عزت العفيفى كما كان متوقعا لم يكد قطار المفاوضات المباشرة ينطلق من محطة واشنطن في 2 سبتمبر الماضي حتي توقف في26 من الشهر ذاته في محطة الاستيطان وهو توقف طبيعي ومنطقي جدا للمتابع للشأن الفلسطيني فالرئيس أبومازن دخل هذه الجولة تحت تأثير ضغوط أمريكية عنيفة وغير مسبوقة وصلت إلي حد تهديده ب العزلة وقطع التمويل الذي يأتيه من أوروبا عنه.. وهو ما اعترف به لاحقا كبار معاونيه.. أما ر ئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فدخل المفاوضات بهدف تصفية القضية الفلسطينية ومحاولة انتزاع اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية مما يعني التنازل طواعية عن حق عودة اللاجئين وإعطاء الضوء الأخضر لترحيل فلسطينيي الداخل "عرب 48" الذين يشكلون 20% من تعداد سكان إسرائيل ويشكلون صداعا في رأس قادتها ضمن ما يسمي بها جس القنبلة الديموجرافية، ونأتي للراعي الأمريكي الذي لم يثبت في أي مرة منذ انطلاق المفاوضات عقب اتفاقيات أوسلو أنه كان نزيها أو محايدا.. بل إن ما قدمه الرئيس أوباما من ضمانات لإسرائيل فاقت كل ما قدمه أسلافه وهو الذي صورته الميديا الإسرائيلية عندما كان مرشحا لمنصبه بأنه مرشح حماس فإذا به يتبني سياسات أسوأ من سياسات بوش الابن لكن مع تبديل الأقنعة. وقد جاء اختبار 26 سبتمبر موعد انتهاء التجميد الجزئي للاستيطان في الضفة الغربيةالمحتلة ليسقط الأقنعة عن المشاركين في مسرحية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي تحولت علي مدي 17 عاما إلي ما يشبه العبث حيث تتداخل الأحداث والأدوار وتفتقد أبسط معاني الحبكة الدرامية مما يجعل المتفرجين يصابون بالتثاؤب والملل من تفكك النصب والأداء الهزلي للمشاركين في تمثيله وحتي لو اضطروا إلي الضحك فهو ضحك أقرب إلي البكاء من هول ما أصاب القضية الفلسطينية التي كانت منذ زمن توصف بأنها قضية العرب المركزية. وفي زمن التهافت والضعف العربي الممزوج بالانقسام الفلسطيني صار من الطبيعي أن يأتي المبعوث الأمريكي جورج ميتشل إلي المنطقة ويغادرها تماما مثلما فعلت من قبل وزيرة الخارجية كونداليزا رايس وسابقها دينيس روس.. وأن يلتقي بالمسئولين في تل أبيب ورام الله وعمان والقاهرة.. وبعد سلسلة من الجولات الفاشلة التي لا تقدم ولا تؤخرا علي طريق رفع معاناة الفلسطينيين والاقتراب من حلم الدولة الفلسطينية، تتنادي واشنطن علي أبطال مسرحية السلام العبثية للمجيء إلي واشنطن والتقاط الصور التذكارية وإطلاق جملة من التصريحات المخدرة لزوم الحبكة الدرامية وبعدها يعود كل إلي حال سبيله ويترك أبومازن فريسة سهلة لنتنياهو ليستأسد عليه بالقوة المفرطة التي تضمن له التفوق العسكري علي جيرانه مجتمعين ويواصل ابتزازه وحتي الاستهانة به لدرجة أنه رفض مناقشة أي من قضايا الحل النهائي مما يجعل المفاوضات فاقدة للهدف والمعني واستمرارها مثل عدمه. وسواء جاء ميتشل أو عاد إلي بلاده أو المنطقة فلا يتعين أن نستبشر خيرا لأن التوقيت الحالي هو الأسوأ لحل القضية الفلسطينية..فماذا يتوقع أبومازن من نتنياهو وهو يجلس علي طاولة المفاوضات مجرداً من أي أوراق للضغط.. هل يضغط بورقة انسلاخ غزة عن الضفة أم بورقة صراعه مع حماس. هل يضغط بالانتفاضة وهو الذي لا يؤمن بالعمل المسلح ويضع نفسه في المعسكر المعادي لعسكرة الانتفاضة وهل يلوح بالذهاب إلي الأممالمتحدة وهو يعلم أن الفيتو الأمريكي لن يسمح له بذلك كما لن يسمح له بإعلان الدولة من جانب واحد ويبقي أن خياره الوحيد الذي لايزال محتفظا بمفعوله هو إعادة اللحمة إلي الصف الفلسطيني والالتقاء مع حماس وسائر الفصائل الفلسطينية في منطقة وسط تضع المصلحة العليا الفلسطينية في المقدمة علي ما عداها من القوي الخارجية سواء الولاياتالمتحدة بالنسبة لأبومازن أو إيران وسوريا بالنسبة لحركة حماس، المهم أن الراعي الأمريكي الذي استأثر لنفسه برعاية المفاوضات المباشرة وأصر علي استبعاد اللجنة الرباعية الدولية المؤلفة من روسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة إضافة إلي الولاياتالمتحدة بالطبع، فشل في إدارة أول اختبار.. أعني أزمة الاستيطان وهي تعد الأبسط والأسهل قياسا إلي قضايا أشد وأكثر تعقيدا مثل الحدود والقدس وموارد المياه وعودة اللاجئين حيث أخفق في ممارسة أي ضغوط حقيقية علي إسرائيل للتجاوب مع مطالبة.. والأسوأ من ذلك أنه ذهب كل مذهب لإرضاء نتنياهو واستعطافه من أجل تهديد وقف الاستيطان لمدة شهرين فقط مقابل عرض سخي يتضمن التعهد بعدم المطالبة مستقبلا بتمديد تجميد الاستيطان واستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لإجهاض أي مشروع عربي لانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلي جانب الالتزام بضمان التفوق العسكري لإسرائيل علي جيرانها وضمانات أخري تتعلق بالسلام والأمن وفي المقابل عرضت واشنطن علي أبومازن عدم الانسحاب مقابل دعم قيام دولة فلسطينية علي حدود 67 أو ما تبقي منها علي نحو أدق. لكن ماذا بعد أن انهارت المفاوضات المباشرة في زمن قياسة وسقطت أمام أول وأسهل اختبار؟ الولاياتالمتحدة التي تسعي للحفاظ علي سمعتها وفرض رئيسها وحزبه في انتخابات التجديد النصفي المقررة في 2 نوفمبر المقبل لن تكف عن الضغط علي الفلسطينيين والعرب لإنقاذ المفاوضات وإبقائها علي قيد الحياة حتي لو داخل غرفة الإنعاش علي الأقل لحين إجراء الانتخابات النصفية وقد يساعدها نتنياهو علي تنفيذ هذا المخطط عن طريق قبول عرضها السخي بعد طول تمنع ويعلن عن تجميد الاستيطان لمدة شهرين والإطاحة بشريكه في الائتلاف الحكومي أفيجدرو ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا علي أن يحل محله حزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني التي تتبني موقفا أقل تشددا من المفاوضات. أما أبومازن فقد أعلن حتي الآن أنه لن يواصل المفاوضات مع استمرار البناء في المستوطنات ولكنه لم يعلن انسحابه رسميا من المفاوضات المباشرة تحاشيا لإغضاب أوباما.. ولايزال ينتظر ما سيسفر عنه اجتماع لجنة المتابعة العربية في ليبيا غدا الجمعة لبلورة موقف عربي من المفاوضات سواء بالاستمرار أو بالانسحاب.. وإن كنا نستبعد أن يأتي قرار اللجنة مخالفا لقراراتها السابقة.