الظاهرة التي تستدعي الاهتمام، وتثير الانتباه، انه علي الرغم من تنوع الاعمال الدارمية التي يتم انتاجها هذا العام في مختلف الجهات الإنتاجية الحكومية والخاصة إلا أنها تجتمع جميعاً في كونها تخاطب الماضي وتداعبه، وتتعرض لحقبة زمنية كانت مليئة بالصرعات والاحتقانات والدليل علي هذا أن عدد المسلسلات التي تستدعي التاريخ وصل إلي عشر مسلسلات تتعرض لفترة خصبة من تاريخ مصر، سواء فيما يتعلق بالسيرة الذاتية لعدد من رجالات الفكر والأدب والدين والسياسة، ففي مسلسل "عدي النهار" نتوقف عند الفترة التي عاشتها مصر بعد هزيمة 67 إلي ما قبل حرب 73، وهي مرحلة لم تكن محل اهتمام الدراما أو تعكس رغبة في دراستها من حيث التعبئة النفسية والاقتصادية التي حدثت آنذاك إلي أن تحقق النصر، والعمل ومن تأليف محمد صفاء عامر وإخراج إسماعيل عبدالحافظ وبطولة صلاح السعدني ورزان مغربي. أما مسلسل "نسيم الروح" الذي كتبه المؤلف يسري الجندي فيرصد الفترة من 1900 إلي 1920، ويتناول فكرة الانتماء سواء لشخص أو لفكرة أو لعقيدة أو لوطن من خلال الشاب "سعد" الذي يفقد والديه ويربيه "عثمان باشا" دونما يعلم "سعد" أن عائله هو قاتل والده، والعمل من إخراج د. سمير سيف وبطولة النجم السوري أيمن زيدان ومصطفي شعبان وشيرين، وإلي نفس الحقبة التاريخية يعود مسلسل "ثورة وحكاية" الذي تدور احداثه في مصر في الفترة ما بين 1914 إلي 1920، وهي الفترة التي حفلت بأحداث الحرب العالمية الأولي وثورة 19 وصدور الدستور، وكفاح الشعب المصري ضد الاحتلال والتآخيي بين الدين الإسلامي والدين المسيحي عبر أحداث سياسية ومظاهرات كانت تعم البلاد والمسلسل تأليف هالة نعمان عاشور وإخراج وليد عبدالعال وبطولة فردوس عبدالحميد وطارق لطفي مع طارق الدسوقي وأحمد خليل. أما مسلسل "العائد" فتدور احداثه في الفترة من الاربعينيات حتي السبعينيات، من خلال بنت الباشا التي تقع في غرام "حربي" إبن الخولي الذي يعمل في عزبة الباشا ويستمر الصراع بين "أسرة الباشا" خصوصاً ابنه "عابد" المستبد وأسرة "الخولي" وابنه، ليستعرض العمل تطورات الاحداث السياسية والاجتماعية في المجتمع المصري آنذاك ، والصراع الأزلي بين الخير والشر، والمسلسل من تأليف يسري الجندي وإخراج محمد النجارو بطولة فتحي عبدالوهاب وياسرجلال مع رانيا فريد شوقي. وفي "وكالة عطية" الذين يخوض خلاله المخرج رأفت الميهي أولي تجاربة الدرامية من تأليف خيري شلبي تعود الاحداث إلي فترة الاربعينيات، وتحديداً عام 1943 في مدينة دمنهور من خلال استعراض نماذج البشر وأغلبهم من حرافيش وكالة عطية، حيث يرصد المسلسل أنماط الحياة وسلوكيات البشر داخل الوكالة التي هي الدنيا ويلقي العمل الضوء علي الطقوس الاجتماعية والانسانية للبشر في الكرة الارضية في قالب فانتازي إسطوري ممزوج بنوع من الكوميديا لتخفيف حدة الواقع المرير، ومساعدة المتلقي علي استقبال الرسالة التي يمررها العمل، والمسلسل بطولة حسين فهمي وأحمد بدير ومايا نصري مع رياض الخولي وأحمد عزمي. ولا يخلتف الأمر كثيراً في مسلسل "الفنار" الذي يتوقف عند العدوان الثلاثي علي مصر عام 56 من خلال شعب بورسعيد والمقاومة الشعبية الباسلة لصد هذا العدوان ورفض الاحتلال من خلال الشخصية الرئيسية العربي "مسعد" زعيم الفدائيين، الذي يفقد بصره في إحدي العلميات الفدائية ويعيش وسط اسرته التي اضطرت للهجرة للقاهرة أثناء العدوان وينجب "نورا" التي تحمل الكثير من صفات أبيها وحبه للوطن، وربما لهذا السبب تزوجت "يوسف" ضابط الصاعقة بالجيش المصري والعمل من تأليف مجدي صابر وإخراج د. خالد بهجت وبطولة أحمد راتب وحسن حسني وصابرين وروجينا. وتأخذ العودة إلي التاريخ شكلاً آخر في مسلسلات السيرة الذاتية سواء التي تتعرض للسياسة مثل مسلسل "ناصر" تأليف يسري الجندي وإخراج السوري باسل الخطيب الذي اختار مجدي كامل ليجسد شخصية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ويستعرض المسلسل هذه السيرة بداية من لحظة ميلاد عبدالناصر في قرية بني مر ودراسته الخاصة بالكلية الحربية والجيش المصري ودخوله حرس 48 وحصار الفالوجا وتكوين خلية الضباط الاحرار والتي مهدت للقيام بثورة 23 يوليو 1952، وتوليه رئاسة الجمهورية خلفاً لمحمد نجيب حتي رحيله في 28 سبتمبر 1970، ويستعرض العمل الاحداث السياسية والازمات والشخصيات التي كان لها تأثير في تلك الفترة كما يؤكد العمل علي شعبيته ليس في مصر فحسب بل علي مستوي العالم العربي بأسره بسبب دعوته للقومية العربية ودخوله في حروب مثل حرب اليمن عام 62، ومن قبلها الوحدة بين مصر وسوريا عام 58 والعمل يحمل إسقاطاً علي ماآل إليه العرب اليوم من وحدة وفرقة. وفي مسلسل "أسمهان" تتحول السيرة الذاتية إلي تاريخ للحياة الفنية والسياسية والاجتماعية من خلال الفنانة الراحلة "أسمهان" منذ ميلادها عام 1912 في جبل الدروز بسوريا ونشأتها مع أخويها فريد وفؤاد وأمها علياء المنذر ثم هروبها لمصر والتحاقها بمدرسة الراهبات بشبرا، وتعلقها بالغناء الذي تركت المدرسة من أجله وحياتها المليئة بالالغاز من حيث عملها مع المخابرات البريطانية في الحرب العالمية الثانية، ودخولها هذا العالم الخفي الغامض، وزواجها من ابن عمها الأمير حسن الاطرش الذي شغل منصب وزير الدفاع بسوريا مكافأة له علي الخدمات التي قدمها هو واسمهان لقوات الحلفاء قبل الانقلاب علي الحلفاء، والتعاون مع المخابرات الالمانية، وكان ذلك نذير شؤم عليها حيث بدأ التفكير في التخلص منها وكانت الفرصة مواتية عندما حصلت علي إجازة من تصوير فيلمها "غرام وانتقام" للذهاب لرأس البر فانحرفت بها السيارة لتسقط في الترعة وتلقي حتفها غرقاً يوم 14 يوليو 1944، والمسلسل من إخراج التونسي شوقي الماجري وتقوم بدور "اسمهان " السورية سلاف فواخرجي.. أما المسلسل التاريخي "علي مبارك" الذي كتبه محمد السيد عيد ويخرجه وفيق وجدي فيلقي الضوء علي احداث تاريخية مهمة بين مصر وتركيا جرت في عهد محمد علي باشا والخديو اسماعيل، حيث يبدأ المسلسل بتحطيم حلم محمد علي في تكوين امبراطورية كبري، وينتهي بالاحتلال الانجليزي لمصر وينتهزها فرصة ليرصد تأثير علي مبارك في تلك الفترة والمشروعات التي ساهم فيها، ويجسد شخصية "علي مبارك" كمال أبو ريا. وحتي المسلسل الديني "العارف بالله" الذي يرصد السيرة الذاتية للإمام عبدالحليم محمود يتوقف عند الاحداث السياسية في مصر والصراعات بين التيارات الدينية، ويجسد حسن يوسف شخصية العارف بالله، الذي تولي منصب وزير الاوقاف ثم شيخ الازهر وسعيه الدائم لخدمة الناس، ورعاية مصالحهم، وهو المفهوم الذي ظهر في اسهاماته لتجاوز آثار نكسة 1967 حتي تحقق النصر في 1973، وعلاقتة بزعماء العالم حيث استقبله الرئيس كارتر ورافقه إلي الكونجرس الامريكي والعمل كتب له المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار د. بهاء الدين إبراهيم وإخراج مصطفي الشال. الظاهرة كما تستدعي الدهشة، خشية أن تكون "موضة "كالتي حدثت في مسلسلات "الطرابيشي" تحتاج إلي وقفة لتحليل أسباب العودة إلي التاريخ لمعرفة ما إذا كانت رغبة في الهروب عن الواقع أم اسقاط علي ما يجري فيه من أحداث أم البكاء علي أطلال الماضي، والتغني بكل مافيه ، وكل الخوف أن يتحول الامر إلي "بارانويا" تلخص حالة مرضية من الحنين إلي الماضي بدلاً من الاستفادة بانجازاتنا خلال المستقبل، وليس الوقوع أسري للماضي وإلا كانت المصيبة كبيرة والكارثة فادحة.