإن التاريخ الامريكى والانسانى لن ينسى لكارتر خدماته الجليلة التى قدمها لبلاده وللعالم حتى بعد خروجه من منصبه كرئيس لأكبر وأقوى دولة فى العالم.. كارتر (84 عاماً) الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2002 لدوره الحيوى فى حل النزاعات الدولية نجح الاسبوع الماضى وفى مهمة مكوكية سريعة فى الإفراج عن سجين امريكى يدعى «ايجالون ماهلى جوميز» كان محكوماً عليه فى كوريا الشمالية بالاشغال الشاقة لمدة 8 سنوات لاجتيازه الحدود بطريقة غير شرعية نازعاً بذلك فتيل ازمة حامية الوطيس بين بيونج يانج وواشنطن.. ولم تكن مهمة كارتر سهلة على الإطلاق خاصة انه كانت هناك محاولة سابقة لإطلاق سراح جوميز الذى امضى فى سجون كوريا الشمالية 8 أشهر كاملة ولكنها باءت بالفشل وسط اصرار سلطات بيونج يانج على ان يقضى المدرس وناشط حقوق الانسان الامريكى عقوبته كاملة الا ان تدخل كارتر جاء فى الوقت المناسب ليحل المشكلة خاصة مع السمعة الطيبة والمكانة الرفيعة التى يتمتع بها الرئيس السابق فى كافة انحاء العالم.. عموماً لم يكن إنقاذ جوميز هو النجاح الوحيد الذى حققه كارتر خلال رحلته إلى بيونج يانج حيث نجح ايضاً فى الحصول على تأكيد من «كيم يونج نام» الرجل الثانى فى نظام كوريا الشمالية بالتزام بلاده بنزع السلاح النووى من شبه الجزيرة الكورية وعلى حرصها على استئناف المحادثات السداسية التى تضم الكوريتين ومعهما روسيا وامريكا واليابان وبكين والمتوقفة منذ أكثر من عام بسبب الخلاف بين بيونج يانج وواشنطن على آلية مراقبة النشاط النووى للأولى وبسبب التجارب الصاروخية الكورية الشمالية التى أقلقت الغرب بشدة وفى مقدمته واشنطن خصوصاً مع نجاح بيونج يانج فى اطلاق صواريخ يمكنها أن تصل إلى الساحل الغربى الأمريكى. وكعادة كوريا الشمالية فى اصدار إشارات متضاربة للغرب وفى نفس الوقت الذى كان فيه الرجل الثانى فى نظام بيونج يانج يؤكد لكارتر حرص بلاده على استئناف المحادثات السداسية كان سفير بلاده فى كوبا «كون سونج شول» يهدد بحرب نووية مقدسة إذا حاولت واشنطن وكوريا الجنوبية إثارة صراع فى شبه الجزيرة الكورية وهو ما اعتبره كثير من المراقبين بمثابة انذار كورى شمالى لواشنطن وسول خاصة مع قرب مناورتهما الثانية خلال أقل من شهرين والتى لم تقلق بيونج يانج فقط ولكن ايضاً التنين الصينى ومع ذلك يمكن التأكيد على ان بيونج يانج تنحو نحو التهدئة خاصة مع ازمتها الاقتصادية الطاحنة التى وصلت بالاقتصاد الشمالى إلى الانهيار الفعلى وهى تريد وبشدة استئناف المحادثات السداسية لعل وعسى تحصل على معونات ومزايا اقتصادية مقابل التخلى عن برنامجها النووى ولعل هذا هو سبب زيارة زعيم كوريا الشمالية «كيم يونج ايل» لبكين والتى سعى خلالها إلى الحصول على دعم الجارة الصينية لتحسين وضع اقتصاد بلاده المنهار خاصة ان بكين تعتبر الداعم الأكبر والوحيد لبيونج يانج.. والواقع ان الوضع الاقتصادى السئ لبيونج يانج ساعد كثيراً فى الإفراج عن جوميز خاصة مع حالته الصحية السيئة واعلان السلطات الكورية الشمالية قبل شهر انه حاول الانتحار فى محبسه وهو ما أدى إلى نقله إلى أحد مستشفيات العاصمة وزيارة وفد من واشنطن له ولكن هذا الوفد فشل فى اقناع سلطات بيونج يانج بالافراج عنه مما دعى لتدخل كارتر وهو ما كانت تريده كوريا الشمالية بشدة حتى تستطيع الحصول على مقابل الافراج عن جوميز ولا يوجد أفضل من استئناف المحادثات السداسية كثمن تسعى إليه بيونج يانج ولا يوجد أيضاً أفضل من كارتر للقيام بهذه المهمة خاصة انها لم تكن المرة الأولى التى ينجح فيها الأخير فى نزع فتيل الأزمة بين الدولتين فقد فعلها سابقاً فى عام 1994 عقب التوتر الذى صاحب أكتشاف برنامج بيونج يانج النووى لأول مرة وقد نجحت وقتها زيارة مماثلة لكارتر فى تهدئة الوضع ونزع فتيل حرب كانت على الابواب بين واشنطن وبيونج يانج.