الرئيس السيسي: سيناء بقعة غالية من أرض مصر المقدسة    سعر الدولار يواصل النزول أمام الجنيه اليوم 25-4-2024    أسعار الخضروات اليوم الخميس25-4-2024 في قنا    هل التوقيت الصيفي يجلب فوائد ملموسة لمصر؟    بث مباشر.. كلمة الرئيس السيسي بمناسبة الذكرى ال 42 لتحرير سيناء    الأوقاف الإسلامية: 700 مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى منذ ساعات الصباح    ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل مباريات اليوم الخميس 25- 4- 2024    حالة الطقس اليوم الخميس25-4-2024 في محافظة قنا    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    قيادي في حماس: إذا قامت دولة فلسطين مستقلة سيتم حل كتائب القسام    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ البنية الفوقية لمحطة الحاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    قطع المياه عن سكان هذه المناطق بالقاهرة لمدة 6 ساعات.. اعرف المواعيد    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    بسبب ماس كهربائي.. نشوب حريق بحوش في سوهاج    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مصنع بالوراق    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    كيفية الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الافتاء توضحها    6 كلمات توقفك عن المعصية فورا .. علي جمعة يوضحها    حكم الحج بدون تصريح بعد أن تخلف من العمرة.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    «الاتحاد الدولي للمستشفيات» يستقبل رئيس هيئة الرعاية الصحية في زيارة لأكبر مستشفيات سويسرا.. صور    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    إزالة 7 حالات بناء مخالف على أرض زراعية بمدينة أرمنت في الأقصر    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    عائشة بن أحمد تتالق في أحدث ظهور عبر إنستجرام    إعلام فلسطيني: شهيد في غارة لجيش الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: لا يوجد ضوء أخضر أمريكي بشأن اجتياح رفح    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    فرج عامر يكشف كواليس «قرصة ودن» لاعبي سموحة قبل مباراة البلدية    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شجرة العابد وتثوير العالم!
نشر في أخبار الأدب يوم 30 - 06 - 2012

أرسل اتحاد الناشرين برقية تهنئة للرئيس الجديد، مزيله بدعوة لمزيد من الحرية والتطور في جميع المجالات. رسالة تعكس حالة القلق التي أصابت المثقفين وأنصار الحرية بمجرد الإعلان عن الرئيس الإخواني (المتوقع).حالة تربص. هذا هو الوضع الآن، يتوقع أنصار الحرية أن نجاح الإخوان يستتبع بالضرورة التضييق علي الحريات. صحيح نحن لم نحصل سوي علي تطمينات، وربما من شخصيات ليست في موقع المسئولية عمليا، وليست ذات صفة، لكن ايماننا بأن الحرية تنتزع ولا تمنح ربما يكون الضمانة الوحيدة. بشكل عام ليس هناك ما يدعو أنصار الحرية للاكتئاب، ولا ما يدعو الإخوان للزهو، بل علي الجميع الاستعداد لمواجهات فكرية واجتماعية آتيه لا ريب. لكنها بالتأكيد ستكون مواجهة مختلفة، سيتعين علينا أن نواجه بعضنا البعض، الفكر بالفكر، والرؤية بالرؤية، والمشروع بالمشروع. ستكون هذه المواجهات حادة ومؤلمة في معظمها، وسيأخذ الأمر وقتا، لكن هذه المواجهات هي الطريقة الوحيدة لتخليصنا جميعا من أشباحنا. لم يكن من العقل ولا المنطق محاولة تهميش الاخوان، معضلة يشبهها المحلل السياسي عز الدين شكري بمسرح تمتلئ قاعته بالإسلاميين في حين يسلط المخرج الديكتاتور البروجيكتور علي البقع الخالية منهم. ونحن جالسون، نسمع صوتهم، ونري جانبا منهم، لكننا نتجاهل الأمر محاولين التركيز علي البقعة التي يضيؤها لنا المخرج. أما هم، فيصبرون علي المخرج وبقية الجمهور، ويعزون أنفسهم بأنهم في ازدياد، وأن اليوم قادم، الذي ستمتلئ فيه القاعة بأنصارهم حتي لا يصير من الممكن تجاهلهم. فجأة، سقط المخرج المضلل، وأضاء الناس القاعة، ففوجئنا بأن أكثر من نصف الجالسين ملتحين ومحجبات ومنتقبات. جاء النور وبعد"الخضة"سيتوجب علينا المواجهة. والثورة مستمرة علي أي حال!
شجرة العابد
وتثوير العالم!
ثمة فضاءات وسيعة تنطلق إليها رواية الكاتب عمار علي حسن (شجرة العابد)، تؤسس عبرها لارتحال قلق في الزمان، والمكان معا، خالقة أفقها الخاص، و منشئة لأسطورتها الذاتية، متكئة في ذلك كله علي إرث عربي خلفته "ألف ليلة و ليلة"، وغيرها، في انفتاح دائم علي أفقي التلقي، والتخييل .
في شجرة العابد ثمة استراتيجيات للحكي، وأبنية سردية متجانسة، ووعي بآليات القول، وكيفياته، تتجلي بدءا من العنوان الدال للرواية، والذي يوظف فيه الكاتب علاقة الإضافة في استخدام لغوي جمالي محدد، وبما يشي بقيمة اللغة في هذا النص الأدبي المترع بشحنات فكرية، وعاطفية دالة، فلا مكان هنا لدال اعتباطي، أو لدلالة مجانية، بل نحن أمام مفردات مسكونة بحس تراثي صوفي إنساني، قادر - و في الآن نفسه - علي التماس مع الراهن، في لحظة قراءته للماضي، ومحاولة استبار جوهره الأصيل، ومن ثم يصبح الاختيار لنقطة الانطلاق الزمني فارقا هنا، وتصبح العودة لنهايات العصر المملوكي لا محض ارتدادا مجانيا لما كان، بل مسوغا لفهم ما هو كائن، ربما تحيل إلي ذلك دلالة الإهداء :( إلي الذين جاءوا من الشوارع الخلفية، من البيوت الخفيضة التي نامت طويلا علي الضيم و الفقر و والصبر .....إلي هؤلاء : صناع الثورة المصرية الحقيقيين ) .
ينطلق الاستهلال الزمني من لحظة مأزومة سياسيا في مشهد الجور المملوكي باستبداده الديني، والسياسي، الذي أصاب الأمة المصرية، والذي جعل باحثا مثل إيميل لودفيج يشير إلي أولئك العبيد الذين تحكموا في الأحرار من الفلاحين المصريين بما يزيد علي الخمسمائة عام، قاصدا حكم الأقوام المجلوبين من بلدان بعيدة لمصر المحروسة، إن أقنعة الماضي هنا ذات جدوي في فهم الحاضر إذن، وما بين الإهداء والاستهلال يكمن تصدير بالغ الدلالة يتفتح فيه النص علي أفق التصوف، فتتعدد مدارات القراءة و التأويل : " كل شوق يسكن باللقاء لا يعول عليه "، غير أن دلالات الإهداء، و التصدير، و الاستهلال، ليست كل شيء في نص يعج بالأسطورة، يخلقها خلقا ذاتيا خاصا، متكئا في ذلك علي إرث عربي تليد، مسطور في ألف ليلة وليلة، بوصفها مركزا للسرد الغرائبي، و في كتب كثيرة غيرها، غير أن للأسطورة هنا منطقها الجمالي الخاص، ومرادها الذي تسعي إليه، أسطورة يتوازي حضورها، مع شخوص تواقين إلي حرية تتجدد، لنصبح - و باختصار - أمام رواية تسكنها العلامات، بدءا من "ابن عربي" الذي يصنع إحالة في الوعي الجمعي إلي الإرث الصوفي بانسانيته، و تساميه، مرورا بالشجرة المباركة /شجرة الأساطير، وفي الرواية شجرة "عاكف" التي أوقعته الأيام في حبائلها، والتي تعود في جذورها البعيدة إلي حكاية غرائبية الطابع، تنفتح بعدها مدارات التخييل، خاصة مع الإشارات الذكية التي يبثها الكاتب، كأن يشير مثلا إلي أن الشجرة تعود في جذورها إلي شجرة أخري بعيدة، قد أمر بقطعها رجل من رجال الخليفة العاضد، ثم يسكت الراوي الرئيسي فلا يزيد حرفا عن هذا الخليفة / الغلام، ليكمل - ومن ثم - القاريء الفراغات، بعدما أضحي شريكا فاعلا في إنتاج الدلالة الأدبية، و لم يعد محض متلقٍ سلبي للنص، لتبدأ مساحات من التخييل السردي حول ذلك الغلام الذي ورث العرش فأضاعه، و ذكاء الإشارة في الاختيار الدال من التاريخ، فقد حكي المقريزي في الاتعاظ، أنه لم يكن في حكمه من شيء يذكر سوي مجئ صلاح الدين الأيوبي مع عمه إلي مصر، و كأن الكاتب معني هنا برصد قيام دول، و انهيار أخري/ ممالك تشرف علي الرحيل، و من ثم بدت الإشارة ذكية إلي الفاطميين، ثم دولة المماليك التي شاع فيها الجور، فكان النضال و كانت المقاومة من قبل "عاكف" الطالب الأزهري المستنير، و التلميذ النجيب للشيخ الأكبر "بهاء الدين القنائي"، و ما بين رفض الاستبداد و مقاومته، ثمة حوادث فردية تتقاطع مع خط القص الرئيسي لتكمل الرؤية السردية، تنبئنا عن تحولات "عاكف"، و لقائه بالجنية الجميلة "نمار"، و ارتحاله معها في الزمان و المكان إلي فضاءات لا نألفها، ثم عودته بعد ثلاثين عاما إلي خص الرجل صاحب الكرامات (الحاج حسين)، و قد صار بديلا له، بعد أن بدأ يعرف طريق التأمل، و كلما بدأ الإيقاع السردي يخفت قليلا، جراء التوصيفات المشهدية المتعددة، رأينا حكاية فرعية مدهشة تتصل بخط القص الرئيسي، و تلتحم معه، أو حضورا لشخصية حافزة، أو محركة تدفع بالحدث السردي الراكد إلي الأمام، مثل : (صفوان الفيومي، حفصة) .
ثمة راوٍ رئيسي main narrator يظهر واضحا في التقديمة الدرامية للرواية، مستهلا الحكي علي لساني الشجرة، و العابد، عبر توظيف آلية المونولوج الداخلي، في حيلة فنية ماكرة، و كلاهما (العابد و الشجرة) يكملان المعني، و يتممان الرؤية السردية، و تبدو جمل من قبيل "أنا الشجرة"، أو "أنا العابد"، بمثابة جمل مركزية يبني عليها المقطع السردي في إطار حال من التوصيفات التي يغرق فيها النص، اعتمادا علي لغة سردية شفيفة لها رائحة تراثية تليق بشجرة عتيقة، و غرائبية ( أنا الشجرة .. يخرج ثمري من رحم زهرة بنفسجية رائق لونها، لها عشرة أجنحة عملاقة، تتجاور فتبدو للغريب سربا من نسور فتية .زهرة وقور كأيام الحداد . مبهجة كساعات الفرح )، والأهم أنها متكئة علي المجازات، كآلية لإنتاج المعني، في رواية تستدعي الروح الأسطوري، خالقة فضاءات تأويلية متعددة، بعضها يتماس مع الموروث، و بعضها خلق ذاتي لمنشئه، فثمة فضاءات تأويلية رحبة عن اليمامة التي حطت، و الليل الذي جن، والأشعة البرتقالية، و النشيد اليومي للشمس، والشجرة التي أصلها يمامة، وقد قررت أن تحمي كل ذات جناحين ضعيفين!!. وتستكمل حكاية النص / الشجرة علي دفعات فلا تأتي علي مرة واحدة، اتكاء علي آلية التداخل الزمني، لتبدو الأزمنة متقاطعة، و متعاضدة في آن، ما بين زمن مرجع (نهايات العصر المملوكي)، وآخر فلكي، وزمان ثالث أسطوري باتت فيه الليلة بسنة، وبدت فيه رحلة عاكف مع نمار إلي أفق أهلها ثلاثين عاما في ثلاثين ليلة!! غير أن الشجرة تظل مركزا للحكي، فتتفرع الحكايات عنها، وتنبت منها، ويدور حولها عاكف، والحاج حسين، وعابد الطوخي، والسلطان الجائر، والوالي المشوش، وحفصة النبيلة، وأهل البلدة التعساء؛ لذا باتت الشجرة بؤرة للسرد، وبات الوعي بها معتمدا علي المخيال أكثر من أي شيء آخر، فهي شجرة من دم الجوعي، والحالمين، كما تأتي التناصات طيلة الرواية خاصة بها، أو متعلقة بطرف منها، وقد أفرد لها الكاتب مقطعا سرديا كاملا في روايته .
وبعد.. تبدو رواية (شجرة العابد) مسكونة بحس صوفي إنساني، غير مدجن، أو مستأنس، بل يبغي القدرة علي تثوير العالم، يبدو فيه العشق غاية للبلوغ والترقي في مدارج إنسانية رهيفة تأوي الناس إليها من جور الطغاة، وظلمهم، غير أنها تظل ذات نزعة مثالية حالمة، مسكونة في شق منها بيقين الباحث لا سؤاله.
"حطب معدة رأسي"
لعنة
التفاصيل!
منذ أن سار الكاتب مصطفي ذكري علي أطراف أصابعه في يومياته الأولي وهو يريد أن يبهرنا بخطورة المشهد بالرغم من بساطته المعتادة، الرهان في الدهشة هنا لا يقف علي الصاخب والمتحرك والمفاجئ، الرهان هنا في الدهشة الناتجة من البسيط من التفاصيل، لم تكن يومياته "علي أطراف الأصابع" إلا المقدمة الحنونة الرقيقة لمداهمات أكثر نعومة ودفئا، هو كان يدرك هذا تماما، هو دائما يريد أن يرصد لك شيئا، رصدا متفهما وعادلا، لا يعتمد علي المبالغة والترميز، بقدر اعتماده علي عدالة الإخلاص للتفاصيل المربكة تماما كما يرتبك، وتماما كما قرر أن يكتب.
شيء يبدو معقدا للغاية منذ المطالعة الأولي وأنت تقرأ عنوان الجزء الثاني من يوميات "ذكري"، الذي سماه "حطب معدة رأسي" الصادر حديثا عن دار العين، إنها المكونات التي ترهق رأسه دائما، ترهقها أحيانا ببساطتها وضآلتها، وأحيانا ترهقها بثقلها وما تسببه من عبء ونزاع، تستطيع إذن معدة مصطفي ذكري أن تهضم الكثير من التفاصيل، ولكنه يبدو حريصا علي أن يطالع القارئ تلك العملية الشائكة التي تتم بنزاهة وشرف، هي الكتابة التي يقول عنها المؤلف أنها "لا تخضع للالتزام وتأتي حسب المزاج والأهواء، كان لليوميات أن تكون الحارس الشخصي للتبطل والفراغ والكتابة السلبية الحقيقية التي لا تتعدي أحيانا أحلام يقظة تصطدم بجدران وسقف الغرفة".
نستطيع الآن ربط كل شيء بسهولة، عندما نبدأ بما اعترف به الكاتب في "تمرينات منزلية" انه اكتسب عادة البقاء في البيت منذ الصغر، وبدأ يعدد الأسباب التي جعلته يعتاد هذا الأمر، وخصوصا كره المدرسة الشديد، الذي كان يدفعه إلي تمثيل المرض حتي تخضع أمه لرغبته في البقاء داخل البيت، إذ أنه علي الرغم من شعوره بالذنب، إلا أن اختلاق الأكاذيب للبقاء في البيت كان يتصاعد في رأسه، وفي كل الأحوال كانت هناك نتائج متشابهة تحتوي جميعها علي حلم البقاء في البيت، كل التمرينات المنزلية التي أحبها الكاتب ساقته إلي التداخل فورا مع كل هذه التفاصيل السينمائية المنمقة، هو لا يشاهد السينما بمهارة فقط وإنما يقوم بأدائها بجدارة داخل يومياته، أداء كل الأدوار بخفة وموازاة حقيقية، المشاهد الممتعة في الأفلام هي في الحقيقة تلك التي يمكنها أن تخلق لدينا مشهدا موازيا كل مرة، تلك المشاهد الموازية التي يمكننا أن نلعبها في تصوراتنا الراكدة عن الحياة والألم، تماما كما فعل جمال في يومية "ناشيونال" عندما أعلن أمام نفسه عن قيامه بشيء مختلف منذ اللحظة التي يقف فيها الآن أمام المرآة، وعصر الليمون علي كوب الشاي الساخن، ورشف رشفتين عميقتين وأصبح كل شيء ينذر بأنه يستطيع الآن أداء دوره، الدور الذي أتقنه مقلدا بشكل مشوش جولي أندرسون وهي تضع حشرة في طعامها في المطعم، وقدم لها الجرسون طعاما غيره، جولي أندرسون لم تكن تملك المال مثله، خرج من المطعم في الواحدة ليلا، وخرج له اثنان من شارع جانبي، وأوسعوه ضربا، وفي بيته، نزع جمال من مكواة قديمة ناشيونال، سلكها الكهربائي المضفور، وعقد طرف السلك في حلقة السقف الحديدية، وصنع حلقة لرقبته، وكانت آخر صورة في مخيلة جمال قبل أن يدفع الكرسي من تحت قدميه صورة موديل في إعلان عن مكواة ناشيونال حديثة تضخ بخار الماء من فتحات سفلية.
يوميات "ذكري" هي تلك الحيوات المتوازية في رشاقة وخفة، واحدة تنتج من تفاصيله البسيطة تتداخل مع تلك التي يتألق فيها نجم السينما المعروف، وتلك التي تسمع فيها صوت موسيقي تصويرية، يسير معك الكاتب برفق، تركل قدماه المشاهد والتفاصيل أحيانا وأحيانا أخري يلتهمها في شراسة وأحيانا أخري يبدو متناغما صبورا، يعبث مع نجوم السينما عبثا يشوه المصائر والأصول، وقد يشاركهم اللهو في أفلامهم كما يشاركونه الحلم والأمنيات، إنها الرحلة التي تنطلق من استئثار كل حواسك، تدعوك للانتباه بكل أعضائك النشطة، ليستعيرك الكاتب لحظات داخل رأسه المرتبكة، وتشاركه في الصعود والهبوط في معدته المزدحمة والمليئة أحيانا بالزوائد القلقة.
لا غضاضة إذن في أن يؤكد لها أنها تشبه جيدا الممثلة مارلين ديتريش، وكانت سعيدة بالتشبيه، مما جعله يفرد لهذا الموضوع "أزهار الشر" يوميته المزدحمة بالتفاصيل والهوس، تبدأ ب"البعض يفضلونها ساخنة" اسم الفيلم الشهير للمخرج بيلي وايدر، وهي التي قيلت علي لسان توني كيرتس لمارلين مونرو، ومرورا أيضا بإهداء لارس فون ترير فيلمه الأخير ضد المسيح إلي المخرج الروسي اندريه تاركوفسكي، والزوجين وليم ديفو وشارلوت جينسبورج اللذين ذهبا إلي غابة عدن، أو جنة عدن. ليغرق في قوة لا رس فون ترير في استسلامه لصنع صورة جميلة، ليست خشنة حسب تعاليم الدوجما.
في معدة رأس ذكري، فلسفة ما لا يستطيع إسكاتها بالمرور الناعم، حتي وإن أصابته بالضجر، فما الذي يجعله في يومية "درس في السقوط" يقيم هذا الجدل الواسع المضن حول المبدأ "لا كومة قش دون إبرة" فيقرر أن الذي عبر عن هذا المبدأ عبر عنه باعتبار أن ذهنه يباشر دائما "البحث عن إبرة" التي تجعل ما يصادفه علي ما هو عليه، وما يصادفه دائما ليس بالضرورة كومة قش، لكن المبدأ عنده ثابت، فحتي إذا لم توجد كومة قش، فهو يبحث دائما عن الإبرة، "الفلسفة أمام مثل هذه المبادئ تلجأ إلي البداهة" يقرر، حتي وإن قادته هذه الفلسفة إلي استعادة هيجل وكير كيجارد.
ينطلق الكاتب بملامح حياته وتفاصيلها المرهقة إلي التفكير والجدال والمنطقة، فلا بأس من إقامة مثل هذا البحث العميق عن فكرة "الاختلاف والتكرار" بما أنها اكتشف أن حياته مثقلة بالتكرار السخيف، دونما يدري كيف حدث؟ ومن أين أتي؟ وكيف لم يلاحظه؟ يبدو أن التكرار في مرته الأولي والثانية والثالثة كان اختلافا، كان يلمع ببريق البداية ويحدث تحت مبدأ الندرة، ولكن الاختلاف يفلت ويصبح هذا التكرار بمراته المتتالية، هل هو كما قال دولوز: "نكرر ماضينا كلما قلصنا من إعادة تذكره"؟ أم أن النجدة تأتي من عند هيوم عندما يقول: " لا يغير التكرار أي أمر في الموضوع الذي يتكرر، إلا أنه يغير شيئا في الروح التي تتأمله"؟ وهكذا يظل الإلحاح حاضرا طوال الوقت مع أسئلة "ذكري" التي يستنتجها من يومياته البسيطة، إلحاح علي التنقيب عن النتائج الحقيقية، إلحاح للوصل إلي الغايات المنطقية لا التي تعتمد علي الأهواء والرأي، إلحاح علي الكتابة والرصد العادل السخي.
ثلاث سنوات هي عمر انتظام "مصطفي ذكري" في كتابة اليوميات، كانت الاستراتيجية في البداية هي أن تكون كتابة اليوميات منشطا مؤقتا للكتابة الحقيقية، ولكنه يعترف أن الإحراج كان بأنه انشغل حتي عن التفكير في أعمال حقيقية من المفترض له الضلوع في تأليفها مستقبلا، وشغل أيضا عن إعادة النظر في أعمال كافكا وبروست وجويس، لينطلق بشكل مؤقت إلي ما بعد "كعوب السرد العالية".
محمد إبراهيم طه
ونبل الكتابة
لا أظن أن الكتابة عن القرية والريف تكف عن إدهاشنا، الريف ليس باعتباره المكان الجغرافي الضيق، ولكنه المكان الذي يحمل التناقضات المستجدة والطارئة عليه والتي تحدد شكله وتوجهه والثقافة التي تهيمن علي ناسه، هذا الريف الذي مازال يتحكم في مصائر المدينة والوطن كله، ويعتبر القوة الانتخابية التي تشكل البرلمان والمجالس المحلية، ومؤخرا بعدما أصبحت لدينا انتخابات وتصويت حقيقي، يقول الريف كلمته الفاصلة في من يحكم البلاد، لذلك كان لهذا الريف كتابه الذين أعطونا كتابات متنوعة وجادة ومتعددة الأشكال والأوصاف، فريف عبد الرحمن الشرقاوي في "الأرض" يختلف عن ريف عبد الحكيم قاسم في "أيام الإنسان السبعة" والاثنان يختلفان عن ريف يوسف إدريس الذي التفت بحدة إلي التناقضات العنيفة بين أهل بلده، الغني والفقير، والساذج والحويط، والمرأة والرجل في "الحرام" و"النداهة" ثم أتت كتابات يوسف القعيد ومحمد البساطي وسعيد الكفراوي وغيرهم لنلاحظ أن هذه المساحة الواسعة من بلادنا تحتاج إلي كتاب موهوبين كبار يبرزون ما لهذا الريف من طبائع.
لذلك أتي جيل تال علي كتاب الستينيات يقرأ هذه المساحة المهملة اجتماعيا، ومهمشة ثقافيا، ولكنها تحسم أمورا خطيرة علي سائر مصائر المجتمع كله، وكان أبرز هؤلاء الصديق الراحل الكاتب يوسف أبو رية، ثم كان محمد إبراهيم طه، وهو واحد من المخلصين للكتابة السردية أيما إخلاص، ويحق لنا أن نقول بلا أي مزاعم أو أوهام إن كتاباته الروائية والقصصية هي التطور الطبيعي والجلي لكل من سبقوه وقد نالت هذه الكتابات بعض حقها من التحليل والقراءة والنقد من كتاب ونقاد بارزين، رغم أنه كاتب لا يثير أي قدر من الضجيج حول نفسه، ولكنه يترك نفسه بكل صخبها وتفجرها وعنفوانها في الكتابة فقط، وهذه القيمة في حد ذاتها قيمة افتقدناها كثيرا في المبدعين والكتاب الذين يبذلون مجهودات تسويقية لإنتاجهم تفوق مجهوداتهم في تطوير ما يكتبون بمراحل، لذلك فمحمد إبراهيم طه المبدع الخلوق الذي يعتبر إبداعه هو السفير الحقيقي له بين الناس، ورغم ذلك فهو حصل علي جوائز مرموقة، من هيئات ثقافية محترمة، وحسنا فعلت الهيئة العامة للثقافة الجماهيرية أنها أصدرت كتابا يضم ما كتبه النقاد والمبدعون عن كتابات هذا المبدع، وأقامت حوله مؤتمر اليوم الواحد في مسقط رأسه بمحافظة القليوبية، ويضم الكتاب الذي صدر بعنوان "عذوبة السرد وسحر المكان" مقالات للكتاب أحمد الخميسي، ومحمود الورداني، وأمجد ريان، وسمير درويش، ومحمد زيدان، وحنان الدناصوري، وفؤاد مرسي، وبهاء جاهين، وأيمن تعيلب، وشوقي يحي، وسعيد الوكيل، وصلاح والي، وأسامة الرحيمي، ومحمد طلبة الغريب، ومحمد عكاشة وآخرين.
وتنوعت الكتابات عن معظم ما كتب طه، فهو قد أصدر روايات "سقوط النوار، والعابرون، ودموع الإبل" ومجموعات قصصية "توتة مائلة علي النهر، والركض في مساحة خضراء" وكلها تقريبا تدور حول فك شفرة العلاقات الطبقية والاجتماعية والثقافية السائدة في ريف (القليوبية) وأزعم أن طه أبدع شخصيات تكاد تكون فريدة في السرد العربي، شخصيات تخص رؤية محمد إبراهيم طه الإبداعية، مثل شخصية سلمي في "دموع الإبل" وشخصية عبد الوهاب غصن في "سقوط النوار" وشخصيات أخري كثيرة تتمدد هنا وهناك في أعمال كاتبنا، واللافت للنظر أن هذه الشخصيات لا تأتي مجردة من الفعل الذي يناسبها ويليق بها، ولا تأتي الشخصية سوداء تماما أو بيضاء تماما، ولكننا سنلاحظ أن كائنات محمد طه متعددة الوجوه، وتحمل الملامح الإنسانية الطبيعية، وطه لا يقدم شخصياته من خلال أوصاف مسهبة، ولكن الفعل الاجتماعي أو الانساني هو الذي يقدم الشخصية من جميع زواياها، إنها شخصيات ليست مكتوبة بتلقائية يوسف إدريس، ولكنها تتكون عبر إحكام فني مدرك ومرسوم، رغم أننا لا نلحظ هذا التكلف في الصنعة، ولن نلاحظ أدني معضلة في عملية تلقي الشخصيات والأحداث والأماكن، كأنها مفردات كانت غائبة عنا، وسنلحظ قوة وجودها عندما نراها ونشاهدها تتنفس في عمل سردي تبدو عليه السلاسة من الخارج، لكن مع القراءة الثانية سندرك أن الكاتب يتكبد جهدا إبداعيا في إتقان كتابته، إنها كتابة الضرورة، وليست كتابة زائدة عن الحاجة.
ورغم أن إبداعات محمد إبراهيم طه لا تتجاوز الريف إلا قليلا، إلا أنها كتابة تقتحم الهم الانساني بشكل عام، وتصل إلي المعني العام الانساني، هذا الهم العام الذي يكتب لإبداعه التواصل مع كافة الناس، وتظل هذه الكتابة متوازنة، لا تفتعل أزمة مصطلحات خارجة جنسية، أو تطاول علي قيم أخلاقية مجتمعية، وهناك البعض الذي يضع بعض البهارات لينتزع لكتابته شهرة لاتمت للفن بشئ، هنا محمد إبراهيم، يبني عالمه السردي بالهموم الإنسانية العادية، ولكن بتقنيات فنية فوق العادية، ولا يهدف من وراء ذلك توصيل رسائل وعظية إلي القارئ، ولكن تستهويه لعبة رسم الشخصيات والأحداث والأماكن وفق رؤية فنية خالصة تخصه، ورغم أن كتاباته الأولي "توتة مائلة علي النهر وسقوط النوار" غارقة في واقعية جدلية شبه مفرطة إلا أننا سنلحظ (نفسا) صوفيا يتسلل بين ثنايا الكتابة، وسنلحظ أن هذا (النفس) الصوفي يشغل روايتين كاملتين وهما "العابرون ودموع الإبل" دون أن يخل بتقنيات الكاتب بأي درجة، رغم أن تقاليد الكتابة تهتز عندما ينتقل الكاتب بكليته من مناخ إلي مناخ آخر، ولكن لأن كاتبنا صار مؤهلا لأكثر من مناخ، لن نلحظ هذا الارتباك الذي دوما ما يكون مألوفا، والكتاب والنقاد الذين تناولوا أعمال محمد إبراهيم طه في الكتاب تناولوه بشكل متكامل، وغطوا، معظم جوانب إبداعه اللافتة، ويذكرنا هذا الكتاب بالكتب التي كانت تصدر في الماضي عن يوسف إدريس ويحي حقي وغيرهما، وسنقتبس هنا بعض ما جاء في الكتاب، حيث لا تكفي هذه السطور القليلة لاستعراض كل ماجاء به، ولكني أحيي كل من شاركوا في صناعة هذا السفر الذي يضئ ظاهرة إبداعية نبيلة، وقامة أدبية حقيقية.
يكتب الدكتور أحمد الخميسي عن سقوط النوار قائلا: "رواية سقوط النوار تندرج في إطار الروايات التي تتناول حياة الإنسان في بيئة ريفية والعلاقات الاجتماعية هناك والصراع من أجل الحياة في ظروف الريف الشاقة"ويكتب محمود الورداني: "دقات الزار وروائح الغيطان وحفيف رمال الصحراء وقرية صغيرة مثل آلاف القري وأرواح هائمة تحوم داخل متاهة وفخاخ منصوبة للمحبين والباحثين عن الأمان، تلك هي الخطوط الرئيسية لرواية محمد إبراهيم طه دموع الإبل"وتتنوع المواد المنشورة في الكتاب بين الشهادات والدراسات النقدية والمقالات الصحفية، لتعطي بانوراما حقيقية وشاملة لكاتب مصري أصيل، وهذا الجهد يشكر عليه باذلوه، ليته يصير معمما في كافة أنحاء مصر حتي لا تضيع جهود الكتاب والمبدعين في وعثاء الطرق العمياء، وتحية لمحمد إبراهيم طه الذي لم ينحرف عن مساره الإبداعي، ولم تغره الجوائز ليستسهل الكتابة، ويجعل منها (سبوبة) يسيرة سهلة طالما أنها في متناول اليد، محمد إبراهيم طه كاتب ليس السهل الممتنع، فهو الكاتب الذي يبهرنا وفي الوقت ذاته لا يترك قارئه إلا وقد وضعه في حيرة وتساؤل مما طرحه في إبداعاته التي تعمل علي تشريح هذه المساحة المهملة من ريف مصر، ورغم أنها مهملة ومجهولة إلا أن حضورها السياسي الحاكم والضابط مازال فاعلا لدرجة قصوي.
مختارات من الأدب التركي
قصص وعظية مترهلة!
"من الأدب التركي المعاصر، مختارات من القصة القصيرة" كتاب صدر عن دار العين للنشر بالقاهرة، وقام بترجمته د.محمد عبد اللطيف هريدي. قدّم المترجم للكتاب بمقدمة طويلة تصل إلي اثنين وثلاثين صفحة تعرض فيها لأهمية القصة القصيرة، وتاريخها في العالم ولاتجاهات القصصية التي دارت حولها القصص التركية المعاصرة. طالت المقدمة التاريخية لفن القصة القصيرة، ولم يكتف بذلك بل أرّخ لتاريخ الرواية منذ نشأتها ليس في تركيا فقط، بل تاريخ الرواية الأوربية كذلك قام برصد التغيرات السياسية والاجتماعية التي تحكم المجتمع التركي، فتحدث عن كيف أن القصة القصيرة كانت في خدمة المبادئ القومية، كما تحدث عن علاقة القصة بفترة حكم كمال أتاتورك، وقيام الجمهورية الحديثة، وطول المقدمة التاريخية للقصة القصيرة والرواية قد يجعل القارئ يشعر بالملل، وخاصة أنه استخدم مصطلحات نقدية شائعة وتقليدية، وربما نلتمس له العذر، لأنه ليس متخصصا في النقد، وكنا نتمني أن يُعفي نفسه من التأريخ النقدي الذي أوقعه في السطحية والشعبوية، ووضع حاجزا نفسيا بين القارئ والنصوص القصصية التي من المفترض أن تكون الرهان الرئيسي للكتاب، فلو اقتصرت المقدمة علي التقديم للنصوص التي سماها الكاتب "بين دفتي المجموعة " لكان أفضل.
اختار المترجم ثماني عشرة قصة تنتمي إلي الفترة الزمنية من النصف الثاني من القرن العشرين وحتي أوائل القرن الواحد والعشرين، وأغلب كتابها من الجيل المعاصر، وقد وصف اختياراته لهذه النصوص دون غيرها بأنها تمثل رؤي إبداعية مختلفة، بحيث يمثل مبدعوها مختلف الاتجاهات والتيارات الفكرية والفنية السائدة في الأدب التركي المعاصر.
والقارئ للنصوص الثمانية عشر يجد تنوعا لافتا في الطبقات الاجتماعية التي تصورها، والنماذج البشرية التي يمكن أن توجد في مجتمع شرقي إسلامي يعيش علي تخوم المجتمعات الأوربية.
إن النصوص التي اختارها المترجم طويلة جدا وتخرج عن المقاييس النقدية المتعارف عليها في فن القصة القصيرة، صحيح أنه لا توجد مقاييس ثابتة ومقدسة يقاس عليها، لكن الكثير من القصص كانت تطول حتي تصل إلي خمس عشرة صفحة أو يزيد، وكأنها تلخيص رواية، وهذا يفقد النصوص حيويتها وطزاجتها، فقارئ القصة القصيرة يريد أن يجمع العالم كله في قبضة واحدة عن طريق التكثيف واللغة الدالة الموحية، لكن أن تقع النصوص في فائض لغوي متزايد يجعل النصوص تترهل، وتفلت اللحظة القصصية من الكاتب والقارئ معا، فالقصة القصيرة المكثفة تكون بطاقة رواية، ليست في طولها وفيضها اللغوي، لكن في تصويرها للعالم السردي بجمل وعبارات تغني عن الثرثرة والحكي.
الملاحظ أيضا بعد قراءة النصوص أنها تعتمد علي اللغة الإخبارية، وليس علي اللغة السردية المشهدية. أيضا طول النصوص القصصية جعلها تفتقد إلي التوتر الفني الذي يجعل القارئ مشدودا للقصة، راغبا في استكمالها بلهفة وشغف.
في قصة "قص ولصق" لطارق دورسون مجموعة من الحالات الإنسانية التي تقع علي تخوم الفنتازيا تصور بعيون السارد، الذي لا نعرف هل هي عيون طفل يتخيل تلك المواقف، ويقوم بتكوينها عبر فكرة القص واللصق، أم أن الضمير في النص يعود علي المؤلف، هذا النص يعتبر من أعلي النصوص المختارة لولا أنه طال كثيرا، فوقع في فخ الحشو الحكائي.
وفي قصة "المحجبات" لآفت ايلغاز رغم أنها تكشف عما يعتور النفس الإنسانية من هواجس وقلق وجودي إلا أن الرسالة الأخلاقية التي أراد المؤلف أن يوصلها غلبت علي الفن، فتحولت لقصة وعظية عن علاقة الساردة بالدين، ونظرة المجتمع إلي مقولاته، وحجاب النساء وغيرها.
من خلال النصوص الثمانية عشر يمكن لنا أن نرصد ملامح عامة اتسمت بها القصص: كل القصص تقريبا بناؤها تقليدي، وتنوع في ضمائر القص ما بين السرد بضمير الأنا أو استخدام الراوي العليم، كل القصص تقريبا تطول حتي يمكن وصفها بأنها ملخص روايات، كما أنها تراوح بين اللغة البصرية وهي قليلة الاستخدام، واللغة الاخبارية.
تكشف النصوص ما يطرأ علي المجتمع من تغيرات من خلال المواقف والأحداث والشخصيات المختلفة التي تأتي من فئات وطبقات اجتماعية متنوعة.
من الفتوة للبلطجي
الحاكم الرسمي للشارع!
"الفتوة في السينما المصرية" أحدث إصدارات سلسلة كتاب اليوم التي تصدر عن دار أخبار اليوم. الكتاب للناقدة السينمائية ناهد صلاح، وفيه تقدم بحثا عن شخصية الفتوة في السينما وكيف تطورت علي مدي تاريخها، كيف تحول الفتوة "ابن البلد" لفتوة "بلطجي".
يرصد الكتاب أيضا الطريقة التي تعاملت بها السينما مع نموذج الفتوة، وتربط ناهد صلاح الفتوة بواقعنا الآن باعتباره معادلا شعبيا للحاكم الرسمي. أول فصول الكتاب "الفتوة والبلطجي" يوضح مدي تأثير العنصر الزمني علي فتوة الثلاثينات والأربعينات عن البلطجي الموجود الآن في الشوارع. تبحث ناهد صلاح عن الأصل اللغوي للفتونة و إلي أي عصر يعود تاريخ الفتونة واختلاف الفتونة من الشام ومصر، كما تعرض رؤية مجموعة من الكتاب لشخصية الفتوة مثل جمال الغيطاني، مجدي حجازي، عبد الرحيم مؤذن، يوسف نكادي عن الفرق بين فتوات روايات نجيب محفوظ ومسجلي الخطر الهاربين من سجون مبارك.
وفي الفصل الثاني تساؤل آخر: من هو الفتوة؟ وتستند الكاتبة للإجابة إلي دراسات لمفكرين منهم د.محمد النجار في كتابه حكايات الشطار والعيارين، د.حسين مؤنس في روايته عصر الفتوات..عصر البطولة للمصريين أيام الاحتلال، سيد صديق عبد الفتاح في كتابه تاريخ فتوات مصر، ويرجعون ظهور نموذج الفتوة إلي غياب الأمن والحاجة الملحة في وجود نموذج شعبي لتطبيق العدالة، ومن أشهر الفتوات: فرج الزيني(باب اللوق)، حسن الجاموس(حي الحنفي)، حسن الخشن(حي المحجر)... ويروي الباحثون دور الفتوة في ثورة 1919 وفي الحارة المصرية القديمة كما يذكر الجبرتي. وتعيد الكاتبة طرح تساؤلها بشكل آخر: اذا كانت الفتونة نشطت في غياب الأمن، فماهي الظروف التي جدت لتعيد ظاهرة الفتوات في عصر تزداد فيه القوات الأمنية؟ ويقول الباحثون إن الفئة التي عادت هي أقرب من البلطجة وليس الفتونة بمعناها الإيجابي، وتقدم الكاتبة رؤية نجيب محفوظ للفتوة كما رواها في مذكراته لرجاء النقاش.
بعد المدخل النظري للفتوة، يتتبع الفصل الثالث "الفتوة علي الشاشة" أبرز النماذج التي تعكس الصورة الحقيقية للفتوة علي الشاشة مثل: "الفتوة" لصلاح أبو سيف، "فتوات الحسينية" لنيازي مصطفي، "أبو الدهب" لحلمي رفلة... وترصد اختلاف آراء النقاد في تصنيف أفلام الفتوات في مقالاتهم مثل: الناقد سامي السلاموني في مقال فتوات بولاق الذين لا يعرفهم نجيب محفوظ، الناقد أحمد يوسف ودراسته فريد شوقي ..الفنان والإنسان، هاشم النحاس في كتابه نجيب محفوظ علي الشاشة. الفكرة الرئيسية لهذه الأفلام كما يوضحها الكتاب هي الفتوة باعتبارها فخرا لا يمكن التفريط فيه. مع الوقت اعتبرت السينما المصرية أفلام الفتوات استثمارا باعتبارها أفلام حركة مثل فيلم "فتوات بولاق" ليحيي العلمي الذي يعتبره الكتاب النموذج الصارخ لسينما الفتوات السطحية. "الفتوة ليس فتوة" هو الفصل الرابع تقدم الكاتبة عرض لفيلم "الفتوة" 1957 وتوضح واقعية صلاح أبو سيف وشخصية الفتوة التي رسمها، وكيفية صناعة الفيلم وأهميته في تقديم رؤيته الفكرية بالاشتراكية كبديل للرأسمالية. في الفصل الخامس "المرأة والفتوة" تري الكاتبة أن نموذج المرأة في أفلام الفتوات هو لعنة فتقول "المرأة في السينما المصرية لغم ينفرج في وجه من يقترب منه، خصوصا مع طغيان قيم الذكورة وأحكامها فيما يتعلق بالأدوار النمطية والمكررة للمرأة في السينما المصرية من خائنة أو راقصة أو فتاة ليل..." وترصد أهم بطلات أفلام الفتوات مثل: نادية الجندي في "شهد الملكة"، صفية العمري في "الحرافيش"، نبيلة عبيد "الشيطان يعظ"... في الفصل السادس يعرض الكتاب قراءة تحليلية لثلاث نماذج من أفلام الفتوات وهم: الجوع، سعد اليتيم، الشيطان يعظ.. من أسلوب اخراج وسيناريو ومعالجة للقصة واضاءة. في الفصل الأخير تقدم ناهد صلاح شهادات وحوارات مع صناع الفتوة مثل: حوار ل"نور الشريف" عن دوره كفتوة، حوار آخر مع "علي بدرخان" عن فيلمه الجوع واستلهامه لروح محفوظ، وأيضا حوار مع "وحيد حامد" بعنوان فتوات بولاق أحاول أن أسقطه من ذاكرتي.
بقايا التاريخ
في "متحف النسيان"
أصبحنا نتوقع مسبقاً ما يمكن أن تقدمه لنا الكتابات السردية الطالعة من أرض صعيد مصر، نظراً لتكرار موضوعات بعينها لصيقة بهذا العالم، وكذلك اجترار طرائق سردية محددة عند تناوله، ومع ذلك فما زالت هناك استثناءات قليلة، أحدثها بالنسبة لي هي رواية "متحف النسيان" الصادرة مؤخراً عن دار روافد، وهي الكتاب الأول لمحمود عبد الغني، فقد آثر أن يقدم قريته كوم أبو شيل، مثل بلورة مسحورة تنعكس عليها أطيافه الخيالية، دون أن يكون لها هي بالذات أي وجود واقعي، يمكننا أن نلمسه ونتتبعه علي الخرائط وفي بطون كتب التاريخ.
عالم الصعيد في هذه الرواية ليس ذلك العالم الفولكلوري الذي اعتدنا تثبيته وإعادة إنتاجه في أيقونات جامدة، بعضها أقرب إلي الصور السياحية التي تروّج للغرباء والأجانب، بقدر ما هو عالم فوق واقعي، شبه رمزي، استطاع أن يكون مجازاً كبيراً يستوعب بداخله التجربة الإنسانية للشعوب المهمشة والمستغَلة علي طريقة حارة محفوظ في الحرافيش، أو قرية ماركيز في مائة عام من العزلة. وكلمة السر هنا هي تشغيل الخيال، وتحويل ما اصطلحنا علي تسميته بالتاريخ إلي مجموعة من الخرافات المشكوك في صحتها، تتوارثها الأجيال ولا يؤكدها نصٌ جامع مانع إلا هذه الرواية ذاتها، التي تدور كالعادة حول مخطوط ورحلة العثور عليه، والأهم رحلة الوصول إلي كوم أبو شيل في أقاصي الجنوب. وعلي لسان أبناء هذه القرية يقول: "لأننا قرية بلا ذاكرة، نسينا العالم فنسينا العالم، وأصبحنا في مأمن من كل الكوارث المخبوءة في بطن الحكايات"، هكذا تكرس قرية كوم أبو شيل قانون عزلتها، وفي الوقت نفسه تكسر هذه العزلة بحكاية مكتملة الأركان، في مفارقة واضحة. والعزلة هنا ليستْ لعنة مكتوبة علي شعوب بعينها بقدر ما هي خياراً وجودياً، وطريقة للعيش.
متحف النسيان روايتان في رواية،هما المتحف والمخطوط، يتابعهما القارئ بالتوازي، الفصل الأول من هذه ثم الفصل الأول من الأخري وهكذا، إلي أن تتم كلٌ منهما ستة فصول، حتي يدمجهما الفصل السابع برقمه السحري في وحدة واحدة وكأنما الدائرة قد اكتملت.
رواية المتحف التي يستقبلنا فصلها الأول هي أقرب إلي جو الروايات البوليسية المترجمة، رحلة بحث لصحافي ومتخصص في علم التاريخ عن قرية مجهولة وغامضة اسمها كوم أبو شيل. نتابع فيها تنقله خلال مؤتمر عالمي، من عاصمة إلي أخري، وفي كل محطة تقابله امرأة ما ويرشده أحد العلماء ويعثر علي خيوط ودلائل تقربه من هدفه، وفي الأثناء تلوح له فتاةٌ غامضة كأنها تتبعه وهي تحمل كتاباً مميزاً، سيكتشف عند عودته إلي مصر أنه المخطوط الذي يثبت وجود كوم أبو شيل (هذا هو المخطوط الذي ستشكل فصوله الرواية الثانية). إننا هنا إزاء نموذج مصغر لعمل من أعمال دان براون، حيث اللغز ممتع ومشوق ولا يخلو من دلالات ثقافية وإنسانية عامة، وحيث الجو علي واقعيته بلاستيكي مصطنع، خاضع سلفاً لنمط شبه ثابت: عاصمة فيها امرأة تنتظر باحثنا وترشده إلي عالم كبير يرشده بدوره إلي خيوط جديدة، إلي أن يعود إلي مصر ثم يسافر إلي الصعيد ويعثر علي كوم أبو شيل الحقيقية.
ثم تأتي الرواية الثانية، المخطوط، والتي يُعد فصلها الأول هو الفصل الثاني من متحف النسيان بترتيب الصفحات، فهي الطلّسم السحري الذي بقدر ما يؤكد وجود كوم أبو شيل بقدر ما ينفي عنها كل ملامحها الواقعية ويضفي عليها أبعاداً أسطورية وغرائبية، ولا يسجل فيه إلا محطات تقاطع هذه القرية مع العالم الخارجي، كل محطة هي حلقة جديدة في مسلسل بلا أول ولا آخر، تكافح فيه هذه القرية علي البقاء بمنأي عن العالم الخارجي، وكأنها كوكب آخر أو عالم مواز. ترفرف علي لغة السرد في هذا النصف رُوح محمد مستجاب رحمه الله هامسة للروائي الجديد بتعاويذها الخاصة، وتغلب عليه فورة خيال جامحة، يكاد يكون شبه هذياني في بعض الأحيان، وتتعدد فيه الأصوات التي تروي الواقعة الواحدة دون تمييز بين تلك الأصوات، حيث ينتقل السرد فجأة وفي السطر نفسه من الجماعة إلي الفرد أو من أبناء القرية إلي أحد الدخلاء عليها، وهي حيلة سردية ممتعة، حتي مع الارتباك التي قد تسببه، غير أن تماهي الأصوات وتشابه نبراتها حدّ من الإمكانيات الهائلة المتمثلة في تباين وجهات النظر بتعدد الرواة للواقعة ذاتها.
كان للتراوح بين العالمين الروايتين أثر مُنشط علي السرد، وخصوصاً للتباين الكبير بينهما، ففي حين تمضي حكاية المتحف في خطها المستقيم من محطة إلي أخري ومن اكتشاف إلي التالي، تدور رواية المخطوط في دوائر كأنها متاهات صغيرة ملتفة حول ذاتها، مثل تلك التي كان يصنعها أبناء قرية كوم أبو شيل لتضليل الغرباء. "المتحف" لغتها سهلة القراءة ورائقة، ولا تجنح كثيراً للزخارف اللغوية، علي النقيض تماماً من شقيقتها "المخطوط"، حيث تضطلع اللغة بدورٍ كبير في لعبة الحكايات الممتعة.
وفي الفصل السابع والأخيريلتقي العالمان أخيراً (المتحف/المخطوط)، مع دخول الباحث- الراوي إلي صفحات المخطوط نفسه، عند وصوله لكوم أبو شيل، ومصادقته لبغدادي الشخصية الأسطورية، واستغراقهما في التحشيش والشراب في الليلة الكبيرة للمولد، في مشهد النهاية المرح اللذيذ حيث ينزل بغدادي إلي الترعة ليجمع شظايا القمر الذي أسقطه الراوي بطلقة من بندقيته.
لا يكتب محمود عبد الغني عن قريته المتعينة، التي يعيش فيها أشخاص لا نماذج، والتي تتماس مع العالم خارجها الآن ككل ركن في عالمنا هذا راضية أو مرغمة، بقدر ما يكتب عن قريته هو، عالمه الخرافي الخاص، الذي كأنه الصعيد كله في لحظة، وفي لحظة أخري كأنه مصر بطبقاتها التاريخية إجمالاً، شفرة مراوغة لم تسلم من الارتباك، وعالم خفيف متطاير لا سبيل إلي الإمساك، يتشكل تلقائياً في هذيان اللغة وتداعي الحكايات، عالم لا يكاد يأبه بالآخرين، ضيوفاً كانوا أم فاتحين أم عابري سبيل، مادام صامتاً مصمتاً مغلقاً علي أسراره وكنوزه وحتي مصائبه، لكنه مع ذلك يظل يتحرق شوقاً للانفتاح والانكشاف وإعلان تجلياته الخاصة أمام أعين الجميع، حتي ولو اتضح تشوهه وعقمه وسقطت أسطورته.
ليستْ متحف النسيان رواية تاريخية، بقدر ما تسخر في بعض الأحيان من إمكانية وجود ما نسميه بالتاريخ، رسمياً كان أم غير رسمي، وبقدر ما تؤكد علي منطق الأسطورة الخاصة بكل الجماعة، وحرص تلك الجماعات علي نقائها وعزلتها، فالعزلة هنا ليست لعنة مكتوبة علي بعض الشعوب كما في مائة عام من العزلة، بقدر ما هي قانون للعيش، حدّ أن أهل القرية قد يخترعون لأنفسهم صورة جاهزة ومعدة سلفاً، مناسبة لاستهلاك للوافدين والغرباء (قد تكون هي الصورة الفولكلورية أوالسياحية). وفي حرصهم علي عزلتهم ونأيهم عن العالم ليس ثمة ما يدعو إلي تدوين تاريخ ما أو تسجيل ذاكرة، غير تلك المناسبات القليلة النادرة التي كشف الآخرون فيها وجود تلك القرية، وتماسوا معها، فلا يكون تاريخ كوم أبو شيل إلي سلسلة من مرات الانكشاف والانفضاح علي الآخر، أياً كانت ملامح هذا الآخر أو نواياه.
في مواضع كثيرة افتقرت الرواية إلي العناية باللغة وتشكيلها، فبدا عليها التعجل والخطف السريع للمعاني والتجارب، واللجوء للمسكوكات الجاهزة، وثقلت بالفعل كان في كل سطر تقريباً. ومع ذلك تظل تجربة سردية مغامرة وجديرة بالقراءة والتأمل، ففي راويته الأولي صوّب محمود عبد الغني طلقته نحو القمر، وهو طموح يعدنا بأعمال تالية أكثر اكتمالاً وأصلب عوداً.
"لم أعد آكل المارون جلاسية" الكتاب السادس لعادل أسعد الميري، وفيه كما في أعماله جميعا يبدو كمن ينبش في ذاكرته المتخمة بالتفاصيل، ربما ليعيد اكتشاف نفسه مرة أخري. عادل الميري درس الطب، وعمل عازف جيتار، ثم مرشدا سياحيا، ثم مترجما، هرب من منزل أهله إلي القاهرة عمل في الملاهي الليلية، ثم وفر له عمله في الإرشاد السياحي أن يسافر في كل ربوع مصر، تزوج وسافر إلي فرنسا ومنها تجول في العالم وعاد بزوجة مريضة ونفس محطمة ..عاش حياة ثرية ومليئة بالمتناقضات والأحداث، سرد تفاصيلها الغريبة في كتابه الممتع "كل أحذيتي ضيقة" لكنه رفض أن يسجل هذا كله كسيرة ذاتية، وتكرر الأمر نفسه في الكتاب الأخير.
عادل الميري:
سأتوقف عن الكتابة لو سيطر التيار الديني علي عقول الناس!
"لم أعد آكل المارون جلاسية" عنوان ملفت لكتاب يروي تجربة قاسية مع المرض والألم، يقول الميري: منذ أفلام السينما المصرية في الأربعينيات، وكلمة مارون جلاسيه من ضمن الصفات التي تستعمل لوصف المرأة الجميلة الغالية الثمن، ومن المعروف كذلك أنه من الحلويات التي اشتهرت فرنسا بصنعها، وحيث إن ريتا (بطلة العمل) كانت جميلة، وإنها كانت فرنسية، وجدت أن هذا العنوان مناسب. وقد نصحني بعض أصدقاء "شلة ميريت" باستعمال عنوان مختلف لأن شباب الجيل الحالي لا يعرف المارون جلاسيه، بعد أن وصل ثمن الكيلوجرام منه في جروبي سليمان باشا إلي 625 جنيها، وفكرت في عنوان الفصل الأول "السقوط من الطابق الرابع" علي أساس أنه ذروة الحدث، وفكرت كذلك في "رحلة ريتا إلي الهند"، ولكن محمد هاشم وافقني فورا علي العنوان الحالي. وبالمناسبة فإنه بالبحث في القاموس ستجد أنه يعطي التعريف التالي للمارون جلاسيه (كستناء مطبوخ بالسكر)، والكستناء هو ما نسميه في مصر (أبو فروة).
لا يجد الميري حرجا في أن يقول أنه لم يكن يخطط ليكون كاتبا، وربما يكون ذلك واضحا من سيرته كدارس للطب، وعازفا، ومرشدا سياحيا، لكن لأعماله دائما قصصا مختلفة وان كانت جميعها تدور حوله هو، يقول الميري إن أغلب أعماله المنشورة بدأت في كراسات مذكرات، "أول شيء كتبته في (كل أحذيتي ضيقة) كان الكراسة الخاصة بقصة لولا مغنية شارع الهرم، وكان هذا سنة 1977، ولم تنشر ضمن العمل الروائي إلا سنة 2010، وثاني شيء كتبته في (كل أحذيتي) كان مذكرات الطفولة، وذلك عندما ترددت لمدة ستة أشهر علي طبيبة أمراض نفسية سنة 1998
أما (مارون جلاسيه) فقد بدأ العمل فيها سنة 1993، يقول: عندما عادت ريتا من الهند، ثم بدأت تقص عليّ ما حدث لها هناك، وتساءلنا هل المسألة تتعلق بالسحر الأسود، أو بلعنة ألقاها عليها مدرس اليوجا الشرير، أم أنها مسألة مرض عقلي مرتبط بنقص مادة الليثيوم في الدم، كما يقول الأطباء. وفي الحقيقة لم تكن هناك كراسة كتبت فيها ريتا رحلتها إلي الهند، ولكنها كانت تحكي لي بالتدريج، وكنت أقوم أنا لأسجل أفكاري في كراستي، فقط لحصر هذه الأفكار ومعرفة حقيقة مرضها، ومحاولة مساعدتها لاجتياز المحنة، وهكذا تراكمت الصفحات حول موضوع المرض بالتدريج، عندما كتبت تفاصيل حادث السقوط من الطابق الرابع في مارس 1994، والعلاج في فرنسا، ولم أنته من هذا العمل إلا قبل النشر بأسبوعين، لأني كنت كلما بحثت في كراسات قديمة، اكتشف أنه يمكنني إضافة المزيد من التفاصيل.
الميري يكتب منذ سنة 1968 وقت أن كان في الخامسة عشرة من عمره، في كراسات وصلت حاليا إلي أكثر من 150 كراسة كما يقول، "أحتفظ بها كلها مرتبة ترتيبا زمنيا، أكتب فيها يومياتي وانطباعات عن شخصيات في حياتي، وعن قراءاتي أو عن أفلام سينمائية شاهدتها، ثم عن رحلاتي داخل مصر، ثم خارج مصر، وهكذا".
كل كتابات الميري بها ملامح واضحة جدا من سيرته لكنه ورغم ذلك يصر علي أن تحمل كتبه عناوين اليوميات أو الروايات، هل تخاف أن تكتب سيرتك؟ سألته وأجاب: "أيام" طه حسين نشرت في ثلاثة أجزاء، وجزؤها الأول لا يمكن اعتباره سيرة ذاتية، بل عملا روائيا متكاملا، كما أن "أديب" بها الكثير من حياته. وتوفيق الحكيم كتب "عودة الروح" و"عصفور من الشرق" و"يوميات نائب في الأرياف" و"سجن العمر" وكلها أعمال أدبية متكاملة رغم كونها مستوحاة من سيرته الذاتية، و"موسم الهجرة إلي الشمال" للطيب صالح، وأنت تعرف جيدا أن الأمثلة لا نهاية لها، فإذا ذكرنا مثلا واحدا من الأدب الفرنسي، مثل رواية "جرمينال" لاميل زولا، وهي عن معاناة عمال مناجم شمال فرنسا، كانت قد كتبت لأن المؤلف عاش فترة معهم هناك، لا أكثر ولا أقل. هل تريدني أن أكتب عن عمال مناجم الواحات المصرية، رغم أني لم أعش معهم إطلاقا؟ أنا لن أكتب أبدا إلا عن أشياء عشتها بنفسي(!). في العام الحالي قرأت مثلا "بيت النار" لمحمود الورداني، و"كيس ثقيل أسود" لعمرو عاشور، وهما روايتان مكتملتا التكوين، وان كانت ملامح السيرة الذاتية واضحة فيهما.
الرواية أفضل من السيرة يضيف الميري- لأنها تفتح أمام الكاتب المجال للتأمل في الحدث، وللبوح بمكنون النفس، ولحرية الحركة، أكثر بكثير من السيرة الذاتية، التي تهتم أكثر بأسماء الناس، وبتواريخ الأحداث، كنوع من التسجيل والتوثيق والأمانة العلمية، أما الرواية فموضوعها القلب لا العقل. لاحظ كذلك أن من لا يعرفني لا يعرف أن هذين العملين الأخيرين لي "أحذيتي ضيقة" و"مارون جلاسيه" هما من سيرتي الذاتية. وأنا لم أذكر في أي منهما أية أسماء حقيقية، كما أني تجنبت ذكر التفاصيل التي يمكن أن تشير إلي شخص بعينه، ومع ذلك فأنا لا أخاف من كتابة سيرتي والسبب هو أنه لم تعد لدي أسرة، أخاف عليها أو أخاف منها، ولكني أجد أن القالب الروائي أكثر تشويقا، ثم من أنا حتي يقرأ لي أي قاريء سيرتي الذاتية؟ أما الرواية فالقاريء يتوقع منها قدرا من المفاجأة والتشويق.
- هل يعني ذلك انك ستكون محور أعمالك القادمة أيضا؟
لا أعرف بعد، وإن كان لدي علي الكومبيوتر ثلاثة ملفات مفتوحة، هي نتاج إعادة قراءة كراساتي القديمة، وإعادة التأمل في بعض أحداث حياتي، وقد أصل في أحد هذه الملفات إلي شيء جديد، فكرة جديدة أو شكل جديد، لا يجب أن تنسي أنني قضيت عشرة أعوام كموسيقي في شارع الهرم، وعرفت عددا كبيرا من نجوم الغناء الحاليين في بداياتهم المتواضعة جدا، وأني كذلك قضيت سبعة عشر عاما مرشدا سياحيا، وقابلت شخصيات غريبة جدا سواء من الأجانب أو من المصريين، كما أني لم أذكر بعد كل ما أعرفه عن غرائب مجتمعات الأجانب في القاهرة، كما أن الحياة في فرنسا قد توحي إلي بعمل لم تتحدّد ملامحه بعد. هناك كذلك رغبة دفينة قوية، في وضع كتاب عن قصة حبي للفنون بشكل عام، وللموسيقي والسينما بشكل خاص، وغالبا لن يتخذ هذا الكتاب الشكل الروائي. لا شك أن هناك لذة هائلة في الكتابة، خاصة عندما يشعر الكاتب أن هناك ما يريد أن يقوله، وعندما يجد الكاتب من يقرأ له باهتمام وإنصات. أما إذا لم يعد هناك ما يقال فيجب علي الكاتب أن يصمت، وهو ما عبر عنه مثلا يحي حقي في عنوان كتابه الأخير "كناسة الدكان"، وأعاد أستاذنا بهاء طاهر الأسبوع الماضي استعماله في حوار معه في أخبار الأدب. علي فكرة قد لا أكتب أي شيء بعد الآن علي الإطلاق، إذا تغير المناخ العام في مصر، ووصل التيار الديني إلي السيطرة علي عقول الناس، وإن كنت أتمني ألا تصل الأمور إلي هذا المدي.
متاجر الكُتب المستقلة تتداعي في الولايات المتحدة وبريطانيا
وفرنسا تتباهي بألفين وخمسمائة مكتبة
قراء فرنسا يذهلون العالم
يُصِر الفرنسيون - كما هي العادة - علي الاختلاف، ففي الوقت الّذي تتداعي فيه متاجر الكُتب المستقلة في الولايات المتحدة وبريطانيا، يشهد سوق الكتاب الفرنسي تحسناً ملحوظاً! تتباهي فرنسا بألفين وخمسمائة متجر كُتب، و مقابل كل متجر كُتب يُغلق أبوابه في الجوار، يبدو أنّ متجراً آخر يُفتح. من سنة 2003 وحتّي 2011 زادت مبيعات الكُتب في فرنسا بنسبة 6.4 بالمائة.
الكُتب الإلكترونيّة مسئولة عن 1.8 بالمائة فقط من الاستهلاك العام في سوق النشر، مقابل 6.4 في الولايات المتحدة، إذ يحمل الفرنسيون توقيراً للصفحات المطبوعة يعود لعدة قرون،"ثمّة شيئين لا يمكنك رميهما في فرنسا الخبز والكُتب" قال برنار فيكسوت، صاحب و ناشر xo ، و هي دار نشر صغيرة متخصصة بصناعة الكُتب الأفضل مبيعاً "في ألمانيا يُمنح الوضع الاجتماعي الأبرز للموسيقيين، وفي إيطاليا للرسّام، لكن من هو المبدع الأهم في فرنسا؟ إنّه الكاتب".
العام الماضي، راقبت دور النشر الفرنسيّة مذعورة الكُتب الإليكترونيّة تلتهم سوق الكتاب المطبوع في الولايات المتحدة، وقد نجحت في الضغط علي الحكومة لتثبيت أسعار الكتاب الإلكتروني هو الآخر. الآن، تقرر دور النشر بنفسها سعر الكتاب الإلكتروني، وأي خصم آخر ممنوع. ثمّة مؤسسات تمولها الحكومة أيضاً تعرض منحاً وقروضاً بدون فوائد لمن ينوون افتتاح متاجر كُتب.
التباين بين مصير المكتبات الإنجليزيّة والفرنسيّة تدور رحاه في باريس هذه الأيام. ففي الشهر المُقبل، بعد ثلاثين عاماً في تجارة الكُتب، ستغلق مكتبة الكّتب الإنجليزيّة الأبرز في باريس أبوابها. طوال جيل كامل قام مؤلفون كديفيد سداريس وسوزان سونتاج وريموند كارفر ودون دليللو بقراءة أجزاء من أعمالهم والإدلاء بأحاديث في المكتبة، صوت القريّة، الكائنة بأحد أكثر الشوارع أناقة بسان جرمان دوبريه "حين ألقي ستيفن سبندر مُحاضرةً بالمكتبة، كانت ماري مكارثي بين الحضور" حسبما كتب هازل رولي في مقال عن المكتبة عام 2008 ، "ذات ليلة قدّم إدموند وايت جوناثان رابان في وجود بروس تشاتوين بين الحاضرين" لكن مكتبة صوت القريّة لا يمكنها النجاة من الحسومات البالغة التي يقدّمها أمازون وباعة الكتاب الإليكتروني. وقد خيّم شبح الفقدان علي الحشود بليلة السبت حين انحشر المئات في المكتبة وتدفقوا بالشارع الضيق حداداً علي موت المكتبة. تقول أوديل هليار، مؤسسة وصاحبة المكتبة،"أريد أن تعرف مدي الامتياز الّذي أحظي به إذ يأتي المرء ويجلس برفقتي في وكري الصغير الضيق المُظلم في آخر المكتبة، للثرثرة بشأن الكُتب والكتابة والحياة" وتردف،"سأفتقد جداً تلك اللحظات ولا يسعني إلا أن آمل أن أعثر علي حجرة صغيرة أخري حيث يمكنني الجلوس فيها وأتقاسم الأفكار وكل شيء آخر".
تحت السطح، ثمّة تنبؤات أنّ فرنسا تؤجل فحسب ما لا مفرّ منه، وأنّه آجلاً أو عاجلاً ستسود قوانين السوق، فعلي الرغم من النداء الّذي وجهته مكتبة الحي إلا أنّ ثلاثة عشرة بالمائة من الكتب الفرنسيّة بيع عَبر الويب العام الماضي. وبحسب اتفاق أعلن عنه جوجل هذا الشهر مع اتحاد الناشرين الفرنسيين وجمعيّة الكُتّاب، علي دور النشر طرح إصدارات رقميّة من إصداراتها كي يبيعها جوجل. حتّي الآن تتعرض مبيعات الكتاب الإليكتروني للتباطؤ في فرنسا وأغلب أوروبا في جزء منها بسبب الخلاف علي الحقوق. "نحن في وقت الاستكشاف، التجربة والخطأ، التجريب "حسبما كتب برونو راسين، رئيس المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، في كتابه الصادر عام 2011 جوجل و العالم الجديد " سيناريوهاتي مُتخيّلة. الأقل احتمالاً لا ريب مقاومة مُنتصرة للكتاب المطبوع".
إ.م.فورستر يبدو رومانتيكيّاً ، وهنري جيمس يحدِق مشاكساً:
كلاسيكيات بنجوين بتصميمات جديدة
في الستينيات، صارت كُتب مكتبة بنجوين للأدب الإنجليزي أيقونات بتصميم الكُتب، لكن، تسأل أريفا أكبر في صحيفة الاندبندنت البريطانيّة، هل يّمكن أنّ يُشكّل إعادة إطلاق السلسلة حكاية نجاح كُبري أخري؟
حين أطلقت بنجوين سلسلتها من الكُتب الشعبيّة أول مرّة مستهدفةً الجيش المتنامي من طلاب الأدب الإنجليزي بالستينيات، فتحت دار النشر باباً سحريّاً لآلاف القراء. كانت سلسلة العناوين المائة والخمسين في مكتبة بنجوين للأدب الإنجليزي (PEL) رخيصة جداً بأغلفتها التي حملت صوراً مُشرقة في وقت كانت فيه أغلفة الكُتب باهتة الألوان مُضجرة وحققت مبيعات تجاوزت ملايين النُسخ. الآن، بعد أكثر من ربع قرن من بلوغ السلسلة نهايتها، ستعيد بنجوين سلسلتها للأدب الإنجليزي، بمجموعة من مائة غلاف رفيعة الذوق في تصميماتها وعلي النقيض مع الأغلفة الأصليّة، تجريديّة بشكل لافت.
قرر سيمون وندر، مدير النشر في بنجوين، بعث السلسلة أثناء وجوده بالمتحف الوطني للفن البريطاني Tate Britain ذات يوم العام الفائت، ورؤية روّاد المتحف من المراهقين يستنسخون الأعمال الفنيّة." دفعني هذا للتفكير بغرابة ألا يكون المرء قد قرأ كُتباً مثل مرتفعات وذرنج إلي الآن، وخطر لي أنّ عليّ واجبا بجعل هذا المشهد جذّاباً قدر الإمكان".
الأغلفة القديمة، بكعوبها البرتقاليّة المميزة وحروفها اللتراسيت، سيتردد صداها مع قراء من سِنّ مُعينة. كان من أثر تلك الأغلفة أن صارت مُرادفاً للكتاب التقليدي الّذي كانت تقدّمه."بالنسبة لآلاف القراء، تُمثِّل المرأة فوق الدّرج بالعباءة الحمراء افتح يا سمسم لرواية جورج إليوت ميدلمارش، و لجورج إليوت " يقول وندر، ويُردِف، يُمكن لأغلفة الكُتب أن تحوز أثراً بافلوفيّاً :" الكعوب وحدها كافية لإيقاظ ذواتنا الأفضل الأكثر شباباً مرّة أخري، ومتي التقطنا الكتاب من فوق الرفّ، كأنّنا نمسكُ مكعباً ضحلاً من الذكريات".
تُركِّز السلسلة الجديدة التي صممتها كورلي بيكفورد سميث، علي جمال وأناقة الكتاب، وقد تجرّدت المحتويات من جميع الأشياء الإضافيّة التي تصرف الانتباه عن النصّ، مثل المقدمات الطويلة والهوامش. ستُبرِز تلك الكُتب فحسب صورة ملتويّة للمؤلف إ.م.فورستر يبدو رومانتيكيّاً بدلاً من فرط احتشامه المعهود، هنري جيمس يحدّق مشاكساً وستضم كذلك صفحة العنوان الأصليّة التي تحمل العناوين الكاملة للروايات، والتي اُختصرت بعضها منذُ فترة، مثل رواية تشارلز ديكنز »أوقات عصيبة« بالنسبة لتلك الأوقات. سيظهر مقال في النهاية د.ه.لورانس يكتب عن إدجار ألن بو، هارولد بلوم عن مغامرات هكلبري فنّ، إليزابيث بوين عن برسويشن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.