يصف الكاتب رواية «تل الذنوب» بأنها «ختام القهر والحرمان رواية مخلوقة من ألم». تبدو الرواية لوحات لحياة هذا الفضاء الريفي ويوميات أهله ومعتقداتهم وقيمهم… كتابة لفضاء ريف الحسكة السورية ومشاغله الاجتماعية، وهي كتابة لصراع الفلاحين والريفيين مع الحياة وآفاتها. هي كتابة للحياة البسيطة وللبسطاء. كتابة للحياة بعيدا عن المركز في مواجهة الفقر والحرمان والمرض وصعوبة الترحال… فنقرأ عن الطفولة التعيسة: «كانت لعبة حاح موت لعبتهم المفضلة، لم تكن سيمياء الفقر تزودهم سوى بعود قطن يابس شارد عن كوم الحطب». ونقرأ عن الموظف العسكري وهو يعاني الفقر ويعيش على الدَين ويتدبر سلفة كي يتمكن من العودة من دمشق إلى صغاره، وغير ذلك من حكايات البؤس والمعاناة فالفلاحون يعانون الحرائق وهجمات الذئاب، ويجدون صعوبة في الحفاظ على أرزاقهم، ولكن الكاتب يتجاوز كتابة هذا الحرمان نحو التلويح بنهاية «اليوتوبيا» والبراءة التي عرف بها الفضاء الريفي، فقد انقضت تلك الطيبة ولاح في الفضاء الريفي زمن الدسائس والمؤامرات، فالراعي نوفل يحرق حقوله حتى لا يستفيد منها الآخرون، وابتسام وصديقتها تنبشان القبر لعمل السحر واستهداف الآخرين… تبدو» تل الذنوب» رواية ريف ورواية موت، لكن الموت ليس مجرد لعبة في هذه الرواية فالتفكير فيه ملح إذ هو كامن في العتبات وفي المتن، ففي الإهداء إشارة إلى الجدة التي ماتت غرقا في النهر «إلى أبي الذي غرقت أمه في نهر الخابور وهو ابن خمس سنوات أورثته اليتم، تركته وحيدا» وهو لا يغيب عن عناوين الفصول ونسجل حضوره في أكثر من عنوان داخلي: نبش القبر /نايا اليتيمة/جرف الموت، ولا يكاد فصل من فصول الرواية يخلو من حدث الموت الذي تنوعت أسبابه وأساليبه. هذا الحضور يرتقي بالموت في الرواية إلى سؤال عميق يحتاج نظرا عميقا. لقد أصبح الموت هاجسا متواصلا، ولعل الكاتب يعبر عن هذا بقوله: «في زمن الانتصار على اللحظات الموجعة لم يعد ضروريا أن يدون أحد حكايته مع الموت. أصبح الموت خرافة يصدقها الجميع «ولعل القارئ يحتاج إلى الانتقال من «سيمياء لعبة حاح موت» التي طرحها الكاتب في البداية إلى سيمياء الموت ذاته. هذا الاهتمام بالريف والموت لن يحجب عن القارئ صلتها بالراهن وبالتاريخ، فقد مرت الرواية على الذاكرة العربية واستحضرت في مفتتحها حدثا تاريخيا له دلالاته الرمزية والمعنوية وهو سقوط بغداد… «- يا حسام تعال، شاهد ماذا يحصل في بغداد؟ حسام: ماذا هل أسقط العراقيون أباتشي جديدة؟ ريم: لا…لا.. بل أسقط الأمريكيون بغداد» تبدو في الختام رواية «تل الذنوب» على صلة بالتجربة الروائية العربية في كتابة الريف، ولعلها تلتقي مع النصوص السابقة لها في نقاط عديدة، ويمكن أن نعدها اشتغالا على جماليات الألم، فهي تنسج عوالمها ومناخاتها من هذه الآلام التي تحيط بالإنسان العربي، ومن هذه اليوميات المتعبة، ولعلنا بهذا الاستنتاج نلتقي مع ما طرحه الروائي فادي سهو في عتبات عمله ومع جملته التي ذكرها في الغلاف الأخير: «إن الدموع التي ذرفتها في سرد أحداث الرواية أسخى من الحبر الذي طبعت به».