مصطفى عبد الغني نائبًا لرئيس جامعة الأزهر لفرع البنات    وزير الاستثمار يبحث مع كبار مسؤولي «ماريوت الدولية» بواشنطن فرص التوسع الفندقي في مصر    أسقفية الخدمات عضو التحالف الوطني تُنفذ قافلة طبية للأطفال بمركز تنمية الأسرة والطفل    قائمة حديثة.. تعرف على أكثر وأقل المحافظات المصرية إنجابا    التلفزيون السوري: أحمد الشرع يزور روسيا غدًا بدعوة من بوتين    نيمار يقترب من الدوري الإيطالي مجانا    تصفيات كأس العالم، جنوب أفريقيا تتقدم على رواندا بهدفين في الشوط الأول    رضا عبد العال: المنتخب مالعبش كرة من أيام حسن شحاتة.. والتأهل لكأس العالم 2026 "مش إنجاز"    إنفانتينو يشيد باتفاق وقف الحرب في غزة: كرة القدم تساهم في نشر السلام    "عاوز يسجنه".. شوبير يكشف كواليس مكالمته مع طارق مصطفى بسبب أحمد ياسر    إخماد حريق اندلع في سيارة شرق الإسكندرية    استجابة ل«أهل مصر».. قرار جديد من تعليم قنا بعد احتجاجات أولياء الأمور: إعادة العمل بنظام "الثانوية العامة منازل"    بناء سور حول كوبرى قنطرة حواس بأسيوط بعد انقلاب تروسيكل راح ضحيته 5 تلاميذ    بعد وفاة 5 طلاب إثر انقلاب تروسيكل بمنقباد.. أهالي القرية يشيدون سورًا على نفقتهم    شهيرة تكشف تطورات الحالة الصحية ل آيات أباظة: «خضعت لعملية مدتها 5 ساعات»    أمين مساعد نقابة المهندسين: الخبرات المصرية تسهم في تسريع وتيرة إعادة إعمار غزة    هل تمويل شراء الشقة من البنك يُعد ربا؟.. «الإفتاء» توضح    فريق إشراف من مديرية الصحة بالإسماعيلية يتفقد مستشفيات التل الكبير    وكيل صحة بنى سويف يحيل طاقم النوبتجية بمركز حضانات سدس للتحقيق    الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    عضو بحزب النهضة الفرنسي: اعتراف باريس بفلسطين مهّد لتوافق أوروبي بشأن حل الدولتين(فيديو)    مدير مكتب تأهيل الخصوص في تزوير كروت ذوي الإعاقة: «طلعتها لناس مكنش ليهم محل إقامة عندي» (نص التحقيقات)    طريقة عمل شيبسي صحي في المنزل.. بدون أضرار    خبر في الجول - الزمالك يعتذر عن عدم المشاركة في البطولة العربية لسيدات الطائرة    في هذا الموعد.. محمد فؤاد يستعد لإحياء حفل غنائي ضخم في بغداد    عاهل الأردن يبحث تعزيز التعاون مع إيطاليا وهنغاريا وسلوفينيا خلال جولة أوروبية    وكيل شباب ورياضة الجيزة يتابع تطوير مركز شباب الديسمي لخدمة المتضررين من السيول    مجلس عمداء جامعة كفر الشيخ يناقش انتظام الدراسة وتفعيل المبادرات الوطنية    نادي أدب البادية يواصل فعالياته في بئر العبد في شمال سيناء    ميريهان حسين: «أصور فيلم جديد مع هاني سلامة.. واسمه الحارس»| خاص    «منتصف النهار» يبرز الإشادات الدولية بدور مصر في وقف الحرب على غزة    أرقام تفصيلية.. إطلاق سراح 3985 أسيرا فلسطينيا خلال صفقات التبادل    تناولت مادة مجهولة.. مصرع طالبة في الصعايدة بقنا    البلوجر مونلي في التحقيقات: شاركت في لايفات سوزي الأردنية مقابل 15 ألف جنيه    رئيس جامعة القاهرة: إتاحة أحدث الإمكانات والمعامل لطلاب "الأهلية" لتلقي أرقى الخبرات    مكاسب مالية وحب جديد.. الأبراج الأكثر حظًا نهايات عام 2025    احتفالا بذكرى انتصارات أكتوبر.. الرقابة الإدارية تنظم ندوة حول مكافحة الفساد ببورسعيد    ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل    كيف تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي أفكارًا مميتة للمستخدمين؟ دراسة تحذر من التلاعب بالأسئلة    موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 يبدأ يوم 23 الشهر الجاري    دار الإفتاء توضح حكم ارتداء الأساور للرجال.. متى يكون جائزًا ومتى يُمنع؟    كامل الوزير يسلم شهادات التحقق من تقارير البصمة الكربونية ل6 شركات محلية    المرجان ب240 جنيهًا.. قائمة أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بسوق العبور اليوم الثلاثاء    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    «الصحة» تنظم يوما علميًا للتعريف بالأدلة الاسترشادية بمستشفى المطرية التعليمي    المدرب العام للمنتخب: شريف ليس في حساباتنا.. ونحتاج للاعب يخلق الفرص لنفسه    ماكرون: الأسابيع والأشهر المقبلة ستشهد هجمات إرهابية وزعزعة للاستقرار    وفد رفيع المستوى من مقاطعة جيانجشي الصينية يزور مجمع الأقصر الطبي الدولي    عمر عبد العزيز وشيرى عادل لجنة تحكيم مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا    الحركة الوطنية: قمة شرم الشيخ نقطة تحول استراتيجية.. وتأكيد على ريادة مصر    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة وفرص ضعيفة لأمطار خفيفة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    تصفيات كأس العالم - رأسية فولتماده تمنح ألمانيا الفوز على إيرلندا الشمالية وصدارة المجموعة    «اليونسكو» تكرم الدكتور نصرالدين العبيد مدير «أكساد»    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مارون بغدادي الباحث عن هوية لبنان
نشر في نقطة ضوء يوم 07 - 07 - 2016

كان فوز الفيلم اللبناني “فيلم كتير كبير” للمخرج ميرجان بوشعيا بجائزة “النجمة الذهبية” في مهرجان مراكش السينمائي الدولي الأخير، مفاجأة كبيرة ليس فقط لأن الجائزة جاءت من لجنة تحكيم كبيرة ترأسها المخرج الأميركي المرموق فرنسيس كوبولا، بل إن الفيلم من الإنتاج المستقل الصغير محدود الإمكانيات. ومن ناحية أخرى الفيلم يمثل قطيعة مع موضوع الحرب الأهلية اللبنانية الذي طغى على مجمل إنتاج الأفلام اللبنانية خلال أكثر من خمسة وعشرين عاما.
كانت المخرجة نادين لبكي في فيلميها “سكر بنات” (2007) و”هلق لوين” (2011) قد ناقشت هشاشة الوضع اللبناني في الداخل الذي يمكن أن ينفجر في أيّ لحظة نتيجة خلافات طائفية، لكنها تنتصر في فيلميها للمرأة ودورها في مقاومة مناخ التعصب والكراهية، وهو نفس ما يحذّر منه على صعيد كوميدي فيلم “فيلم كتير كبير”، أي أن أشباح الحرب الأهلية لم تبتعد تماما عن مخيلة السينمائيين اللبنانيين من الأجيال الشابة التي إما أنها لم تعاصر الحرب إلا في طفولتها، أو لم تعاصرها على الإطلاق.
ومن الممكن القول إن المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي، هو مخرج الحرب الأهلية اللبنانية بامتياز، ويعتبر من قلائل السينمائيين العرب الذين استطاعوا بجرأة اقتحام صناعة السينما في الغرب، معبّرا في معظم الأفلام التي أخرجها عن أفكاره وهواجسه ورؤيته الخاصة لما شهده وطنه لبنان من أحداث درامية جسيمة على مدار أكثر من خمس عشرة سنة هي عمر الحرب الأهلية اللبنانية، وما نتج عنها من جراح عميقة لا تزال غائرة في الذاكرة.. ذاكرة كل من عايشوا أحداثها الأليمة.
درس بغدادي السينما في باريس ثم عاد إلى لبنان ليخرج فيلمه الروائي الطويل الأول “بيروت يا بيروت” عام 1975 في بداية الحرب الأهلية اللبنانية. غير أن هذا الفيلم تأخّر عرضه لعدة سنوات فلم يعرض سوى عام 1979، ومع توسع الحرب وبروز طابعها الطائفي، تم إتلاف أشرطته.
في هذا الفيلم الذي أسند بطولته إلى الممثل المصري عزت العلايلي، يبتعد بغدادي تماما عن القوالب الشائعة في السينما المصرية واللبنانية، لكي يطرح موضوعا حميميا عن مدينته بيروت التي تحلّق فوقها سحب داكنة تنذر بالخطر القادم، خطر الانفجار. ولذا يمكن القول إن رؤية بغدادي في فيلمه الأول كانت بمثابة نبوءة بما سيقع بعد قليل.
انضم بغدادي إلى جبهة الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط، وأصبح السينمائي الرسمي لهذه الحركة عن قناعة. ومن هنا جاءت أغلب أفلامه الوثائقية والتسجيلية، ونذكر منها” “الجنوب بخير طمنونا عنكم”، “الأكثرية صامدة”، “كفر كلا”، “تحية لكمال جنبلاط”، “أجمل الاأهات”، “الشهيد”، “كلنا للوطن”، و”حكاية قرية وحرب”.
الإدانة
غير أن مارون بغدادي مع تفكك السلطة في لبنان من جراء الحرب ووقوع عملية الاستقطاب الحاد في أوساط المثقفين على أسس طائفية، انتقل أولا إلى تصوير الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل في خطاباته على شرائط الفيديو، ثم اتخذ موقفه الخاص من الصراع اللبناني الذي يتلخص في إدانة كل الأطراف. هذا الموقف ربما كان هو ما سيدفعه فيما بعد إلى الهجرة إلى فرنسا.
بعد “تحية إلى كمال جنبلاط” (1977) أخرج بغدادي في عام 1979 فيلما وثائقيا طويلا هو “كلنا للوطن” من إنتاج الحركة الوطنية اللبنانية، وتصوير حسن النعماني ووضع له الموسيقى مارسيل خليفة. وهو فيلم من مقاس 16 مم بالألوان، يصور من خلال مقابلات مع أشخاص متعددين، سواء من رجال الشارع اللبناني أو قيادات في حركة المقاومة في الجنوب اللبناني، على خلفية التدخلات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، وفيه يمزج بغدادي بشكل ساخر، بين لقطات للأطفال وهم يجاهدون لترديد كلمات النشيد الوطني اللبناني مع لقطات من الحرب الأهلية والخطابات الرنانة لزعماء الميليشيات المختلفة والاستعدادات العسكرية.
قبله في عام 1978 كان بغدادي قد أخرج فيلما وثائقيا قصيرا (24 دقيقة) بعنوان “حكاية قرية وحرب” وكان الفيلم يوثق للغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية ويتضمن مقابلات مع عدد من سكان القرى الجنوبية الذين يصفون معاناتهم تحت الاحتلال. وقد عرض هذا الفيلم في الأمم المتحدة بناء على طلب من غسان تويني المندوب اللبناني في المنظمة الدولية، ولعب بالتالي دورا كبيرا في صدور القرار 425 الذي يطالب بانسحاب إسرائيل من لبنان.
حروب صغيرة
وفي عام 1982، أخرج بغدادي فيلمه الروائي الثاني الذي ربما كان أهم أفلامه وأكثرها صمودا للزمن. هذا الفيلم هو “حروب صغيرة” الذي تعاون معه على تنفيذه تقنيون من فرنسا والولايات المتحدة وحصل على تمويل فرنسي لإنجازه.
في “حروب صغيرة” يعبر مارون بغدادي عن “فلسفته” الخاصة إزاء ما يجري في لبنان من خلال شخصيات من اليمين ومن اليسار، من الطوائف الرئيسية المتصارعة” المارونيون والدروز والشيعة.
هنا شخصيات تتميز باستشراء الروح القبلية في نفوسها، تلعب بها المصالح الطبقية، تجعلها تتخفى في شعاراتها، غير أنها في الحقيقة شخصيات ضائعة تبحث عن نفسها في خرائب بيروت، فلا تجد لها أثرا، ومن ثم يصبح البديل الأكثر إلحاحا أمامها هو التطلّع للهجرة إلى الخارج.
في “حروب صغيرة” اتضحت أكثر موهبة مارون بغدادي وحساسيته السينمائية العالية في التّعامل مع الصورة وحركة الكاميرا، في التحكم في الإيقاع العام لفيلمه، وفي التعامل مع الممثلين، والأهم، في اقتناص لحظات مشحونة بالصدق في واقع شديد السخونة والتوتر.
غير أن بغدادي بعد أن أنجز هذا الفيلم، وجد نفسه عاجزا عن العمل في ظلّ سينما لا وجود لها حسب المعطيات العلمية المعروفة، فليست هناك بنية اقتصادية أو تقنية، كما أن قاعدة الجمهور تفتتت، فكان أن حزم أمره واتخذ من باريس موطنا له. وبدأ مارون العمل في نطاق السينما الفرنسية مستثمرا خبرته السابقة في لبنان، دون أن يتخلى عن هاجسه اللبناني بالطبع.
إن ما يميز حالة مارون بغدادي ربما كان شعوره الشخصي الحاد بأزمة “الهوية” هل هي هوية لبنانية أم متوسطية أم عربية أم كل هذه الهويات مجتمعة، وكيف يمكن انطلاقا من الوعي بهذه الاشكالية التعامل مع العلاقة بين الشرق والغرب، وهو الموضوع الذي سيفرض نفسه على الفيلمين التاليين له؟
في فيلم “الرجل المحجّب” الذي أخرجه في فرنسا عام 1987 وقام ببطولته ميشيل بيكولي وبيير جيرادو وميشال ألبرتيني، يناقش مارون بغدادي موضوع الحرب اللبنانية كما تنعكس على أبناء الجالية اللبنانية من المهاجرين في باريس.
طبيب لبناني عاد مؤخرا من بيروت إلى باريس لكي يبحث عن ابنته الشابة التي تركها وحدها قبل أربع سنوات في العاصمة الفرنسية لكي يجنّبها ويلات الحرب في بلدها. هو يعود منهكا محطما من جرّاء التجربة، تجربة الحرب التي شارك فيها، لكنه من ناحية أخرى مكلف بمهمة لا يستطيع التنصل منها، فلكي تسمح له الميليشيا التي ينتمي إليها بالاستقرار في باريس، عليه أن يقوم أولا بقتل شاب يدعى “كمال” تمرد على العشيرة نفسها وانغمس يعمل في باريس في تجارة المخدرات وشرائط الفيديو الإباحية.
لكن ابنة الطبيب ترتبط بعلاقة عاطفية مع كمال، وترى في أبيها مثلا أعلى باعتباره مناضلا من أجل لبنان بأسرها، لكن كمال يهدم هذه الصورة عندما يجعل الفتاة تشاهد شريطا مصورا يظهر فيه الأب وهو يمارس القتل وسفك الدماء في لبنان تحت شعارات طائفية. وهناك من ناحية أخرى، أبناء العشيرة أو الطائفة الأخرى الذين يحاولون اختطاف الفتاة وقتلها انتقاما من والدها.
من الناحية الفنية ينتمي الفيلم الى مدرسة تعرف ب”الفيلم- نوار”، وهو تعبير أطلقه نقاد فرنسا واستقر كمصطلح من مصطلحات النقد السينمائي، على الأفلام البوليسية التي ظهرت في فرنسا وأميركا في الأربعينيات من القرن الماضي وتميزت بأجوائها الغامضة، وإضاءتها الخافتة، وشخصياتها التي تدفعها الأقدار إلى مصائرها دفعا. ورغم الوجود المباشر لموضوع الصراع الداخلي اللبناني في هذا الفيلم، فقد رفض مارون بغدادي اعتباره فيلما عن الحرب اللبنانية، بل كان يصر على اعتباره فيلما عن مدينتين لكل منهما سحره الخاص: باريس وبيروت، معتبرا رحلة الشخصيات بينهما رحلة عبر الخيال تترك تأثيرها عليهم جميعا.
خارج الحياة
الموضوع اللبناني ظلّ يلحّ على مارون بغدادي فأخرج بعد هذا فيلما بعنوان “لبنان أرض السمن والعسل” من نوع الدراما التسجيلية، صنعه لحساب التلفزيون الفرنسي، عن تجربة الأطباء الفرنسيين في العمل في المستشفيات اللبنانية زمن الحرب.
غير أن أكثر أفلام بغدادي إثارة للجدل كان فيلم “خارج الحياة” الذي أخرجه عام 1991 عن مذكرات الصحفي الفرنسي روجيه أوك خلال فترة احتجازه كرهينة في بيروت لمدة 362 يوما عامي 19821983. والفيلم من الإنتاج الفرنسي، ورغم أن أجزاء كثيرة منه مصورة في بيروت بل وناطقة باللغة العربية، فقد رأى البعض أن موضوعه يبدو وقد صنع طبقا للمواصفات الشائعة في السينما الغربية حول موضوع الحرب اللبنانية. هنا نرى استخداما واضحا للقوالب والأنماط المألوفة في أجهزة الإعلام المصور في الغرب للتنظيمات الإسلامية الشيعية.
ورغم أن الموضوع سياسي بالضرورة إلا أن تركيزه الأساسي هو على إبراز المأساة الإنسانية التي تعرض لها الصحفي الفرنسي تجعل الفيلم يتوقف عند تقسيمة “الأشرار والأخيار”، أو بالأحرى يصور شخصياته اللبنانية وقد بلغت درجة النذالة المطلقة، والفرنسي ضحية بائسة لا يمكنه الحصول على أدنى قسط من التعاطف من جانب خاطفيه رغم تأكيده المتواصل لهم بأنه يحب بلدهم، بل ويتمادى في تأكيد حبّه لهم عندما يقوم بغناء إحدى أغاني فيروز بصوته بالاشتراك مع أحد مختطفيه!
كان “خارج الحياة” رغم ذلك، وسيظل بلا شك، أفضل أفلام مارون بغدادي من الناحية الفنية ففيه سيطرة مدهشة على كل تفاصيل العمل السينمائي: الحركة والمونتاج والتصوير والتمثيل. لذلك لم يكن مفاجئا أن يحصل على جائزة خاصة من لجنة التحكيم في مهرجان “كان” السينمائي في العام نفسه.
الفيلم الفرنسي
أما آخر ما أخرجه مارون بغدادي من أفلام فكان فيلم “ابنة الهواء” عن القصة الحقيقية لامرأة قامت بأكبر مغامرة من نوعها في فرنسا خلال العقد الماضي، عندما استأجرت طائرة مروحية وأغارت على سجن لإطلاق سراح حبيبها، ونجحت المحاولة بالفعل. وكان دافع المرأة هو الحبّ.
ورغم بساطة الفكرة، إلا أن بغدادي صنع منها عملا كبيرا بكل معنى الكلمة، لقد جعل من فيلمه أنشودة للجهد والمخاطرة الإنسانية، واحتفالا بالعاطفة المتأججة التي لا تعرف حدودا. وكان النجاح الهائل الذي استقبل به الجمهور هذا الفيلم أكبر نجاح في أوروبا لفيلم من إخراج مخرج عربي.
وإذا ما لخّصنا أهمية مارون بغدادي وسرّ تميزه بين أقرانه من السينمائيين العرب واللبنانيين، فسوف نرى أنه كان أكثرهم تأثرا في أعماله بواقع الحرب في بلده، بل إنه كان بالأحرى، نتاجا لها. ورغم ما قد يشوب بعض هذه الأفلام من سلبيات أو جوانب قصور، إلا أن محصلة عمل بغدادي ظلت تدور بصدق حول موضوعة الانتماء. وكان قد خبر تجربة العمل السياسي المباشر في لبنان، وقد ظل يدور سلبا أو إيجابا حول فكرة الانتماء إلى كيان أكبر من مجرد العشيرة أو الطائفة أو الحزب السياسي. وبما أن لبنان الذي كان يعرفه في الماضي، لم يعد كما كان، كيانا متماسكا ولو من الظاهر، فقد اختار مارون بغدادي الانتماء إلى عالم السينما، يعبر من خلالها عن أفكاره ورؤاه إلى أن رحل في ميتة تراجيدية كأنها مشهد من مشاهد أفلامه الدامية.
....
ناقد سينمائي من مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.