عندما يقول مدير قطاع الانتاج بشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات بجرأة يحسد عليها ان "الدراما التاريخية تخاطب المثقفين وغالبا ما ينفض عنها الجمهور"! فان الوضع سواء موقع المتحدث أو ما ترمى اليه وجهة نظره، يصبح من الخطورة بمكان بحيث لا يمكن تجاهله! فالكلام يؤكد من ناحية أن الجهات الانتاجية تنتج هذه النوعية من الدراما إما تحت الضغوط المباشرة للقيادة الإعلامية أو "سد الخانة" فى الخطة الخاصة بالأعمال الدرامية مثلما يؤكد من ناحية أخرى ان القائمين على الانتاج ليست لديهم قناعة بجدوى هذه الدراما وهنا الخطورة الحقيقية، الأمر الذى يدفعهم إلى الاستهانة بها أو التقليل من أهميتها وايضا التحرش بابنائها، كما حدث مؤخرا عندما طالبوا أسرة مسلسل "على مبارك" بتقليص الحلقات إلى 20 ساعة بدلا من 25 ساعة ولو كانت الحلقات عن سيرة حياة احدى الراقصات لطالبوا المؤلف بالمزيد! يحدث هذا فى الوقت الذى يؤكد فيه الكاتب محفوظ عبد الرحمن ان القطاع الخاص بات يعرف قيمة الأعمال التاريخية لذا يسعى لانتاجها لكنه يدرك كيف يبحث عن الأعمال التى تحقق له الربح والمكسب ونظرا لأهمية هذه الدراما يسعى الانتاج الحكومى والخاص لانتاج أعمال تاريخية التى صارت لها جماهيرية كبيرة وطوال ال 15 عاما الماضية انتجت أعمال كثيرة نذكر منها: أم كلثوم - قاسم أمين - ملوك الطوائف أما أهمية هذه الأعمال فهذا أمر متفق عليه ولا مجال لمناقشته وصارت ميزانيات تلك الأعمال على قدر حجم العمل فهناك أعمال تحتاج ميزانيات ضخمة والبعض يحتاج لميزانيات قليلة.. والجدية فى انتاج الأعمال أهم شىء فإذا كانت الجهة الانتاجية لاتريد الانفاق على العمل فلماذا تضعه على خطتها؟ ويبدو إننا فى حاجة ملحة لمناقشة الدراما بوجه عام وتنظيمها لأنها تعانى "حالة فوضى" وعندما ينتج القطاع الخاص الأعمال التاريخية مستهدفا الربح فقط فهذا يجعلنا ننتبه إلى أنها تحتاج منا إلى اهتمام بقدر أكبر. وينفى الكاتب "يسرى الجندى" ما تردد بشأن الأعمال التاريخية التى ليست على قدر الأهمية مؤكدا قيمة الأعمال التاريخية التى تتبلور فى معناها الحقيقى لزيادة وعى الإنسان المصرى والعربى الأحوج ما يكون للفترة التاريخية التى يتكلم عنها العمل منوها إلى ان هذه النوعية من الأعمال تجعلنا نسترد الوعى لحقبة من الزمن وهذه وحدها الوسيلة الحاسمة لاسترداد ذاكرة الشعب المصرى والعربى وكوننا لا نعرف الطريق الصحيح لانتاجها مثلما يحدث فى "صوت القاهرة" أو قطاع الانتاج بالاضافة لعدم كتابتها بالشكل الصحيح أو عدم الانفاق عليها فهذه اعتبارات يجب ان تكون محل بحث فأهمية الدراما واضحة ومن يرى غير ذلك ليس له لازمه فى صناعة الفيديو المصرى وهم أنفسهم الذين يتحملون مسئولية ضعفنا فيها بحيث وجدنا من تفوق علينا فيها لأنهم احترموا هذه المنطقة من الدراما قدموا ابداعا فنيا حقيقيا وفى ظل ما يمر به الواقع المصرى والعربى من ظروف سيئة للغاية تصبح الحاجة ملحة لانتاج أعمال درامية نستعيد معها انتصاراتنا ونجاحاتنا. أما الكاتب محمد أبو العلا السلامونى فيرى أن الأعمال التاريخية لها دور قومى لا يمكن أن ينكره أحد أو ينكر أهميته ويصفها بأنها "ذاكرة الأمة"، والحافز القوى والمهم لتربية النشء على هدف قومى وحب الوطن، واستعادة الانتماء المفقود وهذا هو الدور المنوط بأجهزة الدولة من وزارة إعلام وثقافة وتعليم واهتمام بالنشء القيام به لبناء المواطن وهى مهمة لا ينبغى أن نتركها للقطاع الخاص لأن همه الوحيد دائماً تحقيق الربح المادى فقط ولا يعنيه التاريخ من قريب أو بعيد. بينما المطلوب من الجهات الحكومية أن ترصد الإمكانيات الضخمة لهذه الأعمال التاريخية وتزيد عدد ساعات الإنتاجية، كما حدث عندما قدمت حلقات وصلت إلي 60 حلقة فى مسلسل "نسر الشرق صلاح الدين" وقدم على موسمين رمضانيين عامى 1999، 2000 إخراج حسام الدين مصطفى وكنا نجهز لعمل آخر بعنوان "محمد على باشا" لكن حتى الآن لم يتم تنفيذه بعد رحيل حسام الدين مصطفى وتوقف المشروع لعدم وجود جهة إنتاجية تتحمس لإنتاجه نظرا لضخامته، فالأعمال التاريخية تحقق عائداً كبيرا، ليس مادياً فحسب بل معنوياً، من خلال تربية النشء علي أسس صحيحة، كما يعود علي المجتمع بأهمية كبرى وهو عمل له رسالة وهذا هو المكسب الحقيقى لأن التاريخ ليس سلعة لكى نتاجر به. ويقول المخرج د. شرين قاسم منذ عشر سنوات ونحن نعانى بكل أسف من النظرة المتدنية للأعمال التاريخية وكأنها دراما من الدرجة الثانية والواجب ان تحظى الأعمال الدينية بنفس درجة الاهتمام والمعاملة بحيث ينفق عليها بسخاء. لكن الواقع اننا نتعامل بشكل غريب مع العمل التاريخى ولا يلقى الاهتمام الكافى من جانب الدولة واذكر اننى عندما قدمت عمل "الإمام الشافعى" كان ينتج بنظام المنتج المشارك وكانت النتيجة ان بخلت الجهة الانتاجية عليها وكل ما اطالب به لا أجده، فمثلا طلبت عشرة جمال حصلت على اثنين فقط، وحامل الكاميرا لم يأت وطلبنا تصحيح ألوان للصورة ولم يستجب لنا أحد، وعندما ابلغت الجهة المشاركة وكان قطاع الانتاج لم يهتم أحد"!" لان الأهم هو الحصول على نسبة المنتج المشارك دون الأخذ فى الاعتبار قيمة العمل نفسه لكننى فى النهاية اتحمل مسئولية النتيجة التى انتهى اليها المسلسل الذى عانيت فى كل مراحله، بدءا من استديو السيدة نفسية وهو عبارة عن هنجر كنا نسمع من خلاله أصوات الحيوانات بالخارج اضافة لكونه غير مكيف مما جعلنى أقسم ان هذا العمل سيكون آخر عمل تاريخى أو دينى أقدمه فى حياتى. ويقول المخرج هانى لاشين: لابد ان نفرق بين العمل التاريخى والسيرة الذاتية، التى بدأت تلقى اهتماما من جانب المشاهدين مؤخرا بينما العمل التاريخى يتكلم عن حقبة زمنية بعينها وعموما لابد لتلك الأعمال ان تقدم بالشكل اللائق من دون النظر للساعات الانتاجية والأهم ألا يكون هناك مط أو تطويل وتاريخ مصر ملىء بالأحداث التاريخية التى تستحق ان نقدمها على الشاشة ولو حظيت الأعمال التاريخية باهتمام تستحقه سنقدم للاجيال المعاصرة وجبة مهمة لأننا نحن نمتلك الامكانات المادية والبشرية لكنها لا توضع فى مكانها الصحيح وإذا كانت مصر قد انتجت فى الستينيات "الناصر صلاح الدين" فمن غير المعقول اننا بعد "50 عاما" نصبح غير قادرين على الانتاج بنفس المستوى بل أفضل؟! أما المخرج ممدوح مراد فيقول: منذ فترة طويلة ونحن نعانى من تأخر وتراجع الأعمال التاريخية مقارنة بالشركات الانتاجية السورية التى تنفق بسخاء بينما جهاتنا الانتاجية الثلاثة غير مهتمه بالأعمال التاريخية بعكس الماضى عندما كان هناك اهتمام بهذه النوعية من الدراما، فقدمت أنا والراحل أحمد طنطاوى العديد منها التى نراها الآن لكن انتاجها انقرض بعد ان أصبح الانتاج دون المستوى واذكر عندما اخرجت مسلسل "سيف الدولة الحمدانى" اننى حصلت على الجائزة الذهبية بينما نال العمل خمس جوائز فى الديكور والازياء وعانيت حتى خرج ذلك العمل، الذى كتبه الشاعر عبد السلام أمين، بشكل أرضى عنه لكن يبدو ان هناك قرارات سرية بعدم الاتجاه إلى انتاج الأعمال التاريخية فنحن نعانى كثيرا إذا فكرنا فى خوض تجربة كهذه، سواء فى المعارك وتجاهل توفير الأشخاص المدربين اضافة إلى غياب المتخصصين جريا وراء توفير الميزانية مما يضطرنى لعمل المعارك بنفسى بالاضافة إلى "دلع" الممثلين وعدم تفضيلهم الأعمال التاريخية خوفا من التعرض للشمس والأحوال المناخية والتصوير فى الصحراء والأجور الأفضل للدراما الاجتماعية.