انتشر عبر المقالات النقدية السورية التي تري أن الدراما المصرية لم تعد تتبوأ عرش التألق والريادة، وإلا لما كانت قد لجأت إلي أكثر من 30 فنانًا ومخرجًا وفنيا سوريا لإنقاذ المسلسلات المصرية من الفشل، حيث حل هؤلاء جميعًا مكان الفنانين والمخرجين والفنيين المصريين، لنفخ الروح في الفن المصري الذي بات -علي حد قولهم- خاليا من الإبداع، وإن السبب الأساسي في هذه الظاهرة هو محاولة رفع أسهم الدراما المصرية، ليس بجهود أبنائها، وإنما عن طريق جذب النجوم والمخرجين السوريين المتميزين.. وفي الحقيقة أن هذا الهجوم الذي ارتفعت نبرته في الأيام الأخيرة يحتوي علي الكثير من المغالطات، لأن مصر لها دورها الحضاري يحتم عليها أن تفتح أبوابها لكل الفنانين العرب، ولا يوجد أحد يؤمن بإغلاق النوافذ الفنية المصرية في وجوه الأشقاء، ولكن أن يتم دعمهم ثم نفاجأ بأن حسن الضيافة المصرية ينقلب عليها إلي هجوم، فهذا مالا نرضاه، لأن الفنانين القدامي مثل فريد الأطرش وأسمهان وصباح لم يصاحب ظهورهم في الوسط الفني المصري حملات شرسة أو تسريبات إعلامية من هذا القبيل، ولم يأتوا إلي مصر وهم يرفعون شعار التحدي وضرب ثوابت الفن المصري ورموزه، وإنما دفعهم حب الفن إلي الوصول إلي أكبر قاعدة من الجمهور، وكانوا يرددون أن الانطلاق الفني من مصر هو الطريق المؤدي إلي كل العرب، من المحيط إلي الخليج. إن الدراما المصرية خلال هذا الموسم هي الأغزر إنتاجًا والأنضج في المستوي الفني سواء من ناحية الأداء التمثيلي للفنانين أو براعة الأفكار وتفوق المخرجين، ودخول النجوم السوريين للعمل فيها ما هو إلا مطلب يتحكم فيه المنتجون الذين يبحثون عن الفنان الأقل أجرًا، فالعبرة هنا ليست بالقدرات الفنية بقدر ما تتعلق بضغط تكاليف الإنتاج ودفع القافلة التي تتعثر بفعل الأزمة الاقتصادية حتي تسير، وهناك دلائل واقعية علي ذلك من الأعمال التي يتم عرضها حاليا، ويأتي في مقدمتها مسلسل أنا قلبي دليلي الذي تقوم ببطولته صفاء سلطان، ويخرجه محمد زهير رجب، فماذا سيكون عليه الحال لو كانت البطلة نجمة مصرية والمخرج أيضًا، بالطبع ستقفز ميزانية الإنتاج إلي الضعف، أي أن اللجوء للفنانين السوريين وغيرهم ليس بدافع فني، وإنما إذاعانًا للأزمة الاقتصادية. وإذا نظرنا إلي صفاء سلطان سنجد أنها تفتقد إلي كاريزما النجومية، وتظهر كممثلة منطفئة الوهج، ولا تمتلك حضور ليلي مراد علي الشاشة، بل أفلتت منها زمام الشخصية، وانشغل المخرج محمد زهير رجب عنها بتقديم دراما تسجيلية ذات إيقاع ممل وبطيء، وهذه هي الأزمة الحقيقية للدراما التليفزيونية في سوريا التي تتأرجح بين الطابع السينمائي ومشاهد الفيديو، فماذا قدم محمد زهير رجب وصفاء سلطان للدراما المصرية لكي ينقذاها؟ بل بالعكس عملا علي دعمها بالعيوب، والوحيد الذي نجح في هذا المسلسل هو عزت أبوعوف في تجسيد شخصية زكي مراد ويبقي أن نؤكد أن مسلسلات السير الذاتية تنجح من خلال تقديم روح الشخصية للمشاهدين، ولو فقد الممثل هذه الروح لما استطاع أن يجذب انتباه الجمهور، ولا يمكن أن أتخيل أن ليلي مراد التي صنعت مجدها في 15 عامًا واعتزلت وهي في سن ال32 تكون بهذا الحضور الباهت الذي قدمته صفاء سلطان. أما باسم ياخور في حرب الجواسيس بدا أقل ذكاء ومكرًا ودهاء وأكثر انفعالاً وغضبًا بصورة تصل إلي السذاجة، علي الرغم من أنه يمثل بصورة جيدة، إلا أن هذا التمثيل يسير في الاتجاه الخاطئ بعيدًا عن الشخصية التي يؤديها ولم ينجح في أن يوصل إلينا الشعور بالتركيبة النفسية لليهود. وإذا كان ذلك هو صدي الفنانين السوريين في الدراما المصرية خلال شهر رمضان فإن هناك سببًا آخر لزحفهم تجاهها وهو انخفاض الإنتاج السوري من المسلسلات ونتيجة لعدم استيعابهم في بلدهم كان هناك توجه عام منهم بالإقبال علي الدراما المصرية التي يلقون في كواليسها حفاوة كبيرة، وليس صحيحاً ما يروجه البعض بأن هناك حالة عداء من المصريين لأن التصوير يجري تحت سمع وبصر وسائل المتابعة في الصحافة الفنية ولم يشر أحد لوجود هذا النوع من العداء بل يكشف البعض أحياناً عن نفسنه النجوم السوريين في التعامل ولا يوجد موقف واحد يؤكد التعرض للفنانين السوريين من قبل فنانين مصريين. أبناء الدراما المصرية إن رفع أسهم الدراما المصرية لا يتم بواسطة النجوم السوريين وكوادرهم الفنية من مخرجين وفنيين بل يأتي ذلك علي يد أبنائها من الفنانين المصريين الذين قدموا هذا العام ستة أضعاف المسلسلات السورية وهم نجوم لهم وزنهم سواء في الأداء الدرامي أو الكوميدي وما النجوم السوريون بجوارهم إلا مثل النواة التي تسند الصرح الكبير ومن هؤلاء الرموز والأعلام يحيي الفخراني ونور الشريف ويسرا وإلهام شاهين وحسين فهمي وفاروق الفيشاوي. ودخل أحمد عز سباق الدراما بمسلسل الأدهم ليرفع أسهم الدراما المصرية كواحد من فرسان التمثيل والنجومية في جيل الشباب ليس له نظير في الدراما السورية فهو يجمع كل مقومات النجومية من النضج إلي التألق وتنطبق عليه كل مواصفات الفتي الأول وكأنه يستكمل السلسلة متصلة الحلقات والتي ضمت رشدي أباظة وحسين فهمي وأحمد رمزي ليؤكد أن الفن المصري بناء مكتمل الأدوار. وقد سعدناً جميعاً بحسن الرداد في مسلسل ابن الأرندلي الذي جسد شخصية ابن يحيي الفخراني في المسلسل وتميز أداؤه بالبساطة والعمق والحضور المدهش أمام الكاميرا لأنه جمع بين التمثيل المقنع والروح الكوميدية اللذيذة وكأنه نسخة بالكربون من ملامح شخصية والده المحامي الذي يلعب بالبيضة والحجر ونجح الرداد في أن يوصل إلينا إحساسه وتعبيرات وجهه المليئة بالدهشة والقلق والاستغراب وردود الفعل الصامتة تجاه مؤامرات يحيي الفخراني ضد النساء، لقد أكدنا من قبل أن حسن الرداد سيكون أحد الجانات المؤثرة في الدراما والسينما خلال الأعوام المقبلة لأنه بدأ قويا من أول مشاهد في فيلم احكي يا شهرزاد. أما باسم السمرة في هالة والمستخبي حيث التلقائية ومعايشة الدور بكل تفاصيله وإجبار المشاهد علي التركيز معه لأنه ينتقل من التراجيديا إلي الكوميديا بسلاسة وما بين هذه وتلك يشد الانتباه بنوع من الحميمية والألفة ولا يمكن أن تجد فيه جمود وصلابة أداء الممثل السوري فهو يتجاوز الأداء التقليدي ليدخل في منطقة الإبداع، فهل خرج باسم السمرة من حساب النقاد السوريين ليدعوا أن الإبداع الفني المصري لم يعد له أبناء؟! أم نسوا النجوم والنجمات في مصر مثل صلاح عبدالله ومحمد رمضان ومنة شلبي وسمية الخشاب وغادة عبدالرازق وغيرهم الكثير أما الدراما السورية فهي التي توقفت عن تقديم نجوم جدد وانحصرت في عدد محدود من الأسماء لا يكاد يتجاوز أصابع اليد الواحدة مما يؤكد أنها الوحيدة التي تحتاج لفرقة إنقاذ. الإخراج شهدت الدراما المصرية خلال هذا الموسم أيضا زحف عدد كبير من المخرجين السوريين مثل رشا شربتجي في مسلسل ابن الأرندلي وباسل الخطيب في مسلسل أدهم الشرقاوي ورضوان شاهين في مسلسل علشان ماليش غيرك ومحمد زهير رجب في مسلسل أنا قلبي دليلي ولم يكن الاستعانة بالمخرج السوري في المسلسلات المصرية مكسبا لها لأن هذه الأعمال تعاني من الضعف الفني وتسقط في دائرة التطويل والاهتمام بالصورة أكثر من التركيز علي طبيعة وانفعالات الأشخاص لأن المخرجين السوريين يهتمون بأجواء المكان وخلفيته وطريقة الإضاءة به علي حساب عنصرين مهمين لا يمكن أن يتخلي عنهما المشاهد المصري الأول هو الحكي والتشويق والثاني هو سرعة إيقاع الأحداث، وهذا ما أغفله رضوان شاهين في مسلسل علشان ماليش غيرك حيث تتحرك الأحداث ببطء وملل وتحكمها الرتابة في أغلب الأحيان ولم يكن عمله كمخرج بالمسلسل نوعاً من الإضافة بل انعكس سلباً علي العمل مما جعله يتعرض للانتقادات. باسل الخطيب قدم رؤية سورية لأدهم الشرقاوي أما باسل الخطيب فقد قدم رؤية سورية لأدهم الشرقاوي افتقدت للحس الشعبي المصري مما جعلها بعيدة عن الدفء والحميمية التي قدمهما الفيلم واحتفظ بهما الجمهور في ذاكرته الوطنية فلم يكن هناك مبرر للأخطاء التي وقع فيها من ناحية اختيار الكاست وخاصة دوللي شاهين التي لم تكن مقنعة في دور ابنة العمدة وبدت في كل الأحيان خارج السياق. وكما كان مسلسل ناصر متعثرا في العام الماضي جاء أدهم الشرقاوي علي نفس الخط من ناحية الإخراج والتصوير والأداء. أما سلاف فواخرجي وزوجها المخرج وائل رمضان والذي يتولي مهمة إخراج مسلسل آخر أيام الحب وهو المسلسل الوحيد الذي يتناول قضية امتزاج الشعبين المصري والسوري في كيان سياسي واحد إبان الوحدة بين البلدين التي حملت اسم الجمهورية العربية المتحدة وقد حاول الكاتب هاني السعدني أن يلمس وتر التقارب بين الشعبين ولكنه لم يقدم شيئا جديدا علي مستوي الأحداث حيث بدت القصة التي يقوم ببطولتها ياسر جلال وسلاف فواخرجي علي قدر كبير من النمطية والسذاجة فهي تسلط الضوء علي الجوانب العامة من خلال تتبع قصة المرأة الهاربة من جريمة تظن أنها قتلت خلالها الشخص الذي حاول أن يعتدي عليها، وتعيش أسيرة هذا الوهم علي الرغم من أنه علي قيد الحياة، ولا يخلو المسلسل من الإسقاطات السياسية التي تدعم التميز والاختلاف بين الشعبين، ولكن التجربة علي مستوي الإخراج لم تصل إلي حدود الإبداع بل تحركت في إطار رتيب وتقليدي لا يختلف عن السمة الغالبة علي كل المخرجين السوريين. تراجع مخرجو سوريا أمام مريم عوف ومن ناحية أخري جاءت المخرجة مريم أبوعوف لتثبت بمسلسلها هالة والمستخبي موهبتها في أول تجربة لها، حيث بهرتنا باختيارها لمواقع التصوير والتركيز علي الخلفيات الحالمة الشفافة التي تعكس الواقع وتتسلل إليه بهدوء حتي قدمت عملا دراميا يستعير روح السينما، ولكن ذلك لم يؤثر علي سير وتتابع الأحداث والكشف عن انفعالات وردود الفعل النفسية للشخصيات بدون بطء ولا ملل ولا تعطيل للإيقاع الزمني، هي تجاوزت كل عيوب الدراما السورية، وقفزت أمام كل التجارب لتقدم عملا فنيا غنيا بالقدرة علي الإبداع. هاني السعدي قدم دراما مستهلكة وتامر حبيب قدم عملا غنيا بالرومانسية ولم يقع تامر حبيب في الخطأ الذي وقع فيه هاني السعدني خلال مسلسل آخر أيام الحب أي لم يقدم تجربة ميلودرامية ساذجة تم استهلاكها طوال تاريخ الأفلام والمسلسلات وإنما قدم في مسلسل خاص جدا عملا غنيا بالروح الرومانسية التي افتقدناها ودعم المسلسل بقصة رئيسية تشد إليها العديد من الحكايات التي تتفرع عنها لنجد أننا في النهاية أمام سيمفونية درامية مرهفة تعزفها يسرا تمثيلا وإبداعا طوال شهر رمضان. قدمت الدراما المصرية هذا العام ما لم تقدمه من قبل، فأي الدول قد حشدت هذا الأسطول من المبدعين غير مصر. تعدد جهات الإنتاج الريادة المصرية في الدراما ليست نابعة من رافد واحد هو تعدد النجوم وكثرتهم وإنما تستمد قوتها من عوامل كثيرة لا تتوافر للدراما السورية وأهمها تعدد جهات الإنتاج مثل مدينة الإنتاج الإعلامي وقطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري بالإضافة إلي شركات الإنتاج المصرية الخاصة واعتمادها علي التمويل الذاتي وليس علي الدعم المالي من فضائيات دول الخليج، كما أن الدراما المصرية تعتمد علي كيان ضخم من الكتاب والمؤلفين والفنيين يديرون صناعة ضخمة تقاس بمئات الملايين وهم في كل ذلك يسعون للتطوير والتجديد فكل عام تغيير الدراما وجهها المضيء بوجه آخر أكثر تألقا وإمتاعا ، إن الريادة هي منطق المصريين في النجاح والانتشار أما الصيد في الماء العكر وإلقاء الاتهامات وخلق الصدامات بدافع الغيرة الفنية فلا يكون له مع النجاح مجال لأنك عندما تبحث عن عدد المسلسلات السورية الناجحة في رمضان لن تجد إجابة علي هذا السؤال!